• مصر: العدالة للجميع؟

    تشهد مصر على مايبدو عمليّتَين لافتَتين تستحقان التوقّف عندهما، مع العلم بأنهما تبقيان حتى الآن خارج تركيز الجزء الأكبر من التحاليل والتعليقات التي تتناول الأوضاع في البلاد. فمن جهة، يدور نقاش مؤخراً في مجلس الشورى (الهيئة التشريعية حالياً) حول إقرار "مشروع قانون العدالة الانتقالية" الذي يُفترَض أن يؤدّي إلى تشكيل لجنة حقيقة و"محاكم خاصة" لإجراء تحقيقات حول المؤسسات الحكومية، مثل وزارة الداخلية والمصرف المركزي. ومن جهة أخرى، تتّخذ حكومة محمد مرسي خطوات من أجل "المصالحة" مع رموز نظام مبارك ورجال الأعمال الذين كانوا مرتبطين به، والذين غادر بعضهم البلاد أو يمضي عقوبات بالسجن. غالب الظن أن هذين المسارَين سيمارسان تأثيراً مهماً على طبيعة البنية السياسية المصرية لفترة طويلة.

     

    وقد انطلق مجلس الشورى من أحكام الضرورة لتبرير الحاجة إلى "مشروع قانون العدالة الانتقالية": مساعدة مصر على "تجنّب الكثير من الكوارث وعدم الاستقرار السياسي".1 لكن يبدو أن المشترعين يُكرّرون المعضلة المزمنة نفسها التي تصطدم بها العدالة الانتقالية؛ فهم يسعون إلى إقرار مشروع القانون على وجه السرعة استناداً إلى الافتراض بأن الانتقال قد حصل فعلاً. فمنذ 11 شباط/فبراير 2011 (اليوم الذي تنحّى فيه مبارك)، يُظهر المهتمّون بالعدالة الانتقالية، دولياً وداخلياً، رغبة قوية في المطالبة بإقرار القانون...

  • الفقر ليس حجة*

    ‎التمويل هو أبرز مفاتيح تشغيل أى نظام صحى، وهو أحد أبرز المحددات لكفاءته. وما يصنع نجاح المنظومة هو قدرتها على تعبئة القدر الكافى من الأموال، وإدارتها على نحو رشيد، وتوزيعها بعدالة كمستحقات ومدفوعات لمقدمى الخدمات، بما يغطى كلفة الخدمات المتصاعدة، كل هذا إلى جانب مفاتيح التحكم الأخرى كالسياسات الرشيدة، والتشريعات الضامنة للإتاحة والجودة، والتنظيم علاوة على سلوك المستفيدين من النظام.
     
    ‎السؤال إذن عن كم الأموال المتاحة، ومن يتحملها؟ ومن يتحكم فيها، وما هو الوعاء الذى يتحمل كلفة مخاطر المرض، وهل من الممكن السيطرة على هذه الكلفة cost containment. وما هى معايير اتاحة الخدمة، وتعيين من تغطيهم مظلة الحماية التأمينية ضد غوائل المرض وتجشم كلفة علاجه، وكل هذا يفضى إلى نواتج تحدد الحالة الصحية للسكان كهدف أخير لأداء المنظومة.
     
    ‎بالطبع لا يوجد حل سحرى لمشاكل تمويل الخدمات الصحية! وواقع الحال أن الأموال المُجمعة عبر أى أسلوب تمويلى، سواء أكانت ضرائب أو اشتراكات أو رسوما للخدمة أو عبر سداد مباشر من جيب المواطن مستخدم الخدمة تتحدد وفق قرارات على المستوى القومى، الذى يحدد الأساليب والمصادر التى يجمع بها التمويل وحجمه وذلك وفقا لتصور عن ظروف الناس الاقتصادية والاجتماعية. فإذا كانت نظم الضرائب ــ التى تشكل موردا كبيرا لبلد ما ــ عادلة فى سبل فرضها، ومحكمة فى تحصيلها فإن تمويل النظام الصحى بالكامل من الخزانة العامة للدولة سيكون ممكنا. ومن منظومة عامة للتمويل ستتوافر خدمات صحية للمواطنين تتمتع بالجودة دون تمييز وتشمل أغلب ما يحتاجونه من خدمات، وهذا على سبيل المثال ما نراه فى بلد مثل المملكة المتحدة عريق فى نظامه الديمقراطى...

  • التكالب على بترول مصر

    ميكا مينيو ــ بالويلو*

    فى مقر نادى مرتفعات القطامية، وسط المروج الخُضر المشذبة وملعب الجولف، ناقش مديرون تنفيذيون من جنسيات مختلفة، جنبا إلى جنب مع مسئولين حكوميين اتفاقيات من شأنها تحديد مآل مليارات الدولارات؛ هل تستقر فى خزائن خاصة أم تذهب للخزانة العامة. تغييرات بسيطة فى عقد واحد قد تؤدى إلى إحداث فارق يزيد على الخمسة مليارات من الدولارات، أى ما يجاوز مجمل الإنفاق السنوى على الصحة فى مصر. 

    منحتنا المائدة المستديرة، التى انعقدت تحت عنوان «مستقبل اتفاقيات البترول والغاز فى مصر» لمحة عن تلك المفاوضات التى تجرى وراء الكواليس. كان مقدار الغطرسة المحسوس فى داخل القاعة، يماثل كم الإحباط لعدم الحصول على الاعتراف الشعبى المرغوب. المديرون الإقليميون لشركات كبرى يتذمرون قائلين: «الناس لا يفهمون مدى صعوبة الحياة بالنسبة إلينا كشركات بترول... كل ما يرونه هو المليارات التى نجنيها، وليس جهودنا من أجل البلد». ورغم ذلك: «كان قطاع البترول هو الصناعة الوحيدة التى ظلت تعمل فى أثناء الثورة، رغم القضايا الخاصة بالعمال».

    مديرو شركات البترول يشعرون أنهم تمسكوا بالصبر: «فلا...

  • مشهد “انتخاب المفتي” ومعركة الكراسي الدينية

    بعض الاهتمام والترقب الذي حظي به مشهد اختيار مفتي الديار المصرية، لم تحظ به لحظة تشكيل هيئة كبار العلماء التي اختارته ولم تحظ به التعديلات الأخيرة لقانون تنظيم الأزهر، الذي وضع قواعد وطريقة تشكيل الهيئة وطريقة اختيارها للمفتي.

    ربما لأن اختيار شخص المفتي يتم لأول مرة عن طريق تصويت أعضاء هيئة كبار العلماء، بدلا من التعيين من قبل رئيس الجمهورية. وربما لأن ذلك يحدث في ظل حكم الرئيس محمد مرسي عضو جماعة الإخوان المسلمين في ظل تربص تجاه سيطرة الجماعة وحلفائها من السلفيين على المناصب الدينية الرسمية.

    وهو ما يفسر أيضا ضعف الاهتمام والجدل حول تعديلات قانون تنظيم الأزهر أو تشكل هيئة كبار العلماء، لأنهما رغم أهميتها البالغة، إلا أنهما عكسا توازنا في وجه التيار الإسلامي، وكرسا بقاء بعض الأوضاع على ما هي عليه في المجال الديني، فخلّف ذلك ارتياحا لدى كثيرين.

    فتعديلات قانون تنظيم الأزهر صدرت في يناير (كانون الثاني) 2011 أثناء تولي المجلس العسكري السلطة التنفيذية، وتم إصدار التعديلات في عجالة ـ بالتنسيق مع شيخ الأزهر ورئيس الوزراء وقتها كمال الجنزوري ـ قبل الانعقاد الأول للبرلمان في 25 يناير، في محاولة مكشوفة...

  • الفلاح المريض

    كيف يتأتى فى بلاد يقطن معظم سكانها الريف (57% من السكان) ألا نجد إلا مصادر محدودة تتحدث عن علاقة الطبيب بالعالم الريفى؟ وبالرغم من أن الهدف الأول كان علاج هذا الجمهور الريفى، لا نجد إلا مذكرات لثلاثة من الأطباء مارسوا المهنة خلال الفترة 1920 ـ 1940، وبعض المجلات التى تتحدث عن هذه السنوات التى كرس فيها الأطباء أنفسهم لعلاج سكان الأقاليم». بهذه المقدمة المحملة بالدلالات استهلت سيلفيا شيفولو بحثها المهم الذى صدر فى كتاب مهم يتناول حال الطب والأطباء والريف المصرى قبل نصف قرن، وتُرجم تحت عنوان «الطب والأطباء فى مصر».
     
