• أى حق للصحة فى دستور البلاد الجديد؟

    ثار المصريون على ميراث عقود طويلة من الاستبداد والاستعباد والتهميش وخرجوا حاملين شعارات تطالب بحقوقهم لا السياسية والمدنية فحسب بل الاجتماعية والاقتصادية كذلك، ومع سقوط مبارك انتقلت البلاد إلى مرحلة جديدة بانتخاب رئيس جديد وإلى عملية صياغة دستور جديد من المفترض أن يعبر عن آمال جماهير المصريين التى خرجت للشارع ولصناديق الاقتراع ويأتى على رأس هذه الآمال أن ينص الدستور صراحة وبكل قوة على جملة من الحقوق الاجتماعية والسياسية والمدنية الأساسية التى لا سبيل للنكوص عنها ولا امكانية لتخاذل الدولة عن الوفاء بها وحمايتها وحفظها وتمكين المواطنين من استحقاقها بما فيها الحق فى الصحة والحق فى التعليم والحق فى السكن والحق فى البيئة وغيرها.
     
    ثمة توجه بين القائمين على صياغة مشروع الدستور الجديد للإبقاء على النصوص الخاصة بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية كما هى دون تغيير يذكر باعتبار أن صياغتها كانت تكفى وأن ما عابها كان القصور فى التطبيق لا الصياغة. ويعود هذا التوجه إلى غياب أى نقاش جاد حول مستقبل الحقوق الاقتصادية والاجتماعية فى مصر ما بعد الثورة، وغلبة الأسئلة السياسية الآنية كطبيعة نظام الحكم وهوية الدولة ودور المؤسسة العسكرية على المسائل بعيدة المدى التى تمس جذور الاحتجاج الاجتماعى فى مصر، وبالتالى أكبر ثورة شعبية تقع فى تاريخ البلاد الحديث. كما يعود إغفال مراجعة وتحديث النصوص الخاصة بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية إلى الرغبة فى التعجيل بالانتهاء من دستور ما استجابة لظروف سياسية قصيرة المدى لا تتناسب وطبيعة الوثيقة الدستورية كتأسيس بعيد المدى لنظام اجتماعى وسياسى جديد فى أعقاب ثورة لا تزال تهز أركان البلاد.
     
    يشوب النصوص...

  • الدواء في مصر... الفقراء يمتنعون

    عندما قرأت خبر اعادة تسعير الدواء ارتعدت خوفا، فانني ادفع الان 400 جنيها من مرتبي البالغ 2500 جنيه، اي حوالي الخمس، هذا بدون ثمن زيارة الطبيب الشهرية التي تكلفني 150 جنيه.

    انا مريضة باضطراب ثنائي القطبية وهو مرض نفسي، وبالنسبة لي الدواء توفير، لانني عندما تسوء حالتي تضطر اسرتي ان تودعني في مستشفي نفسي وقد اودعت في مستشفي نفسي مرتين وفي كل مرة دفعت ما يزيد عن 15 الف جنيه مصري. و ان عاتقي ينوء وليس لي ان اتحمل هذا المبلغ الطائل. لهذا ارجو ان تساعدني الادوية علي الحفاظ علي توازني. ولكن خبر تسعير الدواء كان بمثابة تهديد لسلامي. فكيف لي ان اجد ثمن الدواء اذا صار سعره عالميا.

    لن اتحدث عن اوهام التأمين الصحي فهو افشل من ان ينقذني، ان رعبي الاول والاخير ان تنفذ اموالي واموال العائلة واودع في العباسية، حيث اعرف اي حقوق لي كانسان ستكون علي المحك، وان نجيت من الاساءة فان سوء الامكانيات سيقتل ادميتي بشكل او باخر.

    انني لا اتخيل تحرير سعر الدواء ولا اريد ان اتخيل كيف سيدمر اقتصادياتي المدمرة سلفا ولا اعرف كيف لي و لغيري ان يكفوا انفسهم ذل السقم اذا ما تغولت علينا الاسعار. اكره ان تكون ابسط احتياجاتي لعبة في يد الرأسماليين ويد حكومة لا تعبأ الا بان يتحسن ترتيبها في المؤشرات الاقتصادية ولو علي جثث مواطنيها. اخاف ان يأتي اليوم الذي اقايض فيه صحتي باحتياجاتي الاخري، اخاف ان يأتي اليوم الذي اعد فيه حبات دوائي ومع استخدام كل حبة اتساءل كيف لي ان احصل علي حبوب الغد ؟؟.

    انه ليس مجرد تعديل في سياسات انه قتل غير رحيم للبشر، فبدلا من تفكر الحكومة في...

