نبض العراق

هل تسعى إيران إلى بسط نفوذها في المناطق السنيّة المحرّرة؟

p
بقلم
بإختصار
أثار افتتاح مدرسة في محافظة نينوى حملت اسم مؤسس الثورة الإسلاميّة الإيرانيّة روح الله الخميني جدلاً واسعاً داخل الأوساط الشعبيّة والسياسيّة في العراق، إذ اعتبره البعض محاولة استفزاز لمشاعر بعض العراقيّين.

بغداد - في 14 أيلول/سبتمبر الحاليّ، أعلن عن افتتاح مدرسة إبتدائيّة في ناحية برطلة بمحافظة نينوى بتمويل من الجمهوريّة الإسلاميّة الإيرانيّة، وحملت المدرسة اسم "مؤسّس الثورة الإسلاميّة" في إيران روح الله الخميني.

اسم الخميني بالنّسبة إلى سنّة العراق، خصوصاً في محافظة نينوى، يرتبط مباشرة بالحرب العراقيّة - الإيرانيّة 1980 - 1988، وإنّ صورة قائد الثورة الإسلاميّة السابق سوداويّة بالنّسبة إلى الناس هناك. ولذا ارتباط اسم المدرسة، التي افتتحت في محافظة سنيّة باسم الخميني، أثار ردود فعل غاضبة، حيث اعتبره ناشطون وسياسّيون من مدينة الموصل "استفزازاً" لمشاعر سكّان المحافظة ومحاولة لفرض أجندات إيرانيّة عبر هذه المؤسّسة.

المدرسة التي حملت اسم الخميني على اللاّفتة التي علّقتها في أعلى بنايتها، دوّنت في السجلاّت الرسميّة باسم مدرسة "الزهراء"، بحسب مدير قسم الأبنية المدرسيّة في مديريّة تربية محافظة نينوى حسين حامد. والسؤال هنا: لماذا الإصرار على اسم الخميني علانيّة؟

المستغرب أكثر من عمليّة إنشاء المدرسة وحملها اسم شخصيّة مثيرة للجدل بالنّسبة إلى غالبيّة العراقيّين، صمت وزارة التربية العراقيّة التي لم تبد حتّى الآن أيّ موقف من ذلك، رغم أنّ عائديّة المدرسة إليها، وهي على علم ببنائها. وفي هذا الإطار، أكّدت المتحدّثة باسم وزارة التربية العراقيّة سلامة الحسن خلال اتصال مع "المونيتور" أنّها لا تعلم بافتتاح مدرسة حملت اسم الخميني، رغم مرور أسبوع على ذلك وانتشار الخبر في وسائل الإعلام.

واعتبرت النائبة عن محافظة نينوى جميلة العبيدي وضع اسم الخميني في محافظتها "استفزازاً" لمشاعر سكّان المحافظة، خصوصاً أنّ فيها أغلبيّة من ضبّاط الجيش العراقيّ الذين شاركوا في الحرب العراقيّة – الإيرانيّة، وقالت لـ"المونيتور": "إنّ المدرسة التي موّلتها منظّمة خيريّة إيرانيّة كان يجب ألاّ تحمل اسماً سياسيّاً أو دينيّاً أو مذهبيّاً، فشخصيّة مثل الخميني تستفزّ مشاعر الناس في الموصل".

ورأى عدد من العراقييّن أنّ الخميني كان "سبباً" في مقتل آلاف العراقيّين، وأنّ الجمهوريّة الإسلاميّة الإيرانيّة لعبت دوراً "سلبيّاً" في العراق. وعلى هذا الأساس، اعتبروا وجود اسم قائد الثورة الإسلاميّة في محافظة سنيّة غير مبرّر.

من جهته، قال ناشط في المجال الإغاثيّ بمحافظة نينوى حكم الدليمي خلال مقابلة مع "المونيتور": "إنّ المدرسة التي حملت اسم الخميني، كان يجب أن تحمل اسم مقاتل عراقيّ حمل السلاح ضد ّالإرهاب، لا اسم شخصيّة غير عراقيّة، ولدى غالبيّة العراقيّين موقف سلبيّ منها". ولم يرفض حكم الدليمي هديّة المنظّمة التي ساهمت في إنشاء مدرسة بمحافظة نينوى، لكنّه "رفض" تسميتها باسم الخميني، واعتبرها "إذلالاً" للمدينة وسكّانها.

ورأى مسؤولون محليّون وشيوخ عشائر في محافظة نينوى أنّ خطوة افتتاح المدرسة "استفزازيّة"، وأبدوا مخاوفهم من افتتاح المدرسة التي موّلتها إيران وحملت اسم الخميني، واعتبروا ولاية الفقيه "خلفاً" للمصائب التي حلّت بالمحافظة التي تحرّرت أخيراً من تنظيم "داعش".

