آخر الأخبار :

حركة عدم الانحياز..ما بين باندونج وشرم الشيخ

تقرير / حمودة كامل

فوق الستين عاما، هي الفترة التي ما بين مؤتمر باندونج الأفرو- آسيوي عام 1955، الذي يعد نواة قيام حركة عدم الانحياز، وما بين مؤتمر شرم الشيخ الذي سيفتتح الأربعاء في التاسع من مايو 2012 ، مسيرة طويلة ساهمت فيها الحركة في مجريات الأمور على الساحة الدولية، وكان لمصر دور ملموس ومؤثر خلال هذا المشوار للحركة.

فما هو أصل هذه الحركة ونشأتها ودورها وأعضاؤها، ثم ما هو دور مصر في هذه الحركة منذ نشأتها وحتى الآن؟

أولاً: نشأة الحركة وتطورها:

-1 يعد مؤتمر باندونج الأفرو- آسيوي عام 1955 نواة قيام حركة عدم الانحياز، حيث تم خلال المؤتمر الإعلان عن المبادئ التي يجب أن تحكم العلاقات بين الدول والتي أصبحت تُعرف فيما يعد باسم "مبادئ باندونج العشرة"، والتي اتُخذت فيما بعد كأهداف ومبادئ أساسية لحركة عدم الانحياز.

-2 عقد مؤتمر القمة الأول لحركة عدم الانحياز في بلجراد عام 1961 بمشاركة 25 دولة، وكان مؤسسو الحركة قد فضلوا إعلانها كحركة وليس كمنظمة تفادياً لما تنطوي عليه الأخيرة من بيروقراطية.

-3 انعكس انهيار النظام السياسي الدولي القائم علي القطبية الثنائية فى بداية التسعينيات، وانتهاء ما كان يعرف "بالحرب الباردة" على حركة عدم الانحياز، فقد كان علي الأخيرة التعامل مع هذا المتغير بواقعية، وتحولت من كونها حركة محايدة تستهدف استقلالية القرار بعيداً عن المعسكرين الغربي والشرقي، إلي تجمع يستهدف تحقيق مصالح الدول النامية بصفة رئيسية، ومن ثم تجمع لدول الجنوب.

-4 في هذا الإطار، تم تحديد أهداف الحركة في إطار الوضع الدولي الراهن، والتي من أهمها: تعزيز التعددية فى العلاقات الدولية من خلال تشجيع الدور المركزي لمنظمة الأمم المتحدة، وتعزيز الوحدة والتضامن بين دول الجنوب ودعم دور الحركة في إنعاش التعاون والحوار بين الشمال والجنوب، والارتقاء باحترام حقوق الإنسان والحريات الأساسية وتفادي تسييس القضايا ذات الصلة، ومواجهة السياسات أحادية الجانب ومحاولات الهيمنة علي العلاقات الدولية، والنهوض بالتعاون الدولي في مجال الاستخدام السلمي للطاقة النووية مع تحقيق عالمية نزع السلاح دون انتقائية.

-5 تضم حركة عدم الانحياز في عضويتها حالياً 120 دولة (53 دولة أفريقية/ 39 دولة آسيوية/ 27 دولة من أمريكا اللاتينية والكاريبي/ دولة واحدة من أوروبا)، إضافة إلي 17 دولة و10 منظمات حكومية يتمتعون بصفة المراقب في الحركة.

-6 عقدت الحركة حتى الآن 15 مؤتمراً للقمة بدءً من بلجراد عام 1961، ووصولاً إلي قمة شرم الشيخ في يوليو 2009 حيث تولت مصر رئاسة الحركة منذ ذلك الحين ولمدة ثلاث سنوات.

ثانياً: الهيكل التنظيمي والقواعد الإجرائية للحركة:

أ‌) الهيكل التنظيمي:

1. الرئيس The Chair: تتولي الدولة المضيفة لمؤتمر قمة حركة عدم الانحياز رئاسة الحركة تلقائياً إلي حين انعقاد القمة التالية، وتتولي مسئولية تنسيق جميع أنشطة الحركة في كافة المحافل الدولية وخاصةً في الأمم المتحدة.

