نبض لبنان

الانخفاض الهائل في عدد المهاجرين إلى إيطاليا يسلط الضوء على المشاكل في ليبيا

p
بقلم
بإختصار
في ظلّ تراجع حركة الهجرة من الشواطئ الليبيّة إلى الساحل الإيطاليّ بنسبة تخطت الخمسين في المئة في شهر واحد، يقول المحلّلون إنّ الصفقات بين إيطاليا والمجموعات المسلّحة المحليّة لمنع المهاجرين من الصعود على متن القوارب تؤدّي إلى انتهاكات.

ميلانو – على مدى السنة الماضية، جازف آلاف المهاجرين واللاجئين بالسفر بحراً من شواطئ ليبيا إلى الساحل الإيطاليّ. وكان من المتوقع أن تكون أعداد الواصلين الجدد في العام 2016 أكبر منها في العام 2017، لكنّ ما حصل الشهر الماضي فاق كلّ التوقّعات.

فقد استقبلت إيطاليا أكثر من 78 ألف شخص من 1 كانون الأول/يناير إلى 12 تموز/يوليو 2016، وفقاً للمنظّمة الدوليّة للهجرة. وبلغ عدد الوافدين أكثر من 86 ألفاً في الفترة نفسها من العام 2017.

لكنّ شهر آب/أغسطس شهد تراجعاً بنسبة 87% في عدد الواصلين الجدد في إيطاليا، وحيّر هذا التطوّر الباحثين والمراقبين الذين حاولوا فهم الأسباب الكامنة وراء هذا التغيّر الهائل في حركة الهجرة. وفي البداية، لم يعرف أحد ما هي أسباب هذا الانخفاض في عدد الواصلين الجدد. لكنّ بعض التفاصيل قد برزت مؤخّراً، وتبيّن أنّ النفوذ الإيطاليّ اضطلع بدور كبير في هذا السياق.

ففي مقابلة مع صحيفة "ذي غارديان" في 7 أيلول/سبتمبر، قال وزير الداخليّة الإيطاليّ المثير للجدل ماركو مينيتي إنّه أبرم صفقات مع القبائل المتناحرة في جنوب ليبيا لمحاولة وقف تدّفق المهاجرين عبر حدود تشاد ومالي والنيجر. وأوضح مينيتي أنّه لم يقم برشوة القبائل لكنّه قدّم إليها موارد لبناء "اقتصاد بديل".

وكتبت صحيفة "ذي غارديان" أنّ "نجاحه في تخفيض تدّفقات الهجرة أكسبه ثناء وشعبيّة في صفوف اليمين وشهرة في بعض صفوف اليسار. وسرت شائعات عن صفقات أُبرمت في الصحراء من أجل حثّ القبائل والميليشيات على وقف الاتجار بالبشر. ويُزعم أنّ وسائله هشّة وأنّه بسببها يبقى مصير عشرات آلاف المهاجرين مجهولاً، وهم مهاجرون عالقون في ليبيا في معتقلات لاإنسانيّة وعاجزون عن الوصول إلى إيطاليا وغير راغبين في العودة إلى بلدهم الأمّ في الجهة المقابلة من الصحراء الكبرى".

إنّ التعاون مع اللاعبين المحليّين في ليبيا تكتيك لطالما اعتمدته الحكومة الإيطاليّة. ولطالما جمعت هذان البلدان علاقات وثيقة. وكان الزعيم الليبيّ غريب الأطوار معمّر القذّافي في عهده على علاقة قويّة بوزير الخارجيّة الإيطاليّ سيلفيو برلسكوني الذي لاحقته الفضائح. لكنّ الحرب الأهليّة الليبيّة في العام 2011 أنهت حكم القذّافي القمعيّ، وباتت ليبيا مقسّمة وفيها عدد من الميليشيات المسلّحة التي تتصارع على الأراضي والموارد والشرعيّة الدوليّة.

ويخضع شرق البلاد في غالبيّته لسيطرة الجنرال خليفة حفتر والجيش الوطنيّ الليبيّ الذي يقوده، فيما يخضع الغرب لسيطرة رئيس الحكومة فايز السراج الذي يحظى باعتراف الأمم المتّحدة. ويتعاون دبلوماسيّون إيطاليّون وشخصيّات حكوميّة إيطاليّة مؤخّراً مع اللاعبين المحليّين في ليبيا، بمن في ذلك السراج، من أجل إيجاد سبل لوقف الهجرة، التي يمكن القول إنّها أصبحت المسألة الأكثر إلحاحاً في هذه الفترة التي تتحضّر فيها إيطاليا لانتخابات 2018 البرلمانيّة.

يمكن القول إنّ الهجرة أصبحت المسألة الأكثر إلحاحاً في هذه الفترة التي تتحضّر فيها إيطاليا لانتخابات 2018 البرلمانيّة.

وبالإضافة إلى صفقات مينيتي على الحدود الجنوبيّة، شهدت نقاط رئيسيّة أخرى في ليبيا صفقات محليّة أيضاً لمنع تدفّق المهاجرين إلى أوروبا.

