سينمات
أرسل الى صديق طباعة Share article
على أسطوانات: كوبريك?: فيلسوف الصورة الساخرة
آخر تحديث : الخميس 03 مايو 2012   15:21 مكة المكرمة


محمد رُضا


خمسة من أفلام ستانلي كوبريك توفّرها شركة وورنر التي لم تتخلّ عن المخرج رغم صعوبة التفاوض معه على أمور إنتاجية وفنية ورفضه استقبال أي مسؤول منها (حتى ولو كان رئيس الاستديو) في مكان التصوير. خمسة أفلام بالإضافة إلى فيلم تسجيلي بعنوان «حياة في صور» يدور حول كوبريك وممثليه.
الأفلام هي أعمال النصف الثاني من حياته المهنية، فهو بدأ بفيلمين صغيرين بالأبيض وأسود هما «الخوف والرغبة» (1953) و«قبلة القاتل» (1955)، ثم انتقل إلى متن جديد وأفضل في «القتل» (1956) ليتبعه بـ «ممرات المجد» (1957)، «سبارتاكوس» (1960)، «لوليتا» (1962) و«دكتور سترانجلوف او كيف أحببت القنبلة النووية وتوقّفت عن القلق» (1964) وكل ذلك قبل أن يقدم على «2001: أوديسا الفضاء» التي تتقدّم المجموعة الجديدة المُشار إليها.
تضم هذه المجموعة، لجانب مغامرة كوبريك الفضائية «كلوورك أورانج» (1971)، «عينان مغلقتان بإتساع» (1999)، «سترة معدنية كاملة» (1987) و«اللمعان»  (1980). الفيلم الوحيد من هذه الحقبة، حقبة ما بعد «دكتور سترانجلوف»، الذي لم يتم ضمّـه إلى المجموعة هو «باري ليندن» الذي ربما كان أقل أفلام كوبريك عرضة للمشاهدة في حينه (1975) كما على أشرطة الفيديو وأسطوانات الـدي في دي لاحقاً. فنادراً ما يتم إدراجه في عداد الأفلام المتوفّرة على هذين النظامين على الرغم من أنه لا يقل أهمية عن أعمال كوبريك الأخرى

                               كوبريك مع كروز في عيون مغلقة
?.?
?كوبريك هو ذلك النوع من المخرجين الذين على أسلوبهم التعبيري أن يغلّـف كل شيء. لذلك نجده قادراً من خلال التعامل مع رؤيته أوّلاً، التحرّر من عملية التبعية لأي جهة بما فيها جهة الكاتب صاحب العمل الروائي الذي استند إليه كوبريك سواء أكان فلاديمير نوبوكوف واضع «لوليتا»? او آرثر س. كلارك صاحب «2001: أوديسا الفضاء» او ستيفن كينغ مؤلّـف «اللمعان». كوبريك كان يستمد الخيوط والوضعية القصصية ويكتب السيناريو (او يشارك بكتابة السيناريو) على هواه ليخلق عالمه الخاص.
ليس  هذا الأمر الوحيد الذي يتضح بمراجعة الأفلام التي يوفّرها هذا الإصدار الجديد، بل إلى ذلك هناك حقيقة التباين الواضح في النوع القصصي الذي ولَـجَ إليه المخرج في كل فيلم،  الخيال العلمي في «أوديسا الفضاء» إلى الدراما الغرائبية المكنونة في «عينان مغلقتان بإتساع» (آخر أعماله) مروراً بالدراما الإجتماعية الغارقة عنفاً («كلوكوورك أورانج») والرعب («اللمعان») ثم الحربي («سترة معدنية كاملة»).
في كل من هذه الألام تعامل المخرج مع بطل مصدوم. يكتشف ما يصدمه وقد تأتي ردّة فعله لتصدم المشاهد أيضاً.
في «2001: أوديسا الفضاء» هذا واضح في إدراك الملّاح الفضائي حجم الخطر الذي تمثّـله الآلة في سباقها مع الإنسان لاستحواذ المعرفة. مع «كلوورك أورانج» يضع كوبريك بطله مالكولم ماكدووَل، في حالة هذيان عنيفة ومعاداة للمجتمع قبل أن يكتشف (ونحن) أنه ليس سوى مخلب للمجتمع وتصطدمه قدرات المؤسسة على تدجينه لكي تخلق منه شخصاً غير فاعل.
مع «اللمعان» وجدنا جاك نيكولسون يفقد عقله تحت ضغوطات كثيرة مكانية وزمانية. تتراءى له الأشباح التي تدلّه على من يقتل للوصول إلى حالة من الحريّـة التي كان يتمنّاها لنفسه ولتجسيد قدرة وهمية على إمكانية الإنتصار على الكوابل التي في البال التي تمنعه من التأليف وتلك التي في المجتمع التي تمنعه من تحقيق غايات وأحلام تراءت له. هذا الوضع الصادم له ليس واضحاً لأن همّ المخرج كانت خلق حالة يصدم بها زوجة الكاتب (شيلي دوفال) التي تجد نفسها وإبنها في حالة خطر شديد. إذاً هي المصدومة كما نحن.
لو قدّر لي أن أختار فيلماً واحداً يعكس أعلى درجة مختزنة من الصدمة فسيكون «سترة معدنية كاملة» المأخوذ، بتصرّف طبعاً، عن رواية غوستاف هاسفورد «ذوو الوقت القصير» The Short Timers (هذه هي الترجمة الحرفية لكن المقصود هو «ذوو الأعمار القصيرة»). قسّـم المخرج هذا الفيلم النيّـر إلى نصفين يبدوان غير مترابطين: الأول ما يحدث لمجنّد جديد (فنسنت دأنوفريو)  من الإهانات ومحاولة طمس الشخصية خلال تدريباته. السيرجنت هارتمان (لي إرمي) يكيل له الشتائم والإهانات والتعنيف في شكل مبرمج هدفه استخراج مقاتل آلي بلا روح وبلا شخصية وبلا هوية إنسانية في هدف أكبر لخلق جيل من القتلة يتم إرسالهم إلى حرب فييتنام الشرسة. حين لا يستطيع المجنّد هضم كل ذلك، وحين يكبر حجم الصدمة في داخله يقتل السيرجنت ويقتل نفسه.
shining      