2. الترويكا NAM Troika: تتكون ترويكا الحركة من كل من الرئيس السابق والحالي والقادم لمؤتمر القمة، وتجتمع عادةً بالتزامن مع الاجتماع السنوي لوزراء الخارجية في نيويورك علي هامش أعمال الدورة العادية للجمعية العامة للأمم المتحدة لبحث وتنسيق المواقف تجاه الموضوعات المطروحة علي أجندة الجمعية العامة. كما تعقد اجتماعات على هامش الجمعية العامة للأمم المتحدة مع ترويكا الاتحاد الأوروبي، والاتحاد الروسي وذلك لبحث المسائل ذات الاهتمام المشترك علي أجندة الجمعية العامة.

3. مكتب تنسيق حركة عدم الانحياز NAM Coordinating Bureau: يعقد مكتب تنسيق الحركة اجتماعاته شهرياً في الأمم المتحدة بنيويورك علي مستوي المندوبين الدائمين ترأسها دولة الرئاسة للحركة، وهو مفتوح العضوية يشارك فيه الدول الأعضاء في الحركة. ويعد مكتب التنسيق محور وأساس عمل حركة عدم الانحياز. ومن مهامه الرئيسية تعزيز وتنسيق عمل دول الحركة في الأمم المتحدة وغيرها من المحافل الدولية، إضافة إلي اضطلاعه بالتحضيرات اللازمة لمؤتمرات القمة أو المؤتمرات الوزارية المختلفة وكذلك تنسيق ومراجعة أنشطة مجموعات العمل ومجموعات الاتصال المنشأة في إطار الحركة.

مجموعات العمل ومجموعات الاتصال التابعة لحركة عدم الانحياز: تنشأ هذه المجموعات بقرار من مكتب التنسيق، وتمارس مهامها بطريقة غير رسمية في إطار الأجهزة الرئيسة للأمم المتحدة بغرض توحيد المواقف واقتراح مسار العمل المناسب، كما تقوم بصياغة وطرح مشاريع القرارات وحشد المساندة المطلوبة، وتتولي احدي الدول الأعضاء في الحركة مهمة رئاسة وتنسيق مجموعات العمل المشار إليها.

4. مجموعة عدم الانحياز في مجلس الأمن in Security Council NAM Caucus : تتكون من الدول الأعضاء في الحركة الأعضاء في مجلس الأمن ويتم التناوب شهرياً فيما بينهم لرئاسة المجموعة. ويٌفترض فيهم الدفاع عن مصالح الدول الأعضاء فى الحركة عند تناول موضوعات خاصة بهم أمام المجلس، إلى جانب تقديم عرض موجز لمداولات وتوجهات المجلس وذلك خلال اجتماعات مكتب تنسيق الحركة الذى يعقد شهرياً وبشكل دورى.

5. مجموعة عدم الانحياز في لجنة بناء السلام NAM Caucus in PBC: تقوم اللجنة بتنسيق مواقف الدول الأعضاء عند تناول حالات محددة فى اللجنة، إلى جانب تقديم عرض موجز لمداولات اللجنة وذلك خلال اجتماعات مكتب تنسيق الحركة.

6. لجنة التنسيق المشتركة Joint Coordinating Committee (JCC): تقوم هذه اللجنة بالتنسيق بين حركة عدم الانحياز ومجموعة الـ77 لتفادي الازدواجية وتحقيق الأهداف المشتركة للبلدان النامية في المجالات الاقتصادية والاجتماعية في المحافل الدولية. وتعقد لجنة التنسيق اجتماعاتها في نيويورك علي مستوي السفراء تحت رئاسة كل من رئيس مجموعة الـ77 ورئيس مكتب تنسيق حركة عدم الانحياز، وتقدم تقريرها السنوي إلي كل من مجموعة الـ77 ورئيس مكتب تنسيق الحركة في نيويورك.

7. لجنة فلسطين: تعقد لجنة فلسطين علي مستوي السفراء أو المستوي الوزاري ، وتتكون من ثلاثة عشرة دولة عضو في الحركة (الجزائر/ بنجلاديش/ كولومبيا/ كوبا/ مصر/ الهند/ اندونيسيا/ ماليزيا/ فلسطين/ السنغال/ جنوب أفريقيا/ زامبيا/ زيمبابوي). وجرت العادة أن تعقد لجنة فلسطين اجتماعاتها علي المستوي الوزاري أثناء مؤتمرات قمة الحركة أو المؤتمرات الوزارية، ويصدر عن اللجنة إعلان بشأن فلسطين يتناول أخر التطورات ذات الصلة.

