باحث المبادرة المصرية المختطف يحكي رحلته من الشرطة العسكرية للمخابرات العامة لقسم الوايلي... عمرو غربية: مجهولون خطفوني بحجة أنني جاسوس..وذهبوا بي للأجهزة الأمنية تحت تهديد مطواة قرن غزال!

الخميس 28 يوليو 2011

مساء الثالث والعشرين من يوليو الجاري، تعرض عمرو غربية مسئول برنامج التقنية والحريات بالمبادرة المصرية للحقوق الشخصية للاختطاف بواسطة مجموعة من الأشخاص، على خلفية معركة "العباسية" الدامية التي وقعت مساء 23 يوليو. حيث قرر هؤلاء المختطفون أن عمرو ينتمي لحركة "6 أبريل" فضلا عن كونه جاسوس، يجدر بهم أن يسلموه للشرطة العسكرية.

كانت البداية حين شارك عمرو وعدد من زملائه في المسيرة المتوجهة من ميدان التحرير نحو مقر المجلس العسكري، والتي تم اعتراضها على نحو عنيف في ميدان العباسية بواسطة مدنيين (رجح البعض أن كثيرين منهم ليسوا من سكان العباسية وأنهم مأجورون)، كما حاصرها الأمن المركزي بقنابل الغاز المسيلة للدموع فيما اكتفى الجيش بالتزام الحياد السلبي وفقما أفاد شهود العيان.

وقد تم تتويج عملية الاشتباه في عمرو فاختطافه، برحلة من مقار الشرطة العسكرية والتحريات العسكرية لجهاز المخابرات العامة لقسم شرطة الأميرية ثم قسم الوايلي، في سلسلة من المفارقات الدالة. وتعرض عمرو خلال هذه الرحلة التي استمرت حتى الخامسة فجرا، لعمليات اعتداء متتالية، وسطو على نقوده، وتقييد بكلبش بلا مفتاح بواسطة أحد الأشخاص الذين تطوعوا في عملية تسليم "الجاسوس" للأجهزة المختصة.

وخلال الساعات الثماني التي اختفى فيها عمرو – أي منذ الساعة التاسعة مساء السبت 23 يوليو وحتى الساعات الأولى من صباح اليوم التالي - لم نتمكن من الوصول إليه، وكانت عشرات الدعاوى التضامنية قد أطلقها أصدقاؤه وزملاؤه عبر شبكة الانترنت، في سبيل البحث عن ناشط له تاريخ حافل في مناهضة التعذيب، والانتصار للقضايا الحقوقية. وتصدت هذه الدعوات إلى محاولات محمومة من "أشخاص" نشطوا على موقعي فيسبوك وتويتر للنيل من عمرو، لدرجة إنشاء مجموعة على موقع فيس بوك تدعو لإعدام عمرو غربية!

وفي هذا الحوار المختصر يتعرض عمرو، مسئول برنامج التقنية والحريات بالمبادرة المصرية للحقوق الشخصية، لتفاصيل اختطافه من أمام محطة مترو الدمرداش وحتى وصوله لمنزله صباح اليوم التالي.

كيف بدأت الأمور، وما الذي حدث تحديدا؟
في حوالي الساعة الثامنة والنصف، كنت وسط مجموعة من الزملاء، متوجهين نحو محطة مترو الدمرداش بالقرب من ميدان العباسية، فاستوقفني مشهد لمجموعة من الأهالي يستوقفون شابا أعرفه من المتظاهرين بميدان التحرير، وكانوا يسألونه عن بطاقته الشخصية. فتوجهت ناحيتهم على أمل مساعدة هذا الشاب. فتحول الأمر بسرعة من استجواب الشاب إلى الإمساك بي أنا، ومحاولة الاعتداء علي وسط مجموعة من الاتهامات تتردد: "ده من 6 أبريل وجاسوس!"

وكيف كان رد فعلك على هذا التحول المباغت في الموقف؟
حاولت أن أكون هادئا، وأكدت لهم أنني لا أنتمي لحركة 6 أبريل، لكن الأيدي كانت تتجاذبني، وتمزقت ملابسي، وتلقيت لكمات من هنا وهناك، لا يمكن تحديد موقعها بدقة، وسط الزحام الذي كان يحوطني، والذي كانت تختلف كثافته من وقت لآخر، وكان زملائي قد فشلوا في انتزاعي من أيديهم تماما. وتركت حقيبتي الشخصية لعالية الحسيني التي كانت معي وآخرين في المسيرة، بعد أن تناولت من الحقيبة "تي شيرت" ارتديته بدلا من ملابسي الممزقة، ثم أصبح وجودي قيد احتجازهم أمرا واقعا علي أن أتعامل معه من الآن فصاعدا، وتخلل احتجازهم لي درجة من المقاومة من ناحيتي، الأمر الذي خفف من حدة الاعتداءات ولو قليلا.

