نبض الخليج

الملك سلمان يذهب إلى روسيا

p
بقلم
بإختصار
زيارة الملك سلمان إلى روسيا هي الأولى لعاهل سعودي، لكنها قد تُحاط بالكثير من المظاهر الخارجية من دون جوهر حقيقي.

تؤشّر زيارة الدولة غير المسبوقة التي يقوم بها الملك سلمان إلى روسيا إلى سعيٍ جديد للحصول على المساعدة في السياسة الخارجية للمملكة التي ترزح تحت وطأة المأزق في اليمن والتراجع في مواجهة الخصم الإقليمي، إيران. للرياض علاقة طويلة ومتعرّجة مع موسكو يريد الملك أن يُعيد رسم معالمها. لكن غالب الظن أن سلمان الذي وصل إلى موسكو ليل الأربعاء، سيحصل على تعاطف أكثر منه على خطوات فعلية.

كان الاتحاد السوفياتي من أوائل الدول التي اعترفت بالسعودية بعدما قام مؤسّس المملكة، الملك عبد العزيز آل سعود، بغزو الحجاز وانتزاع السيطرة عليها من قبضة الهاشميين الموالين لبريطانيا. في العام 1927، افتُتِحت سفارة سوفياتية في جدة. رأى الشيوعيون في السعوديين تياراً مناهضاً للإمبريالية، وكان السعوديون يبحثون عن حلفاء ضد البريطانيين. زار نجل الملك، الأمير فيصل، روسيا في العام 1932 والتقى مسؤولين سوفيات كباراً، إنما لم يكن جوزف ستالين بينهم. في العام 1938، سحب ستالين البعثة السوفياتية من المملكة وأعدم جميع أعضائها في إطار حملة تطهير واسعة النطاق في الحزب الشيوعي. ولم تتجدّد العلاقات بين البلدَين إلا بعد انتهاء الحرب الباردة في العام 1990.

كان السعوديون محاربين شديدي الحماسة في الحرب الباردة، فكانوا يرسلون الأموال إلى المتمردين المناهضين للسوفيات بدءاً من نيكاراغوا وصولاً إلى أنغولا. كانت أفغانستان المحور، حيث تحالفَ جهاز الاستخبارات السعودي مع وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية (سي آي أيه) والجواسيس الباكستانيين لدعم المجاهدين. تولّى الملك سلمان، الذي كان لا يزال أميراً آنذاك، رئاسة لجنة مهمتها جمع الأموال من جهات خاصة لإرسالها إلى الأفغان. وقد جمع مئات ملايين الدولارات من الأسرة المالِكة وسواها من السعوديين الأثرياء دعماً للأموال الحكومية التي تدفّقت من واشنطن والرياض عن طريق إسلام أباد إلى المجموعات القتالية.

منذ الحرب الباردة، حاول السعوديون مرات عدة إقامة علاقة وطيدة مع روسيا. وبُذِلت جهود لبناء علاقة في مجال مبيعات الأسلحة، ووضع برنامج لتشارُك التكنولوجيا النووية. على الرغم من المحاولات المتكرّرة، لم يُنفَّذ الكثير. لقد فشلت المبادرات الموعودة في تحقيق النتائج المنشودة. الاتفاق الأكثر ديمومة كان العمل بصورة مشتركة للحد من الصادرات النفطية، لكنه فشل في دفع الأسعار نحو الارتفاع، ولذلك يعاني الاقتصاد في البلدَين من مشقّات. فكلاهما لا يمتلكان قدراً كافياً من الرساميل لاستثمارها.

منذ العام 2014، برهنت روسيا، من خلال الساحة السورية، أنها مستعدّة لإظهار قوتها العسكرية في المنطقة ودعم زبائنها. لقد أصيب السعوديون بخيبة أمل شديدة بسبب بقاء نظام بشار الأسد في سدّة الحكم، بعدما كانوا قد أمِلوا بأنه الحلقة الضعيفة في التحالفات الإقليمية لإيران. سوف يرغب الملك في أن يسمع من الرئيس فلاديمير بوتين كلاماً عن طبيعة الخطة التي وضعتها روسيا للإفادة من النصر الذي تحققه في سوريا. لقد أنفق السعوديون المليارات في سوريا، ولم تسفر جهودهم عن أية نتيجة.