8. اللجنة الوزارية لمنهجية عمل الحركة: تعقد اجتماعاتها علي المستوي الوزاري، بناء علي قرار من مؤتمر القمة أو المؤتمر الوزاري للحركة، ويهدف عمل اللجنة إلي دراسة وبحث منهجية وأسلوب عمل الحركة من أجل تطويرها وتفعيل دورها علي الساحة الدولية.

9. اللجنة الوزارية الدائمة للتعاون الاقتصادي: تهدف إلي دعم التعاون جنوب/جنوب، وتفعيل الحوار بين الدول النامية والدول المتقدمة، وكذلك دعم دور الأمم المتحدة، وخاصةً الجمعية العامة، في مجالات التعاون الدولي للتنمية. وتعقد اللجنة الوزارية اجتماعاتها بناء علي توصية من مكتب تنسيق الحركة.

10.حركة عدم الانحياز في الإطار الدولي متعدد الأطراف:

- تقوم دول الحركة بتنسيق مواقفها في المنظمات والمحافل الدولية المختلفة بناء علي المواقف التي تضمنتها الوثيقة الختامية للحركة بهدف تحقيق الأهداف ذات الصلة، ويمكن لرئيس الحركة، وبالتنسيق مع الدول الأعضاء، إلقاء البيانات أو الكلمات نيابة عن الحركة في هذه المحافل.

- علي الرغم من نشاط الحركة في المحافل متعددة الأطراف، إلا أن مكتب تنسيق الحركة في نيويورك يظل محور تنسيق عمل الحركة، ويتمحور نشاط حركة عدم الانحياز في الأطر متعددة الأطراف في كل من: مجلس حقوق الإنسان HRC/ منظمة العمل الدولية ILO /منظمة الصحة العالميةWHO / الوكالة الدولية للطاقة الذريةIAEA ومنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافةUNESCO .

ب) اتخاذ القرارات فى إطار الحركة:

§ تٌتخذ جميع القرارات داخل الحركة بتوافق الآراء consensus من أجل الحفاظ علي تضامن ووحدة الحركة، وإعطاء المجال للدول الأعضاء لتبادل واحترام وجهات النظر المختلفة فيما بينهم.

§ لا يعني توافق الآراء داخل الحركة "الإجماع" unanimity، بل يعني وجود "أغلبية ساحقة" overwhelming majority لصالح موضوع أو اقتراح ما. ويمكن للدولة العضو، وفي أضيق الحدود، تسجيل تحفظاتها في حالة عدم موافقتها أو اتفاقها علي أحد الموضوعات محل التفاوض.

ثالثاً: طبيعة الوثائق الصادرة عن الحركة:

تصدر عن مؤتمرات قمة الحركة والمؤتمرات الوزارية عدد من الوثائق باللغة الإنجليزية (لغة العمل للحركة) ويمكن ترجمتها إلي العربية والفرنسية والأسبانية، وتقع مسئولية إصدار الوثائق علي الدولة المضيفة للقمة أو للمؤتمر الوزاري:

1. الوثيقة الختامية للحركة Final Document:

تعد من أهم الوثائق الصادرة عن حركة عدم الانحياز، وتعبر عن مواقف دول الحركة من كافة الموضوعات المطروحة علي الساحة الإقليمية والدولية، وتمثل أساس تعامل الحركة مع مختلف القضايا المطروحة.

2. تقرير الرئاسة السابقة للحركة:

تقدم الرئاسة السابقة للحركة تقريراً يتضمن نشاط الحركة خلال فترة رئاستها منذ عقد القمة السابقة وحتى انعقاد القمة الحالية ويتناول التقرير نشاط مكتب تنسيق الحركة في نيويورك، ونشاط مجموعات العمل ومجموعات الاتصال التابعة للحركة، وكذلك دور الحركة في المحافل متعددة الأطراف، إضافة إلي عرض لكافة المؤتمرات الوزارية المنعقدة علي مستوي الحركة فيما بين القمتين. وجاري في الوقت الحالي الانتهاء من تقرير الحكومة المصرية ذي الصلة.

3. إعلان فلسطين:

يصدر عن لجنة فلسطين في اجتماعاتها علي المستوي الوزاري المنعقدة علي هامش القمة أو المؤتمرات الوزارية، ويتناول هذا الإعلان آخر التطورات ذات الصلة والتأكيد علي موقف الحركة الداعم للقضية الفلسطينية.

4. تقرير المقرر العام:

يتناول التقرير فعاليات القمة أو المؤتمر الوزاري، والدول والمنظمات المشاركة، وكذلك الكلمات والبيانات الملقاة والتقارير المقدمة من الدول الأعضاء، إضافة إلي حصر لكافة الوثائق الصادرة عن القمة أو المؤتمر.

