نبض العراق

المزارع العراقيّ ومنتوجه يكافحان المستورد وفساد الزراعة

p
بقلم
بإختصار
إغراق السوق العراقيّ بالمنتوج الزراعيّ والغذائيّ الأجنبيّ، هو نتيجة لسياسة الإهمال المتعمّد للزراعة، وصفقات استيراد يشارك فيها مسؤولون، عبر منافذ حدوديّة متّهمة بتلقّي العمولات.

بغداد - افتتاح معبر طريبيل بين العراق والأردن، في مطلع أيلول/سبتمبر الحاليّ، وفتح معبر آخر مع السعوديّة، يتوقّع تدفّق أكثر للبضائع الأجنبيّة إلى السوق العراقيّة الخالية أصلاً من المنتوج الوطنيّ، لا سيّما السلع الغذائيّة والزراعيّة.

وهذا التطوّر الجديد الذي لا يصبّ في مصلحة الإنتاج المحلّيّ في العراق، يدفع لجنة الزراعة والمياه والأهوار البرلمانيّة في 14 آب/أغسطس 2014، إلى اتّهام وزارة الزراعة بسوء الإدارة والتخبّط في دعم المنتجات الزراعيّة الاستراتيجيّة، ممّا أدّى إلى تراجع الزراعة، بسبب إغراق السوق بالمنتجات المستوردة.

في موازاة ذلك، يحذّر الخبير في مجال الثروة الحيوانيّة محمّد المنصوري في 24 آب/أغسطس 2017 من "كارثة تلحق بالثروة الحيوانيّة والزراعة في العراق"، داعيّاً "الحكومة إلى العمل على تحقيق الأمن الغذائيّ".

غير أنّ مشاريع إفشال الزراعة في العراق تتعدّى كونها ناجمة عن سوء التخطيط والإدارة إلى "أجندة فاسدة تسعى إلى إبقائها متخلّفة كي يستمرّ الاستيراد"، بحسب عضو لجنة الزراعة والمياه والأهوار النيابيّة علي البديري في تصريحه إلى وسائل الإعلام في 24 آب/أغسطس 2017، إذ يقول إنّ "إفشال مشروع تحسين زراعة محصول الحنطة، هو مؤامرة بعدما أصبح خطراً يهدّد استثمارات الفاسدين".

يتجانس حديث البديري مع حديث رئيسة لجنة الزراعة في مجلس محافظة بابل سهيلة عبّاس إلى "المونيتور"، حيث أكّدت أنّ "إبقاء الأمن الغذائيّ مرتبطاً بالاستيراد لا يعود إلى مشاكل فنّيّة مثل الجفاف، وتخلّف تقنيّات الإرواء ومعالجة الأرض، إذ يمكن معالجة هذه المشاكل عبر خطط التنمية والتطوير، لكن هناك أسباباً سياسيّة تشترك فيها دول الجوار، وهي إبقاء العراق ضعيفاً غير قادر على الاكتفاء الذاتيّ في الغذاء، لكي يستمرّ الاستيراد".

وترى عبّاس أنّ "تطوير الإنتاج الزراعيّ في العراق ذي المساحات الشاسعة من الأراضي سوف يجعله يكتسح الأسواق الخليجيّة، والدول المجاورة الأخرى التي تنظر إلى تطوير الزراعة في العراق، باعتباره خطراً اقتصاديّاً يهدّد صادراتها".

وتؤكّد عبّاس أنّ هناك "سبباً داخليّاً يتعلّق برجال أعمال ومستوردين يمثّلون واجهات تجاريّة لشخصيّات وأحزاب سياسيّة سوف تتضرّر إذا توقّف الاستيراد من خارج البلاد، لأنّها هي من تحتكر هذه التجارة".

وجهة نظر عبّاس يتبنّاها مسؤولون عراقيّون في أعلى المستويات، فيتّهم وزير الصناعة محمّد شياع السوداني في تصريحات صحافيّة في 19 آب/أغسطس 2017، "تجّار وجهات إقليميّة ودوليّة، تسعى إلى السيطرة على سوق العراق، بوضع عراقيل أمام شراء المنتج الوطنيّ".

ويبدو الاهتمام العربيّ في التصدير إلى العراق، واضحاً في المعلومات المستقاة من دول الجوار، ففي 17 آب/أغسطس 2017 أفادت مصادر سوريّة استحواذ العراق على نحو 40% من صادرات سوريا، فيما اعتبرت مصادر إيرانيّة في 26 آب/أغسطس 2017 أنّ العراق سيبقى السوق الأكبر في المنطقة لـ15 سنة أخرى من حيث تصريف البضاعة الإيرانيّة، لا سيّما المواد الغذائيّة، فيما يعدّ العراق من أكبر مستوردي الحبوب في العالم وهي من الأطباق الأساسيّة اليومية على مائدة العائلة، ويستورد سنويّا أكثر من 30 مليون طنّ من القمح ومليون طنّ من الأرزّ.

