آخر الأخبار :

إعداد: حسني ثابت
ينطلق صباح الخميس 10 مايو/آيار المُقبل ماراثون أول انتخابات تشريعية جزائرية بعد 20 عامًا من إلغاء أول انتخابات تعددية عام 1991، يتنافس فيها أكثر من 40 حزبًا سياسيًا، وتشمل بعض التحالفات والتكتلات، يظهر أهمها في حزبي "جبهة التحرير الوطني" و "التجمع الوطني الديمقراطي" المُتحالفين منذ 2004 لدعم الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، وتكتل "الجزائر الخضراء"، الذي يجمع بين حركة مجتمع السلم، والنهضة، والإصلاح الوطني.
وتأتي هذه الانتخابات استجابة للمطالب الشعبية التي تكثفت في أجواء الربيع العربي المُطالبة بالتغيير والإصلاح، في إطار أحكام النظام الانتخابي الذي أصبح ساري المفعول، والتي تشكل مُنعطفًا مصيريًا يفتح للجزائر الباب لاستكمال بناء الدولة الجزائرية بعد مرور خمسين سنة على استرجاع سيادتها بحيث تصبح دولة تسودها الديمقراطية والمواطنة الواعية في كنف العدالة الاجتماعية والتضامن الوطني.
وبمناسبة هذه الانتخابات أصدر الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة، خمسة قوانين أساسية تتناول نظام الانتخابات وتوسيع فرص تمثيل المرأة في المجالس المُنتخبة والإعلام والأحزاب السياسية والجمعيات.
لقد مرت الحياة السياسية في الجزائر عقب استقلالها عام 1962 بمراحل عديدة تطورت من أشكال متنوعة من الحُكم العسكري ونظام حُكم الفرد، والذي بدأ يتراجع في آواخر عام 1978 خلال فترة حُكم الشاذلي بن جديد، وبدأ معها وضع دستور 1989، ووضع أسس جديدة للتعددية الحزبية، وانسحاب عناصر الجيش من جبهة التحرير الوطني، وترسيخ النظام المؤسسي في البلاد بدءا بإجراء انتخابات تشريعية ورئاسية، وساهم معها المُشاركة السياسية للمرأة من نائبة في البرلمان إلى المُشاركة في سلك القضاء والشرطة والجيش إلى أن بلغت لدور المنافسة على رئاسة الجمهورية في الجزائر.
فمنذ اندلاع ثورة التحرير الوطني في مطلع نوفمبر/تشرين الثاني 1954 أسس الثوار الجزائريون حزبًا تحت اسم "جبهة التحرير الوطني" وأطلقوا على جناحه العسكري اسم "جيش التحرير الوطني" فاختلط العسكري بالسياسي مُبكرًا.
وكان جيش التحرير الوطني - بزعامة قائد الأركان العامة هواري بومدين - هو من قام بتنصيب الرئيس الأسبق أحمد بن بيلا عام 1962، وبإيعاز من بومدين نفسه، وهو من أطاح به في 19 يونيو/حزيران 1965 مُشكلا مجلس ثورة برئاسته مكونًا من 25 عضوًا منهم 12 عقيدًا في الجيش، واحتفظ بومدين بالإضافة إلى منصب الرئيس بمنصب وزير الدفاع وقد ظل هذا العُرف ساريًا من بعده.
ومع وفاة الرئيس بومدين يوم 27 ديسمبر/كانون الأول 1978 تراجع دور الجيش السياسي حين تولي العقيد الشاذلي بن جديد الحُكم، وفي هذه الفترة تم اعتماد "دستور الخامس من فبراير/شباط 1989 الذي كرّس التعددية الحزبية فانسحبت عناصر الجيش من اللجنة المركزية لجبهة التحرير الوطني.
