ثامناً - العبء الاقتصادي على العامة لحماية الحقوق الخاصة

في ضوء تركيز الـ"أكتا" على إنفاذ حقوق الملكية الفكرية، دون الفصل بين مجالاتها المختلفة، أصبحت جودة الدواء وفاعليته، تندرج تحت مهام السلطات التنفيذية. وبذلك تبدلت قضية الأدوية المغشوشة من كونها قضية صحة عامة، إلى قضية ملكية فكرية متعلقة في الأساس بمصالح خاصة من جانب، وتهدد إتاحة الحصول على الدواء لمن هم في حاجة إليه من جانب آخر.

وتؤكد تصريحات الولايات المتحدة الأمريكية29 والبرلمان الأوروبي على أن بنود الـ"أكتا" تهدف إلى تفعيل تشريعات الملكية الفكرية، من خلال بناء قدرات العاملين في القطاع العام، وتزويدهم بالمساندة التقنية المطلوبة لتنفيذ هذه الحقوق. جدير بالذكر أنه وفقًا لمقدمة اتفاقية التريبس، تعتبر حقوق الملكية الفكرية حقوقًا خاصة، وليست حقوقًا عامة. ومعنى ذلك، أن البلدان الأعضاء ملزَمة فقط "أن تتيح لأصحاب الحقوق إجراءات قضائية مدنية، فيما يتصل بإنفاذ أي حق من حقوق الملكية الفكرية التي تغطيها هذه الاتفاقية"30، ولكنها ليست مطالَبة بوضع إجراءات وقواعد ما لإنفاذ حقوق الملكية الفكرية مباشرةً، بواسطة السلطة التنفيذية. ومثل هذه الالتزامات تلعب دورًا هدّامًا ضد مصلحة شعوب الدول النامية، ذلك لأن تطوير كفاءة الكوادر العامة، وتكثيف إجراءات إنفاذ حقوق الملكية الفكرية على النحو السابق تفصيله، يتطلب إنفاقًا ماديّا باهظ التكاليف بما يمثل عبئًا ماليّا مضافًا على الميزانية العامة، محدودة الموارد في تلك الدول من الأساس. وبالتالي تصبح الدول النامية مجبرة على تخصيص جزء من مواردها المحدودة؛ لحماية المصالح الخاصة بدلاً من توجيهه فيما يفيد المصالح العامة لشعوبها.

وقد انتقد مندوب الهند اتفاقية الـ"أكتا"31 في مجلس التريبس بمنظمة التجارة العالمية في يونيو 2010، مؤكداً أن "اتفاقية التريبس واضحة فيما يتعلق بتخصيص الموارد"، وأن "حقوق الملكية الفكرية هي حقوق خاصة، والحكومات غير مسئولة على الدفاع عن كل حق، ولكن عن توفير وسائل للأفراد والشركات لإنفاذ هذه الحقوق"32.

وتعد وثيقة مكافحة التقليد بكينيا التي تبناها مجلس الشعب الكيني في 2008 مثالاً حيّا لاستخدام المال العام لتلبية المصالح الخاصة. فطبقًا لهذه الوثيقة سيتم إنشاء هيئة إدارية مُفوضة بـ"مكافحة التقليد" من خلال استقبال شكاوى أصحاب الحقوق. وتعتمد مواردها المالية بالأساس على ما يخصصه لها مجلس الشعب من الميزانية العامة33. وذلك بدلاً من أن يتحمل صاحب الحق مسئولية الدفاع عن مصالحه الشخصية، في حالة شكه أن حقوقه قد انتُهِكت34؛ من خلال اللجوء إلى الجهات المعنية، كأي مواطن آخر يزعم أن حقوقه قد انتُهكت، حتى لا تتحمل الجهات العامة الممولة من ضرائب المواطنين هذه الأعباء المادية.