نبض مصر

الجيش المصريّ يوسّع عمليّات هدم المنازل في رفح... والأهالي: "تركونا في العراء من دون سابق إنذار"

p
بقلم
بإختصار
الجيش المصري يوسع من عمليات تجريف منازل المواطنين في مدينة رفح المصرية ضمن خطة أنشاء منطقة عازلة مع غزة، في حين يشتكي الأهالي من الإجراءات التعسفية وعدم توفير مساكن بديلة تحميهم من العراء.

بدأت قوّات الجيش المصريّ في 4 تشرين الأوّل/ أكتوبر الجاري، توسيع عمليّات إزالة منازل المدنيّين وهدمها في مدينة رفح المصريّة، تحت مسمّى المرحلة الثالثة من إنشاء المنطقة الحدوديّة العازلة مع قطاع غزّة. ويعمل الجيش المصري منذ أكتوبر 2014 على إنشاء منطقة عازلة على طول الشريط الحدودي مع قطاع غزة في إطار تبنيهم خطة أمنية للقضاء على الأنفاق التي تستخدم في التهريب بين قطاع غزة وسيناء، كما تتهم الحكومة المصرية حركة حماس باستخدامها الأنفاق من الحين إلى الآخر في تنفيذ أعمال إرهابية ضد مصر.

وأكّد محافظ شمال سيناء اللواء العسكريّ عبد الفتّاح حرحور، في تصريحات صحافيّة حصل "المونيتور" على نسخة منها، أنّ المرحلة الثالثة يبلغ امتدادها 500 متر إضافيّة، لتمتدّ المنطقة العازلة إلى 1500 متر، بعرض ما يقارب الـ13 كيلومتراً، حيث سبق تنفيذ الإزالة في المرحلتين الأولى والثانية لمسافة 500 متر لكلّ مرحلة.

ويقول حرحور أنّ المرحلة الثالثة تأتي في إطار حفظ قوّات الجيش للأمن القوميّ المصريّ ومواجهة الإرهاب المتسلّل إلى سيناء من قطاع غزّة عبر الأنفاق.

وسادت حالة من الغضب الشعبيّ في سيناء عقب تصريحات حرحور، فاتّهم الأهالي الحكومة بالتلاعب بقضيّة الإرهاب لتهجيرهم مقابل مصالح سياسيّة، بحسب تأكيد المواطن م. أ.، وهو أحد السكّان المشمولين في قرار التهجير الجديد في حديثه إلى"المونيتور"، حيث قال: "كيف يجتمع الجيش والمخابرات المصريّة مع حماس في قطاع غزّة، وفي الوقت ذاته يطردوننا من منازلنا بحجّة إقامة منطقة عازلة تحمي مصر من حماس التي ترسل إرهابيّين إلى سيناء عبر الأنفاق"؟

ويضيف م. أ.: "الجيش قد هدم المنازل المجاورة للحدود وهجّر الآلاف من السكّان في المرحلتين الأولى والثانية بامتداد 1000 متر، وساوى منازلهم بالأرض، وحولها إلى ثكنات عسكرية لا يستطيع أحد الاقتراب منها نتيجة الإجراءات العسكرية المشددة وأطلاقهم النيران والقذائف العشوائية طوال الليل في كلّ الاتّجاهات المحيطة، فكيف يعبر الإرهابيّون من الأنفاق والجيش يسيطر على هذه المنطقة الحدودية التي كانت تمر الأنفاق من تحتها؟ ولماذا يهتمّ الجيش بهدم منازلنا ويحاصرنا ولا نستطيع التحرّك إلى أيّ مكان، في حين أنّ الإرهاب يتحرّك بحرّيّة في وسط مدينة العريش، عاصمة شمال سيناء ووسط كلّ المقرّات الأمنيّة، ويكون الردّ تهجير سكّان رفح على بعد خمسين كيلومتراً من هجمات الإرهابيّين"؟

ويقول م. أ. إنّ قوّات من الجيش مشكّلة من مدرّعات عسكريّة ودبّابات وجرّافة عسكريّة حاصرت منزله ومنازل جيرانه في شكل مفاجئ ومن دون سابق إنذر، في ساعات مبكرة من صباح 5 تشرين الأوّل/أكتوبر الجاري، واقتحمت منزله وأبلغته بالخروج فوراً من المنزل هو وزوجته وأطفاله لهدم منزله. ويضيف: "حاولت أن أطلب منها فرصة للحصول على بعض ممتلكاتنا، إلّا أنّ أحد الجنود هدّدني باعتقالي واتّهامي بإيواء إرهابيّين في منزلي".

ويتابع م. أ. قائلاً: "بكيت في هذه اللحظة بحسرة عندما شاهدت الجرّافة تهدم منزلنا بسهولة، في حين أنّني بذلت أكثر من عشرة سنوات لبنائه. بكيت لأنّني لا أستطيع أن أدافع عن نفسي وأطفالي وذكرياتنا والمكان الوحيد الذي نملكه، نحن لا نستطيع أن نجد مكاناً آمناً ننام فيه، فلم يعد لدينا منزل أو حتّى وطن يحمينا".

وتعد أكبر مشكلة تواجه الألاف المهجرين من رفح عدم استطاعتهم توفير سكن بديل، فأتجه المئات إلى بناء أكواخ من بقايا متعلقاتهم المنزلية وجريد النخيل، في مناطق صحراوية بمحيط كل من مدن الشيخ زويد ورفح والعريش. إلا أن تواجدهم في هذه المناطق يعرضهم للخطر لخضوعها إلى عمليات تمشيط عسكرية وأطلاق قذائف عشوائية بين قوات الجيش وإرهابي ولاية سيناء (داعش) المستمرة من 2013 وحتى الآن.

