أعتدنا طويلا على تخصيص مساحات للقرع على طبول التملق و النفاق الاعلامي الرسمي ، ولكن عندما تشتد الازمات ، فان المساحة المخصصة " للدبيك الاعلامي " الرسمي " تزداد أيقاعاتها المزعجة ، و لتحاول أن تغطي على أصوات " حقة " وجرئية " تعبر عن مصلحة المواطنيين و طموحاتهم و حقوقهم ، و قضاياهم المطلبية . قارعو طبول يرفون ايديهم مرة على وتر الليبرالية ، و الاجتماعية الاشتراكية مرة أخرى , على وتر الوطنية الاردنية النموذج ، وعلى وتر أصوات الاصلاح من الداخل و على وتر التنويرية الدينية ، و على وتر التكنوقراطية ، وعند التدقيق لا تجد أثرا للثقافة السياسية الحقيقية في ضحالة الفكر و أنعدام المبدأ وضعف وتدني في لغة التواصل و غياب للمضمون السياسي الفاعل .
كما أنك لا تجد أثرا للاصلاح في أقصاء القوى المتخلفة عنه و التحريض عليهم و أنما حديث "الفسطاطسي "فانت أما معي أو ضدي " وفق معايير وطنية زائفة ، لذلك لا مناص من تسميتهم قارعي طبول و زمارين و مهللين لكل من تقع عليه السلطة ، لان في ذلك توصيفا دقيقا لمضمون خطابهم و العقيدة التي يتبناهوها .
الثقافة الوطنية في هذه الخطابات مجموعة من الشعارات الاستهلاكية عن التحديث و الاصلاح ، و ترتبط بقشور و السفاسف و القضايا الصغيرة الهامشية غير الجادة ، وقد ترتبط بالقضايا الكبرى أنما يكون المعني بالموضوع ملفا لبلد عربي أو اجنبي ، أما ما هو وطني فانه يتقزم ويتحول الى مجموعة مصالح شخصية وعطايا و هبات يتطلب الحصول عليها الاصرار بلغة الاستجداء و عبارات التزلف و الاسترخاء الحميمي .
خطاب أعلامي يقوم على أحتكار الهوية و تعريفها ، واحتكار شرفها الوطني و السياسي ، و يقابل ذلك تشكيك في الاخر المختلف معه ، و هجوم شرس عليه و تعرية لخطابه ، باعتبار أن ذلك على درحة رفيعة من الثقافة السياسية الوطنية العصرية ، ويظهر الاستعلاء على الشعب بترديد عبارات عبارات مستهلكة لعدم جاهزيته لكل ما هو جديد أو أصلاحي . ما يظهر للوهلة الاولى أنه حرقة على تسيد التخلف و الرجعية السياسية و الاجتماعية و حماية الفساد والمفسدين ، و يتضح بمضامين ذلك الخطاب أنه يرفض ما يهدد مصالح النخب ، و أصحاب الاجندات الشخصية . فذات العبارات نفسها تترددت قبل عقود من الزمان ، و تردد الان ، و سيتم مواصلة أستعمالها الى أبد الابدين ، لا يتورع مستهلكو القيم الوطنية عن أستخدام الفزاعات في تعزيز خطابهم الرافض لاي أصلاح ديمقراطي ولاي محاولة وطنية جادة في محاربة نخب الفساد و أقصائها عن السلطة .
وهم هنا ، يربطون كل مطلب تغييري و كل شخص لا يشاركهم الرأي جموحهم الثوري ضد الاسلاميين ، و بالخوف من سيطرتهم على مجلس النواب ، و العمل لاجندات سياسية غير وطنية ، تماما كما يردد على امتداد الجغرافية العربية الهائجة . يتمادى الخطاب على استخدام لغة " الخوف " من المجهول ، و كأن ثمة خطر ما يتربص بمصيرنا اكثر من مأسؤية الوضع الاقتصادي و الاجتماعي ، توغل نخب رأسمال على العملية الاصلاحية بكل رمتها في أسقاطها في متاهات الحذر .
في النهاية ، تكتشف الصورة الكاريكاتورية المبكية للاعلام الرسمي ، غائبة عن أمال و الالم المواطنين و حاجاتهم و تطلعاتهم ، وفي تضليل و تسويف للقضايا الحقيقة التي يحتاج اليها الوطن من أصلاح حقيقي يحقق مصلحة الجميع و يقود الى مستقبل أفضل. مساحات اللون الواحد هي العشق الأبدي لجماعات الاعلام الرسمي ، وهي التي توفر لهم حرية الحركة وحرية التضليل ، باعتبار أنّه لا صوت إلا صوتهم ولا مكان لصوتٍ مغاير يكشف تناقضاتهم وألاعيبهم.
KARAKAMM21@YAHOO.COM