5. إعلانات وبيانات أخري:

يمكن لمؤتمر القمة أو للمؤتمر الوزاري أن يصدر إعلانات وبيانات خاصة بشأن الموضوعات ذات الاهتمام بالنسبة للحركة، يتم التعبير من خلالها عن موقف الحركة تجاه هذه الموضوعات.

6. خطة عمل الحركة Plan of Action:

تنبثق خطة عمل الحركة عن الوثائق الصادرة عن القمة، وخاصةً الوثيقة الختامية للقمة، وتتضمن الفقرات العاملة التنفيذية بالوثيقة والمبادرات المطلوب تنفيذها، وبذلك تكون أساس تحرك الحركة في كافة الميادين خلال السنوات الثلاث التالية للقمة.

مصر وحركة عدم الانحياز

تؤكد مشاركة مصر الفعالة فى قمم حركة عدم الانحياز منذ تأسيس الحركة, علي الدور المصري الريادي، ليس فقط في نطاق الإقليم وإنما أيضا على المستوى الدولي، خاصةً فيما يتعلق بالدفاع عن قضايا الدول النامية لتحصل على نصيبها العادل سياسيا وتنمويا.

إن نظرة سريعة على تاريخ حركة عدم الانحياز التي ظهرت إلى الوجود قبل نحو نصف القرن من الزمان، تكفى لإظهار الدور الذي اضطلعت به مصر ودبلوماسيتها النشطة في بلورة فكرة إنشاء هذه الحركة أصلا ثم تحويل هذه الفكرة إلى كيان ملموس على ارض الواقع ظلت ترعاه على مدى السنين جنبا الى جنب مع مجموعة الدول الرئيسة المؤسسة للحركة ومنها الهند واندونيسيا ويوجوسلافيا , فيما تكثف جهودها الآن مع العديد من الدول الحريصة على دعم الحركة من اجل تطوير أهداف وآليات الحركة وجعلها اصلب عودا فيما يتعلق بالتعامل مع التغييرات الكبيرة التي تشهدها الساحة العالمية سياسيا واقتصاديا وثقافيا لاسيما بعد أن تحولت الحركة من كيان يضم 24 دولة عندما استضافت يوجوسلافيا القمة الأولى في عام 1961 إلى كيان عملاق يضم حاليا 120 دولة تمتد من أفريقيا إلى آسيا وأوروبا وأمريكا اللاتينية.

ويشير المراقبون إلى أن المؤسسين الأوائل لحركة عدم الانحياز اختاروا أن يكون الإطار الذي تنضوي تحته دول عدم الانحياز هو حركة وليس منظمة وهو ما يجنبها الكثير من سلبيات تضخم وترهل وبيروقراطية السكرتارية العامة لمثل هذه التجمعات الكبيرة, حيث لا يوجد للحركة سكرتير عام أو سكرتارية دائمة وإنما تتم إدارتها من خلال لجنة الترويكا الرئاسية ومكتب التنسيق بنيويورك الذى يضم ممثلي الدول الأعضاء الموجودين أصلا في الأمم المتحدة. وتتمتع الحركة بصوت مسموع وبقوة تصويتية كبيرة في قضايا مثل حقوق الإنسان ، والشئون الإدارية والمالية للأمم المتحدة.

أما عن مسيرة ونشأة حركة عدم الانحياز، فقد بدأت بسعي الدول الآسيوية إلى تشكيل منظمة إقليمية تجمعها، وعقدت مؤتمر العلاقات الآسيوية في "نيودلهي" عام 1943 ، إلا أن تباين وجهات النظر بين الوفود حال دون تشكل هذه المنظمة، ثم ما لبثت الهند وباكستان وإندونيسيا أن دعت لعقد مؤتمر في باندونج، اتسعت قاعدة عضويته لوفود أفريقية وآسيوية، وبدأ المؤتمر في (18 من إبريل 1955م)، واستمر لمدة ستة أيام، وحضرته وفود (29) دولة، وكان هذا المؤتمر بمثابة نقطة الانطلاق الأولى لحركة عدم الانحياز .

ونتج عن مؤتمر باندونج توطيد العلاقات الشخصية بين بعض زعماء الدول الحضور؛ فقد كان باندونج أول رحلة للرئيس المصري "جمال عبد الناصر" خارج مصر بعد نجاح ثورة يوليو، فتوطدت العلاقات بينه وبين الزعيم الهندي "نهرو".