غير أن نجاح الجبهة الإسلامية للإنقاذ في الجولة الأولى من تشريعات ديسمبر/كانون الأول 1991 أدى إلى تدخل الجيش في يونيو/حزيران 1992 مُجبرًا الشاذلي بن جديد على الاستقالة بعد 13 سنة من الحُكم ومُلغيًا نتائج الانتخابات التشريعية المذكورة ومُلغيًا أيضًا الجولة الثانية من تلك الانتخابات.

الحياة الحزبية:

ظل نظام الحزب الواحد في الجزائر يُهيمن على الحياة السياسية ولمدة 27 عامًا إلى أن تم التصويت على الدستور التعددي عام 1989، ونصت فيه المادة 42 على أن "حق إنشاء الأحزاب السياسية مكفول بشرط عدم تأسيسها على أساس ديني أو لغوي أو عرقي أو جنسي أو مهني أو إقليمي".
وكان القانون المُتعلق بالأحزاب السياسية قد صدر في مارس/آذار 1997، والذي يُحدد الإطار الذي يلتزم به كل حزب كما ينص عليه في المادة الثالثة، ومن بينها عدم استغلال مكونات الهوية الجزائرية التي هي "الإسلام - العروبة - الأمازيغية" وكذلك احترام مبادئ ثورة نوفمبر 1954، فضلاً عن احترام الحرية العامة والوحدة الوطنية وتبني التعددية السياسية.
وكما جاء في "المادة 12" من قانون الأحزاب السياسية فإن وزارة الداخلية هي الجهة المسئولة عن الاعتراف بالأحزاب السياسية، ولوزير الداخلية الحق في تعليق أو منع نشاط أي حزب سياسي لم يعترف به بعد، بحجة خرق القوانين المعمول بها أو بحجة حالة استعجال أو خطر يُوشك أن يخل بالنظام العام كما في "المادة 36"، وإذا كان الحزب مُعترفًا به فلابد عند منع نشاطه - حلاً أو تعليقًا - من حُكم قضائي تصدره الجهة القضائية لمدينة الجزائر بدعوى من وزير الداخلية كما في "المادة 37"، وتتناول المواد من "38 إلى 41" العقوبات والغرامات التي يُمكن أن تصدر في حق الأحزاب السياسية.
وأغلب الأحزاب السياسية الجزائرية الموجودة اليوم والتي تصل لنحو 40 حزبًا لم يسبق ميلادها عام 1989 وإن كان أقلها وجد قبل هذا التاريخ.
وتنقسم الأحزاب السياسية الجزائرية بحسب توجهها الفكري إلى إسلامية مثل "حمس" و "النهضة"، ووطنية مثل "جبهة التحرير الوطني"، وعلمانية كحزب "العمال" و "الحزب الديمقراطي الاجتماعي"، وإن كان بعضها يهتم بالبُعد الأمازيغي مثل "حزب التجمع" من أجل الثقافة والديمقراطية.
وتقسم أيضا بحسب برامجها الاقتصادية إلى أحزاب ليبرالية مثل "جبهة التحرير الوطني" و "التجمع الوطني الديمقراطي"، وأحزاب الوسط مثل "جبهة القوى الاشتراكية" والأحزاب الإسلامية، ويسارية كحزب "العمال" و "الحزب الديمقراطي الاجتماعي".
وتشكو الأحزاب السياسية الجزائرية من عدم تداول السطة داخلها وتحولها إلى أحزاب شخصيات ومن أمثلة ذلك، زعيم جبهة القوى الاشتراكية "حسين آيت أحمد"، وزعيم حزب التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية "سعيد سعدي"، وزعيم التجمع الوطني الديمقراطي "أحمد أويحيى"، وزعيمة حزب العمال "لويزة حنون".
