متابعات

مهرجان فينيسيا السينمائي: دورة الرعب، الدم والثورة

تقام في الفترة بين 31 أغسطس و10 من سبتمبر القادم الدورة الثامنة والستين من مهرجان "فينيسيا" (البندقية) السينمائي الدولي، أعرق المهرجانات السينمائية وأحد أهم ثلاثة مهرجانات سينمائية في العالم.
يتكون برنامج المهرجان من عدة أقسام أهمها قسم المسابقة الرسمية للأفلام الطويلة وتضم هذا العام 21 فيلما، ومرشح للانضمام إليها فيلم آخر يطلق عليه عادة "الفيلم المفاجأة"؛ وهناك بعد ذلك قسم "آفاق" ويضم 24 فيلما طويلا ما بين الروائي والتسجيلي، و28 فيلما قصيرا.
ويعرض في قسم "خارج المسابقة"  33 فيلما طويلا وقصيرا، من الأفلام التسجيلية والروائية، القديمة والحديثة.
ويأتي بعد ذلك قسم مخصص لعرض مختارات من الأفلام الايطالية القديمة منها والحديثة، ثم تظاهرة "أيام فينيسيا" الذي يشبه تظاهرة "نصف شهر المخرجين" في مهرجان "كان".
 وهذه التظاهرة مستقلة عن المهرجان الرسمي لكنها تنظم بالتعاون معه، وبالتعاون بين اتحاد السينمائيين الايطاليين وعدد من المؤسسات الأخرى.
 وينظم اتحاد نقاد السينما الايطاليين "أسبوع النقاد" ويعرض سبعة أفلام إضافة إلى فيلمي الافتتاح والختام.

المشاركة الأمريكية
إذا توقفنا قليلا أمام المسابقة الرسمية سنجد أنها تضم أربعة أفلام أمريكية من الانتاج الحديث؛ هذه  الأفلام هي "حقول تكساس القاتلة" من إخراج "آمي كانعان مان"، و"آخر يوم على الأرض" لـ /أبيل فيرارا، و"الحصان الأسود" لـ/توم سولوندز، وأخيرا "القاتل جو" لـ/ ويليام فريدكين.
المخرج المخضرم "وليم فريدكين" (76 سنة) صاحب "الرابطة الفرنسية"-1971 و"طارد الأرواح الشريرة" The Exorcist – 1973 يعود بفيلم جديد هو "القاتل جو" يروي قصة شاب يضطر إلى قتل والدته العجوز بسبب حاجته الشديدة إلى المال، في أجواء ربما تذكرنا بأجواء رواية ديستويفسكي العظيمة "الجريمة والعقاب".

أما فيلم "آخر يوم على الأرض" لـ/ أبيل فيرارا فيروي قصة درامية مثيرة عن اليوم الأخير قبل نهاية العالم بطولة: "وليم دافو" الذي سبق أن قام ببطولة فيلم "ضد المسيح" Antichrist للدنماركي "لارس فون ترايير".
والطريف أن "ترايير" قدم أحدث أفلامه "كآبة" Melancholia في مسابقة مهرجان "كان" الأخيرة، ويدور أيضا عن نهاية العالم وفي اليوم الأخير قبيل هذه النهاية.
 ويبدو أن هناك تشابها من حيث الإطار العام بين الفيلمين، فالمؤكد الآن أن "فيرارا" شأنه شأن "فون ترايير"، لم يلجأ الى تصوير الانفجارات واندلاع الحرائق وفوران البراكين والزلازل والانهيارات التي يمكن أن تصاحب نهاية العالم، بل ركز على العلاقة بين زوج وزوجته في مسكنهما بنيويورك وقد قررا قطع كل ما يربطهما من علاقات تمهيدا لاستقبال النهاية، كما يركز أيضا على ردود فعل السكان، والهلع المكتوم الذي يسيطر عليهم، تماما كما كان الأمر في "كآبة".

