تحدث في الجلسة كل من: أحمد طعمة: رئيس الحكومة للائتلاف الوطني المعارض، وباسل حسين: أستاذ العلاقات الدولية بكلية أحمد بن حمد العسكرية بقطر، وفايز الدويري: الخبير العسكري، ومروان قبلان: باحث بالمركز العربي لدراسة السياسات.

وقد تطرَّق أحمد طعمة إلى أن العالم العربي جسد واحد رغم تعدد أزماته، وقسَّم الحالة السورية إلى ثلاث مراحل: 

  • مرحلة سقوط القُصَير. 
  • مرحلة استعادة النظام مدينة القصير. 
  • وأخيرًا، مرحلة عاصفة الحزم التي لها تأثيرها على المجريات في سوريا.

وأشار طعمة إلى أن الثورة في سوريا كانت ترفع شعارات تطالب بالعيش الكريم والحرية، لكن النظام غيَّر هذه المطالب إلى معركة عسكرية، واستطاعت الثورة في سوريا الوصول إلى انتصارات سلمية وعسكرية، وأراد النظام عسكرة الثورة وجرَّ المتظاهرين إلى مواجهات. ومع ذلك وفي البداية استطاعت الثورة تحقيق انتصارات كبيرة على الأرض وسيطرت على أجزاء مهمة من سوريا، إلا أن المجتمع الدولي لم يتضامن مع الشعب السوري كما كان ينبغي، بل قام بالعكس فعرض بعض الدول تصورات غريبة كإخراج بشار الأسد من الحُكم دون الإطاحة بنظامه، بحُجَّة أنه لا يمكن أن يُسلَّم الملف السوري لطرف واحد، حتى لو أنه يحظى بدعم الشعب كله.

كما أن المعارضة السورية الإسلامية وغيرها، لم تدرك خطورة عدم بلورة تصور للمشروع السياسي خاصة فيما يتعلق بمسألة تطبيق الشريعة الإسلامية، بالإضافة إلى تنشيط الثورة المضادة والتي دعمها ووقف إلى جانبها بشار الأسد وتقديم المشورة للطغاة في المنطقة كما هي الحال في مصر أو اليمن.

أمَّا بعد مرحلة استعادة النظام للقُصَير، فقد وجد النظام دعمًا كاملًا من إيران، وتعاطفًا طائفيًّا من الجوار، كحزب الله وغيره، فقد وصل الأمر إلى درجة أن تدعم حكومة المالكي بالعراق نظام بشار الأسد الذي كان العدو القريب لها، بل تطوَّر الأمر إلى أن بعض أصدقاء سوريا، كانوا يطرحون فكرة التعايش مع داعش في سوريا.

أمَّا مرحلة عاصفة الحزم، والتي من المفترض أن يكون لها أثر إيجابي على المقاتلين في سوريا، فكان من تأثيراتها أن ولَّدت لدى الثورة قناعة تامة وهي مواجهة إيران، وحسم الأوضاع في سوريا في أقرب وقت ممكن قبل أن يأتي واقع جديد قد يفرض على الشعب السوري ما لا يمكن أن يقبله ويتم طبخه والترتيب له في مراكز صناعة القرار الدولية. 

فيما تحدث أستاذ العلاقات الدولية بكلية أحمد بن حمد العسكرية في قطر، باسل حسين، عن أن الوضع العراقي لن يستقر على حالة أو لن تتغير أوضاعه إلا عندما تستقر الأوضاع في سوريا على حالة معينة، ويجب أن ينتهي المشهد السوري بحلول واقعية لكي يبدأ البحث في طرق للحل في المسألة العراقية. في العراق ما بعد مرحلة الاحتلال انطلق قطاران: قطار الوحدة وقطار التقسيم، وفي كل مرحلة يمتلئ أحد القطارين. فكان بالعراق الاحتلال الأميركي الذي أسَّس لما بات يُسمَّى: الديمقراطية التوافقية وقد بنيت على أسس عمودية وهي تقسيم المجتمع على أسس ما قبل مرحلة الدولة (سُنَّة وشيعة وكُرد)؛ وهي حالة سياسية من أسوأ ما مرَّ في العراق منذ سنة 1921 من القرن الماضي، وقد رأى الجميع صعود نخبة عراقية سيئة وفاسدة جعلت العراق يعود للطائفية وينمحي فيه مفهوم الدولة.

أمَّا جماعات العنف مثل داعش وأمثالها والتي تقابلها على النقيض قوات الحشد الشعبي فإن كلتيهما لا تستندان إلى نصٍّ دستوري بل هما ميليشيتان خارج نطاق القانون، وإن كان الحشد الشعبي يحظى بدعم من الحكومة لأنها قامت بتأطيرهم وتوجيههم لحسابات طائفية في حين تقف الحكومة العراقية موقفًا مغايرًا من أهل السنَّة، إذ كلما تم الحديث عن دعم أهل السنة بدأ الخوف على مستقبل الحكومة العراقية بالنسبة للنظام القائم في بغداد.

