برامج اليوم
00:00 العودة إلى الذات
01:00 تحت المجهر
02:00 العلماء المسلمون
02:30 أرض الألوان آسيا الوسطى
03:00 عروس المتوسط صور
04:00 المعارض
05:30 الموسيقى التركية
06:00 موريتانيا : إذ تغني
يعرض الآن على شاشة الجزيرة الوثائقية 07:00 الاسلامو فوبيا
08:00 الاغنية السياسية
اقرأ المزيد في (سينمات)
سينمات
أرسل الى صديق طباعة Share article
على أسطوانات :مقارنة بين فيلمين عن إنتقام إمرأة
آخر تحديث : الخميس 26 ابريل 2012   11:20 مكة المكرمة


محمد رُضا

 في العام 1970 أخرج الفنلندي يورن دونر الذي صنع معظم أعماله في السويد فيلماً بعنوان «آنا» حول إمرأة تنتقم من الرجل الذي قام باغتصابها، عبر اغتصابه هي له وبطريقة مماثلة بعنفها. دونر كان مأخوذاً بأفلام إنغمار برغمن، لكن هذا الفيلم، الذي شوهد حينها في بيروت، لم يكن برغمانياً على الإطلاق. دونر حقق نسخته عن الأزمة النفسية التي تدفع المرأة للإنتقام، ولو من دون جهد كبير في خانة علم النفس.
حديثاً، قام المخرج الأميركي ديفيد فينشر «الفتاة ذات الوشم التنين» The Girl With the Dragon Tattoo  حول إمرأة تنتقم من مغتصبها شر انتقام. طبعاً الحكاية لا تتمحور حول هذا الفعل، لكن الفعل المذكور من أهم ما في الفيلم وذلك استنساخاً عن رواية ستيغ لارسن التي كان المخرج الدنماركي نيلز أردن أوبلوف حققها سنة 2009 في فيلم يحمل العنوان نفسه أيضاً مستنسخاً من رواية لارسن.
في المشهد المروع لقيام الفتاة ذات الوشم ليزابث سالاندر (روني مارا) بتعذيب المحامي الذي كان اغتصبها (في مشهد مروع سابق)  أصرّت الفتاة على أن تشم صدره بعبارة "أنا خنزير مغتصب نساء". إذا لم تشاهد الفيلم بعد، وستشاهده قريباً، تابع صوت المنشار والكاميرا تنسحب إلى باب الشقّة مع تعالي صوت الموسيقا (كتبها إثنان ترنت رزنور وأتيكوس روس) وفي ثناياها صوت الآلة الحافرة نفسها.
مثل هذه التفاصيل التقنية تشترك مجتمعة في التفاصيل الكبيرة التي مارسها المخرج ديفيد فينشر نفسه. النتيجة هي أن الفيلم لا يحمل ذرّة ضعف او هوان تقني واحدة. من لحظته الأولى الى آخر لقطة فيه منفّذ بحرفية عالية من قبل جميع المشتركين وراء الكاميرا (وأمامها ولو أن ذلك شأن آخر) وذلك يشمل الكتابة والإخراج والتصوير والموسيقا ومونتاج الصوت (المثال أعلاه) والمونتاج. وحين ذكر المونتاج (وهناك إثنان مسؤولان عنه أيضاً هما كيرك باكستر، أنغوس وول) معظم الفيلم مشدود الوتيرة كسكين حاد. اللقطة قد لا تستمر لأكثر من نصف ثانية لكنها محسوبة وغير مستخدمة استعجالاً لكن لخلق إيقاع مشحون بالتوتّر. هذا لمعظم الفيلم، لاحقاً في ثلثي الساعة الأخيرة (من نحو ساعتين ونصف) يهدأ الإيقاع قليلاً. والإختلاف بيّن. التوليف السابق يعمل جيّداً لكن على حساب الروح. هذا الفيلم لمعظمه خال من العاطفة والشعور الإيجابي تجاه أي شخصية. تستطيع أن تعرف ذلك إذا ما شاهدت الفيلم السابق الذي قامت ناوومي راباس بدور الفتاة الموشومة التي تؤدّيها هنا روني مارا.
فيلم أوبليف استطاع كسب تعاطف المشاهدين حيال ما تتعرّض له ليزبث وبالتالي مهّد جيّداً لتعاطفهم معها حين انتقمت. هنا مشهد الإغتصاب مروع، لكن الفتاة تبدو كما لو كانت روبوت على أي حال، ما جعل مشاعرها غير المنطوقة مندثرة أكثر مما يجب. مع وصول مشهد انتقامها فإن المشاهد قد يتابع لكنه قد ينزعج أيضاً وبدرجة كبيرة.

