ثانياً: أحداث التوتر أو العنف ذي الطابع الطائفي

9. وقعت أحداث عنف بين مسلمين ومسيحيين بقرية   الرحمانية التابعة لمركز نجع حمادي بمحافظة قنا في يوم 19 يوليو 2008. وقد بدأت الاشتباكات بعد أن نشب شجار على خلفية اعتراض أحد المسلمين على قيام مسيحي بصف سيارته أمام منزل المسلم. وقد تطور الشجار إلى احتشاد عدد من المسلمين الذين اقتحموا منزل المسيحي واعتدوا بالضرب على أسرته، مما أدى إلى تعرض سبعة منهم لإصابات جسدية من بينهم امرأتان، وتدمير سيارة وسرقة وإتلاف بعض الممتلكات. كما أشارت تقارير صحفية إلى إصابة اثنين من المسلمين في الاشتباكات. واتهم المصابون المسيحيون إمام المسجد الملاصق لمنزلهم بالاشتراك في تحريض مسلمي القرية على الاعتداءات.

وفي شهاداتهم لباحثي المبادرة المصرية للحقوق الشخصية شكا المصابون وشهود العيان الأقباط من تباطؤ الشرطة في الوصول إلى موقع الاعتداءات رغم إخطارهم فور بدء الشجار ورغم قرب قسم الشرطة من الموقع. كما ذكر الضحايا أنهم تعرضوا لضغوط من قبل الشرطة للتنازل عن المحضر الذي كانوا قد قاموا بتحريره ضد المعتدين، وأن الشرطة قامت باحتجاز اثنين من المصابين الأقباط للضغط على أسرتهم لتوقيع محضر الصلح. كما أجبرت الشرطة الأسرة المسيحية على المضي قدماً في إقامة حفل زفاف لإحدى بناتهم كان مقرراً أن يتم في اليوم التالي للاعتداءات، وتم عقد القران داخل كنيسة القرية بحضور القيادات الأمنية والأسرة المسلمة المتهمة بالاعتداءات. 

10. في يومي 20 و21 يوليو 2008 تعرض عدد من الأقباط المقيمين بعزبة بشرى الشرقية، التابعة لمركز الفشن بمحافظة بني سويف، لاعتداءات مجهولة المصدر على أراضيهم أسفرت عن إتلاف محاصيلهم وإشعال النار في منزل أحدهم. ووفقاً للتحقيقات الميدانية التي أجراها باحثو المبادرة المصرية للحقوق الشخصية في العزبة فقد وقعت الاعتداءات على خلفية اعتراض مسلمي العزبة على قيام مطرانية الأقباط ببني سويف بشراء قطعة أرض من قبطي ـ كان بدوره قد اشتراها قبل عام من أحد المسلمين ـ وتعيين كاهن لإقامة الصلوات المسيحية بمنزل مقام عليها، وذلك في ظل عدم وجود كنيسة بالعزبة لخدمة قرابة 100 أسرة مسيحية مقيمة فيها. وقد تم تحرير محاضر ضد مجهولين بمركز شرطة الفشن بشأن إتلاف المحاصيل بالأراضي المملوكة لكل من معوض سامي فؤاد، وسلامة رزق فام، وميخائيل وهبه خليل، وإميل صادق خليل، وعبد الملك عياد عبد الملك. كما تم تحرير محضر بشأن الشروع في حرق منزل كامل رزق خليل من طرف مجهول. ولم ترد معلومات حول قيام الشرطة بتوقيف أي مشتبهين في هذه المحاضر حتى صدور هذا التقرير في أكتوبر 2008.

وقد أصدر حزب الوفد بياناً بشأن الأحداث نشرته صحيفة الوفد اليومية في 14 أغسطس 2008، طالب فيه محافظ بني سويف والسلطات الأمنية "باتخاذ الإجراءات الفورية لفض النزاع بين الطرفين تحسباً لاندلاع حوادث العنف."

يذكر أن السور الفاصل بين الأرض المملوكة للمطرانية والأرض الزراعية المتاخمة لها قد تعرض للهدم في يوم 18 يوليو 2008. وذكر القس إسحاق قسطور المقيم في العزبة لباحثي المبادرة المصرية أنه قام بعدها بتحرير محضر اتهم فيه المالك السابق للأرض بالتعدي على السور. وبعد العرض على النيابة والتحقيق في المحضر عقدت الشرطة جلسة صلح عرفية للتأكد من عدم التعرض مرة أخرى للأرض، وتنازل الكاهن بعدها عن المحضر. إلا أن الاعتداءات على أراضي الأقباط بدأت بعد توقيع محضر الصلح ببضعة أيام.

