بغداد/نينا/تقرير : /عام الجلاء/ ربما هي التسمية الابرز التي يمكن ان يطلقها معظم العراقيين على عام 2011 الذي سيغادرنا الليلة ، كما غادر قبله ـ وكان اكثر عجالة ـ اخر جندي اميركي وطأت قدماه هذا البلد منذ اكثر من 8 سنوات في اكبر عملية تدخل عسكري تقوم بها الولايات المتحدة لغزو بلد منذ الحرب العالمية الثانية.
فمنذ آب الماضي والادارة الاميركية تحاول ابقاء عدد من جنودها في العراق متمتعين بالحصانة داخل هذا البلد وغير خاضعين لاية مساءلة قانونية حتى لو ارتكبوا ابشع الجرائم ـ وهو ما حدث ولمرات عديدة خلال سنوات الاحتلال ـ الا ان اصرار معظم العراقيين على رحيل تلك القوات ، جعل ساسة البلد يحزمون امرهم ـ بعد تردد ـ ويقررون عدم القبول ببقاء أي جندي اميركي بعد عام 2011.
وشهد عام 2011 بروز العديد من الازمات السياسية في البلد ، ابرزها ـ بحسب المراقبين ـ صدور مذكرة اعتقال بحق نائب رئيس الجمهورية طارق الهاشمي استنادا الى اعترافات ادلى بها عدد من افراد حمايته امام ـ قاض منفرد ـ وعرضت امام شاشة قناة العراقية شبه الرسمية ، عن قيامهم بعمليات قتل وتفجير بتوجيه من الهاشمي.
واعقب هذه الاعترافات سفر الهاشمي الى السليمانية برفقة نائب رئيس الجمهورية خضير الخزاعي بناء على طلب من الرئيس جلال طالباني ، واعلان القائمة العراقية تعليق حضور نوابها ووزارئها الى جلسات البرلمان ومجلس الوزراء ، ومطالبتها التحالف الوطني باستبدال رئيس الوزراء نوري المالكي بشخصية اخرى من داخل التحالف ، او اجراء انتخابات مبكرة وهي الدعوة التي ايدها التيار الصدري.
غير ان تطورات الاحداث بدأت في وقت مبكر من عام 2011 ويمكن القول انها استوحت في جزء منها مما حدث في بعض الدول العربية التي شهدت ما سمي بالربيع العربي وخصوصا في تونس ومصر.
ففي الخامس والعشرين من شباط انطلقت تظاهرات في عدد من المحافظات ابرزها في العاصمة بغداد تطالب بالإصلاح والتغيير والقضاء على الفساد المستشري في مفاصل الدولة ، قادها شباب وطلبة ومثقفون مستقلون عبر مواقع التواصل الاجتماعي /الفيسبوك/ قدم على اثرها محافظ البصرة عبود شلتاغ استقالته من منصبه.
وتبعه بيومين محافظ بابل السابق سلمان ناصر الزركاني الذي قدم استقالته تلبية لمطالب المتظاهرين بإقالته وتحسين الخدمات وتوفير مفردات البطاقة التموينية ، وهو ما جعل رئيس الوزراء نوري المالكي يمهل الوزارات ومجالس المحافظات مائة يوم لتحسين الخدمات.
وفي نيسان بدأت بوادر ازمة جديدة تلوح في الافق بين العراق والكويت بسبب شروع الاخيرة بإنشاء ميناء مبارك الكبير في جزيرة بوبيان ، بعد سنة من ارساء حجر الأساس لمشروع ميناء الفاو الكبير.
وبحسب مسؤولين وخبراء عراقيين ، فان ميناء مبارك سيقلل من أهمية الموانئ العراقية ، ويقيد الملاحة في قناة خور عبدالله المؤدية الى ميناءي أم قصر وخور الزبير ويجعل مشروع ميناء الفاو الكبير بلا قيمة.
ولم تمض الا اسابيع قليلة حتى قررت الجامعة العربية تأجيل عقد القمة العربية في بغداد الى آذار 2012 وهو ما عدّه محللون سياسيون ، ضربة لجهود الحكومة العراقية في كسب التأييد العربي لها من اجل عودة العراق الى محيطه العربي بعد سنوات من الغزو الاميركي.
كما رأى محللون ان التأجيل الذي تزامن مع ظهور /الربيع العربي/ في بعض البلدان العربية وعدم الاستقرار السياسي في بعضها الاخر ، كان ايضا بسبب موقف العراق من احداث البحرين الذي عدته دول الخليج العربي تدخلا في شؤون دولة مستقلة وعضو في مجلس التعاون الخليجي.
وفي ايار ايضا ، وافق مجلس النواب على ثلاثة نواب لرئيس الجمهورية ، هم طارق الهاشمي وعادل عبدالمهدي وخضير الخزاعي منهيا جدلا واسعا حول عدد نواب رئيس الجمهورية وحرمان التركمان من هذا المنصب كونهم يمثلون القومية الثالثة في العراق.
ويبدو ان الجدل حول الترشيق ، طال الحكومة التي شكلها المالكي من نحو 43 وزيرا ، ما جعل مجلس النواب يصوّت في تموز بالموافقة على تقليص عددها الى 29 وزارة ، ملغيا وزارات الدولة باستثناء وزارتي المرأة والمحافظات.
