ثالثاً: توصيات بشأن الخطوات التالية للحكومة

إن تطبيق هذا القانون يمثل أولى الخطوات نحو مكافحة جرائم الاتجار في البشر، وحماية جميع ضحاياه. ولكن كي يكون ذلك فعالاً، فإن القانون يحتاج إلى أن تصاحبه سياسة شاملة على المستويين المحلي والوطني. بعد زيارتها إلى مصر، أوصت المقررة الخاصة للأمم المتحدة، الحكومةَ بوضع خطة قومية شاملة ومتكاملة لمكافحة الاتجار في الأشخاص. وقالت إن مثل هذه الخطة الوطنية، يحب أن تحدد أهدافًا إستراتيجية واضحة، إضافة إلى مسئوليات كافة الأطراف المعنية، وأن تضع معايير قابلة للقياس إضافة إلى أدوات للمتابعة والتقويم41.

ونأمل من الحكومة عند وضعها لمثل هذه الخطة المهمة، أن تنظر في خبرات البلدان الأخرى في مكافحة الاتجار في الأشخاص، وأن تدرس نماذج الممارسات الناجحة في هذا المجال. وبالنظر في الخبرة الدولية في مكافحة الاتجار في البشر، يبدو أنه من المفيد خلق أرضية مؤسساتية قوية، تكون مسئولة عن التعامل مع قضية الاتجار في البشر، إضافة إلى وضع خطة قومية تكون بمثابة مرجعية البلد فيما يتعلق بالأهداف التي ترغب الدولة في تحقيقها. في فنلندا على سبيل المثال، إضافة إلى وضع خطة حكومية هناك للتصدي للاتجار في البشر، تمت مراجعتها في عام 2008 بحيث تضمن احترام كافة حقوق الإنسان، تم أيضًا تكليف مكاتب تلقي شكاوى الأقليات، بأن تقوم بدور المقرر الوطني للاتجار في البشر. هذا المكتب الجديد مسئول ضمن أمور أخرى عن تقديم التوصيات للحكومة بشأن تقديم المساعدة القانونية42. وفي مصر يمكن أن يتم ذلك من خلال مكتب لتلقي الشكاوى ضمن اللجنة الوطنية التنسيقية لمكافحة ومنع الاتجار بالبشر.

وفيما يتعلق بتنفيذ القانون، تشير الخبرة الدولية والخبرات المقارنة إلى أن أحد أهم العقبات في التعامل مع حالات الاتجار هو عدم ثقة الضحايا في النظام القضائي للبلد، والخوف من سلطات تنفيذ القانون (الانتقام والترحيل على وجه الخصوص) والشعور بالعار، وعدم الوعي بالحقوق، وعدم تدريب الموظفين العموميين، وانعدام الموارد اللازمة والمترجمين الضروريين في مثل هذا العمل. وفي مصر قد يتفاقم هذا الشعور بعدم الثقة في النظام القانوني؛ بسبب السمعة السيئة لسلطات تنفيذ القانون المحلية، جراء سوء معاملتها لكثير من الجماعات المستضعفَة والمعرضة للاتجار، خصوصًا أطفال الشوارع، والعاملين بالدعارة، والمهاجرين.

وفي هذا السياق، فإن خبرة جامايكا من حيث تكوين قوة عمل داخل الشرطة الوطنية، للتعامل مع قضايا الاتجار في البشر، بالإضافة إلى سنها قانونًا حاسمًا لمكافحة الاتجار، أثبتت كفاءتها في الملاحقة الجادة للمتاجرين43. كذلك يمكن للهيئات القائمة على تنفيذ القانون هنا، أن تستفيد من التدريب على أثر الصدمة على ذاكرة الضحية، وتذكرها للأحداث؛ مما يفسر بعض أوجه عدم الدقة في شهادات الضحايا. إن ذلك قد يكون ذا أهمية خاصة، حيث إن عدم دقة الشهادات كثيرًا ما تُذكر ضمن أهم التحديات التي تواجه السلطات المعنية.

كذلك فإن تنظيم حملات رفع وعي الرأي العام، تستهدف التوعية بالمخاطر المرتبطة بجريمة الاتجار في الأشخاص، تفتح مجالاً آخر قد يستحق مزيدًا من الاهتمام به في مصر، خصوصًا أن الحكومة لم تنظم حملة رأي عام واحدة في الفترة ما بين 2008 و 2009 لرفع الوعي بشأن قضايا الاتجار والسياحة الجنسية. ومن المثير للقلق أيضًا أن مصر لم توفر التدريب على مكافحة الاتجار لقواتها قبل مشاركتهم في قوات حفظ السلام الدولية في العام الماضي44. وهذه الممارسات يجب تعديلها في ضوء التشريع الجديد.

أخيرًا يجب على الدولة أن تضمن المشاركة الكاملة للمجتمع المدني، كشريك فعال في مكافحة الاتجار في البشر. وفي هذا الصدد يجب أن تسعى الدولة إلى تعزيز قدرات منظمات المجتمع المدني العاملة في مناهضة الاتجار في الأشخاص، واستخدام ما لديها من معرفة وخبرة للتشبيك معها في تعاون مثمر، يستهدف تقديم أفضل حماية لضحايا الاتجار.