الصفحة الرئيسية
الجزيرة . نت الجزيرة الرياضية مركز الجزيرة الإعلامي للتدريب والتطوير مهرجان الجزيرة الجزيرة الإنجليزية
صالة لواحد
+ - أرسل الى صديق طباعة Share article
أفلام الزومبيز: نهاية السينما ام العالم
آخر تحديث : الاحد 26 ديسمبر 2010   15:00 مكة المكرمة

محمد رُضـــا

تختلف أفلام الزومبيز وآكلي لحوم البشر (كلاهما واحد بالفعل) اليوم عما كانت عليه قبل عدّة سنوات. في الخمسينات والستينات، ثم على نحو متفاوت بعد ذلك،  كانت عبارة عن رصد تخويفي لفيروس ينتشر بين الناس فيجتمع المعافون لصدّه.
منذ أن قام المخرج جورج أ. روميرو بتقديم فيلمه النيّر في هذا النوع والسابق لأوانه المحمّل بما هو أكثر من خوف وتخويف،  "ليل الأحياء الموتى" سنة 1968 وهذا النوع من أفلام الرعب صار حول الفيروس الذي ينتشر بين الناس فيجتمع المعافون للدفاع عن أنفسهم ضده. الاختلاف هو أن الأفلام السابقة كانت تحمل أملاً في انتصار مواجهة الأصحاء من البشر لتلك الزمرة التي أصيبت بطاعون المجاعة الأبدية، أما اليوم، فإن الأفلام تحمل في طيّاتها الاعتقاد بأن نهاية الإنسان فوق الأرض صارت وشيكة وبين أنياب الزومبيز إذ جل ما يستطيع المعافون فعله هو الاحتماء معاً كأي قلّة في موضع الخطر.
في أفلام جورج أ. روميرو التي استنسختها هوليوود أكثر من مرة بعد ذلك، هناك التعليق على الوضع الاجتماعي العام وكيف أن ما يدور على الشاشة متصل به على نحو وثيق. العنصرية، حرب فيتنام، المجتمع القائم على الاستهلاك، الإعلام الاستهلاكي، كلها رسائل موجودة في ذلك الفيلم وفوقها اليقظة الكبيرة من أن أميركا ليست البلد الآمن الجميل الذي كانت أفلام الأمس (مرعبة او غير مرعبة) تطرحه.
فقط بين قوسين أريد أن أذكّر أن أفلام الرعب والخيال العلمي في الخمسينات وحتى منتصف الستينات كانت تتحدث عن أميركا المهددة بالغزو من الخارج (كواكب أخرى غالباً). هؤلاء الغزاة أشرار يريدون تغيير المجتمع القائم. استبدال القيم والأخلاقيات. هدم الحريات والديمقراطيات والاستيلاء على الروح المستقلة. أفلام روميرو، ومعها أفلام توبي هوبر (»مذبحة تكساس المنشارية«) و وز غرافن ("الهضاب لها أعين")  من بين آخرين قلة تحدّثت عن أن العدو في الداخل. الأمن البادي للأعين مظهري خادع. بعضها ربط بين شرور جماعاته القاتلة بما برهنت عليه الحرب الفيتنامية من هشاشة الطروحات الأخلاقية السابقة .
 
كبسولة سياسية
لكن ليست كل الانتقادات اليوم موجّهة ضد السياسة الأميركية او المجتمع القائم على أكل نفسه، بل هناك بعض الأفلام التي تنتمي الى فكر يميني يهدف الى تكوين حالة مضادة. مثلاً حين  قامت هوليوود قبل نحو ست سنوات  بإطلاق نسخة جديدة من فيلم روميرو القديم "فجر الموتى- الأحياء" من إخراج واحد عمل في الإعلانات طويلا أسمه زاك سنايدر فإن الرسالة السياسية التي حواها عابراً كانت كافية لكي تثير ملاحظة كيف أنها انتقلت من نقد أميركا إلى نقد العالم. إذاً من نقد الفضاء الى نقد أميركا إلى نقد المجموعات البشرية حول العالم.
في مقدمة النسخة الجديدة مشاهد من لقطات تلفزيونية أريد بها الربط بين موضوع الفيلم (خروج الموتى من قبورهم ومهاجمة البشر لأكلهم) وبين الأوضاع العدائية والشريرة حول العالم. وأول هذه المشاهد، وأقصرها، مشهد لجمع كبير من المصلّين وهم يهبّون للسجود كرجل واحد. قطع إلى مشهد آخر ثم آخر حتى نهاية المقدمة. بذلك يدرك المشاهد، عربياً كان أو منغولياً، أن الإسلام هو أحد أخطار الحياة الحاضرة (يؤيد ذلك بالطبع الحاصل حالياً). وأن هذه الفكرة قابعة في بال المخرج وأراد بثها لتدخل بال المشاهدين.