    هل تغير حال الفلاح المريض؟
     
    من المؤسف أن الحال لم يتغير كثيرا. فبعد أن كان الريف المصرى فى العشرينيات والثلاثينيات يعانى الأمراض المعدية المهلكة كالسُل والجدرى والملاريا والبلهارسيا والكوليرا وغيرها من الأمراض، أصبح الريف وسكانه يعانون من عبء مزدوج للأمراض المعدية التى تغيرت نسبيا باختفاء الجدرى والكوليرا والبلهارسيا إلى حد كبير، وظهرت بديلا عنها أمراض غير معدية هى أشد فتكا، كارتفاع ضغط الدم وأمراض القلب والسكر ومضاعفاتها، إلى جانب أمراض الكبد (الفيروسات الكبدية س وب) واسعة الانتشار، علاوة على أمراض الكلى والسرطانات ـ عافاكم الله ـ بأنواعها. هذا دون حوادث الطرق التى تجعل الوفيات فى الريف بسبب شبكة الطرق المتهالكة ووسائل النقل غير الآمنة (التوك توك والنصف نقل والميكروباص.. إلخ.)، مع غياب منظومة طوارئ طبية ناجعة، تتصاعد معدلاتها لمستويات مخيفة.
     
    ما الذى حدث فى منظومة الصحة الريفية بحيث جعل عبء المرض له هذه السطوة...

  • أنعي إليكم محمد الجندي..وأنعي إليكم سراب دولة القانون

     

    "مفيش خوف تاني..مفيش ظلم تاني"

    يوم 11 فبراير 2011 بصوت اختلطت فيه الزغاريد بالدموع لخصت نوارة نجم أحلامنا الثورية في إرساء دولة ما بعد مبارك-بعد دقائق من خلعه/تنحيه/ تكليفه المجلس العسكري بإدارة شئون البلاد: دولة تقوم على شريعة يأمن فيها المواطن على نفسه وحقوقه، دولة على أرضها من يتبع القانون فهو آمن من الخوف والظلم. "نعيش بقى زي الناس" كما قالت نوارة. اليوم لازلنا لا نعيش "زي الناس". بل أننا قد لا نعيش أصلا.

    كنا في 25 يناير الأول حين أراد الشعب إسقاط النظام المسئول عن قتل خالد سعيد، أراد إسقاط دولة حبيب العادلي وإقامة دولة العدل-دولة القانون التي لو قامت ما كان خالد سعيد قد ضُرب حتى الموت. لم يكن خالد سعيد القتيل الوحيد، ولكنه كان الأشهر.

    "خالد سعيد مات مقتول، ومبارك هو المسئول"

    في 25 يناير الثاني، حين خرجنا نهتف بسقوط حكم العسكر الذين تفننوا في إفاقتنا من حلم 11 فبراير الوردي: "مفيش خوف تاني..مفيش ظلم تاني" بشتى صنوف الترويع والظلم، كتبت يومها لافتة واحدة: "أين دولة القانون؟ خالد سعيد مات مقتول ومبارك هو المسئول، مينا دانيال مات مقتول والمشير هو المسئول".

    ...
  • كل خير في اتباع من هم خَلفَك

    عندما وجدت مانشيت إحدى الصحف المغربية يتحدث عن إطلاق شرطي النار على نفسه فكرت أن ذلك يمكن أن يكون مدخلا جيدا لفكرة إصلاح الشرطة لنفسها من الداخل، الذي تحدث عنه أحمد مكي وزير العدل، بدلا من دعوات هيكلتها أو الضغط عليها من الخارج، لأن ذلك خلفه - بحسب علم الوزير بالنيّات وما تخفي الصدور – دعوة إلى تفكيكها وهدمها، وبدلا من التشنيع بالقتلى الستة على يد جهاز الشرطة، فإن الحقوقيين يجب أن يتركوا الالتباسإلى الاعتراف بالتقدم الكبير في هذا المجال، الذي يعبر عنه هذا الرقم مقارنة بالأرقام السابقة، حتى إن القتلى الستة أنفسهم يمكنهم أن يشعروا ويشهدوا بهذا التقدمإذا كان لديهم نفس وعي وثقافة وزير العدل وشعروا بأنفسهم كأرقام. وبالتأكيد شعور المقتول على يد الشرطة يختلف عندما يجد نفسه رقما مميزا وسط عدد أقل من الأرقام.