وترجع تسمية عدم الانحياز إلى خطاب ألقاه نهرو في (شعبان 1373هـ = أبريل 1950م) حيث رأى في عدم الانحياز هوية مستقلة ودورًا إيجابيًا نشطًا، وليس موقفًا سلبيا إزاء التكتلات الخارجية. ومع امتداد النصف الثاني من الخمسينيات تبلورت لحركة عدم الانحياز قيادة ثلاثية ضمت: نهرو، والرئيس اليوغسلافي تيتو، وجمال عبد الناصر، واستفادت هذه القيادات من تصدرها لحركة عدم الانحياز في خدمة تطلعاتها القومية؛ فتيتو وجد في الحركة عنصرًا مؤازرًا له بعد قطيعته مع الاتحاد السوفيتي، أما نهرو فوجد فيها عونًا له في مواجهة التهديدات الصينية، وضغوط الأحلاف العسكرية الأمريكية في آسيا. أما عبد الناصر فكان يحتاج إلى مساندة عالمية له أثناء صعوده إلى السلطة -خاصة أنه حديث عهد بها- يضمن له استقلال مصر.

ظهرت الحركة إلى الوجود نتيجة لحالة الاستقطاب الدولي في الخمسينات من القرن الماضي بين المعسكرين الشرقي والغربي ونجحت طوال الحرب الباردة فى الحفاظ على تماسكها ودورها فى الدفاع عن قضايا دول العالم الثالث ودعم قضايا الاستقلال. وبالإضافة لنجاح الحركة فى القضاء على الاستعمار، فإنها اهتمت بقضايا التنمية الاقتصادية وخرجت من عباءة الحركة مجموعة ال 15 التي أنشأت بقرار قمة عدم الانحياز عام 1989 والتى تعد محفلا اقتصاديا تنمويا يجمع الدول الرئيسية بالحركة ومن بينها مصر .

ونشطت الحركة منذ إنشائها في تعاون الجنوب/ الجنوب وبحثت الكثير من المشروعات التي تحقق زيادة التبادل التجاري والتقدم الاقتصادي والتكنولوجي في الجنوب. كما اهتمت حركة عدم الانحياز بقضايا الأمية والفقر ومكافحة المرض ، ونجحت في خلق جبهة قوية على الساحة الدولية تتحدث بصوت واحد يمثل دول العالم الثالث فى المنظمات الدولية وأهمها الأمم المتحدة حيث لم يعد بمقدور الدول الصغيرة او حتى المتوسطة مواجهه التحديات الحالية إلا من خلال إطار متماسك يجمعها مع الدول الأخرى .

وفى نفس الوقت فان حركة عدم الانحياز بما تتمتع به من موارد يمكن ان تشكل إطارا مهماً فى خدمة قضايا الدول النامية حيث تملك الحركة طاقات وموارد طبيعية ضخمة يحتم عليها اضطلاعها بدور مهم على المستوى الدولي، إذ تمثل 51% من عدد سكان العالم كما تملك 86% من موارد العالم من البترول و52% من الموارد المائية, وكل هذه العوامل تمثل قوة يمكن استغلالها كعناصر للتفوق لمواجهه المتغيرات العالمية.

إن مصر لها دور مؤثر ومحوري في دعم الحركة ودفع جهودها نحو تحقيق الأهداف التى قامت الحركة من أجلها وقد استمر الدور المصري بدءً من المساعدة في إنهاء الاستعمار وحل النزاعات فى مناطق الصراع المختلفة وخاصة في أفريقيا ، مرورا بالتعاون في إنشاء المشروعات التنموية فى مجالات متعددة مثل الزراعة والتعليم والري ومكافحة الأمراض .

كما استمر دور مصر فى التقدم بمقترحات تهدف الى تعزيز دور الحركة وجعلها أكثر قدرة على التفاعل مع المتغيرات الدولية المتوالية ومنها الاقتراح الذى تقدمت به فى الاجتماع الوزاري لدول الحركة فى مدينة ديربان فى جنوب أفريقيا فى عام 2004 ويدعو الى تطوير الحركة وتجديدها بما يتواكب مع المتغيرات الجديدة فى العالم ويجعلها أكثر فاعلية فى توجيه مسارات التفاعلات السياسية الدولية .

