ثانيا: التمويل

يحدد القانون في الفصل الثالث - مادة 8 مصادر التمويل كالآتي:


الاشتراكات من مصادرها المباشرة للمؤمن عليهم اجتماعيا بموجب القوانين 79 لسنة 1975 و108 لسنة 1976 و112 لسنة 1980 بواقع 1%، 4%، 2% على التوالي من الأجر التأميني الشهري (الثابت والمتغير من الأجر) ومن متوسط الأجر التأميني الاجتماعي على التوالي. كما يحدد اشتراكات باقي أفراد الأسرة من أطفال وطلاب وزوجات (ربات بيوت) كمسئولية لرب الأسرة بواقع 0.5% من الأجر التأميني الشهري للعائل عن كل ابن، و2% للزوجة ربة البيت. كما يحدد اشتراكات المعالين لرب الأسرة غير الخاضع لقوانين التأمين الاجتماعي بنفس النسبة وهي 0.5% من متوسط الأجر التأميني الاجتماعي عن كل ابن، و2% من متوسط الأجر التأميني الاجتماعي عن الزوجة غير العاملة أو الزوج غير العامل. كما يحدد اشتراك أعضاء النقابات المهنية بواقع 5% (والمقصود الفئات غير الخاضعة لقوانين التأمين الاجتماعي والتي تمارس مهناً حرة - محامين، تجاريين، أطباء أو من يعملون لدى أنفسهم). ويحدد حصة أصحاب الأعمال بواقع 3%. أما عن صاحب المعاش فيشترك بواقع 1% من قيمة المعاش الشهري (أو 2% إذا كانت قيمة المعاش الشهري تزيد عن متوسط المعاش الاجتماعي الشهري). واشتراك الأرامل والمستحقين لمعاش الضمان الاجتماعي هو 2% من قيمة المعاش الشهري.


وتعد الاشتراكات وما تساهم به الخزانة العامة للدولة هما أساس وجوهر أدوات تمويل النظام بما لا يخل بالحق في إتاحة الرعاية الصحية، وهي متوازنة في مجملها كاشتراكات تخصم شهرياً (كنموذج للتمويل المختلط من الاشتراكات التأمينية ومن حصيلة الخزانة العامة للدولة لتوفير الاستمرار المالي للنظام)، فيما عدا أصحاب المعاشات والذين يعدون من الفئات الأولى بالرعاية ولا يجوز زيادة اشتراكاتهم بأي حال من الأحوال من 1% إلى 2% في القانون الجديد.


وتحدد نفس المادة مساهمة الدولة للفئات غير القادرة بقيمة 15 جنيها شهريا للفرد. وهنا يتضح وجود التباس في المفاهيم، حيث لم يتطرق القانون إلى تحديد المقصود بالفئات غير القادرة، بل يترك تحديدها للسلطة التنفيذية حيث يصدر قرار منفصل بشأنها من رئيس مجلس الوزراء بعد عرض وزير المالية ووزير التضامن الاجتماعي.5


والمصطلح الأدق هو (الفئات الأولى بالرعاية الصحية)، والتي يجب تحديدها بالاعتماد على مؤشر الثروة والذي يعرف بدوره ـ وفقاً لتقرير صادر من مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار بمجلس الوزراء ـ بأنه "مقياس تقريبي لمستوى معيشة الأسرة ويتم حسابه باستخدام بعض البيانات مثل ملكية الأسرة للسلع المعمرة وبعض الخصائص الأخرى المتعلقة بالمستوى الاقتصادي."6  وتوجد أمثلة أخرى لدراسات عديدة صادرة عن مراكز البحوث الرسمية المختلفة حول شرائح المجتمع اقتصاديا ومدى ما تستطيع هذه الشرائح المساهمة به فعليا في نظام التأمين الجديد.


من ناحية أخرى، نلاحظ اتجاه الحكومة إلى الإبقاء على النسبة المتدنية لما ستساهم به الخزانة العامة في تمويل المشروع، بما لا يزيد فعليا عما تقدمه حاليا (في نطاق العلاج على نفقة الدولة والتأمين على طلاب المدارس) مع إعادة تقديمه تحت مسمى جديد وغير محدد هو (الفئات غير القادرة).


