برامج اليوم
يعرض الآن على شاشة الجزيرة الوثائقية 20:00 من أسرار الحرب العالمية الثانية
21:00 بوب دينار.. مرتزق الحروب
22:00 روايات العبيد ..ذكريات بلا سلاسل
23:30 من تاريخ إيران
اقرأ المزيد في (المجلة)
المجلة
أرسل الى صديق طباعة Share article
عيون ترى الثّورة
آخر تحديث : الاربعاء 22 يونيو 2011   16:25 مكة المكرمة

د. محسن بوعزيزي 
أمين عام علماء الاجتماع العرب

في النهج أو المنهج
تسعى هذه الدراسة لأن تمسك المعنى من التجلّي، الظاهر، فتنطلق ممّا التقطته عيون الكاميرا من صور تمّ تناقلها بالملايين عبر الفايسبوك. وإنّنا إذ نفعل ذلك، فنحن على ثقة من أنّه سيأتي يوما يندهش فيه قارئ هذه النّصوص، ليقول هذه العيون رأت الثّورة. ولعلّهم يرقون إلى حسّ بارت بالزمن فيقولون معه: "إنّنا نرى العيون التي رأت الثورة"، كمثل جملة بارت في الغرفة المضيئة تعليقا على صورة لنابليون.  هذه العيون تعيد ما لا يمكن إعادته وجوديّا، رغم أنّها تشير بالإصبع إلى رؤية ما. ونجمع في مدوّنتنا بين أشهر الصّور التي اُلتُقطت لتروي قصّة ثورة تونس، وأبرز أفلام الفيديو التي نقلت مشاهد منها، فتناقلها النّاس عبر مختلف أرجاء الكون، صور وأشرطة رأتها عيون تقنية ( الكاميرا )حدّدت العمق، وأخرى طبيعيّة ( حامل الكاميرا ) تصرّفت فيه. ونقف هنا على الفرق بين أن تَرى وأن تَنظُر، والثّانية أعمق وأبعد، إذ فيها حسّ العين وقدرتها على التّأمّل بما استبطنه الفرد من هبيتوس، هو في الأصل مكتسب تحوّل إلى كيان. ونبحث في كل صورة أو شريط يوثّق الثورة خاصّة في أيّامها الأولى عن نقطة الرؤى Le point punctum، كمثل النقطة في الجملة، ولكنها تلفحني بقوّة لشدّة ما فيها من إثارة وتكثيف. وهي غالبا ما لا توجد إلاّ بمحض الصدفة، . مع رولان بارت علينا أن نبحث عن النقطة التي تشبه وخز الإبرة أو ثقبها، وبعد التحديق فيها طويلا. فلا نكتفي بسطح المعنى بل نحاول الإمساك بطبقاته بدءا من الإخباري وصولا إلى الرّمزي، ومناطق القوّة فيه. الصورة جسد حيّ ينفتح على استعمالات عدّة تستدعي النظرة والسماع والإيحاء والتمييز بين البديهي وغير البديهي من المعنى، ولا تقبل مجرّد تجميدها في العلامة، بل تتجوّل في مختلف هذه الأبعاد دفعة واحدة.
الأفلام التي نحاول قراءتها في هذا النصّ استثنائية في ظروف التقاطها، إذ ترى الموت قادم وتلتقطه. المغامرة هي التي أوجدت هذه الصور، ولولاها لما عنيت الكثير، وملتقطها لا يجد الوقت ليخرجها إخراجا فنيّا ذا معنى. لقد فعلها في ظروف تشبه الاختطاف، وقد يكون مشاركا في صنع أحداثها. ثم إنّها أفلام وصور رأت ثورة تتشكّل، وهذا مصدر جمالها وقوّتها واستثنائيتها. الثورة الفرنسية وحتى البلشفية لم تكن لهما الأدوات التقنية الرقمية لنقل أحداث الثورة كما في ثورة تونس، وهذا معطى آخر من معطيات القوّة في تدوين هذه الثورة.
ملحمة الصّورة:
أقف هنا قليلا عند صورة البوعزيزي وهو يحترق. ومردّ هذا الاهتمام قدرة الصورة على مخاطبة العالم بلغة واحدة. لقد تداولها العالم وأبكت الملايين، لذلك نعتني بها دون فاعلها. إنّها صورة ملحميّة، خفيّة الاسم، بلا عنوان محدّد وبلا هُويّة بعينها، لذلك تماهت معها البشريّة. فالذين ذهبوا باتجاه البحث في السيرة الذاتية للفاعل قد أضرّوا به كثيرا، وقد تكون لأغراض مبيّتة، والحال أنّ الملحمة في الصورة. النّاس هم الذين منحوها مدلول الكفاءة لترمز إلى الثورة والثوّار حتّى صارت علامة اتفاقية. ولولا هذه الصياغة الجماعية لمدلول الصورة لكان مآل البوعزيزي كمآل عبد السلام تريمش الذي احترق قبله بسنة تقريبا، وكان خبرا عارضا. فما يأتينا منها اليوم، وليس منه، قد يكون قليلا بما قد تنجزه هذه الصورة من خطابات في القادم من السنين، وما قد تحدثه من أثر مغيّر لواقع المجتمعات. ولعلّ الأجيال القادمة بحكم اختلاف السّياقات تكون أكثر قدرة على الاستفادة منها فكريا وإبداعيا وحتى جماليا. وإني لا أكاد أرى الألم فيها لأنّ ألسنة اللّهب تبدو كأنّها خارجة من الجسم، فلا تحرقه من شدّة إبداعيتها. يقول أحد شهود العيان: " لقد حاولنا إطفاء النار فلم تنطفي "، ألسنة اللّهب تخرج من جسم البوعزيزي، كأنّ الجسم هو الذي يلهّبها ويوقدها. ولقد ألهبها بجسمه، فالتهبت تحرق هشيما صار جافّا، ونارت بها نائرة في النّاس حتى باتت ثورة. وإنّي لأراها لوحة تاريخية تضاهي ما فعله بيكاسو بالحرب الأهلية الإسبانية. غير أنّ صورة تغيّر الواقع والأخرى ترويه، وتوثّقه فنّيّا. هكذا تصل الصورة، صورة البائع المتجوّل إلى أوباما رأس أمريكا في اللحظة الراهنة، فيقول على أمريكا أن تثبت أنّها قادرة على الوقوف إلى جانب بائع متجوّل بدلا من مساندة ديكتاتور. وما ذاك إلاّ بفضل ما صنعته صورة الحريق من ملحمة.  وبها صار فاعلها: " نبيا من العشب يشعل بالنار معجزة ". وتبدأ ملحمة البوعزيزي يوم وفاته في الثاني من شهر جانفي من جديد بتصاعد الاحتجاجات، غير أنّها تأخذ منعرجا دمويا قاسيا هذه المرّة، فيكثر تكرار الآية: "يا أيّتها النفس المطمئنّة ارجعي إلى ربّك راضية مرضيّة فادخلي في عبادي وادخلي جنّتي"
كان يمكن لمشهد الاحتراق أن يمرّ كما مرّت مشاهد أخرى سابقة، كتلك التي فعلها عبد السلام تريمش في مارس 2010 بعد مصادرة عربته التي يقتات منها، ولكنّ الوسيط الإعلامي جعل الاحتجاجات تمتدّ شمالا وجنوبا، وكان جاهزا هذه المرّة لردّ صورة البوعزيزي ظاهرة عالمية. لقد أعطى للآلام الاجتماعية وجودا حيّا. الاعتراف كان إعلاميا هذه المرّة، لأنّها آلام متشابهة. فلم يكتفي بصنع الرأي العام بل ردّه ملحمة حقيقية. فأكّد بذلك مع ريجيس ديبري أن الإعلام يصنع أسطورة العصر الحديث. لقد قلبت الصورة بهذا،موازين القوى فانفلتت روابط الهيمنة والتحكم، وتكلّمت "الطبقة الجامدة" أو الأغلبية الصامتة"، ولعلّ هذا هو معنى الثورة: أن تصبح الأغلبية الصامتة هي الآمرة، كما فعلت حين صرخت في وجه الطاغية وأمام مركز قوّته (وزارة الداخلية) بفعل آمر انتبه له العالم  . «dégage » الانتقال من "لغة صامتة" بعبارة إدوارد هال، إلى لغة آمرة، قيصرية، ما كان يمكن أن يحدث بمثل هذه القوّة في التعبئة وفي الإصرار دون ما تمّ تناقله وجريانه عبر الشبكة الاجتماعية من أشرطة فيديو نقلت الصور وصنعت ملحمتها.

كامل المقال

الى الأعلى
تعليقات القراء: + - 
التعليقات لا تعبر إلا على رأي أصحابها.
1   لابد
كمال النحراوى     الاثنين 18 يوليو 2011   23:08  مكة المكرمة 
ولابد من يوم معلوم تترد فيه المظالم
ابيض على كل مظلوم اسود على كل ظالم

لقد جاء الوقت الذى وطأت فيه أقدام الشرفاء قبعات انظمة حكومات بائسة ضعيفة متخاذله عميله. خائنه لأرضها ووطنها وخائنه لضمائرها التى بين جنباتها
2   ما هـكذا تحكم النخب
عبد الستار الشعباني     الخميس 27 اكتوبر 2011   02:53  مكة المكرمة 
في الحقيقة كنت أتصور تعليق صديقنا الأكاديمي محسن (البوعزيزي)على هاته الصورة أشمل .و ذلك يدرس الظاهرة و تفكيك تفاصيلها و بلورةأسبابهاومسبباتها على الأقل كأكاديمي محنك و سيسيولوجي بارع بحث في الموضوع فالصورة معبرة صحيح لاكن المقالات تختلف... مع إحترامي
  تعليقك على الموضوع:
الاسم:*
البريد الإلكتروني:
عنوان التعليق:*
محتوى التعليق:*
(*) هذه الحقول مطلوبة