11. تم رصد بوادر لاحتكاكات طائفية في مركز أطفيح بمحافظة الجيزة خلال شهر يوليو بين كل من سكان قرية دير الميمون ذات الأغلبية المسيحية والسكان المسلمين في عزبة الحجارة المتاخمة لها. ووفقاً لأهالي القرية فقد بدأت الاحتكاكات عندما قام سكان عزبة الحجارة بوضع يدهم على قطعة أرض فضاء مملوكة للدولة تقع على حدود قرية دير الميمون. يذكر أن قرية دير الميمون يقع بها دير الجميزة الأثري الذي تعتبره المصادر التاريخية أقدم أديرة العالم.

12. ذكرت صحيفة البديل اليومية المستقلة في عدد 2 يوليو 2008 أن قاضي المعارضات بمحكمة شمال الجيزة أصدر أمراً بإخلاء سبيل المتهمين في حادث شجار وقع بين مسلمين ومسيحيين في منطقة إمبابة بالجيزة في مارس 2007 أسفر عن مقتل رجل مسيحي وابنه. وقال أحد أقارب القتيلين لباحثي المبادرة المصرية للحقوق الشخصية إن المتهمين ـ الذين لا توجد تقارير دقيقة بشأن عددهم ـ قد تم إخلاء سبيلهم بكفالة قدرها 500 جنيه ولم تتم إحالتهم للمحاكمة حتى الآن رغم مرور أكثر من عام على وقوع الجرائم.


13. نشرت صحيفة المصري اليوم اليومية المستقلة في عدد 17 أغسطس 2008 تقريراً بشأن مشاجرة نشبت بين مسلمين ومسيحيين بمنطقة شبرا الخيمة في 15 أغسطس. ووفقاً لتقرير الصحيفة فقد تلقى قسم ثان شبرا الخيمة بلاغاً "بنشوب مشاجرة بسبب لعب طفلين مسيحيين الكرة أمام جراج يمتلكه سعيد ومحمد محمود مدكور اللذان طلبا منهما اللعب بعيداً بعد كسرهما زجاج سيارة فلم يمتثلا، فسبهما صاحب الجراج وذهب الطفلان إلى أسرتهما وأخبروها بما حدث.. وعلى إثر ذلك توجه شقيقا الطفلين وهما أيمن وصفوت يوسف إسحق لمعاتبة صاحبي الجراج فنشب بينهما مشاجرة حطم على إثرها المسيحيون زجاج 3 سيارات في الجراج، وتمكن رجال المباحث من السيطرة على المتشاجرين وتحرر محضر، غير أن الطرفين تصالحا أمام مدير نيابة قسم ثان." 

14. في مساء يوم 24 أغسطس 2008 وقعت أحداث عنف بين مسلمين ومسيحيين بقرية دير البرشا، التابعة لمركز ملوي بمحافظة المنيا. وذكر القس يوسف إبراهيم بكنيسة العذراء بالقرية لباحثي المبادرة المصرية للحقوق الشخصية أن شجاراً قد نشب بين مسلم ومسيحي على خلفية عدم استطاعة أحدهما تمرير ماشيته عبر طريق اعترضته سيارة الآخر، وتطور النزاع إلى تراشق بالحجارة بين الطرفين أدى إلى إصابات طفيفة. بينما ذكر تقرير نشرته صحيفة الدستور اليومية المستقلة في عدد 26 أغسطس رواية أخرى للحدث أرجعت الشجار إلى خلاف على حدود الأرض الزراعية بين عائلتين. كما أورد تقرير الصحيفة أن العائلتين تبادلتا إطلاق النار مما أدى إلى إصابة كل من "محفوظ عبد العليم وابنه نصر ماجد رزق يونان وناجح متى يونان وابنه شنودة وماجد تيانون يونان." وقد قامت قيادات محلية مسلمة ومسيحية بعقد جلسة صلح بين الطرفين الذين قاما بتوقيع محضر الصلح بنقطة الشرطة في القرية.