واستمرارا لدور مصر فى تطوير الحركة فقد طرحت مصر رؤيتها لمستقبل الحركة خلال القمة الثالثة عشرة للحركة فى عام 2003 حيث شددت فى هذا الصدد على أنه لا معنى للتطوير بغير الثبات على الهدف والتمسك بالمبادئ، وحذرت من أن أى محاولة للمساس بمبادئ عدم الانحياز يعنى تقويض أركانها ودفع أطرافها نحو جدل عقيم مؤكدا أن أصالة الانتماء إلى فكر الحركة هو الضمان الحقيقي لجني ثمار العولمة واحتواء ما تنطوى عليه من أضرار ومخاطر.

وقد اكتسبت حركة عدم الانحياز بمثل هذه الرسالة صك ميلاد جديد يعبر عن إرادة الشعوب وأن حركة عدم الانحياز فى مرحلتها الحالية تتجه للعمل على تعزيز قيام ديمقراطية عالمية والتشجيع على حوار الحضارات والاستمرار فى النضال من أجل وقف الحروب كأداة لحل النزاعات ان دور مصر التاريخي في تأسيس الحركة بالإضافة إلى ثقلها الحضاري والسياسي يعدان بمثابة القاعدة التى ترتكز عليها مصر فى تطوير
الحركة فى المستقبل .

وتعمل الحركة وسط متغيرات دولية جديدة تفرض تحديات كبيرة أمام الحركة ودورها المستقبلي .وكانت حركة عدم الانحياز من أكثر الحركات تأثرا بهذه المتغيرات، فأحداث الحادي عشر من سبتمبر أثرت على مبادئ العلاقات الدولية والقانون الدولي. وصاحب ذلك تغيرات إستراتيجية فى سياسات الأمن الدولي وكان نتيجة هذه الاستراتيجيات الجديدة اهتزاز في أسس العمل متعدد الأطراف مما أدى إلى إعادة نظر الأمم المتحدة والمنظمات الدولية والإقليمية الأخرى في أولوياتها ومواجهة التحديات الجديدة للحفاظ على السلم والأمن الدوليين .

و من التحديات التي تواجه دول عدم الانحياز الحوار بين الحضارات حيث أن العولمة التي أسئ استخدامها أسفرت عن تهديدات بفرض أنماط ثقافية واجتماعية محددة على دول العالم النامي بغير مراعاة للتعددية الثقافية والفروق الحضارية والاجتماعية . ولهذا اقترح المؤتمر الوزاري لدول حركة عدم الانحياز فى ديربان فى عام 2004 إجراء حوار بين الحضارات لتأكيد أهمية الحفاظ واحترام التعددية والاختلاف الثقافي والاجتماعي والحضاري .

ومن التحديات الكبرى التى تواجه الحركة سبل دعم العمل الجماعي متعدد الاطراف فى مواجهه السياسات الانفرادية أحادية الجانب وقد اكدت الحركة فى المؤتمر الوزارى أهمية دعم العمل الجماعى متعدد الاطراف من خلال دعم الأمم المتحدة ومنظماتها وأجهزتها وعلى رأسها الجمعية العامة واعادة اصلاح وهيكلة مجلس الامن بهدف إلزام الدول الاعضاء بمقرارتها وعدم دفع هذه الدول للعمل خارج النظام الدولى . و تضم هذه التحديات أيضا ضرورة الحفاظ على مبادئ القانون الدولى فى العلاقات الدولية والخلاص من أسلحة الدمار الشامل بطريقة فاعلة ومكافحة الارهاب والحفاظ على حقوق الانسان ، وجعل الامم المتحدة اكثر فاعلية لاحتياجات الجميع للحفاظ على السلام والامن والاستقرار الدولى .

ويرى المحللون السياسيون أنه ازاء هذه التحديات التى تواجه حركة عدم الانحياز فان تنشيط دور حركة عدم الانحياز يعتمد بشكل أساسي على التركيز على قضايا التعاون الاقتصادى بين دولها فى ظل العولمة ، ومعالجة تزايد الفجوة بين الشمال والجنوب ، وذلك لبلورة نظام اقتصادى دولى أكثر عدالة ، ويضمن تحقيق مصالح جميع أطرافه .

فالحركة يمكن ان يكون لها دور كبير فى قضايا السلم والأمن الدوليين ويمكن لها ان تتدخل بفاعلية في منع وإدارة الصراعات والأزمات والحروب الأهلية التي تقع في نطاقها الجغرافي كقضية فلسطين والعراق وإيران وكذلك فى مواجهه الإرهاب الذي أصبح خطرا يواجه الجميع .