ويُهيمن على الخريطة السياسية الراهنة بالجزائر ما يُعرف بالتحالف الرئاسي المكون من ثلاثة أحزاب هي: "التجمع الوطني الديمقراطي" بزعامة أحمد أويحيى و "جبهة التحرير الوطني" بزعامة عبد العزيز بلخادم و "حركة مجتمع السلم" بزعامة أبو جرة سلطاني. ويجمع بين التشكيلات الثلاثة مناصرتها الرئيس بوتفليقة أثناء ترشحه للرئاسة عام 2004 وتفرق بينها الخلفية الفكرية.
وتوجد أحزاب معارضة ذات وزن سياسي مثل "حزب العمال" الذي تقوده لويزة حنون و "حركة الإصلاح" المُتنازع على قيادتها بين الشيخ جاب الله ومحمد بولحية و "التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية" بزعامة سعيد سعدي، فضلا عن "جبهة القوى الاشتراكية" بزعامة حسين آيت أحمد التي قاطعت تشريعيات 2002 كما قاطعت تشريعيات 2007.
وقد هيمن التجمع الوطني الديمقراطي على المجلس الشعبي بعد انتخابات 1997 لتأتي بعده حركة مجتمع السلم، إلا أنهما تراجعا لصالح جبهة التحرير الوطني وحركة النهضة على الترتيب في انتخابات 2002، وكرست آخر تشريعيات جرت يوم 17 مايو/أيار 2007 تصدر حزب جبهة التحرير الوطني الذي حصد 136 مقعدًا من أصل عدد مقاعد المجلس الوطني الشعبي (البرلمان) الـ389 أي نسبة 23%، كما فازت الجبهة في تجديد المقاعد في المجالس البلدية والولائية التي جرت يوم 29 نوفمبر/تشرين الثاني 2007 بنسبة 30% من المقاعد.
وجاء في الترتيب بعد الجبهة حليفها حزب التجمع الوطني الديمقراطي حاصلاً على 61 مقعدًا أي نسبة 10.3%. وكان التجمع حصل على 68 مقعدًا عام 2002، ليأتي حليفهما الثالث حزب حركة مجتمع السلم بما مجموعه 51 مقعدًا أي نسبة 9.64%، وقد توزعت بقية المقاعد بين المرشحين الأحرار وبعض الأحزاب السياسية الأخرى.
ومنذ إعلان التعددية السياسية عرفت الجزائر ست تجارب انتخابية:
• ثلاث رئاسيات في الأعوام 1995 و1999 و2004.
• أربع تشريعيات في الأعوام 1991 و1997 و2002 و2007.
وتعاني الحياة الحزبية من أزمات عديدة مثل:
• تدخل السلطة سواء أكانت الجيش أم رئاسة الجمهورية في شئون الأحزاب، ومن أمثلة ذلك حل حزب جبهة الإنقاذ الإسلامي من طرف الجيش بعد فوزها في محليات 1990، والجولة الأولى من الانتخابات التشريعية 1991، كما تم السعي إلى إبعاد الأمين العام السابق لجبهة التحرير الوطني عبد الحميد مهري الذي كان من دعاة استقلالية الجبهة عن الدولة.
• الانقسامات الداخلية الناتجة - في بعض الأحيان ربما- عن انعدام التداول داخل الحزب، وقد عرفت الأحزاب السياسية الجزائرية الانشقاق منذ عقد التسعينيات، ومن أمثلة ذلك خروج أحمد مراني عضو جبهة الإنقاذ المحظورة على عباسي مدني وعلي بلحاج عام 1993، وتصدع حركة النهضة عام 2000 حين انفصل مؤسسها عبد الله جاب الله ليؤسس حركة الإصلاح الوطني، كذلك برزت الحركة التصحيحية بقيادة عبد العزيز بلخادم عام 2003 منفصلة عن جبهة التحرير الوطني ومؤيدة في نفس الوقت ترشيح بوتفليقة لرئاسيات 2004.
• ظاهرة الأحزاب الصغيرة التي تظل عاطلة عن النشاط السياسي مدة طويلة وتتحين ظهور استحقاقات انتخابية لتنشط وتدخل التنافس على المناصب.