15. في فجر يوم 19 سبتمبر 2008 تعرض مبنى كنيسة قديمة تابعة لطائفة الروم الأرثوذكس بمدينة رشيد التابعة لمحافظة البحيرة لهدم أجزاء منه بالبلدوزر. وقد قام القس لوقا أسعد عوض راعي كنيسة مارمرقس بالمدينة ـ والتي تتبع طائفة الأقباط الأرثوذكس ـ بتوجيه الاتهام إلى القاضي محمد مصطفي تيرانلي وابنيه وكيلي النيابة بهدم جزء من مبنى كنيسة الروم، إضافة إلى الاعتداء على حارس الكنيسة بالضرب، وإتلاف أيقونات ورفات لقديسين داخلها، وذلك على خلفية نزاع حول ملكية الأرض التي تقوم عليها الكنيسة وعدد من المحلات المجاورة لها. وقال شهود عيان لباحثي المبادرة المصرية للحقوق الشخصية إن الاعتداء على الكنيسة القديمة قام به قرابة أربعين شخصاً يقودهم القاضي وولداه. وقد قامت الشرطة بالقبض على ثلاثة أفراد متهمين بالاشتراك في الاعتداء وإحالتهم إلى نيابة رشيد الكلية التي تتولى التحقيق في البلاغ. ولم تتم إحالة القضية إلى المحاكمة حتى وقت صدور هذا التقرير. كما قام القائمون على الكنيسة بتقديم شكوى ضد القاضي بإدارة التفتيش القضائي بوزارة العدل.

ويظهر من الوثائق القانونية التي حصل عليها باحثو المبادرة المصرية للحقوق الشخصية من طرفي النزاع أن طائفة الروم الأرثوذكس كانت تقيم الصلوات بمقر الكنيسة لعدة عقود حتى منتصف الخمسينيات. وقد هجرت الطائفة مدينة رشيد بعدها وأُغلقت الكنيسة حتى قام القاضي بشرائها من الطائفة في عام 1990. غير أن هيئة الأوقاف المصرية تدخلت في ذلك العام باعتبار أن الأرض كانت في الأصل وقفاً باسم (وقف سيدي داود باشا الخيري)، ووضعت الأرض تحت إشرافها، بما في ذلك مبنى الكنيسة وأربعة عشر محلاً تجارياً على الأرض المتنازع عليها، أغلبها يستأجره مسلمون. ودخل القاضي منذ عام 1990 في نزاع قضائي مع هيئة الأوقاف بشأن ملكية الأرض، انتهى بحصوله على أحكام قضائية نهائية بتملك الأرض وطرد مستأجري المحال التجارية.

غير أن الكنيسة القبطية اعترضت على عقد البيع استناداً إلى اتفاق تقول الكنيسة إنها عقدته مع طائفة الروم الأرثوذكس يقضي بأيلولة أي كنائس تهجرها طائفة الروم إلى طائفة الأقباط لإقامة الشعائر الدينية فيها. وقد قامت الكنيسة بالفعل بتعيين قس قبطي بدأ في إقامة الصلوات داخل الكنيسة القديمة قبل أربعة أشهر من وقوع حادث الاعتداء. كما تقول الكنيسة القبطية إن قرار البيع يخالف النظام العام، استناداً إلى فتوى صادرة عن مجلس الدولة في نهاية التسعينات بعدم جواز التصرف بالبيع والشراء في أي مكان يستخدم لإقامة الصلوات باعتباره من الأوقاف.

وعلى الجانب الآخر يؤكد القاضي الذي قام بشراء الأرض أن المبنى لا يعد كنيسة، وأنه تحول إلى مبنى مهجور منذ تركته طائفة الروم الأرثوذكس. كما اتهم القاضي الأقباط القائمين على الكنيسة بهدمها تمهيداً لإعادة ترميمها ككنيسة قبطية، ونفى أية مسئولية له عن الاعتداء أو تواجده أثناء وقوعه. وأشارت تقارير صحفية إلى أن الكنيسة القبطية وطائفة الروم الأرثوذكس عرضتا على القاضي رد المبلغ الذي دفعه مقابل شراء الأرض عام 1990 إضافة إلى تعويض يعادل نفس المبلغ مقابل إبطال عقد البيع. واستمر النزاع دون حل حتى صدور هذا التقرير في أكتوبر 2008.   