    المانشيت كان يتحدث عن انتحار رقم واحد يعمل في جهاز الشرطة المغربية، ولكن بغض النظر عن ذلك، فأنا أشعر أثناء وجودي في العاصمة المغربية كأنني في بلدي، ففي الجريدة المقربة من الحزب الحاكم «العدالة والتنمية»، الذراع السياسية للطبعة المغربية من الإخوان، لا أفتقد الأخبار التي تهاجم البرادعي وتتهمه بـ«التهديد بالعنف في حالة عدم الاستجابة لمطالب المعارضة».

    كما أنني لا...

  • طريقة وحيدة للهروب من القصر


    لافتة أمام القصر الرئاسي تطالب باسقاط حكم المرشد

    لافتة أمام القصر الرئاسي تطالب باسقاط حكم المرشد

    أعترف، مساء الخميس10 فبراير 2011 شعرت بالشفقة تجاه مبارك.
    كنت آتيا من اجتماع دعاني إليه صديق، مع مجموعة من الشباب أعرفهم لأول مرة وينشطون سياسياً للمرة الأولى، كان الاجتماع لمساعدتهم في التخطيط لطباعة مجلة ومنشورات توزع ورقيا على الجمهور الأقل تعرضا للإنترنت، تدعوهم وتحرضهم لاستكمال الثورة، لا تراجع.
    وصلنا خبر الاستعداد لبث خطاب لمبارك، نزلنا جريا إلى ميدان التحرير لنسمعه هناك، كان الميدان ممتلئا عن آخره، توجهت إلى مقهى أبحث عن مكان هناك.
    بعد فترة من الانتظار بدأ بث الخطاب، فرق كبير من ملامح مبارك في خطابه السابق بداية فبراير، وبين ملامحه الآن. صوته أيضا كان مختلفا كأنما مرت عليه أيام في مستشفى تحاول عبثا وقف تردي حالته فلم تزده إلا إنهاكا.
    لم أستطع تبين مشاعري إلا عندما...

  • البقية في حياتنا

    الخبر الذي لمحته ذلك الصباح عن تاجر الملابس الذي توفى داخل قسم الوراق، وتاه وسط زحام الأخبار والمشاغل، تحول مساء اليوم التالي إلى شأن عائلي عندما أخبرتني مكالمة من أخي أن ذلك التاجر هو قريبنا.

    سامح فرج، هو ابن بنت عمة جدتي. اختصارًا كنا نعتبره ابن عمة أبي. لم تكن علاقتي الشخصية به قوية.
    ...
  • شهادة عبد الرحمن هانى عن حادثة قطار البدرشين

     الساعة 12 الصبح كنت فاتح الفيس بوك وعرفت ان فيه حادث قطار في البدرشين و كان محمل بالمجندين، قررت اني اتوجه  لمكان الحادث، وبالفعل رحت البدرشين حوالي الساعة 2 صباحا و كان المشهد كالآتي: 

    وصلت مكان الحادث عند اخر عربيتين اللى انفصلوا عن القطار، كان فى اعداد غفيرة من المجندين اللي نجوا من الحادث واللي غضبانين علي اصحابهم اللي فقدوهم في عدة ثواني ومش عارفين يعملوا ايه، يعتصموا في مكان الحادث ولا يسمعوا كلام القيادات الامنية اللي بتطالبهم بكل الطرق انهم يمشوا ومايعملوش تجمهر و اعتصام، وأنه "حقكم مش هيجي هنا". مجموعة من المجندين – اعمارهم تتراوح ما بين 19  ل 22 سنة -  كانوا مذهولين من اللي بيحصل وكان مشهدهم وهما بيبكوا علي صحابهم من اصعب المشاهد اللي ممكن اكون شفتها ف حياتي، شباب زي الورد راح كدا في ثواني.

    شوية و ابتدت اتوبيسات النقل العام توصل لمكان الحادث لنقل المجندين، واللي كان متوجه لهم تعليمات يقولوا لأي حد يسألهم انهم جنود امن مركزي مش تابعين للقوات المسلحة، ودا تأكدت منه لما وصلت لمستشفى البدرشين وقابلت مجموعة من المصابين، وأكدوا لي انهم تابعين للقوات المسلحة – الجيش – وهما لسه سامعين السلاح بتاعهم  وكانت رحلة القطار المميت دي هيا بداية حياتهم داخل الخدمة العسكرية. حسب شهادات مجموعة...