الانتخابات في الجزائر:
تمتلك الجزائر ترسانة قانونية ضخمة تتناول موضوع الانتخابات وهي:
• القانون العضوي المتعلق بنظام الانتخابات الصادر في مارس/آذار 1997، وهو المعمول به الآن ومن المزمع تغييره.
• الأمر القانوني رقم 97-08 المحدد للدوائر الانتخابية وعدد المقاعد المطلوب شغلها الصادر في مارس/آذار 1997.
• المرسوم التنظيمي المتعلق بإحداث اللجنة الوطنية المستقلة لمراقبة الانتخابات التشريعية الصادر في مارس/آذار 1997.
• المرسوم الرئاسي المتعلق بإحداث لجنة سياسية وطنية مستقلة لمراقبة الانتخابات الرئاسية الصادر في فبراير/شباط 2004.
• المرسوم الرئاسي المتضمن تعيين منسق اللجنة السياسية الوطنية المستقلة لمراقبة الانتخابات الرئاسية الصادر في فبراير/شباط 2004.
ويكفل القانون العضوي المتعلق بنظام الانتخابات الصادر في مارس/آذار 1997 حق الاقتراع لجميع الجزائريين البالغين 18 سنة رجالا ونساء، والتسجيل في القوائم الانتخابية إجباري بالنسبة لكل مواطن جزائري توفرت فيه الشروط المطلوبة قانونيًا كما في المادة 8، وتنص المادة 16 وما بعدها على أن مراجعة هذه اللوائح تتم في الثلث الأخير من كل سنة على مستوى كل بلدية من طرف لجنة فنية، ولكل مواطن الحق في الاطلاع على القائمة الانتخابية التي تعنيه، ويكفل القانون للمرشحين حضور عمليات الاقتراع شخصيًا أو بواسطة من ينوب عنهم، كما في المادة 45.
ويعتمد قانون الانتخابات الجزائرية مبدأ الانتخاب النسبي كما في المادة 76، وإقصاء كل قائمة لم تحصل على 7% من أصوات الناخبين، ومع أن مبدأ النسبية يسمح لجميع المشاركين في الاقتراع بالحصول على نتيجة ما، غير أنه في الغالب يضر الأحزاب السياسية الكبيرة.
وتشرف على الانتخابات في كل ولاية لجنة ولائية - قضائية - مكونة من ثلاثة قضاة يعينهم وزير العدل كما في المادة 88. ويتساوى المرشحون في استغلال وسائل الإعلام الرسمية أثناء الحملات كما في المادة 175.
وتتولى كل انتخابات تشريعية أو رئاسية لجنة مستقلة لمراقبة الانتخابات ويكون عضوًا فيها:
• بالنسبة للتشريعيات عضو عن كل حزب سياسي تقدم للانتخابات في 12 دائرة انتخابية على الأقل، وممثل واحد عن المرشحين المستقلين يختار بالقرعة، وممثل عن المرصد الوطني لحقوق الإنسان، وآخر عن الرابطة الجزائرية لحقوق الإنسان. وهؤلاء الأعضاء ليس لهم سلطة اتخاذ القرار عكس أربعة أعضاء في اللجنة يمثلون وزارات الداخلية والعدل والخارجية والاتصال والثقافة.
• وبالنسبة للرئاسيات تنسق اللجنة المستقلة الخاصة بالانتخابات شخصية وطنية غير متحزبة يعينها رئيس الجمهورية بالإضافة إلى ممثلي الأحزاب المعتمدة والمرشحين.
وعلى الرغم من وجود ترسانة تشريعية كبيرة لدى الجزائر، لم تسلم أي انتخابات جزائرية من اتهام أحد أطرافها بالقيام بالتزوير منذ تشريعيات 1997، فقد اتهم التجمع الوطني الديمقراطي بأنه لم يحصد 155 مقعدًا في المجلس الشعبي الوطني عام 1997 إلا بتزوير الانتخابات وتواطؤ الإدراة مع حزب يصفه منافسوه بحزب النظام.