منافسة بريطانية
داخل المسابقة أيضا تتنافس ثلاثة أفلام بريطانية، وهي أكبر مشاركة بريطانية من نوعها في مسابقة "فينيسيا" منذ عقود.
 هذه الأفلام هي "المتجول"، "الخياط"، "الجندي" و"الجاسوس" من إخراج السويدي: "توماس ألفريدسون"، و"مرتفعات ويزرنج"   لـ/ أندريا أرنولد، و"العار" لـ/ ستيف ماكوين.
فيلم "توماس ألفريدسون" مأخوذ عن رواية بالعنوان نفسه لسيد روايات الجاسوسية البريطاني "جون لوكاريه" (وهو اسم مستعار للكاتب ديفيد جون مور كورنويل- مواليد 1931، وصاحب الرواية الشهيرة "الجاسوس الذي أتى من الصقيع").
أما الفيلم الجديد فيعود بنا مرة أخرى إلى أجواء الحرب الباردة، فالرواية كتبت عام 1974، وبطلها خبير متقاعد في المخابرات الخارجية، يتم استدعاؤه للخدمة لتعقب جاسوس يعمل لحساب الاتحاد السوفيتي داخل جهاز المخابرات البريطانية.
وتعود المخرجة البريطانية "أندريا أرنولد" التي تألقت بفيلميها "الطريق الأحمر" ثم "حوض الأسماك" في مهرجان "كان"، بفيلم جديد مقتبس من الرواية الكلاسيكية الشهيرة "مرتفعات ويذرنج" لـ/ إميلي برونتي، تقدم فيها رؤيتها الخاصة للموضوع الذي سبق أن قدم كثيرا في السينما والتليفزيون.

مجزرة
ولعل من الأفلام المنتظرة كثيرا في "فينيسيا" هذا العام فيلم "مجزرة" Carnage  لـ/ رومان بولانسكي (يمثل فرنسا في المسابقة) وهو أول فيلم يخرجه بولانسكي منذ تعرضه للإعتقال ثم البقاء لمدة عام تقريبا محدد الاقامة في سويسرا، مهددا بالترحيل إلى الولايات المتحدة لمواجهة السجن بسبب ما اعتبر في 1978 جريمة اعتداء جنسي على فتاة قاصر قبل أن يفر "بولانسكي" من أمريكا ويلجأ إلى فرنسا.
و"بولانسكي" هو أرمل الممثلة الأمريكية "شارون تيت" التي ذبحت في منزلها بضواحي لوس أنجلوس على أيدي عصابة زعيم الهيبيز تشارلز مانسون في مذبحة بشعة راح ضحيتها عددا من الأشخاص في 1968؛ وكانت "شارون" حاملا من "بولانسكي" في ذلك الوقت، وعلى إثر ذلك كان أول فيلم يخرجه بعدها "قتلة مصاصي الدماء"- 1969 ثم فيلم "ماكبث"- 1971، وكلاهما يفيضان بحمامات من الدماء والرعب والخوف من العالم وما يمكن أن يخبئه لنا القدر، بدرجة تعكس إلى حدّ كبير التشوش الفكري الذي سيطر على "بولانسكي" (وكان وقتها في الثلاثين من عمره أو نحو ذلك).
أما "مجزرة" فهو مقتبس من مسرحية "إله حمام الدم" للكاتبة الإيرانية الأصل "ياسمينة رضا"، حصلت عام 2009 على جائزة توني لأحسن مسرحية في أمريكا؛ وتقوم بأدوار البطولة "كيت وينسليت" و"جودي فوستر"، و"كريستوف فالتز"، و"جون ريلي"، وتدور حول العلاقة بين زوجين من الأزواج تجمع بينهما ليلة من الرعب يتشاجر فيها أبناؤهما مشاجرة عنيفة، وما ينتج بعد ذلك من توتر وقلق؛ ولم تكشف الشركة المنتجة عن الحبكة بعد، وسيكون العرض في "فينيسيا" هو العرض العالمي الأول للفيلم الذي أنتجه سعيد بن سعيد (وهو فرنسي من أصل مغربي) الذي أنتج خلال عشر سنوات سبعة عشر (17) فيلما.
وإلى جانب هذا الفيلم تشارك فرنسا بفيلمين آخرين في المسابقة هما "دجاج بالخوخ" الذي يشترك في إخراجه "ماريان ساترابي" و"فنسنت بارونو"، وهما الثنائي الذي سبق أن قدم فيلم "الرسوم السياسي" المثير الذي فاز بإحدى جوائز مهرجان "كان" "برسيبوليس"، وفيلم "صيف حار" لـ/ فيليب جاريل.

