المقالات > المسيحيّون في العالم الإسلاميّ > 2013 > حياة الكاثوليك منذ عهد بورقيبة وحتّى اليوم. نبذة تاريخيّة

حياة الكاثوليك منذ عهد بورقيبة وحتّى اليوم. نبذة تاريخيّة

Martino Diez | 15 April 2013

"صيغة تعايش" Modus vivendi.بهذا الاسم عُرف الاتّفاق الذي تمّ التوصّل إليه عام 1964 بين بورقيبة والفاتيكان. فقد هدفَ أوّل رئيس تونس المستقلّة عبر هذه الوثيقة إغلاق مسألة العلاقات مع الكاثوليك لمرّة واحدة وإلى الأبد، بعد أن غادرت غالبيّتهم العظمى (معظمهم من الفرنسيّين والإيطاليّين والمالطيّين) البلاد بسبب التأميمات. كان بورقيبة يربط ما بين الوجود المسيحيّ وسنوات الاستعمار ورأى فيه شيئًا من الماضي، لا يجب إخفاؤه (لا تزال الكاتدرائيّة الكاثوليكيّة مهيبة في الشارع الرئيسيّ في تونس العاصمة)، ولكن على اقتناع منه أنّه حضورٌ قد ولّى نهائيًّا. كان أمره مماثل للآثار الرومانيّة التي تمّ جمعها في متحف الباردو.

كانت الصدمة هائلة بالنسبة للكنيسة، إذ لم يبق سوى عدد قليل من المؤمنين وبعض رجال الدين (على سبيل المثال آباء IBLAالـ البيض). ولكن بعد سنوات قليلة، عاد الوجود المسيحيّ لينمو من جديد، خاصّةً مع  وصول موظّفين أفارقة ومغتربين آخرين. كان يوحنّا بولس الثاني هو من أراد تنصيب أوّل أسقف عربيّ (هو المطران فؤاد طوال، الذي أصبح فيما بعد بطريرك القدس)، واستمرّ هذا الاختيار مع خلفه المطران مارون لحّام والآن مع الأسقف المنتخب حديثًا، المطران إيلاريو أنتونياتسي، ذي الأصول الإبيطاليّة، والذي سيم كاهنًا في القدس. كانت هذه إشارة هامّة إلى أنّ الكنيسة الكاثوليكيّة في تونس لا تعتبر نفسها غريبة عن البلاد.

لقد أعلن المطران لحّام بواقعيّة مرارًا وتكرارًا أنّ دور المسيحيّين في ثورة 2010-2011 كان "صفر" على المستوى العملي. لكنّ الوعي حيّ داخل الكنيسة التونسيّة – هكذا كان المطران لحّام يضيف في رسالته الرعويّة بعد الثورة بوقت قصير– في مشاركة المسيحيّين نفسَ تحدّيات المجتمع المسلم الذي يعيشون فيه. هذا ما يؤكِّد عليه النائب العام الحاليّ، الأب نيكولا ليرنو.

من بين هذه التحديّات، الأهمّ اليوم هو إكمال التحوّل الديمقراطيّ بنجاح. فقد كان عليه، وهو المهيّأ جيّدًا في البدء على المستوى المؤسّساتي، أن يأخذ بعين الاعتبار الأزمة الاقتصاديّة المستمرّة وتصاعد قوّة السلفيّين والموقف الملتبس للحزب الإسلاميّ صاحب الأغلبيّة النسبيّة، أي حزب النهضة، الذي لا تخلو من رياح الهيمنة. هذا وقد أعاد اغتيال زعيم من المعارضة اليساريّة شكري بلعيد البلاد إلى أضواء وسائل الإعلام الدوليّة، بفتحه أزمة سياسيّة ما زالت من غير حلّ.

لقد عاش التونسيّون بعد الثورة موسم "الكلمة المحرّرة" وكانوا يناقشون أيّ موضوع. لكنّ مسألة وجود الكاثوليك، وعلى عكس مصر، لم يكن أبدًا تقريبًا على جدول الأعمال. فالجماعة على الأرجح أصغر من أن يكون مصدر اهتمام. لكن حريّة الضمير هي إحدى المواضيع الأهمّ في موسم ما بعد الثورة. ليس بمعنى إمكانيّة التحوّل الديني (وهو موضوع لا يشعر به المجتمع إذا ما استثنينا أنشطة بعض المبشِّرين الإنجيليّين)، بل بخصوص الموضوع الأكثر عملانيّة والمتمثِّل في تشريع التعدّديّة داخل الإسلام (حيث هاجم السلفيّون في الأشهر الأخيرة العديد من أضرحة الأولياء الصوفيّين) وداخل المجتمع التونسيّ، ما بين المؤمنين وغير المؤمنين. فالوجود العلماني متماسك وشرس، خاصًّة في العاصمة.

وهكذا يبدو جليًّا أنّ النضال من أجل حريّة الضمير في تونس ليس اليوم بالقضيّة التي تخصّ 20.000 إلى 25.000 مسيحيّا يعيشون في البلاد فحسب. فهذه الحرّيّة، كونها الاختبار الحقيقيّ لجميع الحريّات الأخرى، تعني إمكانيّة بناء مجتمع تعدّدي حقيقي. إذ أن نكون ديمقراطيّين، كما تُبيّن لنا الثورات العربيّة، لا يعني فقط أن نعدّ الأصوات.

 

©2013 Fondazione Internazionale Oasis C.F. 94068840274 - email: oasis@fondazioneoasis.org - Привацы Полицы - Credits