كما أكد رئيس الوزراء السابق "علي بن فليس" أن رئاسيات 2004 التي أوصلت بوتفليقة إلى ولاية ثانية قامت على التزوير الشامل، وأن الزعيم الكوري الشمالي الراحل كيم إيل سونغ ما كان ليحصل - لو ترشح- على أفضل مما حصل عليه بوتفليقة.
وأوضحت تشريعيات مايو/أيار 2007 أن قانون الانتخابات الحالي فتت أصوات الناخبين بين أحزاب صغيرة وقلص بذلك نتائج الأحزاب الكبيرة، وفي سابقة في تاريخ الجزائر البرلماني يدخل قبة مجلس الأمة في تشريعيات 2007 مايزيد عن 20 حزبًا سياسيًا لم تكن معروفة من قبل.
تنص المادة 74 من دستور عام 1989 التعددي على أن "مدة المهمة الرئاسية خمس سنوات، يمكن تجديد انتخاب رئيس الجمهورية مرة واحدة"، وهذا يعني أن ولاية الرئيس الجزائري لا تتجاوز عشر سنوات، غير أن البرلمان الجزائري قد أقر بغالبية ساحقة في نوفمبر/تشرين الثاني 2008 مشروع تعديل الدستور، وهو تغيير سيسمح بولاية ثالثة لرئيس الجمهورية، وكان المجلس الدستوري وافق على التعديلات المقترحة قبل ذلك.

النظام السياسي الجزائري:

النظام السياسي في الجزائر جمهوري ذو طابع ديموقراطي، ذى دستور، وقد أقر تعديل الدستور لسنة 1989 التعددية الحزبية والنقابية في البلاد.
والنظام السياسي في الجزائر يُفرق بين السلطات الثلاث "التنفيذية - التشريعية - القضائية"، ويُناط بالرئيس والجهاز التنفيذي مهام العمل بموجب تطبيق القوانين، التي يسنها البرلمان، بينما يفصل القضاء في الأحكام المدنية والجزائية.
استمر حُكم الحزب الواحد منذ استقلال البلاد عام 1962، متأثرا بالنظام الإشتراكي، وقد شهدت الجزائر في الثمانينيات عدة هزات اقتصادية كان من أثارها أحداث 5 أكتوبر 1988 والتي عجلت بإدراج إصلاحات سياسية واقتصادية.
فالجزائر منذ أن نالت استقلالها عام 1962 وحتى نهاية ثمانينيات القرن الماضي لم تتمتع بآلية ديمقراطية لتداول السلطة، فقد أطاح وزير الدفاع والقائد العام للأركان العقيد هواري بومدين بالرئيس المدني "أحمد بن بيلا"، ولما توفى يوم 28 ديسمبر/كانون الأول 1978 حسم الجيش أمر الرئاسة مُنصبًا العقيد الشاذلي بن جديد مرشحًا وحيدًا باعتباره الضابط الأكبر سنًا والأعلى رتبة.
وظل الجيش وفيًا لتقاليده في عزل وتنصيب الرؤساء، إذ أجبر "بن جديد" على الاستقالة بعد أحداث 1991 ليخلفه مجلس أعلى للدولة مؤقت يرأسه "محمد بوضياف" الذي اغتيل بعد فترة قصيرة ليخلفه "علي كافي"، ثم انتخب قائد الجيش "إليامين زروال" رئيسًا للجمهورية، ثم استقال قبل إكمال مدته ليخلفه "عبد العزيز بوتفليقة" بعد انتخابات رئاسية.
ومع بداية القرن الحالي بدأت تنعم الجزائر باستقرار أمني ونمو اقتصادي، بينما الوضع السياسي ظل مُغلقا في وجه الأحزاب في ظل حالة الطوارئ واحتكار الدولة لوسائل الإعلام السمعي البصري.
