أولاً: الأحكام القضائية والمحاكمات

1. في 1 إبريل 2008 قضت محكمة القضاء الإداري برئاسة المستشار محمد الحسيني بوقف تنفيذ قرار منح الشاعر حلمي سالم جائزة الدولة للتفوق في الآداب وسحب الجائزة منه مؤقتاً لحين الفصل النهائي في موضوع الدعوى. وكان أحد المواطنين ويدعى يوسف البدري قد أقام الدعوى رقم 31339/61 ضد كل من وزير الثقافة ورئيس المجلس الأعلى للثقافة وطلب فيها سحب الجائزة التي تمنح سنوياً وقيمتها خمسون ألف جنيه من الشاعر الذي حصل عليها العام الماضي. واستند المدعي إلى أن الشاعر كان قد نشر في أوائل 2007 قصيدة بعنوان (شرفة ليلى مراد) في مجلة صادرة عن الهيئة المصرية العامة للكتاب، اعتُبرت بعض مقاطعها مسيئة للذات الإلهية، مما دفع الهيئة الناشرة إلى وقف توزيع العدد الذي نشرت فيه القصيدة ثم إعادة توزيعه بعد حذف مقاطع من القصيدة.

واستندت المحكمة في قرارها بعدم مشروعية قرار منح حلمي سالم جائزة الدولة إلى أن قصيدة (شرفة ليلى مراد) التي نشرها الشاعر قد "أساء فيها إلى الذات الإلهية بصورة فجة تنم عن قمة التردي مع الذات الإلهية"، ولذلك "فإن ما اقترفه من إثم ... في حق الله وفي حق المجتمع متحدياً تقاليده وعقائده الدينية ليُحبط كامل عمله، ويفقده الأهلية لنيل أي تكريم أو جائزة من الدولة، في الوقت الذي أوجب فيه الدستور في المادة 12 منه على المجتمع رعاية الأخلاق وحمايتها والتمكين للتقاليد المصرية الأصيلة ومراعاة المستوى الرفيع للتربية الدينية والقيم الخلقية والآداب العامة. وهذا الخطاب موجه من المشرع الدستوري للمجتمع بما فيه المذكور الذي لم يعبأ بهذا الواجب. فضلاً عن أن قانون العقوبات قد جرم ازدراء الأديان، وهو ما لا يتسق معه بأي حال منح المذكور جائزة أو حقه في أي تكريم من أي نوع."

ورفضت المحكمة الدفع المقدم من محامي الحكومة بأن المدعي ليست له مصلحة في إقامة الدعوى، حيث جاء في الحكم أن "الإساءة إلى الذات الإلهية تمس كل مؤمن في عقيدته ودينه، وتتحقق صفته ومصلحته المباشرة في الذود عنه بالوسائل المشروعة قانوناً ومنها الحيلولة [دون] تكريم هذه الإساءة من أموال الشعب". كما رفضت المحكمة الاعتداد بكون قرار منح الجائزة صادراً عن لجنة مستقلة من الأدباء وليس عن الجهة التنفيذية، حيث استند حكم المحكمة إلى كون المجلس الأعلى للثقافة يتبع إداريا وزير الثقافة، مما يجعل من قرار منح الجائزة قراراً إدارياً يخضع لرقابة القضاء ويمكن للمحاكم إلغاؤه.

كما رأت المحكمة وجوب سحب القيمة المالية للجائزة من الشاعر على وجه الاستعجال وقبل الفصل النهائي في موضوع الدعوى، مبررة ذلك بأن "في الإبقاء على منح المذكور جائزة الدولة للتفوق رغم سبه للذات الإلهية ما يؤذي شعور المجتمع، ويثير الفتنة والضغينة، ويفقد القدوة لدى الشباب وعدم المبالاة حتى بالثوابت والعقائد، وهو ما ينال من استقرار المجتمع وأمنه، ويترتب على استمراره نتائج يتعذر تداركها." ومازالت الدعوى متداولة أمام القضاء الإداري حتى وقت صدور هذا التقرير.

2. وفي دعوى مشابهة قضت محكمة القضاء الإداري برئاسة المستشار محمد الحسيني في 13 مايو 2008 برفض دعوى أقامها أحد المحامين وطلب فيها إسقاط الجنسية المصرية عن الكاتبة نوال السعداوي "تحقيقاً للمصلحة العامة لتطاولها على الدين الإسلامي وعلى الذات الإلهية". كما طلبت الدعوى إضافة اسم السعداوي إلى قوائم ترقب الوصول للتحقيق معها فور عودتها إلى مصر بشأن بلاغ جنائي كان المحامي نفسه قد تقدم به إلى النائب العام واتهم فيه الكاتبة بازدراء الأديان بسبب نشرها في عام 2007 مسرحية بعنوان (الإله يقدم استقالته في اجتماع القمة).

