هل كان الرئيس السابق مبارك يدرك وهو يحتفل بيوم مولده ال83 العام الماضي، أنه سيكون عامه الأخير في السلطة، وأنه سيعود عليه هذا العام وهو يرقد وحيدًا داخل إحدي غرف مستشفي شرم الشيخ في انتظار مصير غير محدد تفصل فيه التحقيقات فيما نسب إليه من فساد، بينما ينزل ولديه بإحدي زنازين سجن طرة ينتظرهما مصير قد لا يختلف عن مصير والديهما؟.
هل كان بخلده وابتسامته المشهورة مرسومة علي وجهه بينما يقرأ صفحات الجرائد التي تحتفل بيوم مولده بقدر لا يوصف من التملق أنه ربما لا يستطيع النظر اليوم إلى ذات الجرائد خشية ما تحمله له من أخبار؟.
المولد انفض.. ربما كانت هي الجملة الأكثر ملائمة لحال الرئيس السابق الآن والذي يدخل عامه 84 يوم 4 مايو، في يوم باهت، قد يخشي فيه عدد من مؤيديه تهنئته بشكل صريح تحسبا لرد فعل عكسي من الرأي العام المطالب بمحاسبته علي ما نسب إليه من فساد.
اليوم.. يرقد مبارك وحيدا إلا من ثلاث" بوكيهات" من الورد وصلت إليه، أحدها من منتجع الجولف السياحي لصاحبه حسين سالم المليونير الهارب.
ووجوه متذبذبة لثلاثة نساء يرتدين الأسود ويخفين جزءا من تفاصيل وجوههن خلف نظارات سوداء، إحداهن زوجته سوزان ثابت، والتي كانت تلقب بالهانم، ربما كانت هي الأكثر ترددا على زيارته.. والأخريان زوجتا نجليه علاء وجمال.
في صخب يشبه احتفالات الملوك، كان مبارك يحتفل بيوم مولده مع أسرته وعدد من المقربين منه بين أضواء قصره بالقاهرة وشواطئ شرم الشيخ، حيث يتلقي الهدايا والرسائل التى تفوح منها رائحة التملق لتزكم الأنوف.
لكن الملوك في احتفالاتهم كانوا ينعمون علي رعاياهم بالذبائح والعطايا.. وكانت وسائل الإعلام المقروءة والمسموعة والمرئية وحتى الفضائيات، تغرد في منظومة رغم سياق نفاقها المنتظم، إلا أنها كانت تمثل نشاز بالنسبة لغالبية المواطنين.
وفي سباق محموم بين رؤساء الصحف كتب أحدهم في مثل هذا اليوم من العام الماضي تحت عنوان" يوم أن ولدت مصر من جديد" في ربط بين ميلاد الرئيس السابق مبارك وبين ميلاد مصر كلها.
ويقول "اليوم هو يوم عرس للشرفاء الوطنيين.. اليوم هو الرابع من مايو يوم ميلاد الرئيس.. لا يحتاج منا الرئيس مبارك أن ندافع عما وعد فأنجز وعمل فأعطى، ولكننا نحتفي بما حققناه تحت قيادته.. صراحته ترياق أفقنا به من وهم طويل، وواقعيته صمام أمان لحلول الأزمات.. لم يغامر بمصير أمته يوما"!.
بينما يتساءل رئيس تحرير آخر" ليه بنحبك يا ريس.." ثم يجيب في استفزاز صارخ نيابة عن الشعب المصري بأكلمه قائلا: " ليه بنحبك يا ريس" -ثم يتابع- :" "يا ريس كل سنة وأنت طيب وربنا يخليك لينا.. في عيد ميلادك يا ريس ندعو الله لك بالعمر المديد.. سنوات مرت وكأنها حلم جميل داعبنا، وجعلنا نبتسم لكل أيامنا.. فنحن سيدي الرئيس قدرك، وأنت قدرنا، لمن غيرك نشكو؟!".
وفي نفس السباق.. يستنكر رئيس تحرير آخر دور المعارضة الرسمية وغير الرسمية والتي خرجت منذ عام 2005 تندد بالفساد الذى استشري في البلد فيقول" "فعلا نحن نعيش استقرارا لا يقدر بمال وهذه ميزة عظيمة يدركها المصريون دعاة الفوضى والتغيير والتخريب والهدم، فشلوا لأنهم لم يرفعوا شعارا واحدا واقعيا مثل الذي اتخذه الرئيس مبارك منذ فترة طويلة وهو الإصلاح..".
لكن، الشعب المصرى والذي ظل ساكنا طوال حكم الرئيس مبارك، رفض أن ياتي العام الجديد حاملا معه شهر مايو آخر وذكري ميلاد جديد لـمبارك.. فخرج رافضا حكمه كاملا وليس فقط مطالبا بوعد بعدم التوريث أو بالتحقيق في ملفات فساد أشخاص بأعينهم.. بل خرج كاسرا حاجز الخوف ومطالبا برحيل مبارك وأسرته ونظام حكمه ومحكمتهم جميعا دون استثناء.
وفي شرم الشيخ تلك المدينة التي كان يحتفل فيها مبارك بيوم ميلاده، والتى اختارها أيضا لتكون مكان إقامته بعد خلعه عن الحكم، يرقد مبارك في غرفة بمستشفي شرم الشيخ الدولي.. تحيطها نباتات ذابلة لا خضرة فيها وربما امتنع العاملون بالمستشفى عن الاعتناء بها في إشارة لرفض وجود مبارك داخلها، وربما كانت إشارة لحالة الحزن والاكتئاب التى يعاني منها الرئيس المخلوع بعد أن انفض المولد من حوله.
تكثر الشائعات حول صحة مبارك بل وتمتد إلى استقباله أحد خبراء التجميل لإعادة صبغ شعره باللون الأسود وإخفاء الهالات السوداء المحفورة حول عينيه وغيرها من تلك الشائعات.
غير أن الأخبار التي قد تكون مؤكدة هي عدم استقبال مبارك إلا الثلاث سيدات بملابسهن السوداء، زوجته وزوجتا ولديه.
وربما لن يحتفل معه بدخول عامه 84 سوي زوجته وحفيده عمر بن نجله الأكبر علاء، وبحسب مصادر موثقة، فإن عمر هو الوحيد المسموح له بدخول غرفة جده في أي وقت.. وربما كانت تلك إشارة جديدة لارتباط الرئيس المخلوع بابنه علاء الذي ظل طوال السنوات الأخيرة بعيدا عن خطة توريث الحكم، وبحفيده عمر. فيما لم يرتبط بحفيدته فريدة ابنة نجله جمال، المقرب من أمه والذي ينسب له التورط في كثير من أعمال تدهور البلاد.
4 مايو يحتفل مبارك بعيد ميلاده وربما للمرة الأولي منذ توليه حكم مصر، دون نفاق أو تملق، بينما يجدد أغلب المصريون احتفالهم بخلعه عن الحكم وبالإصرار علي محاكمته عن السنوات الماضية وما ينسب إليه من فساد.
رابط دائم: