نبض مصر

الأزهر للفتوى الإلكترونيّة... آمال كبرى في تجربة مكرّرة

p
بقلم
بإختصار
اعتمد الأزهر إجراءات عدّة لإحياء مركزه العالميّ للرصد والفتوى الإلكترونيّة، ولفتت تلك الإجراءات نظر العديد من مستخدمي الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعيّ إليه، ويعلّق عليها العديد من المراقبين آمالاً كبرى في محاربة الفكر المتطرّف، بينما يراها البعض مجرّد تكرار لتجربة دار الإفتاء ولن تضيف شيئاً يذكر.

القاهرة – يتلقّى مركز الأزهر العالميّ للرصد والفتوى الإلكترونيّة العشرات من طلبات الفتوى منذ أن أطلق، بالتّعاون مع موقع "اليوم السابع"، خدمة "اسأل الأزهر" في 26 آب/أغسطس للردّ على طلبات الفتاوى للمرّة الأولى من خلال بثّ إلكترونيّ مباشر، وخصص "اليوم السابع" لذلك البث أيقونة خاصة على موقعه وروج له من خلال صفحته الرسمية على مواقع التواصل الاجتماعي ليجذب الآلاف من المشاهدين، حيث أنه الموقع الإخباري الأوسع انتشارا في مصر.

ويذكر أن مركز الأزهر العالمي للرصد والفتوى الإلكترونية تأسس في نوفمبر 2016 بناء على قرار من أحمد الطيب، شيخ الأزهر الشريف، لرصد الفتاوى المتطرفة والشاذة على الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي والمبادرة بالرد عليها، وليكون منصة للتواصل مع الراغبين في أخذ الفتاوى من الأزهر عن طريق الإنترنت، ويعمل بالمركز حوالي 300 باحث وعالم ديني أزهري.

وعزّز المركز نشاطه في الفتاوى الإلكترونيّة بعدد من الإجراءات، في نفس يوم إطلاق خدمة "اسأل الأزهر"، من خلال تخصيص استمارة للفتوى على موقعه الرسميّ وخطّ ساخن لها، وأخيراً بالإعلان في 11 أيلول/سبتمبر عن إطلاق دورة تدريبيّة للراغبات في العمل بقسم الفتوى داخل المركز.

وتعتبر الإجراءات السابقة انطلاقة جديدة لعمل المركز، حيث أنعشت اتصال الجمهور المصريّ به وجعلته في بؤرة اهتمام العديد من مستخدمي الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعيّ، بعد أن أعلن عن تأسيس موقعه الإلكترونيّ التجريبيّ في نوفمبر من عام 2016، والذي لم يلق اهتماماً كبيراً آنذاك، بسبب عدم الالتفات إلى الترويج له من خلال مواقع التواصل الاجتماعي والمواقع ذات معدل المشاهدات والزيارات المرتفع مثل "اليوم السابع"، لذلك كان مجهولا للعديد من مستخدمي الإنترنت في الشهور الماضية.

وأشار المشرف العام على المركز يوسف عامر في بيان صحفي بـ28 آب/أغسطس إلى أنّ المركز سيكون له دور مهمّ في مكافحة الفكر المتطرّف وعقيدة تنظيم "داعش"، وقال: "من أخطر القضايا التي يتعرّض لها المركز قضيّة الإسلام والمواطنة عند الجماعات الإرهابيّة، وفي مقدّمها تنظيم داعش الإرهابيّ، حيث أنّ الهويّة الوطنيّة لا تتعارض مع الهويّة الدينيّة، إلاّ إذا استدعت الهويّة الوطنيّة اقتراف ما نهى عنه الله".

ويأتي ذلك ردا على بعض الفتاوى المتشددة وبعض المرجعيات الجهادية، مثل مؤلفات المفكر الإسلامي المصري سيد قطب، ويعتبرها العديد من المفكرين والأزهريين محرمة لفكرة المواطنة أو الشعور بالانتماء إلى دول وتعتبره معارضا للشعور بالإنتماء إلى الدين الإسلامي.