العلاقة بين السلطات:
تعطي النصوص التشريعية الجزائرية خاصة "دستور 1989" صلاحيات واسعة لرئيس الجمهورية مقارنة بصلاحيات السلطتين التشريعية والقضائية، وهذا ما يجعل مؤسسة الرئاسة أهم مؤسسة في هرم السلطة الجزائرية إلى جانب الجيش، ومن المُحتمل أن تزيد التعديلات المُزمع إجراؤها قريبًا على دستور البلاد من تلك الصلاحيات الواسعة أصلا.
فرئيس الجمهورية - حسب الدستور- هو رئيس الدولة وهو حامي الدستور ومُجسد الدولة داخل البلاد وخارجها، وهو القائد الأعلى للقوات المسلحة للجمهورية، ويعيّن رئيس الحكومة وينهي مهامه كما يوقّع المراسيم الرئاسية، وله وحده حق إصدار العفو، ويقرّر إذا دعت الضرورة المُلحة، حالة الطوارئ أو الحصار، وله أن يقرّر حل المجلس الشعبي الوطني أو إجراء انتخابات تشريعية قبل أوانها، بعد استشارة رئيس المجلس الشعبي الوطني ورئيس مجلس الأمة ورئيس الحكومة، وله حق المبادرة بالتعديل الدستوري.
وفي المقابل يمنح الدستور الجزائري السلطة التشريعية المكونة من مجلسين "المجلس الشعبي الوطني" والمعروف بمجلس (النواب) و "مجلس الأمة" والمعروف بمجلس (الشيوخ) حق سن القوانين ومُراقبة الحكومة، مع أحقية رئيس الجمهورية بمُشاركة السلطة التشريعية سن القوانين، فالدستور يمنحه حق إصدار الأوامر القانونية، ثم عرضها على مجلسي النواب والشيوخ في أول دورة له لتوافق عليها، ولا يتم إقراره إلا بعد موافقة أغلبية ثلثي أعضاء مجلس النواب، ويمكن لرئيس الجمهورية أن يطلب إجراء مداولة ثانية في قانون تم التصويت عليه في غضون الثلاثين يومًا التالية في حالة عدم إقراره من مجلس النواب.
ومن صلاحيات الرئيس تعيين رئيس المجلس الدستوري، وكذلك عضوين من أعضائه التسعة، وكذلك اختيار أعضاء المجلس الإسلامي الأعلى المكون من 15 عضوًا، وهو أيضًا يرأس المجلس الأعلى للقضاء، على أن يكون القاضي الجزائري مسئولا أمام هذا المجلس عن كيفية قيامه بمهمته، حسب الأشكال المنصوص عليها في القانون.
الحريات:
لم تعرف الجزائر حرية الصحافة إلا مع بداية تسعينيات القرن الماضي حيث أصدرت حكومة مولود حمروش القانون المتعلق بالإعلام الجزائري في الثالث من أبريل/نيسان 1990، وقبل إصدار هذا القانون كان العمل ساريا وفق قانون آخر للإعلام صادر في السادس من فبراير/شباط 1982.
وإذا كان قانون 1982 يحصر الإعلام في التعبير عن توجهات حزب جبهة التحرير الوطني السياسية، فإن قانون 1990 يكرس حرية الصحافة ويكسر احتكار الدولة والحزب الواحد، ويشترط فيمن يريد إصدار جريدة في الجزائر أن يسجل تصريحًا لدى وكيل الجمهورية، وينبغي لهذا التصريح أن يشمل نقاطًا من بينها عنوان الجريدة واسم مديرها وعنوانه ومقاسات النشرية وسعرها ولغتها، ومن شروط مدير الجريدة وهيئتها التحريرية أن يكونوا جزائريين ليست لهم سوابق عدلية "أحكام قضائية".