لم يكن لإيران نفوذ بالعراق قبل 2003، لكن بعد هذه التاريخ وصل الإيرانيون إلى مستوى التحكم في المشهد العراقي، بل وأصبح العراق مكَبَّ نفايات السياسة الإيرانية، فطهران تتحكم في كل تفاصيل الحياة العراقية، بل إن قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني، قاسم سليماني، هو القائد الفعلي في العراق، والأميركان يتفاوضون في القضية العراقية مع إيران. ومن المفارقات أن أميركا تدَّعي أنها لم تملك استراتيجية تجاه العراق، وهو أمر يثير الشفقة بالنسبة لدولة كبيرة إذا كان ذلك حقيقةً، وربما تكون لديها استراتيجية لكنها تخفيها لأسباب أخرى.

إن أخطر ما في الحالة العراقية هو سياسة التقسيم الممنهجة التي قد تؤول إلى أن تنضم المرجعيات الشيعية بالعراق إلى إيران مباشرة، ويتم إلغاء الحدود بين العراق وإيران، وفي حال تم تقسيم العراق فإنه من غير المستبعد أن يتم تقسيم السعودية ودول الخليج.

وفي سياق الجلسة نبَّه الخبير العسكري فايز الدويري إلى مسألة تضخيم الدور الإيراني في القضايا العربية، ورغم ذلك التضخيم فإن أحدًا لا يمكنه أن ينكر أن إيران تسعى للسيطرة على المجال الحيوي في المنطقة بل وتفكِّر في توسع أكبر وسيطرة أهم، كما أنها تعاني من عقدة نقص لذلك تتسلح بالقوة العسكرية والتفوق في المنطقة، كما أن لديها مرتكزات في السياسية الخارجية، وتفتخر بتفوقها الحضاري؛ حيث إن حضارة الفُرْس كانت قبل الإسلام، وفي نفس الوقت تستثمر البُعد العقائدي وتعمد إلى نشر الفكر الشيعي بين العرب، ودعم العرب الشيعة. 

إن الوضع في العراق مختلف عن الوضع السوري؛ حيث إن العراق لديه ميليشيات متعددة كالحشد الشعبي وغيره من ميليشيات تحت أسماء كثيرة، على أن الحشد الشعبي أسوأ من تنظيم الدولة؛ حيث ارتكب مجازر وحشية ضد أهل السنَّة بشكل خاص.

أمَّا في سوريا فهناك إنجازات على الأرض وينبغي أن لا يكون ذلك سببًا للغرور حيث يلزم البناء على تلك الإنجازات بشكل مرتَّب ومؤسَّس بل لابد من وضع غرفة عمل مشتركة وتوحيد الجهود مع الفئات المختلفة بين قوى الثوار في سوريا، والسيطرة أولًا على حمص، للاستعداد للهجوم على دمشق، والسيطرة لاحقًا على مناطق الساحل وهو أمر إن تحقق سيُلغي في المستقبل مسألة تقسيم سوريا وإنشاء دولة علوية في الساحل.

وعلى الطرف المقابل، يجب أن يُبحث عن حلٍّ سلمي، لأن قوات النظام تستطيع قتل مائة ألف قبل الحسم، وعلينا أن نفكر في الحوار قبل فقدان المئات من المدنيين.

وفي سياق متصل ذكر الباحث في المركز العربي لدراسة السياسات، مروان قبلان، أن الثورات بدأت بمطالب اجتماعية ذات طابع معيشي لكنها تحولت فجأة إلى صراع إقليمي، ولا ينبغي أن ننظر إلى الدور الإيراني من منظور طائفي فقط لأنه في هذه الحالة ستقاتل إيران حتى آخر قطرة دم للدفاع عن الشيعة في اليمن أو سوريا والعراق، رغم أن من عادة إيران أن تتحالف ولو مع الشيطان في حال رأت مصالحها عكس ذلك.

إن إيران لديها قوة بشرية هائلة واقتصادًا مرموقًا على مستوى العالم، وليس هناك ما تخسره فالدماء التي تُسال في العالم العربي هي دماء عربية، وما ينتج من ذلك إنما هو تدمير الدول العربية، وهو ما يكون في مصلحة إيران في المنظور البعيد، فإيران تسيطر في لبنان عبر حزب الله، ولها الكلمة الفصل في العراق وسوريا.

من المعروف أن لإيران مشروعًا قوميًّا وتوسعيًّا، وترى العراق وسوريا ميدانًا لها وأولوية استراتيجية. وطهران تفكر في تكريس قوة هذه الأنظمة، وفي نفس الوقت التحكم في مستوى القوة في العراق حتى لا يكون خطرًا على إيران في المستقبل.

استطاعت إيران تحسين علاقتها مع روسيا، رغم أنها تجد تنافسًا كبيرًا من أطراف إقليمية كالصين، وأفغانستان وكذلك الهند.

بعد 2003 حصل فراغ استراتيجي حين أطاحت أميركا بالقوة الحقيقية التي كان تقف في وجه إيران وهي العراق، فوجدت طهران نفسها وهي أبرز لاعب في المنطقة فتمكَّنت من السيطرة على مفاصل الدولة في العراق، وقامت بالتحالف مع سوريا على أساس مصالح تعود لأسباب عَقَدية رغم أن نظام سوريا كان على خلاف مع إيران تاريخيًّا.

إن تقليص الدور الإيراني في المنطقة سيكون عبر سوريا فقط، وهو ما فعلته داعش عندما أرادت السيطرة على مناطق في العراق فجاءت عبر سوريا، ولذلك عندما تنكسر كمَّاشة إيران في سوريا، فسينحصر دورها في المناطق الأخرى؛ إذ تعتبر معركة سوريا معركة مصيرية بالنسبة لإيران.