برامج اليوم
00:00 حلول أفريقية
00:30 تاريخ الفروسية
يعرض الآن على شاشة الجزيرة الوثائقية 01:00 الإسلاميون
02:00 نهر يانغتسي
03:00 الماء والناس
03:30 النموس الافريقية
04:00 رجل الصاروخ
05:00 اليابان ... الامبراطور والجيش
06:00 حلول أفريقية
06:30 تاريخ الفروسية
اقرأ المزيد في (متابعات)
متابعات
أرسل الى صديق طباعة Share article
فيلم «سبيل».. جوهرة على تاج السينما الإماراتية
آخر تحديث : الاربعاء 30 مارس 2011   16:04 مكة المكرمة

لعلي لا أبالغ أبداً إذا قلت إن فيلم «سبيل» للمخرج خالد المحمود، هو أحد أفضل الأفلام السينمائية الإماراتية، مما شاهدتُ، على الإطلاق، وقد شاهدتُ منها الكثير جداً.
لن أنسى تلك اللحظة التي انتهيتُ فيها من مشاهدة نسخة من الفيلم، برفقة المخرج، في موعد خاص، انعقد بيننا في «مارينا مول أبوظبي»، لتلك الغاية. حينها أحسستُ أن ثمة ما يجيش بالروح، وأنا أرى فيلماً سينمائياً صافياً، منسوجاً ببراعة رائقة، يتكامل فيه السيناريو المُحكم، بالتنفيذ المتميز، على مختلف الجوانب، من التصوير، إلى المونتاج، ووصولاً إلى الموسيقى والمؤثرات الصوتية، نهاية بالتمثيل، الذي رأيته جيداً، وإن اختلف معي بعض الأصدقاء الأعزاء، بصدده.
يومها، كان فيلم «سبيل» عائداً من مشاركة رسمية في مهرجان لوكارنو السينمائي 2010، وتماماً قبل أن ينال جائزة أفضل فيلم قصير في مهرجان نيويورك للأفلام الأوروبية والآسيوية 2010، وقبل أن ينال الجائزة الثانية في مسابقة «المهر الإماراتي» في مهرجان دبي السينمائي الدولي 2010، وقبل أن يتم اختياره رسمياً في مهرجان برلين 2011. فقد فاض بي الفضول إلى درجة أنني طلبت من المخرج مشاهدة الفيلم، وإن عبر نسخة قرص مضغوط (دي في دي)، فتجاوب بكل تلك الدماثة المأثورة عنه.
قبل هذا كله، ينبغي الانتباه إلى أن سيناريو فيلم «سبيل»، كان قد فاز بجائزة أفضل سيناريو في مهرجان الخليج السينمائي 2010، مما يعني أن فيلم «سبيل» وجد «سبيله» للتنفيذ والاكتمال، خلال أشهر قليلة، بعيداً عن التلكؤ، أو التردد. وأنه استطاع خلال فترة محدودة، لا تتعدى شهور العام ذاته، من أن يتحوّل إلى سفير السينما الإماراتية، محلياً، وعربياً، ودولياً، حاصداً شيئاً من الجوائز، والكثير من حفاوة الاستقبال والتلقي والتقدير.
يقوم فيلم «سبيل»، للمخرج خالد المحمود، وهو فيلم روائي قصير (مدته 20 دقيقة)