 كما ذكرت، فإن نسخة روميرو الأصلية من "فجر الموتى- الأحياء" (وقد أخرجها سنة 1978) كانت تحوي انعكاسات سياسية أساساً، لكنها كانت ضد النظام وليس ضد أنظمة أخرى.
أحصل على نسخة دي في دي  من ذلك الفيلم وراقب المشهد الذي يمارس البوليس عنفاً كلياً على البسطاء والأبرياء من الناس الساكنين في حارات فقيرة معتبراً إياهم زومبيز لمجرد إنهم من طبقة غير محمية. المشهد قصير لكنه كبسولة سياسية كاملة.
 الفارق الأساسي بين الأصل كما أخرجه روميرو وفيلم "الكربون" الذي حققه سنايدر يتبدى أيضا في الفصل الكبير الرائع الذي يحتوي على مشاهد دخول عدد من الموتى- الأحياء باحة "الشوبينغ مول" الداخلية حيث تحصّن بعض الأحياء ليدافعوا عن أنفسهم. في فيلم روميرو هناك فترة طويلة لا يحس بها الزومبيز بوجود الأحياء وهو يستغل هذه الفترة لإظهار هذه الجموع وهي تهيم ناظرة حولها كما لو أنها تكتشف المكان لأول مرة. الموسيقى التي عادة ما تصاحب مثل هذه المحلات حين كانت مفتوحة تدفع البعض منهم للرقص. أحد الأحياء الذين كانوا يراقبون ذلك تساءل عما يفعله الموتى، فكان رد الآخر إنهم يتذكرون أيامهم السابقة. لكن في طيّات هذه الذكرى، هناك المفهوم الذي كان بدأ قبل ذلك ويستجمع صورته هنا: إدانة مجتمع قائم على "الشوبينغ مول" وليس على الثقافة. هجوم الموتى على الأحياء بقصد أكلهم هو فعل انتقام لشعب اختلطت عليه الأمور.

حدث عند القبر
في فيلم زاك سنايدر الفصل كله يمضي سريعاً. هم المخرج هو إنجاز المشهد المدهش او المخيف التالي من دون فرصة لمراقبة بعد ما. لذلك دخول الموتى الشوبينغ مول يتم وسط كتل من القتلى ... وكل شيء حسب أصول التشويق الهوليوودي اليوم. كل الطعم السياسي الذي أوجده روميرو في ثلاثيته الرائعة تحوّل هنا إلى قطع تذاكر تشير إلى  الزاوية التي ينظر منها المخرج سنايدر الى العالم فإذا بالوباء المتفشي بين مئات ألوف  الأميركيين (حسب الفيلم) لا سمكاً اجتماعيا او اقتصاديا له، بل هو موازاة لنهاية العالم على أيدي أوبئة أخرى شبيهة الإسلام  واحد منها- حسب الفيلم.
إلى ذلك  فإن أحد أهم الفروقات هو أن الزومبيز في فيلم روميرو كان نتاجاً ممعناً به. كانوا يتحرّكون ببطء ويهمهمون. يفتكون بقوّة فقط حين الوصول الى الضحية. في اللقطات التي تصوّر أحدهم قادماً من بعيد خلف الشخص الحي غير المدرك للخطر، يكمن تشويق كبير إذ لا تعرف إذا ما كان الزومبي السلحفاتي سيصل إلى الضحية  أو أن هذا سينتبه إليه أولا. وللتأكيد عليك بالفصل الأول من مشاهد الجزء الأول من ثلاثية روميرو "ليل الموتى" (9691) الذي يقع بين القبور. هناك رجل وامرأة يزوران قبراً وهو يمازحها. من بعيد هناك رجل قادم يسير متوعكا، لا تدري ما يريد. لماذا هو هناك. هذا الى أن يصبح قريباً وينقض على أحدهما (لن أقول من هو فلربما إندفع أحدكم لشراء ذلك الفيلم الكلاسيكي).

المخرج جورج روميرو خلال تصوير آخر فيلم في سلسته مفكرة الموتى

هنا في النسخة الجديدة، هذه الوحوش التي كانت آدمية تركض سريعاً ولا تتعثر او تعرج وبالتأكيد لا تبدو كما لو كانت مغيّبة او مخدّرة. وهنا يكمن بعد سياسي آخر يميّز الفيلم السابق ويرفعه: وحوش روميرو بمظهرهم وحركتهم التي تبدو مخدّرة وبسعيهم الدؤوب لنهش لحم الإنسان يبدون نتاج المجتمع الذين عاشوا فيه على هذا النحو. وأكلهم بعد الوباء رمز لإدمانهم على ما توفر لهم من ضروب حياة خلال حياتهم الأولى. هذا أيضاً منسوف لدى سنايدر الذي لا يسعى لأكثر من فيلم عنيف حديث تتطاير فيه الجثث وتبتر فيه الأطراف وتنسف فيه الرؤوس بشهية مفتوحة.

منذ ذلك الحين وإلى اليوم ارتفع عدد أفلام الزومبيز وآكلي لحوم البشر كثيراً. النوع ناجح والمنتجون الأميركيون يبحثون عنه. وهو انتقل إلى الشاشة الصغيرة من خلال مسلسلات تلفزيونية مثل "الميتون
  السائرون" او The Walking Dead الذي أنجز هذا العام وحقق رواجاً كبيراً مفاجئاً. وقبله مسلسل تحوّل الى فيلم شبابي حول هذا الموضوع هو Buffy the Vampire Slayer الذي احتوى، على آكلي لحوم بشر وليس مصاصي دماء فقط. الى ذلك شاهدنا في العامين الماضين اعمالا مثل:
Zombieland, Shaun of the Dead,  Diary of the Dead,  Survival of the Dead, Zombie Strippers, Quarantine وسواها.
هل لصق قعر السينما بهذه الأعمال بحيث بات أقصى طموحاتها أن تتناول هذا الموضوع تخويفاً وإثارة وجنياً للأرباح السريعة؟ او هو نبوءة عما سيحدث حين يجف الماء ويقل الغذاء وتتضوّر الشعوب جوعاً؟

الى الأعلى
  تعليقك على الموضوع:
الاسم:
عنوان التعليق:
محتوى التعليق: