عاصم الجرادات – اسطنبول
بعد ثلاث سنوات من العمل المتواصل من قبل المخرج التركي فاروق أقصوي خرج فيلم "الفاتح 1453" إلى العلن تحت عنوان " “ya istanbul’u alaca??m ya da istanbul beni وهي مقولة قالها السلطان محمد الفاتح باللغة التركية، وتعني بالعربية"إما آخذ اسطنبول أو اسطنبول تأخذني"، ووصلت ميزانية الفيلم إلى 17 مليون دولار أمريكي وهي تعتبر الأضخم في تاريخ السينما التركية.
عند خروجك من الفيلم ربما تبدأ برسم بعض الخطوط النقدية له لكن هذا الفيلم كان مختلفاً بالنسبة لي، فقد حضرت الفيلم في اسطنبول بالقرب من مسرح الأحداث الأساسية للفيلم في منطقة "أديرنا كابيه" أي باب أديرنا وعند خروجي من صالة السينما، ووجدت نفسي أبحث عن إجابة لمصدر تلك القوة والكبرياء الذي تمتع به محمد الفاتح وكذلك عن تلك النقطة المفصلية في تاريخ البشرية التي صنعها ذاك السلطان من بوابة اسطنبول فقد غير خارطة الانتماء العالمي، لذلك استغربت عندما بحثت عن مكان حضور أسرة الفيلم لعملهم الضخم فقد كان مدينة كولن الألمانية أليس بجدير بهم حضور الفيلم في صالة سينمائية في اسطنبول فلا أروع من هذا الشعور فأنت تحضر فيلم من العيار الثقيل وتعيش في حقبة بداية اسطنبول الاسلامية وبعد دقائق معدودة تجد نفسك في اسطنبول الحديثة التي تصارع الدول الكبرى اقتصادياً وعمرانياً.
من ناحية المضمون:
بدأ الفيلم بمقولة للرسول محمد صلى الله عليه وسلم "لتفتحن القسطنطينية، فلنعم الأمير أميرها، ولنعم الجيش ذلك الجيش"، وتعد بداية موفقة، وختم الفيلم بمشهد يعد الأقوى من حيث التأثير الإيجابي والمحاولة إلى رسم صورة صحيحة للإسلام والمشهد هو عندما دخل محمد الفاتح إلى القسطنطينية توجه إلى كنيسة آية صوفيا حيث تجمع هناك شعب بيزنطة المسيحي حيث منحهم الآمان، وسمح لهم بممارسة شعائرهم الدينية، أما ما تبقى من مضمون فكان عادياً ومتداولاً ، ولم يضف شيء إلا أنه ارتكب بعض الأخطاء الشكلية في المضمون حيث كان الاتجاه في الحوار يصب أن السلطان محمد الفاتح سيؤسس سلطنة تركية، ولم يتم التركيز على أن السلطان العثماني هو خليفة المسلمين بالقدر الذي تم التركيز على تُركية الفتح.
قدم المخرج جوانب بسيطة من حياة محمد الفاتح العائلية، لكن بلقطات قليلة لم تؤدي الغرض المعرفي حيث تم ملاحظتها على أنها كسر لروتين العسكري والاستعراضي للفيلم حيث بين الفيلم مفاتن زوجة محمد الفاتح "أمينة گلبهار" أي "أمينة وردة الربيع" دون تقديم أي معلومة عنها حيث تعود في أصولها إلى الروم الارثدوكس أي يونانية الجذر من إحدى قرى مدينة طرابزون التركية، وربما يرد أحدهم على ما سبق أن الفيلم يتحدث عن الفتح ليس عن محمد الفاتح لذلك لا يوجد مبرر لمرور على حياته الشخصية، لكن في ذات الوقت عرض المخرج قصة حب وُضع عليها نقاط تعجب تاريخية بين "أولوباتلي حسن" الجندي الأقوى في الجيش العثماني، الذي رفع راية النصر وبين شخصية اسمها " ايرا" المأسورة من قبل البيزنطينين عندما كانت صغيرة قبل أن يشتريها و يتبناها المهندس الذي صنع المدفع الأضخم الذي ساهم في فتح اسطنبول "أوربان"، وهنا نقطة الاستفهام لماذا جلب المخرج تلك الشخصية هل من أجل تضخيم دور أولاباتلي حسن أم لضخ قصة حب فضلها على صنع قصة حب بين السلطان وزوجته ليُبقي هيبة السلطان القوي الذي لا يوجد في حياته ما يُضعفه.
من ناحية الشكل:
نستطيع أن نقف احتراماً للمخرج من حيث تقديمه صورة رائعة، فوجدنا ديكورات عالية الجودة تقارب إلى حد بعيد ملامح اسطنبول التاريخية، وقد أدار المخرج المشاهد القتالية بحرفية عالية حيث تجد نفسك أمام مشهد قتالي ينافس مشاهد هيوليود القتالية، ومن ناحية تصميم الملابس نجح كذلك، و قدم الممثل ديفريم إيفين (محمد الفاتح) عرضاً رائعاً وكان بجانبه الممثل ابراهيم شيليكول (ألوباتلي حسن) لكن حسب متابعتي تم ملاحظة التفوق في الأداء للمثل شيليكول على إيفين وهذا ما يجعل الفيلم من ناحية يكون متوازن لعدم انفراد شخص واحد في جذب الانظار لكنه من ناحية آخرى يشتت انتباه المشاهد، ويجعله ينجذب للمثل صاحب الدور المساعد من حيث حكاية الفيلم، وهذا ما حدث عندما وجد المشاهد نفسه امام قصة ثانية غير الفتح وهي قصة حب "أولاباتلي" و"إيرا" التي وقفت جنباً إلى جنب مع قصة الفتح. ونستطيع القول أن الشكل الفني في الفيلم تجاوز إلى حد بعيد المضمون فقد شاهدنا إعطاء مساحات لاستعراض معارك وأساليب قتالية وتفجيرات حربية في حين بعض أساسيات المضمون تم التعريج عليها سريعاً لذلك نصل إلى نتيجة أن الفيلم كان فيه استعراض حربي لكن السيناريو كان بسيطاً لايقارن بالإبداعات التقنية.
وربما يشكل هذا الفيلم نقلة نوعية في تاريخ السينما التركية من حيث الميزانية التي كما ذكرنا هي الأعلى في تاريخ السينما التركية، وكذلك من حيث عالمية الفيلم حيث عُرض في 850 صالة عرض منتشرة في جميع أنحاء العالم، وكذلك حسب شباك التذاكر وقبل دخوله العرض احتله المركز الخامس من حيث بيع التذاكر ليؤسس الفيلم لمدرسة تركية عالمية تبعد عن موسمية العرض حيث من الملاحظ سابقاً أن الأفلام التركية التي تلقى حضور وجماهيرية هي تلك المشاركة والحائزة على جوائز وبالتحديد جائزة الدب الذهبي وهنا يبقى السؤال هل يصبح فيلم الفتح هو بوابة السينما التركية نحو العرض العالمي الدائم والدخول في منافسة مع كبار المدارس السينمائية من هيوليود والمدرسة البريطانية والفرنسية والايطالية والروسية أم يبقى الفيلم في إطار الطفرة السينمائية التركية.
لقطات:
- افتتح عرض الفيلم يوم 16 شباط في الساعة 14.53 كنايةً عن تاريخ الفتح.
- عُرض الفيلم في 850 صالة عرض في كل من الدول التالية : تركيا والمانيا وهولندا وبلجيكا والنمسا وفرنسا وانجلترا وسويسرا والجمهورية التركية القبرصية الشمالية واندونيسيا وماليزيا وروسيا وألبانيا والبوسنة والهرسك وكوريا الجنوبية وتايلاند واليابان والولايات المتحدة الامريكية.
- تابع مخرج الفيلم و ممثلوه العرض مع المشاهدين في دار سينما " سيندوم" بمدينة كولن .
- وصل عدد مشاهدي الفليم في تركيا حوالي مليون مشاهد.