و يرى مراقبون أن حركة عدم الانحياز سوف تظل نبراسا يضيء الطريق للعالم النامي على مسرح الأحداث والتحديات ، ويقولون أنها تملك ان تقدم للعالم الكثير فى الغد.. فدول عدم الانحياز مصممة على البقاء على الساحة الدولية بكل متغيراتها الإقليمية والدولية وقد واجهت التحدى ضد محاولات تهميشها.

الرؤية المصرية لحركة عدم الانحياز

ترى مصر أن حركة عدم الانحياز تمثل الإطار الأهم، والأوسع نطاقاً لتنسيق مواقف الدول النامية إزاء مختلف القضايا السياسية، والاقتصادية، والاجتماعية المطروحة على أجندة الأمم المتحدة‏، ودعم سبل العمل الجماعي متعدد الأطراف في مواجهة السياسات الانفرادية ، أحادية الجانب‏،‏ والتي تعد إحدى التحديات الكبرى التي تواجه دول العالم الثالث‏ ، وغالبيتها أعضاء في الحركة .

وتبدى مصر اهتماما كبيراً للحركة ولضرورة الحفاظ عليها لما تتمتع به من ثقل إقليمي ودولي كبيرين باعتبارها تضم ما يقرب من ثلثي دول العالم الأعضاء بالأمم المتحدة ، ومن ثمّ تمثل كتلةً تصويتية لايستهان بها ، ويتعين العمل على توثيق العلاقات بين دولها للدفاع عن مصالحها ومصالح شعوبها .

وتتمثل أحد الركائز الأساسية التي يستند عليها الموقف المصري من حركة عدم الانحياز في أنه إذا كانت الحركة قد نشأت في ظل نظام دولي ثنائي القطبية فإن اختلاف هذه الظروف يفرض تطوير أدوات الحركة بما يعطيها إمكانية المساهمة - من خلال مواقف بناءة ، وواقعية تحظى بإجماع من كافة دولها - في التأثير على مجرى التفاعلات الدولية .

وقد لعبت مصر دوراً محورياً ليس فقط في تأسيس حركة عدم الانحياز رسمياً خلال قمتها الأولى في العاصمة اليوغسلافية بلجراد في عام‏1961، وإنما يعود هذا الدور إلى ما قبل مرحلة الميلاد الرسمي للحركة حينما لعبت مصر دوراً بارزاً في بلورة فكرة إنشائها ، ثم تحويل هذه الفكرة إلى كيان ملموس على أرض الواقع منذ البدايات الأولى في مؤتمر باندونج عام 1955 ، والذي بذلت خلاله الدبلوماسية المصرية جهوداً كبيرةً بالاشتراك مع الدول الرئيسية المؤسسة للحركة ، ومنها الهند ، واندونيسيا ، ويوغسلافيا لكي ينجح المؤتمر ويحقق أغراضه ، وهو ما تحقق بالفعل على النحو الذي أثار إعجاب وتقدير ساسة وقادة دول العالم في ذلك الوقت.

وترى مصر أن ما تشهده الساحة الدولية اليوم من تصدع لأركان ومبادئ أساسية قامت عليها حركة عدم الانحياز هو أمر يدعو للقلق خاصةً ما يتعلق بعدم التدخل في الشئون الداخلية للدول، واحترام سيادتها ، واستقرارها ، واستقلال قرارها ، وعدم كفاية كل من السيادة الوطنية ، والوحدة الإقليمية لمنع التدخل في الشئون الداخلية للدول ، بل أصبحت الشئون الداخلية ذاتها ذريعةً وقناعاً لمن يرغب في فرض سيطرته على الآخرين ، وهى كلها تحديات جسيمة تفرض ضرورة استمرار الحركة مع إعادة بنائها ، وتطوير قدراتها .

وتؤكد وثائق الحركة ومسيرتها الدور التاريخي الذي لعبته‏-‏ وتلعبه مصر‏-‏ في تطوير الحركة وبث روح جديدة في جسدها‏ ، ويشكل هذا الدور المصري الرائد في تأسيس وبناء حركة عدم الانحياز‏,‏ بالإضافة إلى ثقلها الحضاري والسياسي القاعدة التي ترتكز عليها مصر لدعم مسيرة الحركة في المستقبل عبر تكثيف جهودها المشتركة مع العديد من الدول الساعية لدعم الحركة من أجل تطوير أهدافها وآلياتها ، وجعلها أكثر كفاءةً فيما يتعلق بالتعامل مع التغيرات الكبيرة التي تشهدها الساحة العالمية سياسياً ، واقتصادياً ، وثقافياً لاسيما بعد أن تحولت الحركة من كيان يضم 25 دولةً في قمتها التأسيسية الأولى إلى كيان ضخم يضم حالياً 120 دولةً تنتمي لقارات أفريقيا ، و آسيا، وأوروبا ، وأمريكا اللاتينية.