ولم يحل شهر آب ، الا وتفجرت قضية جديدة تتعلق بعقود الكهرباء ، اطاحت بوزير الكهرباء رعد شلال.
فقد قرر رئيس الوزراء نوري المالكي إقالة شلال على خلفية توقيع عقود مع شركات وهمية بقيمة 7ر1 مليار دولار وتكليف نائبه لشؤون الطاقة حسين الشهرستاني لتولي وزارة الكهرباء وكالة.
وبعد اسابيع قدم رئيس هيئة النزاهة رحيم العكيلي استقالته من منصبه بسبب ما قال انها ضغوط سياسية تعرض لها ، من دون ان يسمي الجهة التي مارست هذه الضغوط.
وحسم الرئيس الأميركي باراك اوباما في الحادي والعشرين من تشرين الاول قضية بقاء او رحيل قواته من العراق ، بالتأكيد على أن تلك القوات ستكون في الولايات المتحدة خلال أعياد نهاية السنة.
وبهذا التأكيد زادت وتيرة انسحاب القوات الاميركية من العراق ، وهو ما عدّه مراقبون سياسيون " فشلا للمفاوضات بين واشنطن وبغداد لابقاء جزء من القوات الاميركية بعد عام 2011 متمتعة بالحصانة ".
وفي هذه الاثناء ، اثار قرار وزير التعليم العالي والبحث العلمي علي الاديب شمول اكثر من 140 منتسبا في جامعة تكريت ، من بينهم عدد كبير من الاساتذة ، باجراءات المساءلة والعدالة غضبا في محافظة صلاح الدين.
ورافق تلك الاجراءات حملة اعتقالات واسعة طالت المئات من ضباط الجيش السابق وعناصر من حزب البعث المنحل نفذت في عدد من المحافظات ، قالت الحكومة انهم كانوا يخططون للاجهاز على العملية السياسية من خلال انقلاب عسكري.
ودفعت هذه التطورات مجلس محافظة صلاح الدين الى التصويت على اعتبار المحافظة إقليماً إدارياً واقتصادياً ضمن العراق الموحد ، وهو ما خلق ازمة سياسية جديدة في البلاد.
وفي الثاني عشر من كانون الاول يصوّت مجلس محافظة ديالى هو الاخر على تحويل المحافظة الى اقليم اداري واقتصادي ، لكن رد الفعل هذه المرة كان عنيفا من قبل ما قيل انهم مليشيات مسلحة احتلت مجلس المحافظة وقطعت الطرق المؤدية الى ديالى بمساعدة او تحت سمع وبصر قوات الجيش والشرطة التي لم تحرك ساكنا ، بحسب مواطنين في المحافظة.
وقبل المدة المحددة في الاتفاقية الامنية الموقعة بين العراق والولايات المتحدة بـ 14 يوما ، انهت القوات الاميركية في السابع عشر من كانون الاول انسحابها من العراق عبر منفذ سفوان الحدودي باتجاه الكويت ، وفي اليوم نفسه قررت القائمة العراقية تعليق حضور نوابها جلسات البرلمان على خلفية عدم الالتزام بـ " تحقيق الشراكة الوطنية ".
وبعد يوم واحد فقط ارسل رئيس الوزراء نوري المالكي طلبا الى مجلس النواب لسحب الثقة عن نائبه صالح المطلك الذي وصفه في تصريح لشبكة /سي ان ان/ الاميركية بالدكتاتور.
وما هي الا ايام معدودات حتى عرضت وزارة الداخلية " اعترافات " حماية نائب رئيس الجمهورية طارق الهاشمي بقيامهم بعمليات تفجير وقتل بتوجيه من الهاشمي نفسه ، فضلاً عن إعلانها صدور مذكرة اعتقال بحق الهاشمي بتهمة " دعم الارهاب ".
وازاء هذا الوضع ، لوّح المالكي بامكانية التوجه لتشكيل حكومة الأغلبية في حال استمر وزراء /العراقية/ بالامتناع عن حضور جلسات مجلس الوزراء ، وقبل ذلك بيوم ، طالب نائب رئيس الجمهورية طارق الهاشمي خلال مؤتمر صحفي في اربيل بنقل قضيته الى اقليم كردستان.
اما التيار الصدري فقد اطلق ميثاق الشرف الوطني في مبادرة لزعيم التيار مقتدى الصدر لحقن الدم العراقي.
وبالتزامن مع الاتهام بدعم الارهاب الموجه للهاشمي ، تعلن /عصائب اهل الحق/ المنشقة عن التيار الصدري انخراطها في العملية السياسية وترك العمل المسلح.
ويبدو ان الاحداث التي شهدها عام 2011 وضعت العراق على مفترق طرق يصعب التكهن الى اين ستوصله في عام 2012 في ضوء الاحداث المتسارعة التي تشهدها المنطقة عموما والعراق على وجه الخصوص.
ويخشى محللون سياسيون من ان يؤدي " مفترق الطرق " في مستقبل العراق الى المجهول او الى نقطة اللاعودة./انتهى
|