نبض العراق

كرة القدم تعود إلى الموصل بعد 3 سنوات على منعها

p
بقلم
بإختصار
بعد مرور 3 سنوات على منع تنظيم "داعش" سكّان الموصل من ممارسة لعبة كرة القدم، تمكّن القائمون على اللعبة من إعادتها إلى المدينة، وإن لم تلب طموحهم.

الموصل – العراق: على مستطيل أخضر تأثّر بالقذائف الصاروخيّة، وملعب تحيط به الأبنية المهدّمة، ومدرّجات جمهور غير صالحة للجلوس، ومع عدد قليل من المشجّعين، أقيمت مباراة كرة القدم الجماهيريّة الأولى بين نادييّ الموصل وشرطة نينوى في 29 آب/أغسطس الماضي داخل المدينة المحرّرة، فبعد 3 سنوات على منع لعبة كرة القدم في الموصل من قبل تنظيم الدولة الإسلاميّة المعروف باسم "داعش"، عادت اللعبة الأكثر شعبيّة في العالم إلى المدينة التي كان يتّخذها التنظيم عاصمة له.

وقال نشوان الحمداني، وهو من سكّان مدينة الموصل، خلال مقابلة مع "المونيتور": "أشعر بأنّ شيئاً غريباً أراه أمامي، فمنذ 3 سنوات لم تشهد أرضنا إقامة مباراة لكرة القدم". عندما سيطر "داعش" على مدينة الموصل في 10 حزيران/يونيو من عام 2014، فرض عقوبات كبيرة على من يمارس لعبة كرة القدم وصلت إلى حدّ الإعدام، الذي كان في مرّة ما من نصيب 6 أطفال.

وبعد 40 يوماً على تحرير المدينة، أقيمت المباراة الأولى شبه الرسميّة بكرة القدم بين فريقيّ الموصل وشرطة محافظة نينوى على ملعب نادي جامعة الموصل. ويعود سبب إقامة المباراة على ملعب نادي الجامعة، وليس على ملعب نادي الموصل الأساسيّ، لتعرّض الأخير للدمار الكبير، نتيجة العمليّات العسكريّة التي شنّت على تنظيم "داعش" لتحرير المدينة منه.

ولم تكن المباراة التي أقيمت بين فريقيّ نادي الموصل وشرطة محافظة نينوى هي الأولى بعد تحرير المدينة، بل سبقتها مباريات على مستوى الفرق الشعبيّة في الملاعب الصغيرة داخل الأحياء المدمّرة.

وفي هذا الصدد، قال أحمد الحريثي، وهو مدير إعلام نادي الموصل، أحد طرفيّ المباراة، خلال مقابلة مع "المونيتور": "هذه المباراة هي الأولى لنادي الموصل بعد سيطرة تنظيم داعش على المدينة في عام 2014، ولن تكون الأخيرة".

وشارك عدد من نجوم نادي الموصل في بطولات ومباريات سابقة أقيمت خلال الأشهر الماضية ضمن إطار الفرق الشعبيّة، والتي كانت تحضيراً لإقامة مباراة رسميّة لنادي المدينة.

وأبدى قادة أمنيّون ومسؤولون حكوميّون في مدينة الموصل خلال حضورهم المباراة رغبتهم في دعم إعادة الحياة الرياضيّة إلى المدينة، واعتبروا لقاء فريقيّ الموصل وشرطة نينوى بداية مسابقات كرويّة بعد التحرير.

لا يمكن حتّى اللحظة استعادة نشاط الحركة الكرويّة في مدينة الموصل مثلما كانت قبل دخول تنظيم "داعش" إليها خلال عام 2014، في ظلّ ما تعيشه المدينة من تردٍّ في الخدمات وأوضاع إنسانيّة صعبة وعدم عودة فريقها حتّى الآن إلى المشاركة في البطولات الوطنيّة الرسميّة.

والتقى لاعبون من نادي الموصل وشخصيّات كرويّة من المدينة قبل أسابيع رئيس الإتحاد العراقيّ لكرة القدم عبد الخالق مسعود، وتحدّثوا معه عن ضرورة دعم أندية اللعبة هناك، وتلقّوا "وعوداً إيجابيّة" منه، بحسب أحمد الحريثي.