  • أزمة اليمين في مصر: من مبارك إلى الإخوان

    قد يكون من المبكر القطع بتوجه الإخوان الاقتصادي، وموقفهم النهائي من قضايا العدالة الاجتماعية والنمو والتوزيع ودور الدولة في الاقتصاد إذ أن البرلمان الذي حظيت فيه الجماعة بأكثرية نسبية كان قصير العمر كما أن الرئيس المنتخب محمد مرسي لم يقض أكثر من شهر فحسب في المنصب الجديد. بيد أنه بالإمكان الحديث عن الميول العامة والتصورات الحاضرة لدى جماعة الإخوان فيما يتعلق بالسياسات العامة الاقتصادية والاجتماعية من واقع برنامج حزب الحرية والعدالة التابع للجماعة ومشروع النهضة والبرنامج الانتخابي للرئيس مرسي. ولا شك فإن هذه الوثائق مضافاً إليها ما صدر من قرارات وقوانين ومشروعات قوانين عن البرلمان المنحل ومن الرئيس حديث الانتخاب تكشف لنا بشكل مبدئي ومبكر عن طبيعة الانحيازات الاجتماعية والسياسية التي تراهن عليها قيادات الإخوان في الوقت الحالي، كما تكشف عن التصورات الأولى للتحالف الاجتماعي المنتظر إنشاؤه في سنوات حكم الإخوان القادمة.

    واستناداً لما سبق فإن التصورات الإخوانية الاقتصادية والاجتماعية تبدو محافظة بمعنى عدم قيامها على تغييرات جذرية لا في علاقات الملكية (غلبة القطاع الخاص ومد دوره الإنتاجي والتوزيعي) ولا في علاقة الدولة بالسوق ولا كذلك في علاقة مصر بالاقتصاد العالمي ممثلاً في التجارة وانتقالات رؤوس الأموال والالتزام بمشروطية المؤسسات المالية العالمية كالصندوق والبنك الدوليين وهيئة المعونة الأمريكية. وقد عبر خطاب القيادات الإخوانية عن رغبة في استمرار السياسات الاقتصادية على ما كانت عليه قبل الثورة مع التشديد على مكافحة الفساد والمحسوبية، وهو ما يعني استمرار الخط النيوليبرالي العام الذي سلكته...

  • القصاص من «العسكر» ولو بعد حين.. في الأرجنتين!

    تجمع أكثر من ألف شخص خارج محكمة جنائية فيدرالية في بوينس إيريس بالأرجنتين حوالي الساعة السابعة مساء يوم   5يوليو2012، يترقبون النطق بالحكم في قضية السرقة المنظمة لأطفال المعتقلين السياسيين والتبني القسري لهم من قبل رجال الجيش، وهي القضية المتهم فيها «جورج فيديلا» أعلى قيادة عسكرية في الأرجنتين والحاكم الفعلي للبلاد خلال فترة الحكم العسكري «1976- 1983» ومعه عدد من قياداته ومساعديه.

    الحضور خارج قاعة المحكمة ضم العديد من أهالي ضحايا النظام العسكري من  «أمهات بلازا دي مايو» و «جدات بلازا دي مايو»، رابطتان مجتمعيتان، ولدتا من رحم القمع العسكري في السبعينيات وبدأتا في آواخر السبعينيات في محاولة البحث عن ذويهم وأولادهم المختطفين، واليوم صاروا في مقدمة الحركة المجتمعية المطالبة بمحاسبة النظام السابق على جرائمه. وقف معهم خارج المحكمة متظاهرون ونشطاء منتمون إلى الأحزاب والمجموعات اليسارية التي صارعها النظام لفترة طويلة. كما ضم الحشد مواطنين عاديين من المهتمين بمحاكمة رموز النظام العسكري.

    كانت أعلام الأرجنتين والأحزاب البيرونية ترفرف والباعة المتجولون يبيعون الحلوى وإحدى فرق الروك الأرجنتينية تلعب الموسيقى في جو كرنفالي يعكس توقعات واسعة بحكم إيجابي. شاشة عملاقة تبث ما يدور بداخل قاعة المحكمة. يجلس الجنرال «فيديلا»، ومعه الجنرال «رينالدو بينيون» الذي خلفه عام 1982، والأدميرال «أنتونيو فانيك» وشركاؤهم من قيادات الجيش والشرطة يتابعون تطورات الجلسة في ملل.

    يبدو «فيديلا» متوقعا للحكم، فهو بالفعل قد اعترف فيما سبق بمسؤوليته عن جرائم النظام العسكري، لكنه أنكر وجود...

