• سيادة القانون بين الدولة والبرلمان

    منذ أن ارتبطت بالقانون، بداية من التحاقي بكلية الحقوق سنة 1983، وأنا أتعلم أن مبدأ سيادة القانون يعني سمو القاعدة القانونية على الكافة، وأن احترام الدولة للقانون من أهم مخرجات هذا المبدأ، وأن من أهم القيم القانونية التي يجب على الدولة بسلطاتها احترامها والعمل وفق مقتضياتها، هي المبادئ الدستورية، ومن أهم وأرسخ تلك القيم والمبادئ الواجبة الاحترام هو مبدأ الفصل بين السلطات، وهو ما يعني أن السلطة التشريعية تكون للبرلمان صاحب الاختصاص الأصيل في سن القوانين، وأن السلطة التنفيذية حينما تتدخل في عمل السلطة التشريعية، فإنه يجب أن يكون ذلك التدخل بقدر وفي حدود ما تتطلبه الضرورة والاستعجال، اللذان يمثلان الداعمة الأساسية الدافعة لاستخدام السلطة التنفيذية لسلطة التشريع استثناء، وكما عبرت المحكمة الدستورية العليا بقولها «إن الضرورات تقدر بقدرها»، بمعنى أنه لا يجوز للسلطة التنفيذية أن تستخدم المكنة التشريعية الاستثنائية المخولة لها دستورياً إلا وفقاً لما تمليه الضرورة والاستعجال، وهذا ما يمثل الأساس الدستوري لتنظيم العلاقة بين السلطتين التشريعية والتنفيذية في إطار ممارسة مهمة التشريع.

    ولكن العجيب والأغرب أن تجد بالمدونة التشريعية المصرية أن هناك نصوص قانونية، وليست دستورية، قد منحت رئيس السلطة التنفيذية حق إصدار تشريعات بعيداً عن الاشتراطات والمبادئ الدستورية الحاكمة لهذا الموضوع، وهو ما يشكل تحايلاً على المبادئ الدستورية، وهروباً من القواعد الفاصلة بين عمل...

  • الفيل في الغرفة: الدولة وأحداث العنف الطائفي في مصر (2)

    تعرضنا في الجزء السابق من هذا المقال لأهم أسباب أحداث العنف الطائفي في مصر، خصوصًا في الفترة التي أعقبت يناير ٢٠١١. وخلصنا من قراءة الإحصائيات المتاحة في هذا الشأن إلى أن غالبية أحداث العنف الطائفي تندلع إما نتيجة ممارسات تتلكأ الدولة في تنظيمها تشريعيًا منذ عقود، كما في حالة بناء الكنائس، أو تلجأ لتنظيمها على النحو الذي يشعل مزيدًا من نار العنف الطائفي نفسه، كما في حالة الأحوال الشخصية، أو تُبقي على تنظيمها بشكل يعيد إنتاج العنف الطائفي بشكل دائم، كما هو الحال فيما يتعلق بالتعبير عن الرأي في أمور عقائدية وفقهية أو بالتحول الديني من الإسلام للمسيحية والعكس. هكذا يصبح الإطار التشريعي المنظِّم لعلاقة الدولة بالمجتمع هو نفسه عاملًا من عوامل إعادة إنتاج الطائفية. كما انتهينا إلى أن المقاربات الرسمية لمعضلة العنف الطائفي تتجاهل دلالة هذه النتيجة الرئيسية، وهي أن العلاقات والممارسات الطائفية لا تقتصر في حضورها على المجتمع، وإنما تمتد إلى ما يفترض أنه مجال سيادته المنظم وفقًا للقواعد الحديثة العقلانية في ممارسة السلطة، أي الدولة الوطنية نفسها.

    سنكتفي في هذا الجزء بإلقاء الضوء سريعًا على طبيعة هذه التشريعات وما يرتبط بها من ممارساتقضائية ومحاولات تعديلها المتعثرة، حتى يكتمل فهمنا، على الأقل، لطبيعة المعضلة التي نواجهها، وقصور المقاربات الرسمية عن التعامل معها.

    ...

