بغداد/نينا/تقرير من وكالة شينخوا الصينية : ساعدت مجموعة البريكس , وهي كتلة حديثة العهد نسبيا تضم الاقتصادات الخمسة الصاعدة (الصين والبرازيل وروسيا والهند وجنوب افريقيا) في تشكيل نظام اقتصادي عالمي جديد وأكثر توازنا.
وهيمنت القوى الاقتصادية الغربية التقليدية , مثل الولايات المتحدة والدول الأوروبية , التي تمتعت بكلمة أقوى في المنظمات المالية العالمية الرئيسة , مثل صندوق النقد الدولي والبنك الدولي , لوقت طويل على النظام الاقتصادى الحالي.
غير أن تأسيس مجموعة البريكس وحجم تنميتها السريع ، يزيد من وتيرة التحول التدريجي في التوازن الاقتصادي العالمي من الدول المتقدمة إلى الدول الصاعدة , وكذلك يدعم الحاجة إلى تسريع تشكيل نظام اقتصادي دولي جديد , والاتجاه نحو عالم متعدد الاقطاب لإحداث توازن أمام القوة المطلقة للدول الصناعية.
وظهر التعاون الوثيق بين مجموعة البريكس لأول مرة كمفهوم اقتصادي في 2001 على يد جيم أونيل , وهو اقتصادي بارز في مؤسسة جولدمان ساكس.
وعقد قادة دول البريك (البرازيل وروسيا والهند والصين) القمة الأولى لهم في حزيران 2009 في روسيا.
وعكس ميلاد البريك , التي أطلق عليها عقب انضمام جنوب افريقيا لها اسم البريكس في اواخر العام الماضي , القوة الصاعدة للاقتصادات الصاعدة الرئيسة في العالم والتعاون الاقتصادي الوثيق بينها.
وفي العام الجاري , حقق أعضاء البريكس تقدما جديدا وملحوظا في تعزيز التعاون المتبادل.
وفي نيسان ، قامت الصين بدور المضيف لقمة المجموعة الثالثة في مدينة سانيا الساحلية بجنوب البلاد.
وأصدرت القمة ذات الجدول المضغوط التي استمرت يوما واحدا /إعلان سانيا/ والذى اتفقت فيه دول البريكس على تعزيز إصلاح النظام النقدي والمالي الدولي القائم وتنويع نظام عملة الاحتياط الدولي , الذي يسيطرعليه حاليا الدولار الامريكي.
كما خرجت القمة بخطط عمل ثلاث لمراجعة مشروعات التعاون القائمة وتعميق التعاون المستقبلي بين دول المجموعة.
وفي تشرين الثاني الماضي , اجتمع قادة البريكس , بمن فيهم الرئيس الصيني هو جين تاو, في مدينة /كان/ الساحلية الفرنسية قبيل قمة مجموعة العشرين.
وبحث القادة تقوية التعاون بين دول البريكس وتبادلوا وجهات النظر حول الوضع الاقتصادي الدولي وأزمة الديون الاوروبية.
وفي الوقت الذي أصبحت الدول الخمس الأعضاء في البريكس أكثر تكاملا وترابطا من الناحية الاقتصادية , يعد التنسيق والتعاون بينهم خطوة استراتيجية مستقبلية للكتلة.
القوة المتنامية للبريكس : وفقا لما ذكر صندوق النقد الدولي , فإن التقديرات تشير إلى أن المجموعة الخماسية التعاونية , والتي تشكل قرابة ثلث سكان العالم وتمثل ما يزيد على ربع مساحة المعمورة , ستحقق ناتجا محليا اجماليا اسميا مجمعا بقيمة 13.6 تريليون دولار أمريكي العام الجاري , وهو ما يقدر بـ 19.5 في المائة من إجمالي الناتج المحلي في العالم.
ونمت التجارة فيما بين دول البريكس بمتوسط سنوي نسبته 28 في المائة من 2001 إلى 2010 ووصلت إلى 239 مليار دولار في 2010 , لتمثل نسبة أكبر بكثير من التجارة الدولية.
وتوقع أونيل في تقرير غولدمان ساكس لعام 2003 بأن يتم تعديل الهيكل الاقتصادي الدولي بحلول 2050, وستتجاوز البريكس الدول الغربية الأكثر تقدما في ذلك الوقت.
وفى الوقت ذاته , تصبح البريكس أكثر جذبا لرأس المال الدولي غير المستخدم , وهو ما يبرهن على قدرتها التنافسية المتصاعدة.
وقال يوري موسيكين , نائب عميد معهد الاقتصاد والأعمال العالمية في موسكو , لوكالة (شينخوا) للأنباء مؤخرا إن " البريكس تجذب رؤوس الأموال /الساخنة/ من المناطق الأخرى , حيث لا تستطيع تلك الموارد المالية إيجاد موطئ للاستثمار . وتعتبر أسواق البريكس أكثر جذبا للشركات بسبب تمتعها بقوة عمالة أرخص ".
وأضاف ان " الأحداث الأخيرة تظهر أن نمو البريكس يؤثر على الاقتصادات الغربية حتى على نحو أكثر مباشرة . وتعمل البريكس هناك من خلال اتفاقيات صندوق النقد الدولى , عبر زيادة حصص البريكس في الصندوق ".
ووفقا لما ذكرته قمة رويترز حول آفاق الاستثمار التي عقدت في كانون الاول الماضي , قد تصبح البريكس بحجم مجموعة الـ 7 دول (الولايات المتحدة واليابان وألمانيا وفرنسا وبريطانيا وكندا وايطاليا) بحلول عام 2027.