ولابد للصحفي العامل لصالح هيئة إعلامية غير جزائرية أن يحصل على اعتماد رسمي بناء على اقتراح من المجلس الأعلى للإعلام، ويشرف على الصحافة الجزائرية مجلس أعلى للإعلام مكون من 12 عضوًا يُعين رئيس الجمهورية ثلاثة منهم من بينهم رئيس المجلس وثلاثة يعينهم المجلس الشعبي الوطني (البرلمان) وستة ينتخبون بالأغلبية المطلقة من بين الصحفيين المحترفين الذين أمضوا 15 عامًا على الأقل في مهنة الصحافة.
وتصنف الصحافة الجزائرية إلى:
• صحافة رسمية تمولها الدولة وتوجهها، وهي الإذاعة والتلفزيون وبعض الصحف.
• صحافة حزبية ناطقة باسم بعض الأحزاب.
• صحافة مستقلة.
وتشكو الصحافة الجزائرية من قانون العقوبات الجزائري خاصة في فصله الخامس المتعلق "بالاعتداء على شرف واعتبار الأشخاص وإفشاء الأسرار"، وهو نص طالما اعتبرته الصحافة الجزائرية سيفًا مُسلطًا عليها، كما أن قانون الإعلام يتضمن العديد من الأحكام الجزائية التي تجعل الصحفي الجزائري عرضة للتغريم والسجن لأكثر من سبب.
ويذكر تقرير الحريات الصحفية في الوطن العربي الصادر عن الاتحاد العام للصحفيين العرب عام 2005 أن الصحفيين الجزائريين تعرضوا في السنوات الماضية للاعتقال والتهديد وحجب المعلومات والاستدعاء من طرف الأمن.

المُشاركة السياسية للمرأة:

المرأة الجزائرية كبقية النساء العربيات بدأت تشارك بقوة في الحياة السياسية في مختلف الدول العربية، وأبرزت كفاءتها وقوتها في مختلف الميادين، وتقدمت في مواجهة التحدي ليبلغ عدد القيادات في الدولة من النساء عام‏1993‏ نحو ‏49‏ ألف قيادية‏، وبحلول عام ‏1995‏ كانت هناك ‏108‏ نساء قد بلغن مراتب عُليا في الحكومة ورئاسة الجمهورية.
وكشفت آخر إحصائيات أنهن أصبحن يمثلن ‏19%‏ من إجمالي عدد الذين يتقلدون مناصب عُليا في البلاد، ففي عام ‏1999‏ تم الإعلان عن أن عدد من شغلن منصب القاضية‏،‏ قد بلغ‏663‏ بنسبة تصل إلي ‏57.2%، وأن النساء نجحن في احتلال‏173‏ موقعًا من جملة مناصب الإدارة العُليا‏، ولم تترك المرأة ميدان الجيش والأمن دون محاولات اقتحامه حتي أصبح لهن ‏404‏ نساء في الجيش‏، وفي إطار مواز كانت قد استطاعت أن تشغل نسبة‏24.22%‏ من بين العاملين في جهاز الشرطة.
وقد انفتح باب العمل السياسي علي مصراعيه أمام المرأة الجزائرية منذ عام ‏1982‏ يوم أن تولت "زهور ونيسي" منصب الوزير لأول مرة في تاريخ الجزائر، ثم تعاقب تولي النساء للحقائب الوزارية‏‏ ليبلغ ‏12‏ وزيرة منذ ذلك التاريخ، وتعتبر الفترة من أول ديسمبر عام‏1999‏ وحتى يوليو ‏2002 هي الوحيدة التي غابت فيها المرأة عن مقاعد الوزارة‏،‏ ثم عادت بقوة بعد أن استحوذت على 5 وزارات استرايجية وذات ثقل سياسي كبير، فقد تم اختيار "خليدة تومي" وزيرة للإعلام والثقافة‏،‏ فضلاً عن تعيينها ناطقة رسمية باسم الحكومة، ومعها تم اختيار "بثينة شريط" وزيرة للأسرة والطفولة،‏ وهو الموقع الذي تم استحداثه لأول مرة‏، وشغلت "فتحية منتوري" منصب وزيرة إصلاح المالية‏، كما شغلت "ليلى حمو بوتليليس" حقيبة وزارة البحث العلمي،‏ ومعهن "فاطمة الزهراء بوشملة‏" التي تحمل حقيبة وزارة الجالية المُقيمة في الخارج‏.