واستندت المحكمة في رفض الدعوى إلى أن "حق المواطن في التنقل والترحال والعودة إلى أرض وطنه" حق مقرر في الدستور المصري فضلاً عن حمايته بموجب كل من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والعهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية. كما رأت المحكمة أن "اعتناق الأفكار والتعبير عنها فيما يطلق عليه الإبداع الفني أو الثقافي ما هو إلا موقف حر واعٍ يتناول ألواناً من الفنون يقوم بها المبدع بعمل ذهني وجهد خلاق يتعداه إلى الآخرين، بحيث ينتشر ويكون مؤثراً فيهم...وأياً ما كان الرأي فيما تطرحه المدعى عليها الثانية الدكتورة نوال السعداوي من أفكار في مؤلفاتها الكثيرة والمنشورة بين مؤيد لما تطرحه من أفكار واصفاً إياها بالإبداع الذي يدخل في إطار حرية التعبير، وبين معارض لهذه الأفكار يدخلها في نطاق الانحلال والفساد الأخلاقي وتشويه المعتقدات والقيم والنيل منها، فإن شطط الأفكار والرؤى للمدعى عليها لا يرقى إلى حد طلب إسقاط الجنسية المصرية عنها، حيث لا يدخل ضمن الحالات الواردة في القانون على سبيل الحصر".

3. في 29 أبريل 2008 قضت محكمة القضاء الإداري برئاسة المستشار محمد الحسيني برفض الطعن رقم 12802/60، المقام من أحد المواطنين ضد قرار رئيس الجمهورية بتفويض المحافظين بالترخيص للطوائف الدينية المسيحية بإجراء تعديلات وتوسعات بالكنائس القائمة. وكان قرار رئيس الجمهورية رقم 391 لسنة 2005 قد أدخل تسهيلات قانونية على إجراءات الترخيص بتعديل وترميم الكنائس القائمة، حيث منح القرار المحافظين سلطة "الترخيص للطوائف الدينية المسيحية بهدم كنيسة وبإقامة كنيسة محلها في ذات موقعها، وبإقامة بناء أو إجراء تعديلات أو توسعات في كنيسة قائمة". كما سمح القرار بأن "يكون الترميم أو تدعيم منشآت كنيسة قائمة بموجب إخطار كتابي من مسئول الكنيسة إلى الجهة الإدارية المختصة بشئون التنظيم في كل محافظة"، دون الحاجة إلى ترخيص مسبق.

وكان مقيم الدعوى قد دفع بأن القرار "سيستغل في بناء كنائس بأساليب تمويه وبدون إذن أو تصريح وهو ما يؤدي إلى مشاكل يستغلها بعض أقباط المهجر والفضائيات خاصة وأن كثيراً من الدول الأجنبية تمنع المسلمين من ممارسة شعائرهم، وأن بعض الآراء في البلاد العربية تمنع إقامة الكنائس." غير أن المحكمة رأت أن القانون منح رئيس الجمهورية باعتباره رئيس الدولة ورئيس السلطة التنفيذية سلطة تفويض المحافظين في اتخاذ مثل هذه القرارات. كما استندت المحكمة في رفض الدعوى إلى أن "الإسلام وهو دين الدولة الرسمي يحض على حرية الاعتقاد وحرية ممارسة الشعائر السماوية وأن الفكر الإسلامي المستنير يقبل وجود غير المسلم شريكاً في نسيج وطني واحد يمارس أفراده معتقداتهم بحرية وأمان في إطار النظام العام الحاكم لعلاقات الأفراد فيما بينهم أو في علاقاتهم مع الدولة."

4.  قضت محكمة القضاء الإداري في 4 مايو 2008 برفض طعن أقامه أحد المحامين للمطالبة بتحويل مادة الدين الإسلامي أو المسيحي في المدارس من مادة يشترط النجاح فيها فقط إلى مادة تضاف درجاتها إلى المجموع الكلي للتلاميذ بجميع مراحل التعليم. ووفقاً لما نشرته صحيفة الأهرام اليومية في 6 مايو 2008 فقد أكدت المحكمة في قرارها أن "قانون التعليم أوجب لنجاح الطالب في مادة الدين الإسلامي أو المسيحي حصوله على 50% على الأقل من المجموع ولم يلزم إضافتها للمجموع الأساسي للطالب."

5. في يوم 20 مايو 2008 بدأت الدائرة الأولى بمحكمة القضاء الإداري برئاسة المستشار أحمد الشاذلي في نظر الدعوى رقم 27658/62 التي أقامها أحد المحامين ضد كل من وزير الداخلية ورئيس مصلحة الأحوال المدنية. وتطالب الدعوى بإنهاء سياسة وزارة الداخلية القائمة على تغيير ديانة الأطفال المسيحيين المثبتة في شهادة ميلادهم من المسيحية إلى الإسلام دون إرادتهم في حال تحول والدهم إلى الإسلام. ولازالت الدعوى منظورة أمام المحكمة حتى وقت كتابة هذا التقرير.

6. بدأت الدائرة السابعة بمحكمة القضاء الإداري في يوم 7 يونيو 2008 في نظر استشكال أقامه أحد المواطنين للمطالبة بوقف تنفيذ حكم القضاء الإداري الصادر في 29 يناير 2008، والذي كان قد قضى بحق المواطنين البهائيين في الحصول على أوراق لإثبات الشخصية دون أن تذكر بها أي ديانة. (انظر فقرة 1 من تقرير حرية الدين والمعتقد في الربع الأول من عام 2008). وقامت المحكمة بتأجيل النظر في الاستشكال إلى أول شهر نوفمبر القادم.