وتثبت مصر بمشاركتها الفعالة في قمم حركة عدم الانحياز - منذ تأسيس الحركة - تفاعلها المستمر ودورها الريادي ، ليس فقط في نطاق إقليمها وإنما أيضا للعمل على المستوى العالمي الأرحب للدفع بقضايا الدول النامية حتى تحصل على نصيبها العادل سياسياً وتنموياً على الساحة الدولية على اتساعها اقتناعاً منها بأهمية تعزيز العمل الجماعي متعدد الأطراف من خلال دعم الأمم المتحدة ، ومنظماتها ، وأجهزتها وعلى رأسها الجمعية العامة‏ وإعادة إصلاح وهيكلة مجلس الأمن الدولي بهدف إلزام الدول الأعضاء بمقرراتها‏ ،‏ وعدم دفع هذه الدول للعمل خارج النظام الدولي ، وبعيداً عن إطارا لشرعية الدولية‏ .

وقد استضافت مصر القمة الثانية للحركة في عام 1964 وسط فورة حركة الاستقلال الوطني والتحرر على المستوى العالمي ، وكانت هذه القمة بمثابة نقلة نوعية في تاريخ حركة عدم الانحياز حيث خرجت بالحركة من الإطار السياسي العام إلى مرحلة التفاصيل الدقيقة ، والمعالجة المتعمقة للقضايا ، وبدأت عملية ترتيب القضايا المطروحة على جدول الأعمال وفقاً لنوعيتها فيما أصبح يعد تقليداً ، أو فصولاً ثابتةً في البيانات الختامية اللاحقة للحركة.

كما استضافت مصر القمة الخامسة عشرة للحركة فى يونيو 2009 ، وذلك تحت شعار "التضامن الدولي من أجل السلام و التنمية " وبمشاركة أكثر من 152 دولة، وما يزيد عن 50 رئيسا وعدد كبير من الملوك والأمراء ورؤساء الحكومات ، حيث تسلمت مصر -ولمدة ثلاث سنوات- رئاسة الحركة .

صدر عن قمة شرم الشيخ 2009 أربع وثائق أساسية تمثلت في:

· الوثيقة الختامية

· إعلان شرم الشيخ

· خطة عمل شرم الشيخ

· إعلان فلسطين

أكدت الوثيقة الختامية للقمة أن السلم والأمن الدوليين لا يزالا بعيدي المنال نتيجة نزعة بعض الدول إلى اللجوء لإجراءات أحادية الجانب، ضاربة عرض الحائط ما التزاماتها وتعهداتها بموجب الاتفاقيات الدولية ذات الصلة،ولاسيما الاتفاقيات المتعلقة بأسلحة الدمار الشامل و التقليدية ، وكذا الإرهاب و انتهاكات حقوق الإنسان و القانون الدولي الانسانى كما أكدت أيضا على ضرورة عدم إتباع المعايير المزدوجة في العلاقات الدولية وعلى صعيد الأزمة العالمية الراهنة ، أكدت على ضرورة مطالبة المجتمع الدولي بتجديد التزاماته بالدفاع عن أهداف ومبادئ ميثاق الأمم المتحدة ، ومبادئ القانون الدولي ، وكذا التعاون المكثف بين كافة الدول المتقدمة و النامية لتجاوز تداعيات ، وأضرار هذا الأزمة التي تشكل أحد العوائق أمام تحقيق مزيد ن التنمية الاقتصادية و التقدم الاجتماعي كما أكدت الوثيقة أن الحركة مستمر في تبنى مبدأ المساواة بين الدول في السيادة وسلامة أراضيها مع عدم التداخل في الشئون الداخلية لأي دولة، والاقتناع عن استخدام القوة أو التهديد باستخدامها وكذا تشجيع حقوق الإنسان والحريات الأساسية .

08/05/2012

تعليق علي الموضوع إرسال لصديق طباعة الصفحة

 

شروط النشر