  • الفيل في الغرفة: الدولة وأحداث العنف الطائفي في مصر (1)

    في معرض تعليقه على أحداث العنف الطائفي التي شهدتها قرية الكرم بمحافظة المنيا الشهر الماضي على خلفية شائعات عن هروب سيدة مسلمة مع مواطن مسيحي، قال رئيس الجمهورية: "لا يليق أبدًا إن اللي حصل ده يحصل في مصر أو يتكرر مرة تانية... أي حد هيغلط مهما كان هيتحاسب.... القانون هياخد مجراه على أي حد من أول رئيس الجمهورية". وغزلت تصريحات البابا تواضروس والأنبا مكاريوس، المكلف من قبل البابا بمتابعة تطورات الحادثة، على نفس منوال تصريحات الرئيس بشأن ضرورة تطبيق القانون وعدم اللجوء لجلسات المصالحة العرفية إلا بعد التأكد من إنفاذ القانون. وكذلك دارت تصريحات عدد كبير من رموز المؤسسة الدينية الإسلامية الرسمية ومعلقي النخب القانونية والسياسية في نفس الفلك، وطالبت بتطبيق القانون على الجميع. ولكن ماذا لو كان القانون نفسه هو المشكلة وليس الحل؟ أي ماذا لو كان المفجر الرئيسي لغالبية أحداث العنف الطائفي في مصر، منذ بداية الثمانينيات وحتى ما بعد يناير ٢٠١١، هو الإطار التشريعي نفسه الذي يحكم علاقة الدولة بالمجتمع بشكل عام، وبالمجال الديني ومجال الأحوال الشخصية على وجه الخصوص؟

    هنا يتطلب الأمر الانتقال من الدعوة لتطبيق القانون على الجميع إلى الشروع في إعادة هيكلة هذه العلاقة نفسها بين الدولة والمجتمع على أسس جديدة تمامًا مختلفة عما ساد خلال أكثر من قرن ونصف من عمر الدولة الحديثة في مصر. هذه الضرورة هي ما تشير لها الإحصائيات المتاحة، على قلتها، عن حوادث العنف الطائفي التي توضح...

  • ملاحظات حول أزمة الدواء الأخيرة

    إن الحق فى الحصول على الدواء جزء ﻻ يتجزأ من حقوق الإنسان (الحق فى الصحة إجمالا) فالمستحضر الدوائى منتج ﻻ غنى عنه، نظرا لضرورته لضمان السلامة البدنية، بل وللبقاء على قيد الحياة فى أحوال كثيرة. وفى سياق الأزمة الأخيرة، والتى لن تكون آخر اﻷزمات فى ملف الصحة والدواء نلاحظ حزمة من الملاحظات أولها: أنه يجب إخضاع تداول الدواء لقواعد تتجاوز مجرد قواعد السوق فى العرض والطلب وهو ما أكد عليه القانون الدولى لحقوق الإنسان وكذا الدستور المصرى فى مادته (18)، إذ يقر بحق الجميع فى الحصول على اﻷدوية المقررة طبيا بشكل منتظم وآمن، وبسعر فى المتناول بغض النظر عن قدرة اﻷفراد على تحمل هذا السعر، عن طريق حمايتهم صحيا وفق نظم تأمينية عامة، أو نظم صحية تمول من الخزانة العامة للدولة.

    وللحق فى الصحة كمنظور شامل ومعيارى أيضا حد أدنى للالتزامات التى تقع على عاتق الدولة لتنفيذ واحترام هذا الحق بوجه عام والحق فى الدواء على وجه الخصوص، يشمل هذا الحد اﻷدنى اﻹمداد باﻷدوية الضرورية المنقذة للحياة والأساسية على قاعدة من عدم التمييز لأى سبب من الأسباب.

    الملاحظة الثانية متعلقة بالنظام الصحى ذاته والسياسات العامة المتبعة فيه، فنلاحظ أنه فى ظل صدور قرار تحريك أسعار الدواء بنسبة 20% للأدوية الأقل من ثلاثين جنيها، حدثت سلسلة من التجاوزات من فهم وتطبيق القرار من قبل...