وفي هذا السياق، قال القنصل الإيرانيّ في إربيل مرتضى عبادي ومدير مدرسة الخميني كاظم ياسين في تصريحات صحافيّة: "إنّ تأسيس المدرسة بدأ قبل سيطرة تنظيم داعش على مدينة الموصل في 10 حزيران/يونيو من عام 2014، ولم تأت فكرتها بعد تحرير المدينة".

لقد ضمّت المدرسة 12 صفّاً دراسيّاً، وحملت هذه الصفوف أسماء أئمّة الشيعة الإثني عشر المعصومين. وبحسب قناة العالم الإيرانيّة، فإنّ العلوم الإسلاميّة ستدرّس في هذه المدرسة لتخريج جيل جديد "يحمل فكر" الخميني.

وهدّد المتحدّث باسم العشائر العربيّة في محافظة نينوى مزاحم الحويت باتّخاذ موقف من افتتاح المدرسة التي حملت اسم الخميني، وحمّل مجلس محافظة نينوى ما أسماه بالمسؤوليّتين "الأخلاقيّة والقانونيّة" عن افتتاح المدرسة.

وأبدت أطراف شيعيّة، لا سنيّة فقط، مخاوفها من تأثيرات افتتاح مدرسة باسم الزعيم الإيرانيّ روح الله الخميني، وحذّرت من "دفع" أنهار من الدماء بسبب هذه الخطوة. وقال ممثّل الشبك في مجلس النوّاب العراقيّ النائب محمّد سالم في بيان صحافيّ: "هناك ضرورة لمنع كتابة الأسماء التي تكون سبباً في استهداف الشبك. ولذا، نعارض تسمية مدرسة "خزنة تبّة" الشبكيّة التابعة لناحية برطلة باسم الخميني".

إنّ فكرة إنشاء المدرسة لم تكن بعد عمليّات تحرير نينوى، فقبل سيطرة تنظيم "داعش" على مدينة الموصل في 10 حزيران/يونيو من عام 2014 بأسبوع أوقف مدير ناحية برطلة إنشاء مدرسة تحمل اسم الخميني. وعزا محافظ نينوى آنذاك أثيل النجيفي أسباب الإيقاف إلى عدم وجود موافقات رسميّة على عمليّة البناء، لافتاُ إلى أنّ "اختيار اسم الخميني في نينوى مقصود لإثارة الفتنة داخل المحافظة".

تحاول إيران الولوج داخل المجتمعات السنيّة بعد عمليّات التحرير للحصول على تأييد شعبيّ أو سياسيّ لمواقفها ومصالحها داخل العراق، مثلما فعلت وتفعل في المناطق الشيعيّة التي تمتلك فيها نفوذاً كبيراً. وسبقت خطوة بناء المدرسة، خطوات افتتاح مكاتب للأحزاب والفصائل الشيعيّة المسلّحة في المناطق السنيّة المحرّرة، وهو ما اعتبر حينها محاولة نشر التشيّع السياسيّ في تلك المناطق.

وانتشرت في أوقات سابقة بوسط بعض شوارع العاصمة العراقيّة بغداد، صور روح الله الخميني، كما سمّي العام الماضي شارع في محافظة البصرة باسمه. ولقد سبق أن أثارت تسمية شارع المطار في مدينة النّجف الشيعيّة باسم الخميني ردود فعل احتجاجيّة واسعة بين العراقيّين شيعة وسنّة.

والحال، إنّ افتتاح المدرسة في منطقة تنوّع ديموغرافيّ، قد يسهم في خلق حالات من التشنّج والاستفزاز بالنّسبة إلى بعض مكوّنات تلك المنطقة، وهو ما يدفع إلى إحتمال نشوب مشاكل مجتمعيّة نتيجة ذلك.

وفي المحصّلة، إنّ أيّ عمليّة استهداف من متطرّفين أو مواطنين للمدرسة بسبب اسمها، ستثير مشاكل أمنيّة وطائفيّة قد يعتبرها البعض استهدافاً لمكوّن بعينه، فالخميني الذي يعتبر قائد ثورة إسلاميّة لدى الشيعة يعتبره سنّة العراق "مجرم" حرب قتل الآلاف منهم.

مصطفى سعدون هو صحفي عراقي معني بصحافة حقوق الانسان، ومؤسس ومدير المرصد العراقي لحقوق الانسان. عمل مراسلاً في مجلس النواب العراقي.

x