16. عادت التوترات الطائفية إلى قرية دفش ذات الأغلبية المسيحية والتابعة لمركز سمالوط بمحافظة المنيا في يوم 24 سبتمبر 2008، حيث نشبت مشاجرة بين مسلم ومسيحي قطع أحدهما الطريق بسيارته على سيارة الآخر، وأسفرت المشاجرة عن إصابة المسيحي ـ ويدعى شنودة ميلاد ـ بجرح في الرأس استدعى نقله إلى مستشفى سمالوط العام للعلاج. وتفيد المعلومات التي حصل عليها باحثو المبادرة المصرية للحقوق الشخصية من سكان القرية إلى أن بعض منازل الأقباط في منطقة يسكنها مسلمو القرية قد تعرضت عقب المشاجرة للقذف بالحجارة وتحطيم النوافذ بالعصي. وعقب وصول الشرطة قامت بالقبض على طرفي المشاجرة إضافة إلى الاعتقال العشوائي لعدد من شباب القرية من المسلمين والأقباط يقدر بقرابة خمسين فرداً.

وذكر أقباط مقيمون بالقرية أنهم تعرضوا عقب الأحداث لضغوط من الشرطة بغرض دفعهم للتنازل عن البلاغ الذي تقدموا به إلى الشرطة بشأن إصابة شنودة ميلاد. وأضافوا أن قوات الأمن لجأت في مواجهة رفض الأقباط التنازل عن البلاغ إلى القيام بحملات عشوائية لشرطة الكهرباء والبيئة والتموين ومصلحة الضرائب على المحال التجارية المملوكة للأقباط وتحرير مخالفات لأصحابها. كما فرضت الشرطة حظراً للتجوال داخل القرية تم رفعه بعد يومين. ولم ترد معلومات بشأن موافقة الأقباط على التنازل عن شكواهم حتى وقت صدور هذا التقرير.

يذكر أن قرية دفش كانت قد شهدت مظاهرة قام بتنظيمها مئات من الأقباط في يوم 5 يونيو 2008 أمام إحدى الكنائس بعد مصرع شاب قبطي بالقرية في اليوم نفسه. وصرحت مصادر أمنية وكنسية فيما بعد بأن أحد مسلمي القرية قام بطعن الشاب بالسكين في أحد الحقول انتقاماً منه لقيامه بالتلصص على منزل شقيق القاتل وزوجته. وبينما تم القبض على المتهم بالقتل وإحالته للمحاكمة فقد عُقدت جلسة صلح عرفية بعد قرابة أسبوع من الحادث، وافقت فيها أسرة القاتل على دفع دية لأسرة القتيل. وفي يوم 5 أكتوبر 2008 أصدرت محكمة جنايات المنيا حكماً على الجاني بالحبس لمدة سنة مع إيقاف التنفيذ. 

17. في 24 سبتمبر 2008 نشرت أربعة أديرة إعلاناً في الصحف بشأن اعتذارهم عن استقبال الزيارات والرحلات في المدة من 24 سبتمبر وحتى 14 أكتوبر. وذكرت تقارير صحفية عدة أن الأديرة الأربعة ـ وهي دير القديس الأنبا بيشوي ودير السريان ودير البراموس بوادي النطرون، ودير مارمينا بمريوط ـ قررت إغلاق أبوابها خلال هذه الفترة بعد أن نشرت مواقع إلكترونية تهديدات بضرب الأديرة القبطية في مصر. ولم تصدر أية تصريحات رسمية بشأن هذه المسألة. وصرحت قيادات كنيسة بأن التهديد باستهداف الأديرة جاء نتيجة تصريحات للواعظ الإسلامي زغلول النجار ادعى فيها أن لديه معلومات بشأن مصرع السيدة وفاء قسطنطين، وهي زوجة قس قبطي أعلنت إسلامها في عام 2004، مما فجر احتجاجات قبطية غير مسبوقة، قبل أن تتراجع عن الإسلام أمام النيابة العامة وتختفي من وقتها. وأعلنت مصادر كنسية أن وفاء قسطنطين تعيش في أحد الأديرة منعزلة عن العالم، وأن قرار ظهورها - من عدمه - لنفي شائعات مصرعها يرجع إلى البابا شنودة شخصياً.