وإلى أين توجه بك "المتحفظون عليك"؟
كما قلت كانت كثافتهم العددية تتغير من وقت لآخر، إلا أن هناك ثلاثة أشخاص (حسن الغندور وكريم علي وسيد) كانوا يعتبرونني صيدهم الشخصي، ويتحفظون علي بمعرفتهم الخاصة. إلى أن قرروا الذهاب بي لأقرب نقطة شرطة عسكرية، فتطوع "شخص ما" باصطحابي وأنا بحوزتهم داخل سيارته الملاكي البيضاء إلى هذه النقطة. وفي الخلف حيث قبعت بجوار حسن، كان يهددني طوال الوقت بمطواة قرن غزال ويلكزني بها من حين لآخر. وكان حسن واثقا من أنني جاسوس ومن أنه شاهد صورة لي على موقع "فيسبوك" تؤكد على أنني "الجاسوس"، ثم أوقف شاب السيارة وقرر الركوب معنا وأعلن بمنتهى الشجاعة أنه من 6 أبريل وهو ما أعطاني دفعة أمل في أنني لن أختفي على يد هذه المجموعة، إلا أن حسن ومطواته وتهديداته المتتالية كانتا كفيلتان بإثارة خوف هذا الشاب، الذي ترك السيارة بعد قليل واختفى.

وما هي طبيعة المعاملة التي أولاك إياها حسن ورفاقه طوال الطريق، وكيف أدرت المشهد من ناحيتك؟
لكزات ولطمات، كنت أقاومها بنقاشهم، وربما على أمل تمديد أمد هذه اللحظات عسى أن تتحسن الظروف، إلا أنني لم أسمح لهم بالإطلاع على بطاقتي الشخصية ولا استخدام هاتفي المحمول أو تفحصه، وقد ظلا معي ولم يستطيعوا الوصول إليها. ومع ازدحام الطريق قرر حسن ورفاقه اصطحابي مترجلين من السيارة نحو نقطة الشرطة العسكرية الأقرب (تقع بالقرب من كوبري ما لا أستطيع الآن تحديده بدقة) إلى أن برز مواطن يحمل "كلابش" وحاول تقييد يدي من الخلف. فرفضت بشدة وأخذت أدفعهم عني وأقاومهم بقوة، ما خلق حالة من توازن الردع بيني وبينهم. ثم انتهى الأمر إلى تكبيل يد واحدة فحسب بالكلابش، ثم اختفى هذا المواطن.

إلى أن وصلتم لنقطة الشرطة العسكرية؟
نعم، وهناك أفرغت أمام ضباط الشرطة العسكرية وجنودها أغراضي الشخصية: سلسلة مفاتيح بها أيضا ذاكرة فلاش؛ بطاقة شخصية؛ بطاقة حساب بنك؛ 253 جنيها؛ هاتف محمول وشاحن له، فقرر رائد بالشرطة العسكرية أن الجاسوسية أكبر من نطاق عمل وحدته وأنه من الأفضل اصطحابي للتحريات العسكرية.

وماذا حدث بعد ذلك؟
اصطحبنا عسكري من الشرطة العسكرية (مازال حسن ورفاقه في المشهد) إلى التحريات العسكرية في شارع ولي العهد. ولم يكترث الواقفون على البوابة إلا بالتأكد من جنسيتي (فغالبا القواعد العسكرية لا تسمح بدخول الأجانب). وفي هذه الأثناء كان الشباب يصورونني بهواتفهم المحمولة باعتباري "صيد كبير". إلى أن  رفضت التحريات العسكرية استقبالي، فبدا لي أن أحدا من السلطة لا يريدني. وهنا كانت نقطة مهمة في إدارة المشهد بصورة فنية مختلفة، فكما يبدو سأظل حبيس حسن ورفقته إلى أن يحدث "شيء ما" فارق.

وكيف صارت الأمور، بعد رفض التحريات العسكرية استلامك، وبعدما بدا لهم أنك لست "الجاسوس" الذي تقلب السلطات-افتراضا- الدنيا رأسا على عقب بحثا عنه؟
كما قلت، كانوا يتعاملون معي على أنني صيد، وطوال الطريق كان "حسن" يواجهني برؤاه السياسية للمنطقة، وطبيعة ما تفله أمريكا وإسرائيل وحزب الله! وكانوا مستوثقين من كوني جاسوسا، نظرا لأن أحدهم ادعى أن لي صورة مع "إيلان جرابيل" المتهم الإسرائيلي بالتجسس على مصر، وقد لاقت هذه الصورة (المغلوطة والتي يظهر فيها شخص غيري) رواجا واسعا على الانترنت.

ومن ثم كان اصطحابي مشيا لمقر جهاز المخابرات العامة في كوبري القبة، في مسيرة ينضم إليها أشخاص، وينفصلون عنها بعد قليل، تخللها عملية اعتداء من "أحدهم" علي بواسطة آلة حادة تسببت في "تقشير" منطقة من الجلد أسفل عنقي.

وما الذي جرى حين وصلتم لمقر المخابرات؟
تم تسليمي وخرج اثنان من ضباط المخابرات تتراوح أعمارهم بين الثلاثين والأربعين، اصطحبوني إلى غرفة ما بجوار البوابة، ووجهوا إلى بعض الأسئلة بصورة مهذبة وودودة وسألوني عن عملي وعن خلفيتي، فابتسمت وقلت أنا الجاسوس فابتسما بدورهما!