كانت روسيا البلد الوحيد الذي امتنع عن التصويت على قرار مجلس الأمن الدولي الذي تستخدمه الرياض لتبرير حربها في اليمن المستمرة منذ عامَين ونصف العام. لقد اعتبر الروس أن القرار غير متوازن وغير قابل للتنفيذ. وتبيّن أنهم محقّون في رأيهم هذا. إلا أن روسيا لا تُمارس تأثيراً يُذكَر لدى المتمردين الحوثيين، ولا يسعها سوى أن تقدّم حسن نواياها لمساعدة الملك على الإفلات من الخطأ الأكبر الذي ارتكبه. واقع الحال هو أن إيجاد سبيل للخروج من المستنقع اليمني يحتاج إلى قرارات في الرياض، وليس في موسكو.

لن تجد المخاوف السعودية من تدخّل إيران في المنطقة ودعمها للميليشيات الشيعية، مثل الحوثيين و"حزب الله"، أصداء قوية في روسيا. تتمتّع طهران بعلاقات جيدة إلى حد كبير مع موسكو، وتتعاون الدولتان عن كثب، ما يترك الرياض من دون ورقة ضاغطة في يدها في هذا المجال. وفي العراق، انخرط الملك السعودي هذا العام بطرق جديدة ومبتكرة، ويمكن أن يبحث أيضاً عن وسائل للتعاون مع روسيا؛ غير أن إيران تحتفظ باليد العليا في بغداد.

نظراً إلى أن سلمان هو أول عاهل سعودي يزور روسيا، من شأنه أن يترك الطابع الرمزي يطغى على الخطوات الملموسة. لقد أظهر الروس حماسةً للزيارة السعودية وحدّدوا في العلن أهدافاً طموحة. تُصوَّر الزيارة بأنها تأتي متابعةً للزيارة التي قام بها محمد بن سلمان، الذي أصبح ولياً للعهد، إلى موسكو في أيار/مايو الماضي. وسوف يكون من السهل إحاطتها بمظاهر استعراضية.

تساهم زيارة الملك أيضاً في إرساء توازن رمزي في مقابل الحفاوة الشديدة الحماسة التي خصّ بها العاهل السعودي الرئيس دونالد ترامب الربيع الماضي. تلك الزيارة كانت حافلة أيضاً بالمظاهر الاستعراضية المفرطة من دون إنجازات جوهرية تُذكَر. لم يجرِ التوقيع على أي صفقات لبيع الأسلحة على الرغم من الوعود الرنّانة الكثيرة. وجاء الخلاف مع قطر ليُجهز على الفور على المشهد المذهل للوحدة الإسلامية ضد إيران. لقد خاب ظن السعوديين خلف الكواليس من إخفاق إدارة ترامب في إرغام قطر على الرضوخ لمطالبهم. نظراً إلى علاقة ترامب الغريبة ببوتين، ثمة خطرٌ بأن يكون للولايات المتحدة رد فعل قوي على التقارب مع الروس.

تسلّط زيارة الملك الضوء على دوره الأساسي المستمر في عملية الانتقال إلى جيل أصغر سناً في القيادة السعودية. لا يجب التقليل من شأن سلمان الذي غالباً ما يُنظَر إليه بأنه مجرد أداة لارتقاء نجله إلى السلطة. ترتدي سلطة سلمان وشرعيته، باعتبارهما رمزاً من رموز الاستمرارية مع مؤسس المملكة وأبنائه، أهمية حيوية لتحقيق انتقال سلس إلى الجيل المقبل. وزيارته إلى روسيا هي الأحدث في برنامجٍ من الزيارات قاده إلى القيام بسلسلة واسعة من الرحلات إلى الخارج لإبراز العلَم السعودي. وعبر القيام بذلك، يعزّز الملك من احتمالات حدوث انتقال مستقر للسلطة.

x