وقال جلال حرشاوي، وهو طالب دكتوراه في الجغرافيا السياسيّة في جامعة باريس 8 وخبير في الشؤون الليبيّة، لـ "المونيتور": "سمعنا في الأيّام الأخيرة من عدد من المراسلين أنّ إيطاليا أبرمت في الواقع تسوية ماليّة مع بلديّة صبراتة [على الساحل الليبيّ] والمجموعات المسلّحة هناك".

وشرح قائلاً: "إذا تمّ إثبات ذلك بدلائل قاطعة، فسيكون تفسيراً واضحاً لكلّ ما تقوم به روما في الجزء الغربيّ من ليبيا. لقد أبرمت روما صفقات مع اللاعبين المحليّين من خلال الاستعانة أحياناً بحكومة الوفاق الوطنيّ التي تدعمها إيطاليا دعماً كاملاً، وأيضاً بطريقة مباشرة في أحيان كثيرة".

ويُعتقد أنّ هذه الصفقات هي السبب وراء التراجع الهائل في عدد المهاجرين. فعوضاً عن إقفال الحدود، كما اقترح بعض الزعماء الأوروبيّين، تحاول إيطاليا الصعود إلى رأس سلسلة الهجرة وقطع الطريق قبل وصول المهاجرين إلى البحر الأبيض المتوسّط.

وقال ماتيا توالدو، وهو زميل في برنامج الشرق الأوسط وشمال إفريقيا الخاصّ بالمجلس الأوروبيّ للعلاقات الخارجيّة وخبير في الشؤون الليبيّة، لـ "المونيتور": "إنّ سبب التراجع الرئيسيّ هو ما يحصل في مرفأي الزاوية وصبراتة اللذين كانا نقطة انطلاق أكثريّة القوارب المليئة بالمهاجرين. فهناك مؤشّرات متزايدة، في صبراتة خصوصاً، على قيام مجموعة مسلّحة بمنع القوارب من المغادرة، وبشكل عامّ في هذين المرفأين ارتأى المهرّبون أنّه من الأفضل وقف عمليّات تهريب الأشخاص بغية عدم لفت الانتباه".

وكتبت صحيفة "ذي واشنطن بوست" في آب/أغسطس أنّ الميليشيات التي كانت تموّل نفسها من خلال الاتجار بالبشر أخذت أموالاً من الحكومة الإيطاليّة لإبقاء المهاجرين واللاجئين بعيداً عن الشواطئ، في خطوة تثير غضب المسؤولين الليبيّين.

ويبدو أنّ مينيتي ورفاقه راضون عن نتائج أفعالهم. فتراجع عدد الوافدين قد يتحوّل إلى نجاح في الانتخابات بالنسبة إلى السياسيّين الإيطاليّين. لكنّ الخبراء يعتقدون أنّ هذه السياسات قليلة التبصّر وقد تكون لها تداعيات سلبيّة على المدى الطويل مع طعن الميليشيات التي تموّلها إيطاليا بشرعيّة الحكومة الليبيّة المنقسمة أصلاً. بالإضافة إلى ذلك، قد تعرّض هذه السياسات بعض اللاجئين والمهاجرين لانتهاكات متعلّقة بحقوق الانسان.

وقد كتبت رئيسة منظّمة "أطبّاء بلا حدود"، جوان ليو، رسالة مفتوحة إلى الزعماء الأوروبيّين في 6 أيلول/سبتمبر اتّهمتهم فيها بتشجيع هذه الانتهاكات مقابل وصول عدد أقلّ من اللاجئين إلى الشواطئ الأوروبيّة.

وكتبت ليو إنّ "التمويل الأوروبيّ، المدفوع بالهدف الأوحد المتمثّل بإبقاء الأشخاص خارج أوروبا، يساهم في منع القوارب من مغادرة المياه الليبيّة، لكنّ هذه السياسة تغذّي في الوقت نفسه نظام انتهاكات إجراميّاً. فاعتقال المهاجرين واللاجئين في ليبيا أمر مروّع للغاية. ويجب تسميته كما هو في الحقيقة: مشروع مزدهر من الخطف والتعذيب والابتزاز. وقد اختارت الحكومات الأوروبيّة حبس الأشخاص في هذا الوضع. لا يمكن إعادة الأشخاص إلى ليبيا، ولا ينبغي حجزهم هناك".

بالإضافة إلى ذلك، إنّ احتمال استمرار هذه الصفقات ضئيل. فالاتجار بالبشر هو مصدر دخل مهمّ بالنسبة إلى التجّار، وسرعان ما سيعود وينتشر في حال عدم إيجاد مصادر دخل بديلة.

وقال حرشاوي: "كلّ شيء ممكن، لكنّني لا أعتقد [أنّ الوضع الحاليّ سيستمرّ]. من الممكن أن تستمرّ التدابير التي سمحت لإيطاليا بتحقيق الانخفاض هذا الشهر، لكنّني أعتقد أنّه أمر مستبعد. فهذا الوضع يتغيّر باستمرار، ولا أحد يعلم ما الحوافز التي تبرز عندما يتمّ إبرام صفقة. إنّ هذه الأمور تتطوّر دائماً بشكل تدريجيّ مع مرور الأشهر".

وجد في : اللاجئين

Justin Salhani is a freelance journalist based in Beirut. He is The Atlantic Post’s Lebanon correspondent and previously worked with NOW News and The Daily Star in Beirut. On Twitter: @JustinSalhani

x