أما عن الرسوم والمدفوعات الإضافية، فإن المسودة المنشورة تقدم بديلين لتحديد قيمة هذه الرسوم والمدفوعات عند تلقي الخدمة (أي إضافة إلى الاشتراكات الثابتة):


البديل الأول: نسبة لا تتجاوز 30% من تكلفة الدواء والخدمة خارج المستشفى ونسبة 5% من التكلفة داخل المستشفى.


البديل الثاني: رسوم تدفع عند تلقي الخدمة (5 جنيهات للممارس، و7 جنيهات للأخصائي، و10 جنيهات للاستشاري، و20 جنيهاً للزيارة المنزلية)، ورسوم خدمات داخل المستشفى بحد أقصى 50 جنيها أو 5% من التكلفة، و30% من قيمة الدواء خارج المستشفى بحد أقصى 40 جنيها، وثلث ثمن الأبحاث خارج المستشفى بحد أقصى 50 جنيها.


وما سبق في مجمله يمثل اضطرابا في فهم دور الرسوم الإضافية في نظم التأمين الصحي المختلفة التي تُفرض قانونا لعلاج عيوب سوء استخدام الخدمات، وهي تُفرض في ظل شروط مقننة للحد من سوء الاستخدام من قبل الأصحاء من المؤمن عليهم. 7 لذا فهي تستخدم عند مدخل النظام فقط، أي في مقابل خدمات الرعاية الأولية والعيادية وبشكل لا يسبب إعاقة للوصول للخدمة من قبل مستحقيها الحقيقيين. ولأنها ليست شهرية أو سنوية فإن هذه الرسوم تفرض فقط عند تلقي الخدمات، ولا تستخدم في الخدمات السريرية وخدمات المستشفيات لأنها بذلك ستعوق إتاحة هذه الخدمات. كما أنها لا يجب أن تمثل النصيب الأهم في تمويل النظام التأميني الذي يجب أن يعتمد على التكافل بين الأغنياء والفقراء عن طريق نسب الاشتراكات الثابتة. فضلاً عن أن تحصيل هذه الرسوم يشكل إضافة للعبء الإداري المكلف مادياً لذلك يجب تقليصه قدر الإمكان. وجميع هذه المعايير الأساسية لا تنطبق على الرسوم والمدفوعات الإضافية التي يفرضها مشروع القانون الجديد.


ومن المخاطر الأساسية أيضاً في نفس المادة الإشارة إلى ضرورة زيادة الاشتراكات في الحدود الدنيا والقصوى، إضافة إلى الرسوم والمساهمات عن المؤمن عليهم بما يعادل نسبة معدل تضخم أسعار المستهلك سنويا، دون مراعاة لضرورة زيادة أجور المؤمن عليهم اجتماعيا بشكل سنوي بنفس نسب معدل تضخم الأسعار، وهو ما يعد من الشروط الضرورية لضمان عدالة توزيع أعباء التأمين. والمادة بشكلها الحالي تعني تحميل المشتركين بأعباء إضافية لا تتناسب مع مستويات الأجور والمعاشات الحالية وهو ما لا يجوز قبوله. 

---

5- صرح وزير الصحة في حديث منشور بالمصري اليوم أن هذه الفئة تمثل من يحصلون على معاش الضمان الاجتماعي مضافا إليهم     الشريحة الفقيرة التي قدرها إجمالا بحوالي 22 مليون نسمة. أي أن المبلغ الذي ستتحمله الحكومة يساوي (15* 22 مليون = 330 مليون جنيه شهريا، و 3،9 مليار جنيه سنويا. مجدي الجلاد وطارق أمين، "د. حاتم الجبلي في حوار شامل"، المصري اليوم، 25  أكتوبر 2009.


6- تقرير صادر عن مجلس الوزراء – مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار -  بعنوان "الملامح الصحية للأطفال في مصر...هل تغيرت؟"، أغسطس 2008.


7- سوء استخدام الخدمات التأمينية العامة moral hazards  المقصود به لجوء الأصحاء لاستخدام الخدمة التأمينية لزيادة مزاياهم دون مبرر بما ينعكس على الموارد وعلى المرضى بالسلب، كالرغبة في الحصول على إجازات مرضية غير ضرورية أو الحصول على الأدوية بسعر مخفض وإعادة بيعها بسعر أعلي