وفي مائدة مستديرة نظمها المجلس القومي لحقوق الإنسان في يوم 5 يونيو 2008 بعنوان (تنفيذ أحكام القضاء الإداري الخاصة بموضوع خانة الديانة)، صرح ممثل عن وزارة الداخلية بأن الوزارة ستبادر بالتنفيذ فور الفصل في الاستشكال المقام لوقف التنفيذ، وأنها لا تستطيع قانوناً تنفيذ الأحكام الصادرة لصالح البهائيين حتى يفصل القضاء في هذا الإشكال.

7. قامت مباحث تنفيذ الأحكام بقسم شبرا الخيمة في 5 مايو 2008 بإلقاء القبض على بهية السيسي تنفيذاً لحكم غيابي صادر ضدها بالسجن لمدة ثلاث سنوات. وكانت محكمة جنايات شبرا الخيمة قد أدانت المتهمة في القضية رقم 14223 لسنة 1996 بتهمة استعمال محرر مزور مع العلم بتزويره، استناداً إلى أن المتهمة قامت بإثبات اسمها وديانتها المسيحيين في بطاقة إثبات الشخصية التي حصلت عليها لأول مرة في 1994 رغم أن والدها كان قد تحول من المسيحية إلى الإسلام في عام 1964. وقد تم تحديد جلسة لبدء إجراءات إعادة محاكمة المتهمة حضورياً في 20 يوليو 2008، حيث أمر القاضي بإخلاء سبيلها لحين انتهاء المحاكمة.

يذكر أن شادية السيسي، شقيقة السيدة بهية السيسي، كانت قد أدينت بالتهمة ذاتها وصدر ضدها حكم مماثل بالسجن ثلاث سنوات قبل أن يطعن النائب العام على الحكم أمام محكمة النقض ويأمر بإطلاق سراح شادية السيسي لحين الفصل في موضوع الطعن، بعد قضائها أربعة أشهر في سجن بنها تنفيذاً للعقوبة (انظر الفقرة رقم 7 من تقرير حرية الدين والمعتقد في الربع الأول من عام 2008).

8. في يوم 8 يونيو 2008 عقدت محكمة جنايات الجيزة أولى جلسات محاكمة خمسة متهمين من بينهم كاهن مسيحي في القضية رقم 4829 لسنة 2007 (جنايات قسم إمبابة). ويواجه المتهمون تهماً بتزوير أوراق رسمية عبر استخراج شهادة ميلاد مزورة لفتاة مسلمة ببيانات مسيحية لتمكينها من الزواج من شاب مسيحي خلال عام 2005، واستخراج جوازات سفر مزورة لهما لتسهيل هروبهما إلى الأردن. ولم يحضر جلسة المحاكمة سوى الكاهن المسيحي الذي أمرت المحكمة بإخلاء سبيله بضمان محل إقامته وتأجيل نظر الدعوى إلى شهر أغسطس القادم لاستدعاء الشهود وضبط الزوجين الهاربين.

يذكر أن اثنين من المتهمين في القضية والذين يواجهان الاتهام بمساعدة الزوجين في الحصول على المستندات المزورة كانا قد قضيا ثمانية عشر شهراً في الحبس الاحتياطي على ذمة القضية قبل أن يصدر قرار بإخلاء سبيلهما وإحالتهما للمحاكمة في 19 إبريل 2008، بسبب استنفاد المهلة القانونية للحبس الاحتياطي في قضايا الجنايات وفقاً لقانون الإجراءات الجنائية. 

9. بدأت محكمة القضاء الإداري في يوم 15 يونيو 2008 نظر الدعوى رقم 29938/62، والمقامة من أعضاء مجموعة (مصريون ضد التمييز الديني) ضد قرار مديرية التضامن الاجتماعي بالجيزة رفض طلب المدعين الحصول على ترخيص لإشهار مؤسسة أهلية بعنوان "مصريون في وطن واحد". وكان المدعون ـ وهم مجموعة من المتطوعين الناشطين في مجال التسامح الديني ـ قد تقدموا بطلب لتسجيل مجموعتهم كمؤسسة أهلية في ديسمبر 2007، إلا أن مديرية التضامن الاجتماعي أخطرتهم برفض الطلب في شهر يناير الماضي استناداً إلى "عدم توافر مقومات المادة 11 من القانون رقم 84 لسنة 2002 [بشأن الجمعيات والمؤسسات الأهلية] ولائحته التنفيذية." وتتناول المادة 11 من القانون كافة الأغراض والأنشطة المحظورة على الجمعيات، كتكوين التشكيلات العسكرية، أو تهديد الوحدة الوطنية أو الدعوة للتمييز بين المواطنين، أو ممارسة أي نشاط سياسي يدخل في نطاق الأحزاب السياسية أو استهداف تحقيق ربح. ولازالت الدعوى منظورة أمام القضاء الإداري حتى وقت كتابة هذا التقرير.