Close ad

تجارة التجزئة.. قراءة استراتيجية للأهداف الاقتصادية

1-8-2021 | 12:12
تجارة التجزئة قراءة استراتيجية للأهداف الاقتصاديةمهند عدلي

تاريخيًا ارتبطت قوة الحضارة الفرعونية بقدراتها التجارية وهو ما يظهر في توثيق الرحلات التجارية البحرية مع بلاد بونت ( الصومال والقرن الافريقي حاليا) و رحلاتها البرية شمالًا وشرقًا وغربًا مع بلاد الامازيج والاشوريين والكنعانيين مع اول ظهور للاسواق الداخلية في المدن الفرعونية الكبري مثل طيبة ومنف وغيرها.

موضوعات مقترحة

وارتبطت قوة قريش قبل الإسلام بايلافهم (رحلاتهم التجارية) مرتين كل عام شمالًا إلى بلاد الشام وجنوبًا إلى بلاد اليمن بالإضافة لكون اسواقها هي الاهم والابرز في منظومة التجارة الداخلية في شبه جزيرة العرب ومن الاكثرها شهرة كانت سوق عكاظ العامرة والمزدحمة علي مدار العام بكافة انواع البضائع والسلع وحتي الشعر والرقيق من كافة البلاد المحيطة.

وفي الحرب العالمية الثانية كان الهدف الرئيسي لغواصات الرايخ الثالث الالماني ضرب الاسطول التجاري البريطاني فقد كان هتلر يؤمن بان شل قدرة بريطانيا التجارية هو مقدمة هزيمتها العسكرية وهو مالم يستطع تنفيذه بسبب قوة البحرية الملكية البريطانية .

وفي العصر الراهن  كان لقطاع تجارة التجزئة المصري في أحداث ٢٥ يناير وفي عام كورونا الدور الأبرز في الوفاء باحتياجات المواطنين الأساسية دون إغفال بالطبع لأهمية أدوار القطاعات الأخرى...
ولكن ما أثار الفضول مرة أخرى هو تصدر رواد التجارة العالمية لقائمة أثرياء العالم وقائمة أقوى عشر شركات لعدة سنوات مضت حتى إن إحداها تخطت مبيعاتها في يوم واحد ١١ مليار دولار هذا بالاضافة لقدرة هذه الشركات علي تحقيق استدامة نمو لعشرات السنين... ويتزامن ذلك مع عدة تقارير دولية تضع القطاع التجاري كأحد أهم أسباب قدرة الدول التي تحدت كورونا علي تحقيق نسب نمو محترمة مقارنة بظروف التحديات القاسية ومنها تقرير البنك الدولي حول نسب النمو المحتملة لاقتصاديات دول الشرق الاوسط والتي اكد التقرير انها نجحت في مواجهة التحديات وتحقيق النمو اعتمادا علي قطاعات التجارة بأنواعها  _ الجملة والتجزئة التقليدية والتكنولوجية_ بالاضافة الي قطاعات الاتصالات والتكنولوجيا...

هذه المؤشرات لا يجب أن تمر مرور الكرام بل لابد من اعادة دراستها بشكل مختلف وفي إطار الأهداف الاقتصادية الاستراتيجية للدولة المصرية.

فإذا كان أهم الأهداف الراهنة هو استثمار نجاحات البرنامج الاقتصادي والانتقال بها من مستوى المؤشرات الكلية إلى مستويات الحياة اليومية للمواطنين فإن أفضل قطاع يمتلك قدرة الوصول المباشر إليهم هو القطاع التجاري بصفة عامة وتجارة التجزئة بصفة خاصة سواء في أشكالها التقليدية من الكشك ودكان الناصية او السلاسل الكبرى وحتى المنافذ الحكومية او في أشكالها الحديثة عبر الاون لاين والتطبيقات التكنولوجية.
فمن خلال قطاع تجارة التجزئة تضمن ليس فقط توفير الاحتياجات بل ايضا تمرير المزايا السعرية والنوعية عبر ملايين العمليات البيعية التي تتم يوميا وتتفاعل بشكل مباشر مع ملايين العملاء وأسرهم .

وإذا كان الهدف هو زيادة معدلات الاستثمار وما يتبعه من عوائد اقتصادية أهمها علاج حالات الركود التضخمي وزيادة فرص العمل وغيرها فإن القطاع التجاري بصفة عامة وتجارة التجزئة علي وجه الخصوص هو الأكثر طلبًا من المستثمرين الأجانب ونظرة سريعة علي خريطة القطاع في مصر سوف تثبت ذلك وتؤكد أن الاستثمار الأجنبي هو القائد في هذا القطاع وبنظرة أوسع سنجد أن السوق المصرية في هذا القطاع تقع علي رأس أولويات الكيانات الاستثمارية الكبرى سواء صناديق الاستثمار او الشركات التجارية بأنواعها وهو ما يعني أنها مؤهلة كليا لقيادة قاطرة الاستثمار وخاصة الاستثمار المباشر خلال الفترة القادمة وهذا بالطبع  بالتوازي مع قطاعي الاتصالات والتكنولوجيا.

وما سبق لا يجب أن يفهم منه أن ذلك تقليل من شأن القطاعات الأخرى فهذه نظرة قاصرة للأمور والصحيح أن قوة القطاع التجاري هي أهم أسباب تكوين قاعدة إنتاجية قوية في الصناعة والزراعة والخدمات في دورة متكاملة كلها تقوي من بعضها البعض مدعومة بسوق محلية قوية قوامها أكثر من ١٠٠ مليون عميل وأسواق إقليمية قوية مع نفوذ مصري بها مثل السودان وليبيا والعراق وسوريا وهي اسواق واسعة وذات طلب عالي مع توجهات سياسات اعادة الاعمار.

في ضوء هذه القراءة الاستراتيجية يجب أن تعمل الأجهزة المختصة والمؤسسات والغرف التجارية ومنظمات رجال الأعمال علي وضع تصور استراتيجي تقوده الدولة لتحقيق أعلى معدلات من العوائد المنظورة وغير المنظورة من دعم وتطوير القطاع التجاري وقطاع تجارة التجزئة علي وجه الخصوص ولا مانع من منح القطاع مزايا تفضيلية في الخدمات المصرفية وقنوات التمويل وتذليل عقبات الروتين وإتاحة فرص للتوسع الأفقي وزيادة الحوافز الجاذبة والمحفزة للمستثمرين الاجانب الذين يخططون للعمل في هذا القطاع او العاملين بالفعل في السوق المصرية ويخططون لتدشين عمليات توسع ضخمة رأسيا وافقيا وذلك حتى يستطيع هذا القطاع أن يقود قاطرة التنمية  ويحقق النجاح المأمول في أقل وقت ممكن وفق مخطط الاهداف الاقتصادية للدولة المصرية .

مهند عدلي

كلمات البحث
اقرأ أيضًا:
الأكثر قراءة