عمان/نينا/تقرير : كان الأردن ، البقعة والوادي السحيق ، كما اسماه الاقدمون ، ومنذ البدء ، مقدسا ،هنا ، في رياح هذا البلد وفي سهوبه وعلى رؤوس جباله بالذات ، ولدت الحضارات والثقافات وتكاثر الاقوام ، فكانت الأرض محجا للعالمين ، وقبلة للتبرك وللتأمل ولاكتشاف سر الحياة وكينونة المستقبل.
الأردن كذلك هو ارض الرباط والأنبياء والصحابة والمرسلين والقديسين وكلمة الله التي القاها لناسه ليَصلح الكون بهم ومن خلالهم .هنا بدأت الفتوحات الإسلامية وتحررت الأرض من الأجنبي ، فكان صنع تاريخ جديد لها ، يشهد على بدايات نهوض امة كبّلها الغازي ، وأدماها بسيوفه وأثقلها برماحه المسمومة.
تاريخ الفتوحات الإسلامية في الأردن يفيض بقصص كثيرة . ففي مقامات الأنبياء و أضرحة الصحابة والأماكن المقدسة للديانات السماوية ، تجد ضالتك في كل شيء .. ولعل أهم شي : السكينة، استجلاب الانسنة والوادعة، والزهد بثمرات الدنيا، لتحصل على الاثمن: ثمرات الآخرة.
في سِفر الأردن الطويل دولٌ وممالكٌ وامبرطورياتٌ ليس اولها أرض أدوم ، ومؤاب، وعمّون، وليس آخرها جلعاد أو جلعد. هنا كذلك العديد من الأضرحة والأماكن المقدسة الإسلامية والمسيحية، لذا يَفد الى هذه الأرض الباحثون عن الماضي وآثاره وكلمات الأنبياء ودعوات الصحابة.
فاذا كان الأردن شرع باب الفتوحات الإسلامية، فأرض ألأردن ستكون مشرعة أبوبها امام الفتوحات نحو فلسطين، فمن هنا كان الفتح وكان تحرير الأمة، ومن هنا نُطقت الرسالات الأولى، وفي الأردن دارت المعارك التاريخية الكبرى، ولعل أبرزها مؤته واليرموك.
الأردن يضج بمئات إن لم يكن ألوف المساجد والكنائس، وهي تتجاور وتتعانق في معظمها، شاهدة على شعب واحدة موحد في حله وترحاله بين فيافي بلاده. وبها يُخلِّد الأردنيون ذكرى الشهداء والصحابة والقديسين، وهي الى ذلك تذكير بالانتصارات الإسلامية التي تبقى حية في الأذهان وفي الاجيال ومن أشهر الاضرحة الماثلة الى يومنا، التي يؤمها الأردنيون والزوار العرب من مختلف بلدان آسيا العربية على وجه التخصيص بسبب سهولة الوصول اليها، منها ضريح جعفر بن أبي طالب في مؤتة بمحافظة الكرك /جنوب البلاد/، ومقام زيد بن حارثة، وعبدالله بن رواحة رضي الله عنهم.
أما وادي الأردن/شمال المملكة/، السحيق، فيحتضن عدداً من مقامات الصحابة الأجلاء ومنها مقامات ضرار بن الأزور، و/ابو عبيدة/ عامر بن الجراح، وشرحبيل بن حسنة، ومعاذ بن جبل، وعامر بن أبي وقاص وغيرهم الكثير.
ويرى السائح والمؤمن في المناطق الوسطى من الأردن، وبخاصة بالقرب من مدينة السلط التاريخية /وسط المملكة/، مقام النبي أيوب، كما يوجد مقام النبي شعيب في منطقة وادي شعيب القريبة من السلط.
ولعل كهف /أهل الكهف/ الواقع إلى الجنوب الشرقي من عمان ، من أهم المواقع الجاذبة للزائرين والمصلين، وهذه الأماكن مشتركة للمسلمين والمسيحيين على حد سواء، وهي مواقع ذكرتها كتبهم المقدسة، مما يشهد على تلاقي هذه الديانات وصحة القصص التي وردت فيها.
وعلى سبيل المثال، ذكرت وقائع قصة أهل الكهف في القرآن الكريم، إضافة إلى إنها معروفة في التاريخ المسيحي بصورة كبيرة وتمثـُل في وجدان كل مسيحي. فعلى الأرض الأردنية تقع الكثير من الأماكن المقدسة للديانة المسيحية، ففي مدينة مأدبا الواقعة جنوبي عمان، توجد أرضية من الفسيفساء النادرة التي تعود إلى العهد البيزنطي في كنيسة الروم الأرثوذكس، وفيها يستطيع الزائر أن يشاهد بقايا أقدم خريطة للأرض المقدسة، تعرضُ لبلاد الشام بالأساس.