بعد ذلك إلى النصف الثاني لنطالع ما قد نراه يقع في رحى الحرب. على الرغم من أن كل جزء كان يمكن أن يكون فيلماً، الا أن الجمع بينهما ممكن من دون أن يكون ضرورة قصوى وهنا واحد من تميّز هذا الفيلم. نحن الآن في الحرب. نتابع ما يحدث للمحاربين الذين يتصرّفون كما لو كانوا في نزهة، هذا إلى أن تقتنص مقاتلة فييتنامية فحولتهم الذكورية.
«عينان مغلقتان بإتساع» كان محاولة كوبريك الحديث عن الستارة الكبيرة التي تغلّف المجتمعات الغربية: هناك جمعية سرّيـة (تشبه الماسونية) تمارس شعائر وتقبل دخول توم كروز إليها المصدوم بما يراه. هذا الفيلم يكمل دائرة لا أدري إذا ما أثارت إنتباه أحد إلى الآن وهي أنه إذ بدأ فيلميه الأولين في مدينة نيويورك («قبلة القاتل» و«الخوف والرغبة») فإن فيلمه الأخير (مات بعد إتمامه سنة 1999) يعود إلى نيويورك. لكنها نيويورك مختلفة. نيويورك مصطنعة ليس فقط لأن المخرج لم يغادر ستديوهات باينوود البريطانية، بل لأنه أراد عالماً مصطنعاً وحققه بالفعل. هذا الفيلم البارد في نواحيه لا يزال مذهلاً في طريقة تعامل المخرج مع عالمه. كوبريك يؤسس لعالم من الأفكار القادرة على الإذهال. المصدوم هنا أوّلاً هو هارتفورد (كروز) الذي لا يرتكب الجرائم والانحرافات التي يشهدها، لكنه يسقط تحت وطأتها على أي حال مصدوماً بوجودها في العالم ذاته الذي يعيش فيه.
كوبريك فيلسوف الصورة الساخرة من الحياة في كل أحوالها. من العلم، من السياسة، من المنظّمات والمؤسسات، من الحروب، من المجتمعات ومن حياة يقبل عليها أبطاله بمنظور ثم يغادرونها بمنظور مختلف، تماماً كشأننا نحن المشاهدين.

تقييم الأفلام الخمسة الواردة بلمحة

200?1: A Space Oddyssey ****?
A Clockwork Orange ****
The Shining *****
Full Metal Jacket *****
Eyes Wide Shut ****

الى الأعلى
تعليقات القراء: + - 
التعليقات لا تعبر إلا على رأي أصحابها.
  تعليقك على الموضوع:
الاسم:*
البريد الإلكتروني:
عنوان التعليق:*
محتوى التعليق:*
(*) هذه الحقول مطلوبة