ثم أخبرتهم أنني أعمل في المبادرة المصرية للحقوق الشخصية، وطلبت فك الكلابشات التي قيدها في يدي فاعل الخير الذي اختفى ومعه مفاتيح الكلابشات! كما طلبت مكالمة هاتفية، وتلقيت وعدا بإجرائها و بمحاولة فك الكلابشات ولم أحصل على أيهما. ظللنا نتحدث طيلة نصف الساعة (الساعة الآن تجاوزت الحادية عشرة مساء) أبلغوني بعدها أنني لا أعنيهم في شيء، وأنهم سيطلبون تسليمي للشرطة التي قد تقرر إحالاتي للشرطة العسكرية فالنيابة العسكرية، ثم قالوا أنه لا توجد لديهم قناة اتصال مباشر مع الجيش.

إلى أن جاءت سيارة دورية شرطة - بناء على طلب المخابرات -  لتقلني أنا وحسن ورفاقه الذين كانوا ينتظرونني أمام مبنى المخابرات – مازالوا - لمدخل آخر لمجمع المخابرات حيث تم التحقيق معي، ثم إلى قسم شرطة الأميرية الذي رفض استلامي بحجة أنه ليس محل نطاق الموضوع. فتم اصطحابي لقسم الوايلي الذي كان على علم بوصولي، وفي هذه الأثناء تعرفت على بيانات الثلاثة الذين يتحفظون علي ويتنقلون بي من جهاز أمني لآخر.

وكيف سارت الأمور داخل قسم الوايلي؟
استقبلني رائد مباحث يدعى أيمن صالح وضابط مباحث يعمل معه، وقالوا لي أنهم عرفوا بوصولي من مديرية أمن القاهرة وأن لديهم توجيهات بإطلاق سراحي، لكن بعد التأكد من عدم كوني على قائمة المطلوبين لدى (أمن الدولة/الأمن الوطني)، أو على ذمة أي قضايا أخرى. ثم أجرى الرائد اتصالا بالأمن الوطني، فعرض عليهم الأمر فقالوا له أنهم لا يريدوني بحال من الأحوال.

ثم جرت دردشات ودودة بيني وبينهم، وحين عرفوا أنني لدي خبرة بمجال التكنولوجيا، فقال لي أحدهم أنه يعرف أن التسويق الإلكتروني شغلانة "مكسبها كبير أوي"، وطلب مني أن أصلح عطبا ما في حاسوبه، فأصلحته.

استغرق الأمر في قسم الوايلي نحو ساعتين، منذ الثالثة، وحتى الخامسة فجرا، إلى أن تأكدا من عدم مطلوبيتي لـ(أمن الدولة/الأمن الوطني)، أو على ذمة أي قضايا أخرى.

وحين جاءت لحظة إطلاق سراحي، كان هاتفي قد توقف عن العمل، حيث عمدت عائلتي إلى توقيفه لحين الاستدلال على مكاني، كما أن نقودي (253 جنيها) كانت اختفت بمعرفة من خطفوني! فاستقللت تاكسي حتى المنزل ووصلت في نحو السادسة صباحا.

تقدمت المبادرة المصرية ببلاغ للنائب العام، يوم الثلاثاء الموافق 26 يوليو، بشأن ما تعرض له زميلنا عمرو من احتجاز غير قانوني على يد الأشخاص الثلاثة. وحمل البلاغ (رقم 9281 لسنة 2011) تفاصيل انتزاع عمرو غربية من وسط زملائه على مقربة من محطة مترو الدمرداش مساء 23 يوليو على هامش المسيرة السلمية التي تم اعتراضها في ميدان العباسية. وقام النائب العام المساعد – المستشار عادل السعيد – بإحالة البلاغ في نفس يوم تقديمه إلى نيابة غرب القاهرة. وفي اليوم التالي لتقديم البلاغ – أي 27 يوليو – أدلى عمرو بأقواله أمام السيد وكيل النيابة، أحمد سعيد حبيب
، الذي قرر بدوره إرسال عمرو للطب الشرعي للكشف عليه واستكمال أقواله اليوم التالي.

تعليقات القراء

abozyyad (لم يتم التحقق)

خميس, 25/08/2011 - 1:27am

رأيت حالاً الحلقة ةمعجب جداً بمجهوداتكم ولكني لم أفاجأ بأييٍ من علامات التعجب الكثيرة التي طرحت في تلك الحلقة ففعلاً الحقيقة هي ما قالها الكاتب علاء الأسواني أنه لا تتوافر نيه صادقة من ( الإدارة السياسية ) في الإصلاح وهو ما يؤكد فشل الحياة السياسية القادمة من إنتخابات تشريعية أو حى رئاسية إلا إذا أراد الله لنا خيراً فألهمنا قوة لثورة أظنها الأكبر من ثورة يناير .

علِّق

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.