وتظهر التوقعات طويلة الأجل أن البريكس ستسهم بقرابة 50 في المائة من أسواق الأسهم العالمية بحلول 2050 , وسيتجاوز ناتجها الإجمالى المحلي المجمع مثيله في الولايات المتحدة بحلول عام 2020 , وفقا للأرقام الصادرة من القمة.
واتخذت مجموعة البريكس , بالاضافة إلى تعزيز التعاون الاقتصادي , خطوات لدعم التنسيق السياسي الداخلي , لزيادة أرباحها وتأثيرها على الساحة الدولية.
وفي مناسبات عديدة , وافقت الدول الخمس على موقف موحد بشأن القضايا الدولية الرئيسية . وعلى سبيل المثال , أكدت الكتلة في /إعلان سانيا/ الحاجة إلى إصلاح شامل للأمم المتحدة ومجلس الامن الدولي سعيا لتحسين تمثيل أصوات ومصالح الاقتصادات الصاعدة.
وفيما يتعلق بالمسألة الليبية , امتنعت الدول المؤسسة في البريكس عن التصويت على قرار مجلس الأمن الذي يقضي بفرض منطقة حظر جوي على ليبيا في اذار الماضي.
وقال تاو ون تشاو , وهو باحث بارز في مركز العلاقات الأمريكية - الصينية في جامعة تسينغهوا الشهيرة , في مقالة له " إن التأثير الأكثر أهمية للدول الصاعدة مثل أعضاء البريكس على السياسة الدولية هو مشاركتها في الجهود الدولية من أجل الحكم الرشيد ".
تحويل النموذج الاقتصادي القديم : كانت الدول الصناعية السبع تسهم منذ عقدين بأكثر من 70 في المائة من الناتج الاقتصادي الدولي , ولكنها الآن تسهم بـ50 في المائة.
ويتعين على الدول المتقدمة الآن أن تواجه الحقيقة وهى أن المشهد الاقتصادى والسياسى العالمى قد تغير , وأن النظام الاقتصادي التقليدي يفسح الطريق أمام نظام جديد أكثر عدلا وتوازنا ومعقولية.
وأخذت مجموعة البريكس طابعا مؤسسيا بالتدريج عبر تنظيم قمم سنوية وتوسيع العضوية وتعميق التعاون . وتطورت من مجرد مفهوم اقتصادي إلى آلية متعددة الأطراف للتعاون لا يمكن تجاهل قوتها.
وأظهر تقرير غولدمان ساكس في 2009 انه منذ بداية الازمة المالية العالمية عام 2007 , أصبح 45 في المائة من النمو العالمي يأتي من البريكس.
وتشير تقديرات صندوق النقد الدولي إلى أن النمو الاقتصادي في الدول الصاعدة , بصرف النظر عن تأثير الأزمة المالية العالمية , وصل إلى 7.1 في المائة في العام الماضي ومن المتوقع أن يصل إلى 6.4 في المائة فى العام الجاري.
وقال تاو في جامعة تسينغهوا ان القوة النشطة الدافعة للنمو من الأسواق الصاعدة لعبت , لاسيما في البريكس " دورا مهما للغاية في جذب الاقتصاد العالمي للخروج مما كان سيصبح ركودا عميقا ".
وفى الوقت ذاته , لم يكن لأزمة الديون الأوربية وتأثيرتها المتزايدة في العام الجاري ، تأثير شديد على دول البريكس.
وتتمتع اقتصادات البريكس بقوة نشطة دافعة للنمو , ويتوقع بعض الخبراء أنها ستتجاوز حتى القوة الاقتصادية للدول المتقدمة في النهاية.
ومع صعود البريكس , سيتم تحويل سلطة النظام الاقتصادي الدولي الراهن التي تهيمن عليها القوى الغربية بشكل مؤكد إلى وضع أكثر معقولية.
وقال ماريانو تورزي , الأستاذ في جامعة توركواتو دي تيلا في بوينس أيرس , لوكالة (شينخوا) للانباء انه " في غضون السنوات الـ 10 إلى الـ 15 المقبلة , ستعيد البريكس هيكلة العلاقات الاقتصادية والدبلوماسية الدولية , وفي تلك الفترة سيكون من الصعب أن ترتد قوتها إلى الوراء مرة أخرى ".
ومن اجل زيادة التعاون بين البريكس والاقتصادات الغربية في مواجهة آفاق اقتصادية معتمة وانتعاش بطيء , يجب على الدول المتقدمة والاقتصادات الصاعدة , لاسيما البريكس , أن تتعاون بشكل أوثق وتحل خلافاتها , وأن تحقق نتائج مربحة للجانبين.
وقال المحللون ان هناك حاجة , مع ذلك , إلى عمل شاق كثيف لتعزيز التعاون.
وقال الخبير الروسي موسيكين إن البريكس والدول المتقدمة تنمو كل منها فى طريق منفصلة عن الأخرى " ولم يجدا حتى الآن أداة عملية مخصصة لتنسيق سياساتها على أساس يومي " مضيفا " ان المنبر الوحيد لشىء من التنسيق هو اجتماعات مجموعة العشرين ".
وبشكل عام , فإن صعود البريكس يجلب أخبارا سارة للعالم لوضع نظام اقتصادي أكثر عدلا ومعقولية , تسمع فيه أصوات الدول الصاعدة وآرائها مسموعة على نحو أفضل.
بيد أن النظام الاقتصادي الجديد المرتقب لا يمكن أن يحل محل النظام الراهن ما بين عشية وضحاها.
فسوف يتشكل بالتدريج بجولات من التنسيق والتعاون بين أعضاء البريكس , وبين البريكس والاقتصادات الصاعدة الأخرى, وبين الدول النامية ونظيرتها المتقدمة./انتهى
|