وينتظر رياضيّو مدينة الموصل عودة الملاعب والمنشآت الرياضيّة إلى العمل من جديد، بعدما تضرّر وتهدّم بعضها بسبب العمليّات العسكريّة، واستخدمها تنظيم "داعش" مقرّات وأماكن تدريب مسلّح. وقال مدرّب نادي الموصل محمّد فتحي لـ"المونيتور": "إنّ البنية التحتيّة للنادي والمنشآت الكرويّة تحتاج إلى إنقاذ من الحكومة العراقيّة، فالرياضة، وكرة القدم خصوصاً، يجب أن تعود إلى المدينة".

وبما أنّ مقرّات المؤسّسات الرياضيّة الكرويّة بغالبيّتها في الساحل الأيمن من مدينة الموصل، فإنّ نسبة كبيرة منها تعرّضت للضرر بما فيها نادي الموصل الرياضيّ، على اعتبار أنّ الدمار الذي لحق بمناطق غرب الموصل (الساحل الأيمن) أكبر ممّا كان عليه في نظيره الأيسر.

من جهته، قال العضو في إعلام ممثليّة اللجنة الأولمبيّة الوطنيّة العراقيّة بمحافظة نينوى أحمد غصوب خلال مقابلة مع "المونيتور": "إنّ المنشآت الكرويّة الصالحة للعمل في مدينة الموصل تبلغ 40 في المئة فقط". وإنّ النّسبة التي أعلن عنها محمّد فتحي، في وقت سابق، أكبر من التي تحدّث عنها أحمد غصوب، فالأوّل قال إنّها وصلت إلى 90 في المئة، بينما الثاني قال لـ"المونيتور": "60 في المئة".

ويسعى القائمون على المباراة شبه الرسميّة التي أقيمت أخيراً، إلى إقامة مباريات أخرى خلال الفترات المقبلة، لتكون بدايات تأسيسيّة تعيد الحياة الرياضية والكرويّة تحديداً إلى المدينة التي مُنعت منها أكثر من ألف يوم.

وتبدو هناك صعوبة في إعادة إعمار كلّ المنشآت الرياضيّة في الموصل خلال السنوات القليلة المقبلة، فالمدينة التي وصلت نسبة الدمار فيها إلى 80 في المئة، ستحتاج إلى مليار دولار لإعادة إعمار البنى التحتيّة الأساسيّة فيها، وقد لا تُعتبر المنشآت الرياضيّة من ضمنها.

ورغم أنّ هناك صعوبة كبيرة في إعادة إعمار وتأهيل البنى التحتيّة الرياضيّة في الموصل، إلاّ أنّ لعبة كرة القدم ستمارس في كلّ مكان، فهي اللعبة الأكثر شعبيّة ويمكن للفرق المحليّة هناك خلق مساحات للّعب من الركام.

وبالنّسبة إلى رياضيّي مدينة الموصل، فإنّهم يريدون رؤية نادي مدينتهم يلعب من جديد في المسابقات الوطنيّة المهمّة ويشغل مكاناً له بين الأندية الجماهيريّة، فوجوده في الدوريّ الممتاز العراقيّ مع الفرق الكبيرة، يشكّل حافزاً أساسيّاً يُسهم في كشف مواهب كرويّة جديدة.

وتحدّث فتحي الذي يدرّب نادي الموصل لكرة القدم، بشيء من الحزن عمّا آل إليه وضع نادي الموصل الرياضيّ والخراب الذي لحق به بسبب تنظيم "داعش"، وتمنّى أن "يرى فريقه يعاود اللّعب من جديد في الدوريّ العراقيّ الممتاز على أرض مدينة الموصل".

مصطفى سعدون هو صحفي عراقي معني بصحافة حقوق الانسان، ومؤسس ومدير المرصد العراقي لحقوق الانسان. عمل مراسلاً في مجلس النواب العراقي.

x