علاقة وفيات ومراضة الأمهات التي يمكن تجنبها بحقوق الإنسان

اأولا: المساواة وعدم التمييز:

تعكس وفيات الأمهات ومراضتهن نموذجاً صارخا من التمييز وعدم المساواة، وتكفل المعاهدات الدولية لكل البشر الحق في المساواة وعدم التمييز على أساس اللون، العقيدة، الجنس، النوع، أو غيره سواء على مستوى القانون، أو السياسات والممارسات. وفي حالات وفيات ومراضة الأمهات التي يمكن تجنبها يمكن رصد نوعين من التمييز، الأول هو التمييز على أساس الجنس، ذلك أن هذه الوفيات مرتبطة بعدم توفير الخدمات التي تحتاجها النساء فقط، حيث أن عملية الحمل والولادة تقع في جسد المرأة، وعلى الرغم من أن المجتمع كله يتأثر في حالة موت الأم أو إصابتها بالمرض أو عجزها، فإن الضرر المباشر والفوري يقع على النساء. وفي هذا الشأن تقع على الدول مسئولية تلبية احتياجات النساء المتعلقة بالحمل والولادة وكذلك مواجهة العوامل الأخرى التي قد تؤثر على النساء ومنها العنف ضد النساء والعادات الاجتماعية الضارة. وكذلك على الحكومات العمل على تحسين وصول النساء إلى المياه النظيفة والتغذية المناسبة، التعليم ...إلخ. أما النوع الثاني فهو التمييز التراكمي أو المتعدد الذي تعاني منه النساء بسبب انتمائهن إلى عرق، لون، دين، لغة، أو رأي سياسي، جنسية معينة أو غيره. في هذه الحالة تواجهالنساء تمييزا قائماً على الجنس وعلى أسس أخرى، فنجد جماعات معينة من النساء أكثر عرضة لخطر الوفاة أو الإصابة أثناء الحمل والولادة، "فالقوانين قد تضع شروطا للحصول على الخدمة الصحية كالحالة الزوجية، أو السن، ولكن لأسباب تتعلق بالتكلفة أو المسافة أو القدرة على الحصول على المعلومات والأعراف الاجتماعية نجد النساء الريفيات، واللاجئات، والمهمشات، والمنتميات للطبقات الأدنى اقتصاديا واجتماعيا عاجزات عن الوصول إلى الخدمات المشار إليها. وتقع مسئولية خاصة على الدول والحكومات في البحث عن وإيجاد حلول للمشكلات التي تمنع مجموعات معينة من النساء من الوصول للخدمات من خلال مراجعة القوانين والسياسات والإصلاح القانوني" (الفقرة 21 من التقرير).

ثانيا: حقوق الإنسان المتضمنة في وفيات ومراضة الأمهات التي يمكن تجنبها:

عندما تموت النساء أثناء الحمل والولادة أو يصبن بالأمراض والعجز نتيجة فشل الحكومات في استخدام الموارد المتاحة لحل المشكلات المؤدية إلى وفيات الأمهات ومراضتهن، وكذلك عجز الحكومات في ضمان إتاحة ومقبولية وجودة وإمكانية الوصول إلى الخدمات الصحية التي تحتاجها النساء أثناء الحمل والولادة، فإن ذلك يعني إخلالا من الدول بالتزاماتها بحقوق الإنسان، وانتهاك حق هؤلاء النساء في الحياة والكرامة، والحق في التعليم وتداول المعلومات، فضلا عن الحق في التمتع بمنجزات التقدم العلمي، والتحرر من التمييز، والتمتع بأقصى المستويات التي يمكن الوصول إليها من الصحة النفسية والجسدية بما فيها الصحة الإنجابية والجنسية.

ويتضمن الحق في الصحة عنصرين أساسيين، هما: حق الفرد في التحكم في جسده وصحته، والحق في التمتع بمختلف الخدمات والمرافق والسلع اللازمة لتحقيق أقصى مستوى يمكن الوصول إليه من الصحة. ويمكن تمييز عدد من هذه الخدمات الحيوية فيما يتعلق بالحمل والولادة منها وسائل تنظيم الأسرة، والإجهاض الآمن والقانوني.

أما الحق في التعليم والمعلومات فأهميته تظهر جلية عند استعراض أي إحصائيات عالمية، حيث نواجه حقيقة أن النساء الأكثر تعليما هن اللاتي يتعرضن لمعدلات أقل من وفيات الأمهات، وهن الأكثر استخداما لوسائل منع الحمل، وأكثر دراية بالتغذية المناسبة أثناء الحمل والولادة وأقل تعرضا للإجهاض غير الآمن، مما لا يدع مجالا للشك في أهمية التعليم وإتاحة المعلومات للنساء لضمان مرورهن بتجربة حمل وولادة آمنة ولتحسين صحتهن الإنجابية بشكل عام.