كما كشف في بيان عن أنّ المركز سيتعرّض لقضيّة تفخيخ الأطفال في فكر "داعش"، وقال: "يتصدّى المركز لقضيّة استخدام الأطفال من قبل تنظيم داعش كقنابل بشريّة، بعد أن يتمّ تفخيخهم وتفجيرهم في صفوف الجيوش النظاميّة في نيجيريا وسوريا والعراق. وإنّ استخدام الأطفال في الحروب محرّم شرعاً وتفجيرهم في صفوف الجيوش والأبرياء كبيرة من الكبائر وجريمة ضدّ الإنسانيّة".

ورغم ما كشفه يوسف عامر عن اعتزام المركز التعرّض لقضايا التطرّف الشائكة، إلاّ أنّ أغلب فتاوى المركز حتّى الآن، وبعد أكثر من ٢٠ يوماً من انطلاقته الجديدة، ما زالت منصبّة على أمور بعيدة عن قضايا رصد الفتاوى المتشددة والفكر المتطرّف ومحاربته، مثل فتوى المركز في 9 أيلول/سبتمبر بجواز تقاضي أجر عن قراءة القرآن وتحفيظه، أو فتوى جواز زواج الرجل من زوجة ثانية من دون علم الزوجة الأولى في 8 أيلول/سبتمبر.

ودفع ابتعاد فتاوى المركز عن مناقشة الفكر المتطرّف "المونيتور" إلى التساؤل عن جدوى المركز وموقعه الإلكترونيّ وما يقدّمه من خدمات في مكافحة التطرّف، ومدى قابليّة المتطرّفين أو المتشدّدين إلى اللجوء للأزهر ومركز الفتوى الإلكترونيّة لإفتائهم في القضايا الدينيّة.

3 مسارات للفتاوى المتطرّفة

وقال الباحث السياسيّ في مركز الأهرام للدراسات السياسيّة والاستراتيجيّة بالقاهرة يسري العزباوي لـ"المونيتور": "للمركز وللموقع الإلكترونيّ أهميّة كبرى، حتّى لو لم تظهر وتتّضح حتّى الآن، إذ أنّ الفتاوى المتطرّفة والمتشدّدة سلكت 3 مسارات إلى عقول المصريّين، وكان المسار الأوّل هو القنوات الدينيّة المموّلة من الإخوان والتيّارات السلفيّة المتشدّدة، وكان هذا المسار أوّل ما التفتت إليه الدولة بقرار إغلاق القنوات الدينيّة في 3 تمّوز/يوليو من عام 2013. أمّا المسار الثاني فهو بعض المساجد التي سيطرت عليها التيّارات المتطرّفة وأحكمت الدولة سيطرتها عليها في الأعوام السابقة من خلال منع الخطباء غير المرخّصين من الأزهر ووزارة الأوقاف باعتلاء منابر المساجد وتوحيد خطبة الجمعة من خلال وزارة الأوقاف".

وتابع: "المسار المتبقّي هو المواقع الإلكترونيّة، وتملك التيّارات المتشدّدة العديد من مواقع الفتوى التي يصعب حجبها كلّها لكثرتها. ولذلك، كان لا بدّ من تواجد منصّة إلكترونيّة مثل مركز الأزهر للفتاوى الإلكترونيّة لتقدّم من خلالها الفتوى إلى الراغبين حتّى لا يصبحون فريسة للفتاوى المتشدّدة، خصوصاً أنّ أغلب الشباب ربّما يتكاسلون عن زيارة الأزهر أو دار الإفتاء لأخذ الفتاوى ويكتفون بفتاوى الإنترنت".

5 أنواع من الجماهير

واختلف رأي أستاذ الفلسفة والعقيدة في جامعة الأزهر عبد المنعم فؤاد عن رأي يسري العزباوي جزئيّاً، إذ قال لـ"المونيتور": "إنّ المركز الإلكترونيّ مهمّ، لكنّ أهميّته ليست مطلقة وتتوقّف حسب الجمهور المستهدف، فالأزهر يتعامل مع 5 أنواع من الجماهير، وهم: المسلمون المؤمنون به كمرجعيّة دينيّة، والمتردّدون في الإيمان بمرجعيّته مقابل مرجعيّات متشدّدة، والرافضون لمرجعيّته تماماً من المتشدّدين والتفكيريّين، إضافة إلى الشباب وصغار السنّ الذين ليست لديهم مرجعيّة دينيّة محدّدة، وأخيراً غير المسلمين".