المخرج خالد المحمود

 على حكاية غاية في البساطة، بالغة العمق، مدهشة البناء. ثمة اثنان من الفتيان الإماراتيين، يعيشان مع والدتهما (أو جدتهما)، في بيت ناءٍ منعزل في بيداء إماراتية، في مكان ما من أنحاء الدولة. الفتيان يعتاشان عبر بيع الخضراوات للعابرين على طريق سريعة تمرُّ في الفيافي الواسعة. كل ما في حياتهما يبدو رتيباً عادياً مكروراً، بدءاً من الصباح، حيث يقومان بتحضير الخضار، وانتظار ملول لتوقف المارة وشراء أشياء من بضاعتهما، ومن ثم العودة مساء، حيث ينبغي عليهما العناية بالوالدة (أو الجدة) التي أقعدها المرض الفراش، وكذلك العناية بتجهيز بضاعتهما، من الخضروات، للانطلاق بها في اليوم التالي.
بهدوء رائق، يتابع الفيلم حياة هذين اليافعين الإماراتين، يمضي معهما بعض الوقت على حافة الطريق السريعة، يرصد انتظارهما، حيناً، ومحاولاتهما في التلهي وتزجية الوقت، حيناً آخر. توقّف المارة للشراء، تارة، أو لشؤون عابرة خاصة بهم، أمام ناظري البائعين، تارة أخرى.
وعلى الرغم من أن فيلم «سبيل»، هو من طراز الفيلم الروائي القصير، إلا أنه ينجح في منح المشاهد الإحساس بطول الوقت، ورتابته، وتكراره الذي يبدو بلا نهاية. حقق الفيلم ذلك من خلال التصوير المدهش، وتنوع اللقطات ما بين واسعة عامة، وقريبة، وقريبة جداً، في تناغم وانسجام مونتاجي جميل. كما حققه من خلال انعدام لغة الكلام، أو وسيلة الحوار، والاكتفاء بنظرات العيون، والإشارات، والايماءات، التي باتت لغة كافية في عالم منغلق على هذين اليافعين، إلى درجة بلغت بهما التمكن من القدرة على التفاهم دون أدنى كلمة.
عادية الحياة، ورتابتها، يعمد الفيلم إلى تأكيدها وتعميقها، من خلال التكرار في إظهار تفاصيل الحياة اليومية. الذهاب. انتظار مشتر. العودة. ركن الدراجة النارية جانباً. قيام أحدهما بتنظيف وترتيب الخضراوات. قيام الآخر بتقديم الدواء للوالدة (أو الجدة). ومع هذا، وعلى الرغم من أن التكرار كان يمكن له أن ينفّر المشاهد، فإن الفيلم، ينجح في مهمة أن يثير حاسة الترقّب لدى المشاهد، والتحفز لمعرفة ما الذي سيحدث فيما بعد، لتكون المفاجأة في النهاية صارخة، وصادمة، ومثيرة.
ليس من اللائق الوشاية بقصة الفيلم، أو فضح حكايته، ولكن من الضروري التوقف أمام بعض التفاصيل التي يعرضها، لندعم بعضاً مما يمكننا قوله في هذا الفيلم، الذي وإن لم يبتعد عن نهج الكثير من الأفلام الإماراتية في التهرّب من تناول المدينة الحديثة، وحكاياتها، والعودة إلى القرى والأماكن النائية، إلا أنه تمكن من التميز على مستوى الحكاية، والبناء، والسرد.
اختار فيلم «سبيل» المرور على خيط رفيع، حاد ومتوتر. فالسيناريو مكتوب بطريقة ترفع أمام المخرج راية التحدي. كان يمكن للتنفيذ أن يأتي بطريقة تثير سؤال: حسناً وماذا بعد؟.. فجاء التنفيذ بطريقة لا يملك المشاهد بعدها إلا القول: يا الله!.. فإذا كان من الضروري تقدير اشتغال السيناريست محمد حسن أحمد، على هكذا سيناريو، فمن الضروري بالقدر نفسه تقدير اشتغال المخرج خالد المحمود، على هكذا فيلم، وقدرته ليس فقط على استنباط أبدع ما في السيناريو، بدلالاته وإحالاته، بل بقدرته أيضاً على إدارة طاقم العمل الفني والتقني، وتوظيف جهودهم المميزة في تناغم وانسجام رائع.
هكذا سوف يبهجنا المصوّر سمير كرم، بكاميرته، ويضعنا أمام صورة ترقى إلى أفضل الأفلام السينمائية الاحترافية، لا يقلل من ذلك أن الفيلم تمّ تصويره بكاميرا رقمية (إتش دي كام). وسوف يتميز الموسيقار طه العجمي، كعادته، وهو يخلق لهذا الفيلم موسيقى ومؤثرات صوتية، تضفي على الفيلم ما ينبغي للموسيقى والمؤثرات الصوتية أن تقوم به، بأفضل ما يكون.
ولا بد من تقدير حضور الفنانة الإماراتية الكبيرة زريقة الطارش، خاصة لناحية قبولها خوض هذه المغامرة الفنية، وقبولها أن تقوم بدور قصير وصامت، وهي الممثلة القديرة، فضلاً عن ضرورة التنويه بالممثلين الشابين: حسن المرزوقي, حسين محمود. إن قبول الفنانة زريقة الطارش الوقوف أمام كاميرا مخرج شاب، في فيلم روائي قصير، لأداء دور يمكن القول عنه إنه ثانوي، دون أي كلمة حوار، لهو أمر بالغ الدلالة على ذكاء هذه الفنانة القديرة، وتفانيها، وحسن أختيارها.
كل ما في فيلم «سبيل» يثير الاهتمام، ويستوجب الحفاوة. إننا معه أمام فيلم محترف، يقدم مخرجه الشاب الإماراتي خالد المحمود بصورة باهية، تليق به، وهو المخرج الشاب المجتهد، إلى درجة مفاجئة تماماً. فعلى الرغم من أن سجلّه الفيلمي يضمّ العديد من العناوين، التي يمكن أن نذكر منها: «شارع الأحلام» 2002، «فطور» 2003، «أحلام في صندوق» 2003، «الحلاق» 2004، «احتفال بالحياة» 2006، «قصة خيالية» 2007، «بنت النوخذة» 2008. وعلى الرغم من أنه درس الاتصال الجماهيري، في جامعة دينفر، في كولورادو، بالولايات المتحدة الأمريكية، وتخرج في العام 1999، وتقلب على العديد من المحاولات الفيلمية، والمهمات الإدارية، والاستشارية، إلا أن خالد المحمود يبدو أنه احتاج تماماً لقطع تلك المسافة الباهرة للوصول إلى هذا الفيلم المحترف.
فيلم «سبيل»، هو كلمة المخرج خالد المحمود السينمائية، وقد أحسن قولها، فوضعته في الصف الأول؛ مرافقاً (حتى لا أقول منافساً) لأقرانه من السينمائيين الإماراتيين الشباب، من أمثال: نواف الجناحي، وليد الشحي، علي مصطفى، سعيد سالمين، فاضل المهيري، جمعة السهلي، هاني الشيباني.. وغيرهم مما لا يمكن ذكرهم، الآن.
يليق بفيلم «سبيل» أن يترصّع جوهرة على تاج السينما الإماراتية. جوهرة تنضاف إلى جواهر أخرى سبقته، يمكن لها بمجموعها، وعلى اختلافها، رسم معالم لائقة لسينما وليدة تتخلق الآن على أيدي مخرجين شباب يغازلون الطموح، ويناوشون الحلم.

الى الأعلى
تعليقات القراء: + - 
التعليقات لا تعبر إلا على رأي أصحابها.
  تعليقك على الموضوع:
الاسم:*
البريد الإلكتروني:
عنوان التعليق:*
محتوى التعليق:*
(*) هذه الحقول مطلوبة