في أحداث العنف الطائفي بسمالوط: لا بد من تطبيق القانون دون الضغط على الضحايا للتنازل عن حقوقهم

خريطة قرى مركز سمالوط - المصدر: موسوعة المعرفة
الأربعاء 8 أكتوبر 2008

أعلنت المبادرة المصرية للحقوق الشخصية اليوم النتائج الأولية لتحقيقاتها في أحداث العنف الطائفي التي وقعت بقرية الطيبة التابعة لمركز سمالوط بمحافظة المنيا يوم الجمعة الماضي الموافق 3 أكتوبر الجاري، والتي أسفرت عن مصرع مواطن وإصابة أربعة آخرين وحرق وإتلاف عدد من المنازل والأراضي والممتلكات. وطالبت المبادرة المصرية النائب العام بضمان استقلالية تحقيقات النيابة في الأحداث وتطبيق القانون على المذنبين بمعزل عن أية اعتبارات سياسية. كما حثت القيادات التنفيذية والكنسية على وضع حقوق الضحايا نصب أعينهم وضمان عدم إفلات المجرمين من العقاب تحت دعوى التصالح. 

 
وقال حسام بهجت، مدير المبادرة المصرية للحقوق الشخصية: "إن الشهادات التي جمعناها من جميع الأطراف تشير إلى أن العنف مرشح للعودة بل وإلى التصاعد بما يؤدي إلى سفك المزيد من الدماء. وإن كانت الحكومة جادة بالفعل في حرصها على عدم حدوث ذلك فعليها أن تضمن تقديم المتهمين إلى العدالة دون إبطاء وألا تلجأ لأسلوبها المعتاد في الضغط على الضحايا للتنازل عن حقوقهم من أجل إغلاق ملف القضية."


وتشير المعلومات التي جمعها باحثو المبادرة المصرية إلى أن الأحداث بدأت في حوالي الساعة العاشرة من مساء يوم الجمعة الماضي عندما نشب شجار بين مسلم ومسيحي من أهل القرية ذات الأغلبية المسيحية. ولا تزال الروايات متضاربة بشأن السبب الذي أدى لاندلاع الشجار الذي تطور فيما بعد إلى أعمال عنف طائفي. فالتحقيقات الأولية للمبادرة المصرية تشير إلى أنه من المرجح أن الخلاف قد نشأ بعد أن قام شاب مسلم بالتحرش بفتاة مسيحية ثم تدخل شقيقها للدفاع عنها، وهي الرواية التي تؤيدها المباحث الجنائية والنيابة العامة. كما يبدو أن واقعة التحرش جاءت في ظل وجود توترات طائفية بالقرية أصلاً نتيجة اعتزام قبطي بيع منزله لأحد المسلمين في منطقة يغلب عليها الوجود القبطي.   


وقد تطور الشجار إلى قيام عدد من المسلمين باقتحام منزل المواطن المسيحي ـ الذي يضم أيضاً ورشة للنجارة ومخزناً للأخشاب ـ وسرقة وإتلاف أغلب محتويات المنزل والمخزن وإشعال النار فيهما. وعلى إثر هذه الاعتداءات تجمع عدد كبير من الأقباط واتجهوا نحو مقر المنزل المحترق في شرق القرية، وعندها بدأ المسلمون في إطلاق النار نحوهم بشكل عشوائي لتفريقهم، بينما رد الأقباط بقذف منازل المسلمين بالحجارة. وذكر شهود العيان أن الأقباط لم يكونوا مسلحين، كما أكد مصدر بالمباحث الجنائية أن التحريات لم ترد فيها أية إشارة لاستعمال الأقباط أسلحة نارية أثناء الأحداث.


وذكر شهود عيان من الأقباط أنهم قاموا بالاتصال بأجهزة الأمن التي توجهت إلى القرية، إلا أن سيارات الأمن لم تتمكن من الدخول إلى موقع الأحداث إلا بعد ما يقرب من ساعتين بسبب تواصل إطلاق الأعيرة النارية بشكل مكثف. وفور وصول قوات الأمن قامت بإلقاء القنابل المسيلة للدموع بغرض تفريق الأقباط المتجمعين. كما ذكر أحد شهود العيان أن ضابط شرطة انهال ضرباً على المتجمعين بهراوة بغرض تفريقهم وإدخالهم إلى منازلهم. ودفع ذلك الشباب القبطي إلى الهرب من قنابل الدخان وقوات الشرطة باتجاه غرب القرية، حيث يقطن عدد من المسلمين. ويبدو من الشهادات التي حصل عليها باحثو المبادرة أن بعض الشباب القبطي حاول اقتحام منزل أحد مسلمي القرية بدافع الانتقام، مما دفع أحد جيرانه إلى إطلاق الرصاص عشوائيا مصيباً يشوع جمال ناشد بطلق ناري في الجبهة أدى إلى وفاته بعدها بقليل.