  • اتفاقية باريس: أهم ملامحها ومدى تأثيرها على تغير المناخ في العالم

    تم اعتماد اتفاقية باريس، الحلقة الأحدث في التحرك الدولي الذي بدأ منذ أكثر من 20 عامًا من أجل مواجهة تغير المناخ، في 12 ديسمبر 2015 في العاصمة الفرنسية. وتداولت وسائط الإعلام عقب الإعلان عن اعتماد الاتفاقية مشاهد احتفالية تعبر عن الابتهاج والإشادة بالاتفاقية كإنجاز عظيم، كما تداولت أيضًا مشاهد الاحتجاجات والتعليقات التي تحط من شأن الاتفاقية وتصفها بالفشل الذريع. تحاول هذه المقالة تحليل اتفاقية باريس، ودوافع الحفاوة والازدراء أو مواطن القوة والقصور بها وعلاقتها بمواجهة آثار تغير المناخ في مصر.

    لماذا اتفاقية باريس؟

    - كانت اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية عام 1992 هي أول اتفاقية دولية من أجل تغير المناخ، وقد استهدفت الاتفاقية وضع إطار عام للتدبر فيما يمكن القيام به للحد من ارتفاع درجات الحرارة العالمية ومواجهة آثار تغير المناخ. لم تتضمن الاتفاقية نفسها تحديدًا لانبعاثات غازات الاحتباس الحراري، لكن بروتوكول كيوتو الذي اعتمدته الأمم المتحدة عام 1997، ألزم الدول المتقدمة فقط، (دول القائمة ألف) بكميات محددة في مجال خفض الانبعاثات. دخل بروتوكول كيوتو حيِّز النفاذ في فبراير 2005، وبدأت فترة الالتزام الأولى عام 2008 وانتهت في عام 2012. وبدأت فترة...

  • المواطنون الشرفاء.. والفضاء السياسي

    هالني ما حدث بالأمس عند نقابة الصحافيين من المواطنين الشرفاء، وفي معية الأمن، وهو الأمر الذي بدأ يدور في فلك شارع عبدالخالق ثروت منذ أزمة اقتحام نقابة الصحفيين، حيث قاموا بالتعدي بالضرب على معظم المجتمعين في النقابة أثناء خروجهم، وكان ضمن الذين أصيبوا الأستاذ/ خالد داوود، والأستاذة بيسان كساب، حيث كان لهما النصيب الأكبر من التعدي، هذا غير ما ناله الآخرون من شتائم وسباب أو تمزيق ملابس.

    ولو عدنا للوراء تاريخيا سنجد أن لهذه الظاهرة التي تتلخص في استعانة الأمن بمجموعات من المأجورين لتفريق مظاهرة أو الاعتداء على تجمع، سنجد أن الظهور الأكبر كان في موقعة الجمل الشهيرة إبان فترة الحراك الثوري لثورة يناير 2011، والتي تؤكدها أوراق قضية تحمل ذات الاسم.

    ولكن الأهم في هذا الأمر يخلص في سؤال هل ما يحدث من استطراد لاستخدام هذه المجموعات يمثل إفلاساً سياسياً في مواجهة الأزمات؟ أم يمثل إفلاساً أمنياً في الحفاظ على كيان الدولة، واحترام حقوق الأفراد في التجمع والتعبير عن آرائهم بحرية؟ أم ماذا يعني أن يقوم من يرعى وينفق ويستأجر هذه المجموعات المهمشة، مستغلاً في ذلك أوضاعاً تدفعهم وتجبرهم على الدخول في هذه التجربة «سواء كانت هذه الضغوط أمنية، أم دوافع اقتصادية»، فقد تكرر ذلك المشهد منذ بداية أحداث نقابة الصحفيين، التي كان سببها الرئيسي هو...

  • عالمية حقوق الإنسان وخصوصية الوضع المصرى

    فى اللقاء الصحفى الذى عُقد بين الرئيس المصرى ونظيره الفرنسى، أجاب الرئيس المصرى عند سؤاله عن حالة حقوق الإنسان فى مصر بأن هناك اختلافا وتباينا بين حالة حقوق الإنسان فى مصر عن الحالة فى أوروبا، وأن المعايير الحقوقية الأوروبية لا تصلح للوضع المصرى.