المخرج الكندي المعروف بأفلامه "الغرائبية" "ديفيد كروننبرج" يعود بفيلم جديد بعنوان "طريقة خطرة" A Dangerous Method عن العلاقة بين "فرويد" وتلميذه "يونج".
وتعود إسرائيل إلى مسابقة "فينيسيا" هذا العام بفيلم "التبادل" للمخرج عيران كوليرين صاحب الفيلم الذي أثار ضجة كبرى قبل سنوات وهو فيلم "زيارة الفرقة الموسيقية"، ويقال أن الفيلم الجديد استكمال للفيلم السابق الذي كان يقدم صورة متخيلة لعلاقة تتجه نحو السلام بين المصريين والإسرائيليين؛ وجدير بالذكر في هذا السياق أن فيلم "لبنان" الإسرائيلي كان أول فيلم يحصل على جائزة الأسد الذهبي في مهرجان "فينيسيا" عام 2009.

العرب في المهرجان
تخلو المسابقة الرسمية للأفلام الطويلة تماما من الأفلام العربية أو تلك التي أخرجها مخرجون عرب يقيمون ويعملون في أوروبا.
أما خارج المسابقة، فيعرض فيلم "التحرير 2011: الطيب والشرس والسياسي" وهو فيلم تسجيلي طويل من إخراج ثلاثة من السينمائيين المصريين الشباب هم: تامر عزت، وآيتين أمين، وعمرو سلامة، ويعرض في اطار الاهتمام العالمي في المهرجانات السينمائية الكبيرة بالثورة المصرية، كما تقام بهذه المناسبة أيضا على هامش المهرجان ندوة لمناقشة علاقة السينما بالثورة في العالم العربي يشارك فيها نخبة من السينمائيين والنقاد منهم الناقد التونسي "حسونة المنصوري" وكاتب هذه السطور.
ومن سورية يعرض خارج المسابقة أيضا فيلمان قصيران يحملان عنوانين هما "النهاية" و"الطليعة" وهما من الإخراج الجماعي.
ومن سورية أيضا يعرض في قسم "آفاق" فيلم قصير بعنوان "حاضنة الشمس" للمخرج "عمار البيك".
 أما في تظاهرة "أيام فينيسيا" (أيام سينما المؤلف) فسيعرض الفيلم الأول للمخرجة الفلسطينية "سوزان يوسف" وهو بعنوان "حبيبي راسك خربان" وهو من الإنتاج المشترك مع الإمارات وهولندا. وقد صور بالكامل في فلسطين، ويروي قصة طريفة تربط بين الحب والتاريخ والوضع السياسي الراهن، وموّل من التبرعات والهبات التي حصل عليها من مهرجانات في الخليج وهولندا.

ومن أهم الأفلام التي ستعرض خارج المسابقة أيضا فيلم جديد لـ: "ارمانو أولمي"، و"آل باتشينو" وفيلم من إخراج المغنية "مادونا" عن زواج الملك إدوارد الثامن من مسز/سمبسون المطلقة الأمريكية مما أدى إلى تنازله عن عرش بريطانيا في الثلاثينيات من القرن الماضي، وهذا هو الفيلم الثاني من إخراج "مادونا" وكان فيلمها الأول قد فشل فشلا ذريعا.
يفتتح المهرجان بفيلم "منتصف مارس" (خارج المسابقة) وهو فيلم دراما سياسية حول مرشح للرئاسة الأمريكية يطلق الكثير من الوعود الصاخبة، من إخراج النجم الشهير "جورج كلوني"، ويختتم المهرجان بفيلم "عائلة دامسل في محنة" للمخرج "ويت ستيلمان" من الولايات المتحدة.

يكرّم المهرجان الممثل الأمريكي (من أصل ايطالي) آل باتشينو ويمنحه جائزة الجدارة الثقافية، كما يكرم المخرج الأمريكي الراحل "نيكولاس راي" ويحتفل بمرور مائة عام على مولده (ولد عام 1911 وتوفي عام 1979 من جرّاء إصابته بالسرطان). ويعرض بهذه المناسبة فيلما تمت استعادته إلى صورته الأصلية هو فيلم "لا يمكننا العودة مرة أخرى"، كما يعرض فيلما تسجيليا طويلا من إخراج/ سوزان راي (زوجة المخرج الراحل) عن تجربة تصوير فيلم "لا يمكننا العودة".

قد ينال إعجابكم