وإلى الجنوب من مادبا التاريخية، تقع قلعة مكاور التي سجن فيها النبي يحيى عليه السلام، يوحنا المعمدان في المسيحية، حيث أمر الملك هيرودوس بقطع رأسه وقدمه على طبق هدية للراقصة سالومي في قصة شهيرة.
أما إلى الغرب من مأدبا، فيقع جبل /نبّو، نيبو/ المطل على البحر الميت ووادي الأردن السحيق، وهناك مَن يعتقد أن النبي موسى عليه السلام دفن في هذا الجبل، الذي أقيم على قمّته عمائر كنسية للكهنة الفرنسيسكان، قبل تأسيس المملكة الأردنية الهاشمية، بهدف حماية لوحات الفسيفساء الرائعة التي تعود إلى القرنين الرابع والسادس للميلاد.
وإلى الشرق من نهر الأردن، يقع موقع عماد السيد المسيح، ويسميه العامة بـ/المغطس/، في منطقة "وادي الخرار"، التي سميت قديماً /بيت عنيا/، وهنا اقيمت أكثر من 13 كنيسة مسيحية الى جانب كنيسة روسية أرثوذكسية وفندق بإسم نُزل الحجيج الروسي، على بقعة اهداها الملك عبد الله الثاني لدولة روسيا الفيدرالية، فصارت من سيادة روسيا التي رفعت عليها العلم الروسي، وزارها رؤساء روسيا الجديدة ومنهم فلاديمير بوتين وميدفيديف ويلتسين وغورباتشوف، وعدد من رؤساء دول جمهوريات الاتحاد السوفييتي السابق ورابطة الدول المستقلة الحالية.
وهنا ايضا، أقيم جامع بإسم جامع ومقام المسيح عيسى ليشهد على وحدة المؤمنين بالله ورسالتهم الواحدة في التوحيد والخالق، وتبلغ مساحته 200متر، ويحتوي على محراب باتجاه القبلة، وقبّة ومكان للصلاة والعبادة، وغرف خاصة للتهجد والتعبد، ويشمخ على تلة مرتفعة مطلة على نهر الأردن والكنائس المسيحية المُشَادَة في الموقع.
وفي التاريخ المكتوب، مدونات الحجيج وعدد من المؤرخين وكتاباتهم عن مشاهداتهم خلال زياراتهم لموقع العمّاد عبر التاريخ الميلادي. وفيها لم تذكر اية كلمة عن أي موقع للعماد غربي نهر الأردن، كما تدعي /اسرائيل/ التي زوّرت موقعا للعماد في الأرض المحتلة، وكذلك التمييز بين الاحداث المختلفة على ضفاف النهر وتلك التي تم احياؤها في عين الخرار.
وعلى ضفاف النهر الشرقية كانت تقام ذكرى تعميد المسيح، فبقايا الكنائس الخمس المبنية في اوائل العهد الميلادي بقيت كذكرى للتعميد ولا زالت شاهداً على الحدث، وبقرب نبع وادي الخرار توجد "مغارة يوحنا المعمدان" حيث ذهب المسيح للقائه في هذا المكان.
ويَرد في الانجيل المسيحي إن السيد المسيح عليه السلام وقف، وهو ابن ثلاثين عاماً، بين يدي النبي يحيى /يوحنا/ عليه السلام لكي يتعمّد بالماء مِن يديه، ويُعلن من خلال هذا الطقس بداية رسالته للبشرية وانتشار المسيحية. أضف الى ذلك، يوجد في الموقع عدة آبار للماء، وبرك للتعميد قديمة العهد، بنيت منذ ما بعد المسيح بسنوات قليلة، اكدت اللقيات الأثرية والدراسات الموثقة التي أجراها العلماء الأردنيون، ومنهم العالم الأثري محمد وهيب مكتشف المكان، والعلماء الاجانب، أن المسيحيين الأوائل استخدموها في طقوس جماعية للعمّاد.
وقد رممت دائرة الآثار الأردنية الموقع الذي زاره قداسة البابا يوحنا بولس الثاني بدعوة اردنية رسمية، وأعلنه في العام 2000، مكانا عالمياً للحج المسيحي في العالم، مع مواقع مقدسة أخرى في الأردن./انتهى
|