    وأنا أتفق مع ما قاله رئيس الدولة المصرية، لكونها تمثل الحقيقة فعلا، وأن الحالة الحقوقية المصرية تختلف تماما عن الحالة الأوروبية، فهل يوجد فى أوروبا حالات تعذيب واحتجاز دون وجه حق؟ هل يوجد عند الأوروبيين معدلات قتل على يد أمناء الشرطة بنفس النسبة المصرية، وبنفس الأسباب (ثمن كوب من الشاى، أو الاختلاف على أجر نقل بضاعة، وحالات أخرى لم تتبين أسبابها) ويجمعها كلها مقولة إنها حالات فردية. وهل توجد فى إحدى الدول الأوربية هذا المعدل فى انهيار الحقوق الاقتصادية (السكن الملائم ــ البيئة ــ الصحة ــ الغذاء )؟ فعندنا مثلا ما يؤكد خصوصية الحالة مصرف مجارى بالجيزة يصب فى نهر النيل عند قرية الرهاوى بمنشأة القناطر، وعندنا نسمح للمصانع بتلويث البيئة باستخدام الفحم وقتل الناس بالأمراض الصدرية، مصنع تيتان بالإسكندرية، وهل عندهم حالات إهمال طبى وعجز عن توفير العلاج بالآلاف؟ وهل عندهم مثلنا غياب أية معايير لمفهوم الحق فى السكن أو الخصوصية؟ كل هذا مجرد أمثلة فعلية تؤكد خصوصية الحالة الحقوقية المصرية.

    ...

  • كهنوت المال: "علماء" الاقتصاد كجامعين لأسوأ ما في الدين والفيزياء

    كان آدم سميث، مؤسس علم الاقتصاد الحديث، جزءا من حركة التنوير وهي حركة تاريخية أهم سماتها الإعلاء من قيمة العلم والتفكير العقلاني، ومحاولة علمنة مجالات الحياة المختلفة بما فيها ما يعرف اليوم بـ"العلوم الإنسانية"، وإضفاء صفة العلم على الاجتهادات الخاصة بتفسير النفس البشرية (علم النفس)، وتفسير السلوكيات المجتمعية (علم الاجتماع)، وطبعا تفسير حركة الأموال وأنماط الإنتاج والاستهلاك فيما عرف بعلم الاقتصاد.

    تأتي قوة العلم من قدرته على التنبؤ الدقيق، وخضوع نظرياته إلى التجربة العملية. وبالرغم من كل ذلك، تثبت الكثير من النظريات العلمية فشلها مع الوقت، أو على الأقل عدم قابليتها للتعميم المطلق، مثل نظريات نيوتن التي كانت هي الحق المطلق لمدة تزيد عن قرنين، حتى جاء أينشتين في بداية القرن العشرين بنظرياته عن النسبية لتثبت أن نظريات نيوتن غير مؤهلة لتفسير حركة المجرات والكواكب في الكون الواسع، وإنه حتى الزمن الذي يعتبر من أكثر المفاهيم الإنسانية رسوخا وثباتا، نسبي ويختلف من مكان إلى آخر. لكن بالنظر إلى تاريخ الفيزياء ونظرياتها، نجد أنها في أغلبها كانت قادرة على التنبؤ الدقيق، والصمود أمام التجربة العملية والعلمية، لدرجة أن نظريات أينشتين التي مر عليها قرابة قرن من الزمان ما زالت تثبت صحتها حتى يومنا هذا مثلما حدث مؤخرا عند الكشف عن موجات الجاذبية.

    كان آدم سميث هو رائد المهمة التنويرية المرتبطة بتحويل التجارة والمال إلى مجال يقترب في عقلانيته من العلوم الطبيعية كالفيزياء. توجد في كتب...

  • الباحث الحقوقي أشرف حسين لـ«السفير»: محاولات لإسكات كاشفي الانتهاكات

    أشرف حسين مدير وحدة العدالة الاجتماعية والاقتصادية في مركز «المبادرة المصرية للحقوق الشخصية» يتحدث الى «السفير» عن الهجوم الجديد على منظمات المجتمع المدني وعلاقته بجملة الأوضاع السياسية والحقوقية في مصر.

    لماذا تتحرك قضية تمويل المنظمات الحقوقية اليوم؟

    القضية عمرها حوالي اربع او خمس سنوات منذ تم تحريك الشق المتعلق بالمنظمات الاجنبية منها في اواخر العام ٢٠١١. خلال هذه الفترة تمت شيطنة هذه المنظمات ومحاولة بناء رواية جديدة للثورة، وقد اصبحث الثورة بمقتضاها عملية استخباراتية قام بها عملاء أجانب تم تدريبهم وفقا لأجندة القوى الغربية في إطار ما يسمى بحروب الجيل الرابع.