وتقول عضو لجنة الزراعة والمياه والأهوار في البرلمان العراقيّ النائب شروق العبايجي لـ"المونيتور" إنّ "هناك سباقاً بين الدول الإقليميّة على فتح المعابر الحدوديّة مع العراق"، معتبرة أنّ "ضعف الإنتاج الزراعيّ في العراق، جعل البلاد سوقاً مفتوحة لمنتجات البلدان المجاورة، الأمر الذي أضرّ بالمزارع، وجعله يضرب عن الزراعة ويتّجه إلى أعمال أخرى لعدم قدرته على منافسة البضاعة الأجنبيّة".

وتابعت العبايجي: "أدّى ذلك إلى انتشار البطالة في الريف والمدينة على حدّ سواء". وتكشف العبايجي عن "فاسدين يتعمّدون تأخير واقع الزراعة في البلاد، ووصل بهم الأمر إلى استيراد بذور وسماد فاسد لأجل استمرار التصدير عبر المنافذ التي يتلقّون منها العمولات".

وزادت في الكشف: "الفساد في المنافذ الحدوديّة أدّى إلى تهريب المواشي الى خارج البلاد، مقابل استيراد لحوم من دون فحوص طبّيّة أو عمليّات رقابة".

وفقاً للأرقام الرسميّة التي كشفت عنها اللجنة الماليّة في مجلس النوّاب العراقيّ في 19 آب/أغسطس 2017، فإنّ العراق يخسر ثمانية مليارات دولار سنويّاً من الموازنة العامّة بسبب الابتزاز وإدخال البضائع في شكل غير رسميّ عبر المنافذ الحدوديّة.

وتتطلّب حماية المزارع العراقيّ وفق النائب العبايجي "القضاء على الفساد في صفوف القائمين على إدارة السياسة الزراعيّة في البلاد، والرقابة والتدقيق في المنافذ الحدوديّة، وتمكين المنتوج المحلّيّ من منافسة المستورد".

وتدعو العبايجي إلى "تطوير تقنيّات الريّ والزراعة الحديثة والتخزين الحديث، لضمان حفظ المنتج العراقيّ لأطول فترة ممكنة، ودعم البحوث الزراعيّة وتأهيل الفلّاحين لوسائل الزراعة المتطوّرة، ووضع القوانين التي تحقّق شروط المنافسة العادلة بين المستورد والمصدّر".

وترى العبايجي أنّه من الضروريّ "إقراض المزارعين بطريقة شفّاقة"، مذكّرة بأنّ "الفترة السابقة شهدت عمليّات تمويل لمشاريع زراعيّة فاسدة أدّت بالأموال إلى جيوب الفاسدين".

الجدير ذكره، أنّ قانون حماية المنتجات العراقيّة رقم 11 لسنة 2010 ينصّ على ضرورة تفادي سياسات إغراق الأسواق بالمنتجات المستوردة التي تدعمها الدول المصدّرة.

إلى ذلك، يؤكّد الأكاديميّ في الزراعة الدكتور عامر حبيب في حديثه إلى "المونيتور" "أهمّيّة تشجيع الاستثمار المحلّيّ في الزراعة، لأنّ ذلك يشغّل الأيدي العاملة، ويوفّر المنتوج الوطنيّ في الأسواق، بدلاً من الأموال الطائلة التي تصرف على الاستيراد".

في الوقت ذاته، يدعو حبيب إلى "تفعيل قوانين التعرفة الجمركيّة، التي تجعل المستورد خاضعاً إلى الضريبة، ممّا يجعله في محلّ تنافس عادل مع المنتج المحلّيّ".

يحتاج العراق، بعد تجربة مريرة مع الحروب التي أدّت إلى فوضى اقتصاديّة وأمنيّة، إلى تعزيز أمنه الغذائيّ، بتعزيز دور المزارع في توفير المنتج المحلّيّ، ذلك أنّ العراق الذي يمتدّ على مساحات شاسعة من الأراضي الزراعيّة وسط مياه وفيرة، يستورد الخضراوات والفواكه من دول تعتبر صحراويّة مثل السعوديّة والأردن.

عدنان أبو زيد مؤلف وصحافي عراقي. وهو حاصل على درجة في الهندسة التكنولوجية من العراق وعلى شهادة البكالوريوس في تقنيات وسائل الإعلام من هولندا.

x