                                            لقطة تجمع بين النسخة الاميركية - يمين - ثم النسخة السويدية

فينشر يسرد الحكاية ذاتها: ليزبث هذه تعرّضت منذ صغرها إلى اعتداءات كثيرة. نشأت عدائية ولا تثق بالرجال وسحاقية. عليها أن تطلب من محامي والدها المعاق المعاش الشهري، لكن هذا يريد ثمناً لما تطلبه. هذا القسم من الفيلم يتقاطع وقسم آخر: ميكائيل (دانيال كريغ) صحافي كتب ما فضح أحد كبار الصناعيين لكنه قُدّم للمحكمة كونه لم يستطع تقديم براهين. خسر بذلك وظيفته ومدّخراته في الوقت الذي كان ثري عجوز أسمه هنريك فانغر (كريستوفر بلامر) قد طلب من مدير أعماله البحث عن ماضي ميكائيل تمهيداً لإسناد مهمة صعبة. ليزبث، كونها باحثة كومبيوتر مرتبة أولى، هي التي تؤمّن هذه المعلومات عن ميكائيل الذي يجد نفسه مطلوباً لمقابلة هنريك فوق جزيرة يملكها وأفراد العائلة. المهمّة هي البحث عن إبنة شقيقه هرييت التي اختفت قبل أربعين سنة. يقول له: "أمضيت نصف عمري
أتحرّى أحداث يوم واحد"
إبنة شقيقته كانت اختفت في يوم وقعت فيه حادثة على الجسر المؤدي إلى الجزيرة ما أدّى إلى إقفاله،  ما يعني أنها لم تغادر الجزيرة ولو أنها اختفت في اليوم ذاته. وهنريك يعتقد أن أحداً من العائلة قتلها وأخفى جثّتها ولو أنه لا يعرف من يكون. على ميكائيل أن يعرف وميكائيل، بعد ساعة ونصف من الفيلم، عليه أن يأتي بمساعدة. هنا يلتقي وليزبث لأول مرّة. وبعد نحو نصف ساعة يمارسان الحب بنفس القدر من اللا شعور الذي يُعالج به المخرج شخصيات الفيلم في المواقع المختلفة منه.
مصادر الفيلم خيالية عموماً بإستثناء أن الكاتب لارسن كان شهد حادثة اغتصاب قامت بها عصبة من الشبّان لفتاة صغيرة أسمها ليزبث ولم يستطع التدخّل لأنه كان صغيراً (في الخامسة عشر من عمره كما صرّح) ووحيداً. لكنه استطاع توظيف هذا الشعور بالذنب في حكاية فتاة تحمل الاسم ذاته. الأمر الثاني الذي حرص المؤلّف على بثه في رواياته، خصوصاً هنا، هو العلاقة المتينة، كما يراها، بين الثراء والفساد المالي والفاشية. الرواية، وكلا الفيلمين، تتعامل ووضع القاتل المسلسل الذي يكشف عنه في النهايات هو ذاته النازي عدو السامية. وليست هناك أي محاولة للحديث لا عن النازية ولا عن ضحاياها من اليهود. هناك فقط الإشارة الموجزة التي توحي بأن ضحاياه يهوديات، لكن من دون التأكيد على ذلك او سحب خيوط سياسية منها.

المقارنة بين نسخة المخرج الدنماركي أوبلوف والمخرج الأميركي فينشر للفيلم تعمل لصالح الثاني. في حين أن الفيلم الأول يفتقد توازناً ووحدة عمل في أركانه، نجد نسخة فينشر متماسكة، وعلى الرغم من طولها، سُلطوية. لا يمكن الانسحاب منها على الرغم من فترات موجزة من الشعور بأن الحوار هو أكثر مما قد ينفع الفيلم. لكن، مرّة أخرى، أفلام فينشر لا تخشى الحوار، وفيلمه السابق «شبكة اجتماعية» مبني بكامله على الحوار. لكن المخرج يعرف كيف يُصندق هذا الحوار في مشاهد محكمة. إنه ليس فيلليني ولا أنطونيوني، لكنه فنان على الرغم من ذلك. أسلوبه يتعامل مع المادة روائياً واضعاً ملكيّة السرد فوق الاعتبارات الأخرى ثم ناسجاً كل ما يتطلب من تفاصيل محددة.
الأمر الوحيد الذي يمكن، نظرياً، طرحه من زاوية انتقادية هي أن أحداث الفيلم وشخصياته سويدية، لكنه مصنوع بالإنكليزية. الآن، كلنا نفهم السبب، لكن الفيلم يجب أن لا يفهم سبباً في ذلك. طبعاً لم يكن ممكناً تحقيق فيلم أميركي بممثلين سويديين (كما فعل الفيلم السويدي ذاته)، هذا صحيح، والصحيح أيضا أن المخرج جرأ على عدم نقل الأحداث إلى أميركا لصياغة فيلم أقرب إلى محيطه بل أبقاها في بيئتها الخاصّة مع العلم بأنه كان يخاطر هنا من حيث أن المسافة الزمنية بين الفيلمين لا تزيد عن سنة وبضعة أشهر من شاهد الفيلم السابق، يشعر أحياناً كما لو أنه يرى الفيلم الواحد مرّتين.

الى الأعلى
تعليقات القراء: + - 
التعليقات لا تعبر إلا على رأي أصحابها.
  تعليقك على الموضوع:
الاسم:*
البريد الإلكتروني:
عنوان التعليق:*
محتوى التعليق:*
(*) هذه الحقول مطلوبة