وتابع: "المركز سيمارس دوراً مهمّاً وعظيماً في جذب المتردّدين بين الفكر المعتدل للأزهر والفكر المتطرّف لبعض التيّارات السلفيّة والجماعات الجهاديّة والتكفيريّة وفي تكوين مرجعيّة الشباب وصغار السنّ الذين أصبحوا يتعاملون في أغلب الأوقات مع الإنترنت، وفي تحسين صورة الإسلام أمام غير المسلمين بعد أن أظهرت التنظيمات الإرهابيّة الإسلام في السنوات الماضية في صورة التطرّف والتكفير والعداء، لكنّ التحدّي الأكبر هو إقناع بعض المتطرّفين والمتشدّدين بالتخلّي عن ذلك الفكر، ولا أتوقّع أن يكون للمركز الإلكترونيّ دور في ذلك".

جهتان للفتوى

انتقد الباحث المستقلّ في شؤون الحركات الإسلاميّة والكاتب الصحافيّ حسين القاضي تأسيس مركز الأزهر العالميّ للرصد والفتاوى الإلكترونيّة ، قائلاً لـ"المونيتور": "مركز الأزهر الإلكتروني ليس إلاّ مجرّد دعاية لإثبات أنّ الأزهر يقوم بدور في محاربة التطرّف وتجديد الخطاب الدينيّ، رغم أنّ الفتاوى ليست اختصاصه".

وتابع: "الأزهر لجأ إلى تأسيس المركز الإلكترونيّ ليتجنّب القيام بدوره في تنقيح مناهجه وحذف موروثات الفكر المتطرّف الخاصّة بالتضييق على الأقباط وعدم الإيمان بالمواطنة وغيرها، رغم أنّ مراجعات الفكر الدينيّ وتطويره وتنقيحه هي اختصاص الأزهر وليست الفتوى، فالفتوى من اختصاص دار الإفتاء ولديها مركز إلكترونيّ للردّ على طلبات الفتاوى، ولديها مرصد لرصد الفتاوى التكفيريّة والردّ عليها، ولسنا في حاجة إلى فتاوى أخرى في ظلّ ما تبذله دار الإفتاء من جهود، بل نحن في حاجة إلى أن يقوم الأزهر بدوره الحقيقيّ في تنقيح الفكر الإسلاميّ من التراث المتطرّف، بدلاً من محاولة احتكار كلّ الأدوار الدينيّة بالتغوّل على اختصاصات الإفتاء".

ويختص الأزهر كمؤسسة إسلامية بتدريس العلوم الدينية وتنمية البحوث الإسلامية وحماية الدعوة الإسلامية والفكر الإسلامي من ما هو مخالف للشريعة الإسلامية وإصدار الفتاوى العامة التي تخص المسلمين في كافة بقاع العالم، بينما تختص دار الإفتاء المصرية بإصدار الفتاوى الشخصية للمصريين بناء على تواصلهم مع الإفتاء لأخذ الفتوى في حالاتهم الخاصة بكافة ملابساتها.

ورغم أنّ المركز ربّما يقوم بدور مهمّ في محاربة المنصّات الإلكترونيّة للفكر المتطرّف وفي جذب المتردّدين بين الاعتدال والتطرّف وتحسين صورة الإسلام، إلاّ أنّه لا يمكن تجاهل وجود منصّة مماثلة لدار الإفتاء، الأمر الذي يقلّل من أهميّة منصّة الأزهر الجديدة، خصوصاً أنّ جهود الإفتاء في ذلك الصدد حظيت بتقدير عالميّ دفع بالبرلمان الأوروبيّ في عام 2015 إلى اعتمادها كمرجعيّة للفتاوى الإسلاميّة.

x