    ضغط هذا الخطاب الإعلامي وتنامى وتراجع وفقا لمعادلات وتوازنات القوى. المشكلة ان هذه الحملة الاعلامية بدأت تلاقي تصديقاً لدى من أطلقوها بالذات. هناك من تصور أن الحملة الدولية على مصر في ملفها الحقوقي يمكن محاصرتها إذا تم تكميم أفواه من يتحدثون عن الانتهاكات بديلا عن وقف الانتهاكات ذاتها. لقد قرروا أن يوقفوا الانتهاكات من «المنبع» بحصار المنظمات بدلا من محاولات الرد على الحملات. هم...

  • قانون التأمين الصحى الجديد بين الفرص والمخاطر

    منذ منتصف التسعينيات من القرن الماضى وتجرى محاولات متكررة لإصلاح النظام الصحى المصرى برمته، وفى المقدمة منه نظام التأمين الصحى الاجتماعى، والذى بات بعد خمسين عاما من تأسيسه يعانى من العديد من نقاط الضعف أبرزها عدم رضاء المواطنين عن جودة تقديم الخدمات، إضافة لمحدودية إتاحة الخدمة خاصة فى الريف مقارنة بالحضر وفى القطاعات غير المنتظمة من العمل قياسا للعاملين فى أطر العمل الرسمية.

    وفى السنوات العشر الأخيرة قامت الحكومة بتقديم عدة مسودات لقانون جديد للتأمين الصحى كانت فى مجملها تفتقد الرؤية الشاملة لطبيعة التغيير المطلوب لإصلاح النظام الصحى. وفى السنوات الثلاث الأخيرة تشكلت لجنة مجتمعية جديدة لتأسيس وصياغة مشروع قانون تأمينى شامل يعالج سلبيات المحاولات السابقة، وضمت اللجنة المشكلة لهذا الهدف الكبير أغلب التيارات واﻻتجاهات السياسية فى البلاد ومعظم أصحاب الشأن من الخبراء المعنيين بهذا الأمر.

    وكانت فكرة إعداد قانون شامل وموحد قد نشأت أساسا كحل جذرى لعلاج مشاكل النظام الحالى المتمثلة فى ضعف ملاءته المالية وعدم قدرته على اﻻستدامة وعدم قدرته على تغطية فئات من المجتمع محرومة من الحماية الصحية خاصة العمالة الموسمية وغير الرسمية. إلى جانب زيادة معدلات خروج المشتركين من النظام من ذوى الدخول المرتفعة والتكلفة المنخفضة مما أثر سلبا على...

  • عن الدعم وتوزيع الثروات

    فى البدء لابد وأن نصحح مفهوم كلمة الدعم التى تتشدق بها الحكومات منذ ما يزيد على خمسين عاما، وكأن هذه الكلمة قد زُج بها فى قاموس الحياة اليومية للمواطنين من أجل إشعارهم بصنيع الحكومة لهم، وبأن السلطة تعطيهم، وهو ما يعنى التكرم من السلطة على الشعب، لكون الكلمة تعنى أن أعطيك من عندى أو أساعدك من ملكى.

    ولكن الحقيقة والوضع الطبيعى للأمور يقول: أن الدولة بما فيها وما لها وما عليها ملك عام للشعب، وأنه حين يُخول السلطة الحاكمة أيا ما كانت أن تسوس أمور وشئون الحكم نيابة عنه، وليست بديلاً عنه أو مستعبدة إياه، كما أن ثروات هذا البلد هى ملك طبيعى لأبنائه، وليست حكرا لفصيل على حساب آخر.

    ومن ثم فإن هذه الكلمة المستخدمة بشكل سياسى وضعى، يجب أن تعزف الحكومة عن استخدامها وترديدها فى مناسبات مختلفة، لأن ما يحدث أو يجب أن تسير عليه الأوضاع الطبيعية هو أن تُسخر ثروات الدولة ودخلها لصالح الشعب، وأن يتم توزيع الثروات بشكل عادل وحقيقى، بحيث لا يكون هناك إثراء لفئة على حساب باقى الشعب من خلال استخدام ثروات البلاد دونما معايير موضوعية حقيقية.

