الأمم المتحدةمرحباً بكم في الأمم المتحدة. إنها عالمكم

يوم الأمم المتحدة للغة العربية، 18 كانون الأول/ديسمبر

تأريخ اعتماد اللغة العربية في الأمم المتحدة

يعرضه له: الأستاذ عصام البدري
من الرعيل الأول للقسم العربي في الأمم المتحدة
استاذ غير متفرغ في جامعة سان جونز ، نيويورك

 

السيد عصام البدري

تحتفل الأمم المتحدة باليوم العالمي للغة العربية في الثامن عشر من شهر كانون الأول/ديسمبر من كل عام. ففي هذا التاريخ من عام 1973، اعتمدت الجمعية العامة اللغة العربية لغة عمل رسمية، لتكون بذلك إحدى اللغات الست التي تعمل بها الأمم المتحدة، وهي: العربية والإنجليزية والفرنسية والصينية والروسية والإسبانية .

ويحتفل النادي العربي في الأمم المتحدة سنويا بهذه المناسبة من خلال البعثات ادبلوماسية العربية، فيقيم معرضا للكتب والأعمال الفنية للدول العربية المشاركة في هذا الاحتفال، فضلا عن إقامة حفل منوعات يشتمل على الكلمات والشعر وفقرات متنوعة من الفنون الشعبية العربية.‏

فاللغة العربية أكثر اللغات استخداما ضمن مجموعة اللغات السامية، ومن أكثر اللغات انتشارا في العالم، حيث يتحدث بها أكثر من 422 مليون نسمة، وهي اللغة الرسمية الدارجة بين سكان الوطن العربي من المحيط إلى الخليج، كما يتكلمها كذلك عديد البلدان والمناطق المجاورة: كالأحواز وتركيا ومالي وتشاد والسنغال وإريتريا. وهي اللغة التي تقام بها الشعائر الدينية في سائر بلاد الإسلام بما فيها البلاد التي لا تنطق بالعربية، كما أنها لغة شعائرية رئيسية في عدد كبير من الكنائس في الوطن العربي، فضلا عن أنها كانت اللغة التي كُتب بها كثير الأعمال الدينية والفكرية في العصور الوسطى، ولذا فأثرها عظيم في كثير من اللغاتواللهجات، من مثل التركية والفارسية والأمازيغية والكردية والأوردية والماليزية والإندونيسية والألبانية. كما أنها أثرت في بعض اللغات الأفريقية من مثل الهاوسا والسواحيلية، ولها تأثيرها على بعض اللغات الأوروبية مثل الإسبانية والبرتغالية والمالطية والصقلية.

اللغة العربية في الأمم المتحدة

أما عن مشوار لغتنا الجميلة في الأمم المتحدة، فقد خطت أولى خطواتها في الدورة الخامسة عشر للجمعية العامة ، حينما كان داغ همرشولد أمينا عاما للأمم المتحدة (ثاني أمين عام للمنظمة الدولية). كانت تلك دورة متميزة ، فقد حضرها قطبا الحرب الباردة ، الرئيس الأمريكي دوايت ديفيد أيزنهاور والزعيم الروسي نيكيتا خروتشوف. وشارك في تلك الدورة زعماء حركة عدم الانحياز التي كانت في أوج يفاعتهاومثلت أملا للعالم الثالث بحضور الزعماء الثلاثةنهرو (الهند) وتيتو (يوغوسلافيا) وجمال عبد الناصر ( مصر).

وأصر الرئيس جمال عبد الناصر على إلقاء كلمتِه — في 25 سبتمبر/أيلول 1960 الموافق 3 ربيع الثاني 1380هـ — باللغة العربية، فكان بذلك أول من تكلم باللغة العربية في قاعة الجمعية العامة. وطالب الرئيس عبد الناصر أثناء ذلك بإدخال اللغة العربية لغة رسمية للأمم المتحدة نظرا لأن عدد الناطقين بها يزيد عن 100 مليون عربي (آنذاك) على أن تتحمل الدول العربية (المملكة العربية السعودية وليبيا) أعباء إنشاء القسم العربي والنفقات الناجمة عن تطبيق هذا القرار خلال السنوات الثلاث الأولى.

وبدأ العمل باللغة العربية — بناءً على قرار الجمعية العامة رقم 878 في دورتها التاسعة المؤرخ في 4 كانون الأول/ديسمبر 1954 — باعتبارها لغة عمل عام 1955، وكان عنوان القرار هو"ترجمة بعض الوثائق الرسمية للجمعية العامة إلى اللغة العربية وفقا للمادة 59 من النظام الداخلي للجمعية العامة"، ونص القرار على أن تُنشر باللغة العربية وثائق الجمعية العامة ولجانها الفرعية وغيرها من التقارير الأخرى الصادرة عن هيئات الأمم المتحدة، التي تعالج مشاكل خاصة أو عامة تهم المناطق التي تتكلم باللغة العربية، شرط ألا يتجاوز حجم المنشورات الصادرة في السنة الواحدة ما مجموعه أربعة آلاف صفحة من النص الإنجليزي، وأذنت الجمعية العامة للأمين العام (داغ همرشولد) بأن يرصد في تقديرات الميزانية الاعتمادات اللازمة لتنفيذ ذلك القرار، وبأن يكفل تساوق ترجمة النصوص إلى اللغة العربية مع الأساليب المقررة لوثائق الأمم المتحدة. واستمر العمل بقسم الترجمة التحريرية حتى العام 1973 والذي يعتبر مرحلة انتقالية بالنسبة للغة العربية داخل الأمم المتحدة.