وبعكس المرحلتين الأولى والثانية من المنطقة العازلة التي دفعت خلال تنفيذهما الحكومة المصريّة تعويضات ماليّة إلى أصحاب المنازل المهجّرة قسراً، وعلى الرغم من انتقادات الأهالي حينها من عدم جدوى التعويضات، إلّا أنّه لا توجد حتّى الآن أيّ مؤشّرات إلى وجود تعويضات من عدمه للمهجّرين في المرحلة الثالثة، حيث يقول س. ر. لـ"المونيتور": "جاء إلى منزلنا ضابط وعدد من الجنود المشاة، في صباح 5 تشرين الأوّل/أكتوبر، وطلبوا منّا ترك منزلنا خلال مدّة خمس ساعات، وسألتهم أين نذهب وليست لدينا أيّ نقود تساعدنا على الانتقال أو التحرّك إلى أيّ مكان؟ وكان ردّ الضابط أنّ ذلك ليس من اختصاصه، وليست لديه أيّ تعليمات بوجود تعويضات حتّى الآن".

وأضاف س. ر.: "حاولت أسرتي وأنا في قدر الإمكان نقل أمتعتنا إلى خارج المنزل وزجّها بهلع، فالوقت غير كافٍ. ما زلنا نجلس في العراء، ولا نملك غير البكاء والشكوى إلى الله، وأتذكّر كيف كانت حياتنا عندما كنّا نملك مزرعة من الفاكهة تدرّ لنا دخلاً يضمن لنا حياة كريمة، إلّا أنّ الجيش جرفها العام الماضي، ووصل بنا الحال إلى ألّا نجد طعاماً في منزلنا".

يتابع س. ر.: "لم نملك في منزلنا طعاماً منذ أربعين يوماً، وصل بنا الحال إلى أن نأكل مخزون حبوب الشعير الذي كان يستخدمه والدي في إطعام حماره، مع بعض أوراق شجرة العنب الموجودة في فناء منزلنا، لم يكن أمام زوجتي إلّا سلق أوراق العنب على النار التي تشعلها باستخدام بقايا أشجار مزرعتنا التي جرفت، فليس لدينا غاز أو مواد بتروليّة أو كهرباء نستخدمها في الطهي أو الاستخدامات المنزليّة الأخرى".

رفضت والدة س. ر. الحديث عن تجربتها لـ"المونيتور"، قائلة: "ملوش لازمة الكلام، لكن أكثر شيء وجّعنا أن يطردونا ويحرمونا من بلادنا في ذكرى انتصارات حرب أكتوبر... من أربعين سنة، بيقولوا أنّ الحرب من أجل تحرير سيناء، واليوم شفنا الانتصار اللي بيقصدوه، والله كان مفروض سابونا تحت الاحتلال بس نظلّ عايشين في مكان يحمي أولادنا من العراء... كان وفّروا دم الغلابة اللي ماتوا في الحرب ووفّروا حرقة قلوبنا والحقد اللي حطّوه جوّانا اليوم".

ومن جانبه، أكّد أحد الصحافيّين المحلّيّين في شمال سيناء لـ"المونيتور" تلقّيه اتّصالاً من إحدى الجهات الأمنيّة تهدّده بالاعتقال بتهمة الترويج للجماعات الإرهابيّة ونشر أخبار كاذبة، في حال التقط أيّ صور أو نقل قصص المواطنين ومعاناتهم من عمليّات التهجير، مضيفاً: "للأسف، لا أستطيع نقل معاناة الناس في ظلّ تهجيرهم قسراً، والمؤسف أنّها من دون سابق إنذار أو خطط حكوميّة لإعادة تأهيل المهجّرين وتوفير حاجاتهم ودمجهم في المجتمع".

وفي سياق متّصل، يؤكّد أهالي مدينة رفح الواقعة على الحدود الدوليّة المصريّة مع قطاع غزّة، تعرّضهم إلى حصار خانق من قبل قوّات الجيش منذ قرابة الشهرين وحتّى الآن، حيث أغلقت قوّات الجيش كلّ الطرق المؤدّية إلى رفح، ومنعت دخول البضائع والمنتجات الغذائيّة والأدوية والمواد البتروليّة. كما منعت تحرّك السيّارات المدنيّة أو أيّ وسائل مواصلات أمام المواطنين، بحسب ما رصده "المونيتور" من شهادات متعدّدة من سكّان مناطق وقرى مختلفة في رفح.

وفتحت قوّات الجيش ممرّاً عبر الطريق الدوليّ أمام السيّارات لتصل إلى المرحلة الثالثة من عمليّات الإخلاء، في صباح 5 تشرين الأوّل/أكتوبر الجاري، بهدف خروج المهجّرين، في حين منعت دخول البضائع أو أيّ مستلزمات يحتاجها قاطنو المناطق الأخرى ممّن بقوا في مدينة رفح وقراها خارج نطاق المرحلة الثالثة. ويذكر أنّ مدينة رفح هي بامتداد ما يقارب الـ8 كيلومترات من الحدود المصريّة مع قطاع غزّة وحتّى مدينة الشيخ زويد، التي تشتدّ فيها الحرب بين قوّات الجيش المصريّ وإرهابيّي ولاية سيناء، أحد فروع تنظيم "داعش".

ويتّهم الأهالي الحكومة المصريّة والمؤسّسات الإعلاميّة والحقوقيّة بالتقصير في عدم متابعة معاناتهم لأكثر من أربعة سنوات من الحرب التي تشنّها قوّات الجيش المصريّ على الإرهاب، ويرى الأهالي أنّهم يتعرّضون إلى الانتهاكات من قوّات الجيش والإرهاب على حدّ سواء.

x