    ويؤكد هذا القول ما جاء بكل المدونات الدستورية المصرية المتعاقبة، والتى آخرها الدستور...

  • اللامساواة: الفيل الذى لا نراه فى الغرفة

    كان يا ما كان ويا مازال، فتاتان مصريتان. أميرة ورغد. إحداهما، رغد، تقطن فى حى الزمالك الأنيق، وتذهب إلى مدرسة خاصة. واﻷخرى، أميرة كان عليها أن تعبر الجسر كل يوم وتمشى أكثر من نصف ساعة على قدميها كى تذهب إلى مدرسة حكومية. ثم انتهى بها اﻷمر، إلى أن تترك المدرسة، كى تعمل وتساعد على إعالة عائلتها. يجب أن يدفعنا الفارق فى نوعية حياة كل من الفتاتين وأثره على مصير كل منهما أن نسأل: كيف تؤثر ظروف الميلاد فى مستقبل كل منهما؟ ما الفرق بين أنواع المعارف التى ستكتسبها كل منهما؟ وما أنواع الوظائف التى ستعمل فيها كل منهما؟ هى فوارق تطرح علينا إشكاليات وأسئلة علينا ألا نغفلها.

    المثال والتساؤلات ليست من عندى، ولكن طرحها المدير السابق لمكتب البنك الدولى فى القاهرة، هارتفج شافر. وذلك فى مقدمة أحد أضعف الدراسات علميا التى أصدرها البنك الدولى عن مصر، وكأنه يعتذر عن نتائجها أو يدعونا إلى إعادة النظر.

    تساؤلات شافر ــ والتى يدعمها الاقتصادى جلال أمين فى نقده لتلك الدراسة ــ لا تسمع عنها على موائد الحوارات الحكومية ولا شبه الحكومية. أنت لا ترى اللامساواة ــ على فداحة آثارها ــ منعكسة على الخطاب الحكومى ولا على السياسات الحكومية. بل الأنكى أن الحكومة تردد أن مستوى اللامساواة فى مصر بسيط، وأنها تحسنت على مدى السنوات التى سبقت الثورة، وأن المصريين...

  • لا تشبه الليلة البارحة: عن تغير منظومة القيم المجتمعية المتعلقة بحقوق النساء

    يأتي شهر مارس من كل عام، فتبدأ احتفاليات يوم المرأة العالمي في مختلف بقاع العالم، ولكن مارس شهر له خصوصية أيضًا بالنسبة لنساء مصر، فـ 16 مارس يوم المرأة المصرية، أما 9 مارس فهو تاريخ كشوف العذرية الإجبارية التي قامت بها قوات الجيش ضد متظاهرات في ميدان التحرير في 2011، في جريمة جنسية لم يحاسَب عليها أحد.

    وكم تبدو المفارقة محزنة هذا العام، فالقوات المسلحة القابضة على السلطة الآن، تحاول بأجهزتها احتواء الحراك النسوي الذي تفجر خلال سنوات الثورة، كسياسة لتبييض الوجه محليًا ودوليًا، بينما، وفي الوقت نفسه، تغض الطرف عن جرائم العنف الجنسي التي ترتكبها قوات الأمن، وتشن الشرطة حملاتها للقبض على عشرات المثليين والمتحولين جنسيًا وتتبعهم داخل غرف نومهم، في انتهاك فج لخصوصيتهم، محاكمةَ إياهم على ميولهم وسلوكياتهم الجنسية الخاصة، كما تقوم ذات السلطة بتضييق الخناق على منظمات المجتمع المدني من خلال إغلاق بعض المراكز الحقوقية، ومنع بعض النشطاء البارزين من السفر، بالإضافة إلى عسكرة المجال العام والانقضاض على المؤسسات الثقافية المختلفة، في مناخ عام هادف لإشاعة الخوف والفزع.

    ولكن رغم تجليات هزيمة الثورة المتبدية في أغلب المعارك التي اخترنا خوض غمارها، فهذه الهزيمة السياسية لا تعني بالضرورة هزيمة مجتمعية، فالحراك النسوي/ الثوري حقق- خلال السنوات...