وفي 18 كانون الأول/ ديسمبر 1973، اُعتمدت اللغة العربية في الجمعية العامة للأمم المتحدة بموجب قرارها 3190 في دورتها الـ 28. لتكون بذلك إحدى اللغات الرسمية الست في الجمعية العامة والهيئات الفرعية التابعة لها. ونص القرار على أن الجمعية العامة إذ تدرك ما للغة العربية من دور هام في حفظ ونشر حضارة الإنسان وثقافته، وإذ تدرك أيضا أن اللغة العربية هي لغة تسعة عشر عضوا من أعضاء الأمم المتحدة (آنذاك)، وأنها لغة عمل مقررة في وكالات: منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة، ومنظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة، ومنظمة الصحة العالمية، ومنظمة العمل الدولية، كما أنها لغة رسمية ولغة عمل في منظمة الوحدة الأفريقية؛ وإذ تلاحظ مع التقدير ما قدمته الدول العربية من تأكيدات بأنها ستُغطي بصورة جماعية النفقات الناجمة عن تطبيق هذا القرار خلال السنوات الثلاث الأولى، تقرر إدخال اللغة العربية ضمن اللغات الرسمية ولغات العمل المعتمدة في الجمعية العامة ولجانها الرئيسية ، على أن تقوم بتعديل أحكام النظام الداخلي للجمعية العامة المتصلة بالموضوع.

وفي 1 كانون الثاني/يناير 1983، أصبحت اللغة العربية لغة رسمية في مجلس الأمن والمجلس الاقتصادي والاجتماعي، بناء على قرار الجمعية العامة 219 في دورتها 35 المؤرخة 17 كانون الأول/ديسمبر 1980، ونص على أنه يتعين بموجب هذا القرار أن يُصبح جهاز موظفي اللغة العربية في حجم جهاز موظفي كل من اللغات الرسمية ولغات العمل الأخرى، وعلى أن تتمتع اللغة العربية بنفس الوضع الممنوح للغات الرسمية ولغات العمل الأخرى، وترجو مجلس الأمن إدخال اللغة العربية لغة رسمية ولغة عمل، والمجلس الاقتصادي والاجتماعي إدخال اللغة العربية لغة رسمية في أجل لا يتعدى 1 كانون الثاني/يناير 1983.

وتنفيذا لهذين القرارين أنشئت دوائر وأقسام الترجمة التحريرية والشفوية العربية بمقر الأمانة العامة في نيويورك وچنيف وڤيينا ونيروبي، ووحدة تجهيز النصوص العربية – التي شَرُفت برئاستها قبل تقاعدي – وقسم المحاضر الحرفية، وقسم تحرير الوثائق الرسمية، وقسم تصحيح التجارب الطباعية، وشعبة النشر، وكلها تتبع إدارة شؤون الجمعية العامة وخدمات المؤتمرات. كما أنشئ قسمان للترجمة العربية في اللجنة الاقتصادية لغرب آسيا ومقرها بيروت، واللجنة الاقتصادية لأفريقيا ومقرها أديس أبابا.

وفي نفس الوقت، أنشئ قسم الخدمات الإذاعية وقسم تعليم اللغة العربية، فضلا عن خدمات مكتبة داغ همرشولد، والخدمات التليفزيونية، والإنترنت والخدمات التقنية والتكنولوجية الحديثة من مثل التعرف الصوتي Voice Recognition وخدمة المؤتمرات عن بُعد Teleconferencing والترجمة التحريرية عن بُعد Remote Translation والترجمة الشفوية عن بُعد Remote Interpretation، أسوة باللغات الرسمية ولغات العمل الأخرى.

فهنيئا لنا جميعا، وهنيئا للغتنا الجميلة والثرية، التي نعُدها مصدر فخر وإلهام. ويكفيها فخرا — وهي لغة القرآن — أنها لغة فريدة من نوعها وفي مفرداتها، فهي لغة الضاد، وهي لسان العرب، وهي الغراء والعصماء، تتشكل وتنمو وتترعرعلتواكب كل زمان ومكان، تؤثر في اللغات الأخرى وتتأثر بها، قدرتها الاستيعابية تفوق الخيال لما لها من المصطلحات والمعاني مع كل ما هو جديد ومتجدد من العلوم والفنون. إنها لغة الشعروالبلاغة ولغة الأدب والتاريخ. فمن حقها علينا، وواجبنا تجاهها، أن نتمسك بها، وأن نعتز بها ونطورها، وأن نحتفي بها في كل أنٍ وحين.