  • المكوجية يحرقون النسيج الوطني

    أحرق سامح المكوجي قميص أحمد في قرية دهشور. بالتأكيد من حق أحمد أن يغضب، من المتوقع أن تحدث مشاجرة. من المتوقع أيضا أن ينضم لكل طرف أصدقاء وأقارب. طبيعي أن تكبر المشاجرة في قرية بسبب التضامن العائلي هناك. شيء مؤسف فعلا. ولكن لماذا تتحول تلك المشاجرة الكبيرة إلى أحداث عنف طائفي بين مسلمين ومسيحيين لأن سامح مسيحي وأحمد مسلم؟

    جزء من الإجابة: بسبب التضامن على أساس الدين، وهو شيء يحبذه مجمل الخطاب الديني لأي دين.

    ولكن التضامن الديني مع أحمد من جانب مسلم آخر لا يفسر وحده أن يقوم هذا المسلم الآخر بمحاولة اقتحام بيت سامح أو نهب محتويات محل مملوك لمسيحي آخر لا علاقة له بالأمر أو الاعتداء على الكنيسة التي يذهب إليها مسيحيون مثل سامح.

    التضامن الديني يتضمن أحيانا إشارة لصراع بين الحق والباطل، طرفان لديهما موقف ديني مختلف، وكل طرف يتمسك بتضامن بناء على هذا الموقف. يرفض التضامن الديني في معظم الأديان العدوان والأذى ولكنه يبرر أو يتيح طلب القوة من أجل أن تكون كلمة الله هي العليا أو طلب المقاومة من أجل دفع عدوان الكافرين/ الظالمين/ الطرف الآخر من التضامن الديني. وبين القوة والمقاومة يحدث صراع ويقع العدوان والأذى.

    يقودنا ذلك إلى تفسير أقرب. هو أن هناك طرفًا يلتمس القوة بناء على ذلك التضامن الديني وطرفًا آخر اعتاد أن يلتمس المقاومة والغوث في التضامن الديني المقابل. ويمكن أن تنعكس العلاقة، فيلتمس الطرف الثاني القوة في تضامنه الديني ويقاوم الأول عبر تضامنه الديني.

    هناك واحد مسلم يتدخل في المشاجرة، باعتباره مسلما، فيعتدي على آخر مسيحي أو على كنيسة لأنهما أشخاص/...

  • الشعب يريد إعدام المحامين

    لا شك فى أن الثورة كما يذهب المستشار أحمد مكى هى «خروج على القانون، وهى بالمقاييس القانونية جريمة، ولكنها كما يقول جون لوك (المفكر السياسى الإنجليزى) حق طبيعى للمواطنين إذا ما خرجت السلطة على أهداف الوطن».
     
    يحكى لنا شكسبير فى مسرحية هنرى السادس التى تتناول ثورة الشعب الإنجليزى عام 1450 أن أحد الثوار وقد أخذته حمية الهتاف ضد ظلم الملك وسلطان رجاله من سدنة القانون، ذهب ينادى: «أول ما يجب أن نفعله قتل كل المحامين»

    ورغم وضوح دلالة تلك الصيحة الثورية لدى الغالبية العظمى من فلاسفة القانون، فمن العجب أيضا أنهم قد انقسموا كعادتهم فى تفسيرها بين رأيين، أحدهما مؤيد لمنطق هذا المطلب الظاهر، والآخر مرتاب ومحذر من نتائجه الباطنة.

    فذهب فريق أول إلى أن قصد شكسبير من تلك العبارة هو التأكيد على أن أى إسقاط جاد للنظام لابد أن يبدأ بالقضاء على رجال المشورة ممن باركوا ظلمه بالقانون قبل الثورة، وزينوا له أسباب الطغيان باسم القانون، فقاوموا بالحجة وسند القانون استعادة الشعب لحقوقه المسلوبة، سواء كان ذلك لاتفاق مصالح أغلب نخب المحامين المهنية مع مصالح موكليهم من كبار الأثرياء وأعاظم الساسة، أو بحكم فطرة النخب القانونية «المحافظة» بطبيعتها، والمعادية لكل فوضى قد تزعزع أسس أى نظام حاكم وتهدد بزواله.

    رسم لمقطع مسرحية شكسبير فى مناداة الثوار بقتل جميع المحامين

    أما التفسير الثانى لمقطع شكسبير الشهير فهو على النقيض تماما، يتوجس أصحابه من مطلب «قتل المحامين»، ويتشمّمون فيه بوادر مقلقة، تنبئ عن ميلاد حكم استبدادى جديد، فيرفضونه حتى ولو كان ذلك «القتل»...