  • الخيار النووي ..من منظور الطاقة المستدامة

    تعاني مصر من أزمة حادة في الطاقة، ولا يكاد الإنتاج يفي بالاحتياجات الحالية، ناهيك عن المستقبلية. وتبذل الحكومة جهودًا واضحة للتغلب على نقص موارد الطاقة، خصوصًا في مجال الكهرباء حيث حققت بالفعل تحسنًا كبيرًا. نسمع بشكل يكاد يكون يوميًّا عن اتفاقات أو تعاقدات أو مشروعات أو خطط تتعلق بالكهرباء، دون أن نعرف ماذا تم بالفعل على أرض الواقع ولماذا وماهي تكلفته وأعباؤه وطبيعة الاستراتيجيات التي تتبعها الحكومة لمواجهة أزمة الطاقة.

    لا يتعلق حل أزمة الطاقة فقط بتوفير الموارد ولكن، وربما بدرجة أكبر، بسياسات إدارة هذه الموارد. وأزمة الطاقة الحالية نفسها توضح كيف أهدرت سياسات سابقة، مثل التوسع في تصدير الغاز ودعم الطاقة لغير المستحقين، فرصة الوفرة النسبية في موارد البترول والغاز وأوصلتنا إلى أزمة مستحكمة. تثور تساؤلات وشكوك كبيرة حول الجدوى الاقتصادية لبعض مشروعات الكهرباء أو درجة المخاطرة العالية أو العبء البيئي والاجتماعي، وماهية معايير الاختيار وعدالة توزيع الأعباء وفي النهاية شكوك حول قدرة هذه السياسات على الخروج الحقيقي من الأزمة رغم ما قد تحققه من نتائج إيجابية على المدى القصير.

    يثير إنتاج الكهرباء من الطاقة النووية على وجه الخصوص كثيرًا من هذه الشكوك. أعلنت الحكومة ضمن برنامجها عن عزمها بناء مفاعلات نووية لإنتاج الكهرباء بقوة 4800كيلو وات، وكان هناك اتفاق مع الحكومة الروسية وأخيرًا مع الحكومة الكورية لبناء هذه المفاعلات، وصَاحَبَ الإعلان عن المشروع ترويج دعائي له في...

  • تدوينة: مش ناسيين

    في مايو ٢٠١٤ كنت راجعة من رحلة شغل، في الطيارة، بالصدفة، أخدت الجرنال من المضيفة وبدأت أقرأ. كان فيه خبر عن القبض على مجموعة بيستغلوا الأطفال ومتوجهلهم اتهامات تانية كتير. كان باين ساعتها من الخبر إن القضية متفبركة، بس ما كانش فيه أسماء المتهمين. وصلت القاهرة وعرفت إن القضية فيها آية. بعد شهر أنا كمان كنت في سجن القناطر باتهامات كتيرة متلفقة.

    خرجت من حوالي ٥ شهور بعد ما اتحكم علينا في الأول بتلات سنين، وبعدين نزلوا لسنتين، قضينا منهم ١٥ شهر قبل ما نخرج بعفو رئاسي، وآية لسه في السجن بتنزل جلسات، ولسه مش واضح هتقعد قد إيه هناك. اتعرفت على آية حجازي في ٢٠٠٧ في نشاط لطلبة الجامعة بيحَضَّر كل سنة إنه يعمل أنشطة فنية للأطفال الفلسطنيين اللاجئين. المجموعة كانت صغيرة إلى حد ما، ورغم إننا عشنا شهر مع بعض في صيف السنة دي إلا إني اتصاحبت على ناس تانية أكتر. يمكن علشان آية كانت خجولة أو مش بتتكلم كتير، مش عارفة. بس اللي أنا عارفاه هو إني لما شُفتها في السجن في صيف ٢٠١٤ ما كانتش اتغيرت.

    الأسبوع ده قابلت واحد في الشارع ما أعرفوش وقفني وقالي: "حضرتك كنتي بتشوفي آية في القناطر؟"، قلتله آه. قالّي: "أصل أنا كنت متطوع معاهم في الجمعية (جمعية بلادي لرعاية أطفال الشوارع)، بس حظي إني ما كُنتش موجود يومها، كان ممكن يتقبض عليا أنا كمان. سافري يا...