وبعدها تم اختيار امرأة نائبًا لرئيس مجلس الأمة ـ الشورى ـ أما قبل هاتين الخطوتين اللافتتين للنظر، فكانت المرأة قد نجحت في أن تتولى منصب الوالي ـ المحافظ ـ وتقدمت لتحتل‏25‏ مقعدًا نيابيًا من ضمن‏694‏ خضن تجربة الترشيح في انتخابات البرلمان، وبإضافة هذه الخطوات المُتسارعة على الخريطة السياسية‏، إلى قفزات أخرى للنساء في ساحة القضاء‏، حيث بلغت نسبة شغل المرأة لمنصب القاضي ‏57.2%‏ من مجموع القضاة‏، بنجاح‏663‏ قاضية في اعتلاء منصة العدالة، فضلاً عن‏494‏ امرأة نجحت في مُزاحمة قادة الجيش لمواقعهم، وأرقام أخرى في مواقع الإدارة والشرطة وغيرها، تؤكد أن النساء قادمات لقيادة المجتمع‏،‏ رغم قيد العادات والتقاليد‏‏ وحصار القوانين التي تحاول حبسها في أضيق نطاق‏.‏
وجاء هذا الانتصار مواكبًا لتقدم كبير قطعته "لويزة حنون" أول امرأة عربية تقود حزبًا سياسيًا‏، إذ تمكنت من الفوز بـ ‏24‏ مقعدًا في البرلمان، من الرجال الذين يتقدمون صفوف المعارضة‏، واعتبر فوز‏25‏ امرأة بمقاعد في البرلمان تطورًا كبيرًا للمرأة على الساحة السياسية‏، حيث لم تصل المرأة للبرلمان قبل عام‏1987‏ الذي شهد دخول 7 منهن فقط ميدان التشريع‏، وفي عام‏1997‏ تم انتخاب ‏12‏ نائبة‏، لذلك يجمع المراقبون على أن انتصارات النساء في ميدان العمل السياسي بالجزائر تساوي التطور الرائع‏، والتي إن استمرت بهذه القوة وذلك المعدل‏،‏ يمكن أن تقلب خريطة السياسة والإدارة في البلاد‏، سيما بعد أن نجحت ‏8‏ نساء في احتلال مقاعد بمجلس الأمة ـ الشورى ـ وكان أن تم تنصيب "زهرة بيطاط" نائبة لرئيس مجلس الأمة لأول مرة، ليُضاف إلى اسم "نورية زرهوني" أول امرأة تنجح في أن تكون واليًا ـ محافظًا ـ عام ‏1999.‏
ومع اقتراب موعد إجراء الانتخابات التشريعية القادمة يرفع الشعب الجزائري سقف آماله الملئ بالثقة في أن تنجح الجهود المبذولة لإنجاز هذه الانتخابات، وأن تسفر بنتائج مُرضية لكل أطياف الشعب الجزائري، بكل نزاهة وحرية وديمقراطية لتحقيق كل ما يصبو إليه الشعب الجزائري من تقدم ونمو وازدهار.

05/05/2012

تعليق علي الموضوع إرسال لصديق طباعة الصفحة

تعليقات القراء

الاسم : ياسين الجزائري

تعليق جيد ابرز حقائق عن السياسة الجزائرية

 

شروط النشر