وذكرت مصادر طبية بمستشفى سمالوط العام ـ والتي تقع على بعد 12 كيلومتراً من قرية الطيبة حيث تم نقل المصابين لإسعافهم ـ أن يشوع جمال، البالغ من العمر 25 عاماً، وصل إلى المستشفى في حالة احتضار وتوفي بعد حوالي ربع ساعة نتيجة إصابته بطلق ناري بين الحاجبين. كما استقبل المستشفى ثلاثة من أقباط القرية هم مايكل صموئيل وفيليب رمزي وإبرام موسى أصيبوا بـ"رش خرطوش" (وهي كريات معدنية تنطلق من بنادق نارية وتتسبب عند إطلاقها عن قرب بجروح تهتكية عميقة)، وتم صرفهم من المستشفى بعد علاجهم. أما المصاب الرابع محمود صبحي فقد وصل إلى مستشفى سمالوط بإصابة في الرأس نتيجة التعرض للضرب بهراوة أثناء الأحداث وتم ترحيله إلى مستشفى المنيا الجامعي. وأشارت مصادر بقسم الجراحة بالمستشفى الجامعي أن الأشعة المقطعية أظهرت إصابته بشروخ في الجمجمة، تم علاجه منها وخرج من المستشفى بعد يوم واحد من العلاج التحفظي.


وقد منعت قوات الأمن إقامة شعائر الصلاة على جثمان القتيل يشوع جمال بكنيسة القرية وأصدرت تعليمات بنقل الصلاة إلى مقر مطرانية الأقباط الأرثوذكس بسمالوط، ثم جرى نقل الجثمان في سيارة إسعاف إلى مقابر الأقباط الواقعة على أطراف القرية في ظل وجود أمني مكثف. 


ووفقاً لأهالي القرية، فقد قامت الشرطة عقب الأحداث بعمليات قبض عشوائي على عدد من شباب المسلمين والأقباط، حيث تم نقل المحتجزين من المسلمين إلى مركز شرطة سمالوط بينما تم احتجاز المسيحيين منهم بمركز شرطة مطاي (على بعد حوالي 25 كم من قرية الطيبة). ووفقاً لشهادات محامين قاموا بزيارة المجموعتين فإن عدد المحتجزين لا يقل عن أربعين شخصاً، بينما أكد مصدر قضائي مطلع على التحقيقات في نيابة سمالوط أن عدد المحبوسين على ذمة التحقيق لا يتجاوز خمسة عشر متهماً من المسلمين والأقباط. وقالت المبادرة المصرية إن هذا التضارب في الأعداد يثير القلق بشأن وجود عدد من المحتجزين بشكل غير قانوني في كل من مطاي وسمالوط. وأضاف المصدر القضائي أن قراراً قد صدر بتجديد حبس المتهمين خمسة عشر يوماً في 7 أكتوبر بتهم الشروع في القتل، والحرق العمد، وإتلاف الممتلكات. كما ذكر أحد المحامين (طلب عدم ذكر اسمه) أن المحتجزين في مركز مطاي تعرضوا للضرب على يد الشرطة في الليلة الأولى لوصولهم إلى مقر المركز.


كما أعلنت أجهزة الأمن القبض على جمال سليم عبد الحكيم (وشهرته جمال رستم) والذي اتهمه أقارب القتيل بارتكاب جريمة القتل. وقررت النيابة حبسه خمسة عشر يوماً على ذمة التحقيق، بينما تلقت المبادرة المصرية معلومات تفيد قيام أجهزة الأمن بإلقاء القبض أيضاً على والد وشقيقي المشتبه به وأنهم لا يزالون قيد الاحتجاز.


وفي إشارة إلى استمرار الاحتقان الطائفي بالقرية تلقت المبادرة المصرية للحقوق الشخصية تقارير تفيد بوقوع حرائق عمدية وأعمال إتلاف في أراضٍ مملوكة لأقباط بالقرية ليلة الأحد الموافق 5 أكتوبر. وتفيد التقارير أن هذه الاعتداءات استهدفت أراضي جرى إتلاف محاصيلها من السمسم والذرة الشامية فضلاً عن إحراق العشش المقامة عليها. كما أشار أقباط ومسلمون من أهالي القرية إلى تخوفهم من تجدد أعمال العنف نتيجة لارتفاع درجة التوتر، خاصة في ظل وجود عدد غير قليل من الأسلحة النارية لدى الطرفين. وأشارت هذه المصادر إلى أن قوات الأمن تقوم بتسيير دوريات أمنية في شوارع القرية والأراضي الزراعية المحيطة بها خاصة في ساعات الليل تحسباً لاندلاع أعمال العنف.