ثالثا: مقاربة حقوقية لوفيات ومراضة الأمهات التي يمكن تجنبها:

ترصد الدراسة سبعة مبادئ هامة تمثل الإستراتيجية المثلى لمعالجة مشكلة وفيات الأمهات ومراضتهن التي يمكن تجنبها من خلال حقوق الإنسان:

1. المحاسبة:

"المحاسبة عنصر رئيسي في التمتع بجميع الحقوق، وهي معنية بفحص الشكاوى السابقة وبتصحيح الأخطاء المتكررة. يجب ألا نفهم المحاسبة من خلال المفهوم الضيق للوم والعقاب، وإنما باعتبارها تحديد الممارسات الناجحة (بهدف تكرارها) والممارسات الفاشلة (بهدف تصحيحها)" (الفقرة 33 من التقرير).

وفي تناوله لعنصر المحاسبة، شدد المقرر الخاص للحق في الصحة على أهمية وجود أنظمة تسجيل حيوية وفعالة وشاملة بالإضافة إلى أهمية وجود نظام مراقبة لوفيات الأمهات يبحث في أسباب هذه الوفيات، وينقب فيما خلف الأسباب الطبية ليحدد العوامل الثقافية والاجتماعية والاقتصادية التي أسهمت في هذه الوفاة، على أن يكون هذا النظام غير قضائي.

2. المشاركة:

وهي إحدى مبادئ المقاربة الحقوقية لوفيات ومراضة الأمهات، وينبغي أن تكون المشاركة  في حد ذاتها حقا مستقلا. ونعني بالمشاركة هنا – أي في سياق وفيات ومراضة الأمهات – أن تشاور النساء  بإيجابية وفاعلية في صنع القرارات والسياسات الصحية التي تؤثر عليهن خلال هذه الفترة، ويستطعن الوصول إلى المعلومات الضرورية في هذا الشأن، ذلك أن مشاركة أصحاب المصلحة في صياغة السياسات الخاصة بهم من شأنه أن يجعل هذه السياسات والقوانين أكثر واقعية، مما يلقي الضوء على مشاركة النساء المهمشات والمستضعفات لنضع أيدينا على السياسات المناسبة لهذه الفئات التي تتحمل العبء الأكبر في وفيات الأمهات.

3. الشفافية:

يجب أن تمتاز عمليات صياغة وتنفيذ السياسات والقوانين بالشفافية ليتمكن جميع المواطنين من المشاركة في صياغة هذه السياسات ومراجعتها وتعديلها.

4. التمكين:

"إن تمكين النساء والفتيات من خلال التعليم وإتاحة المعلومات، يخلق لدى النساء وعيا ويجعلهن أكثر مطالبة بوسائل منع الحمل، وبالرعاية الصحية أثناء الحمل، وبالولادة الآمنة، وكلها عناصر تسهم في تقليل معدلات الوفيات والمراضة بين الأمهات" (الفقرة  41 من التقرير). كما أن الدول ملزمة بتقديم الدعم القانوني لضحايا انتهاكات حقوق الإنسان للإسهام في تمكينهم.

5- الاستدامة:

"هي عنصر لا غنى عنه إذا أردنا النجاح في تقليل الوفيات والعجز والإصابات بين النساء أثناء الحمل والولادة، فتحقيق هذا الهدف يتطلب استثماراً طويل الأجل في السياسات والبرامج الصحية لضمان وصول الخدمة إلى الفئات الأكثر عرضة للخطر وذلك من خلال التأكد من وجود الخدمات الأساسية كالمياه والتغذية وكذلك الرعاية الصحية اللازمة" (الفقرة 42 من التقرير).

6- التعاون الدولي:

هذا المبدأ يناقش أهمية الجانب التنموي في قضية وفيات الأمهات، فتحقيق الهدف الإنمائي الخامس (تحسين صحة الأمهات) مرتبط بتحقيق الهدف الإنمائي الثامن (إنشاء شراكة دولية من أجل التنمية). إن الجهود السابق ذكرها تحتاج لمساعدات مادية لتحقيقها، مما يضع مسئولية على عاتق الدول المتقدمة بتقديم مثل هذه المساعدات للدول النامية لتعينها على خفض وفيات ومراضة الأمهات من خلال المنح المادية وبناء القدرات.