نبض فلسطين

الأردن يستثني المستثمرين الفلسطينيّين من التسهيلات الاقتصاديّة

p
بقلم
بإختصار
أعلن الأردن استثناء رجال الأعمال الفلسطينيّين المقيمين في الضفّة الغربيّة، من التسهيلات التي منحها إلى المستثمرين الأجانب. وجاء هذا الاستثناء لاعتبارات عدّة لم يوضحها، ويتزامن المنع الأردنيّ للتجّار ورجال الأعمال الفلسطينيّين من التسهيلات، مع الحديث الإسرائيليّ عن كونفدراليّة أردنيّة-فلسطينيّة من جهة، ومن جهة أخرى مع كون المستثمرين الفلسطينيّين لديهم مشاريع اقتصاديّة ضخمة في الأردن، ممّا يجعل القرار الأردنيّ مثار استغراب ودهشة. تناقش هذه المقالة القضيّة، لمعرفة تفاصيلها، وخلفيّاتها، والنتائج المتوقّعة لها.

قال مصدر أردنيّ رسمي في 23 أيلول/سبتمبر إنّ حكومته استثنت رجال الأعمال الفلسطينيّين المقيمين في الضفّة الغربيّة، من التسهيلات الخاصّة بالمستثمرين الأجانب، المتعلّقة بتبسيط إجراءات الاستثمار، واختصار زمن الحصول على الموافقات اللازمة، من دون توضيح سبب هذا الاستثناء.

وأضاف ذات المصدر الأردني الرسمي، الذي أخفى هويّته، لوكالة "قدس برس"، أنّ المستثمرين الفلسطينيّين لن يتمكّنوا بعد حرمانهم من هذه التسهيلات من إقامة مشاريع خاصّة بهم في الأردن، بسبب التعقيدات التي سيواجهونها عند طلب الحصول على ترخيص لإقامة مشروعهم.

وكان رئيس الوزراء الأردنيّ هاني الملقي أعلن في 3 آب/أغسطس عن إصدار موافقة أمنيّة واحدة للمستثمر الأجنبي تكفي لأيّ إجراء أو خدمة يحتاجها لاستثماره، وإقامته في المملكة.

قال مسؤول في وزارة الاقتصاد الوطنيّ الفلسطينيّة، أخفى هويته، لـ"المونيتور" إنّ "السلطة الفلسطينيّة لا تتدخّل في قرارات الأردن كدولة سياديّة، لكنّ المستثمرين الفلسطينيّين قد يبحثون عن الأردن كدولة مشجّعة على الاستثمار، ومحفّزة لضخّ الأموال فيها، لأنّهم يعانون إشكاليّات استثماريّة في الأراضي الفلسطينيّة، كانخفاض درجة الثقة في الاقتصاد الفلسطينيّ، وانحسار التجارة مع إسرائيل، وصغر حجم السوق الفلسطينيّ، وارتفاع أسعار الأراضي والتسهيلات المصرفيّة المحدودة، وهي كلّها عوامل قد يرون أنّها طاردة للاستثمار، مع أنّ وزارة الاقتصاد تبذل جهوداً حثيثة لتحسين البيئة الاستثماريّة الفلسطينيّة".

اللافت أنّ القرار الأردنيّ صدر بالتزامن مع اتّفاق وزيرة الاقتصاد الوطنيّ الفلسطينيّ عبير عودة مع نظيرها الأردنيّ يعرب القضاة في 26 أيلول/سبتمبر، على إنشاء شركة أردنيّة فلسطينيّة مشتركة لتصدير المنتجات، وإزالة معوقات التجارة وتحفيز القطاع الخاصّ لإقامة مشاريع استثماريّة مشتركة، معلنة أنّ حجم التجارة بين البلدين بلغ 200 مليون دولار في عام 2016 بزيادة بلغت 19% عن عام 2015.

وقال أستاذ الاقتصاد في جامعة بيرزيت في رام الله نصر عبد الكريم لـ"المونيتور" إنّ "القرار الأردنيّ تقف خلفه اعتبارات سياسيّة تتعلّق بمحاولة الأردن عدم تسهيل نزوح الفلسطينيّين إليه من الضفّة الغربيّة، مع تزايد الأحاديث الإسرائيليّة عمّا تسمّيه الخيار الأردنيّ والوطن البديل، بدلاً من إقامة الدولة الفلسطينيّة، وربّما بسبب خوف الأردن وقلقه من خيار الكونفدراليّة مع الفلسطينيّين، في ظلّ أنّ المملكة معنيّة بمصالحها الاستراتيجيّة، والأغلب أنّ ما يقف خلف القرار هو اعتبار سياسيّ يتعلّق برؤية الأردن للحلّ النهائيّ مع الفلسطينيّين".

وأضاف أنه "إلى جانب الاعتبارات السياسيّة للقرار الأردنيّ، فهناك أبعاد اقتصاديّة للقرار تتمثّل في الإبقاء على استثمارات رجال الأعمال الفلسطينيّين داخل فلسطين، ودعم صمودهم، ورغبة المملكة في إدارة اقتصادها بأقلّ قدر من المنافسة في السوق المحلّيّ الأردنيّ، على الرغم من أنّ الاستثمارات الفلسطينيّة تشغّل أيدٍ عاملة أردنيّة، لكنّها في الوقت ذاته ستنافس الاستثمارات الأردنيّة، والقرار ينسجم مع السلطة الفلسطينيّة التي لا تحبّذ خروج رجال الأعمال من أراضيها، ورغبتها في بقائهم داخل الضفّة الغربيّة للحفاظ على استثماراتهم في الداخل، وليس نزوحها إلى الخارج".

المشكلة التي قد يسفر عنها القرار الأردنيّ هي حرمان المستثمرين ورجال الأعمال الفلسطينيّين من التسهيلات، بغضّ النظر عن اعتباراته التي أخفاها، فإنّ ذلك قد لا يمنعهم من التوجّه إلى دول أخرى سترحّب بهم، وتفسح المجال أمامهم، بل وتمنحهم فرصاً وتسهيلات أغلقها الأردن في وجوههم، سواء لاعتبارات سياسيّة أم اقتصاديّة، بسبب بقاء الحافز الأكبر لرغبتهم في الاستثمار خارج الأراضي الفلسطينيّة، بعدم توافر فرص جذّابة لبقائهم فيها.

تحدّث "المونيتور" مع عدد من رجال الأعمال والمستثمرين الفلسطينيين العاملين بعدة مجالات استثمارية للحصول على ردود فعلهم على القرار الأردنيّ، وجاءت في عمومها غير مرتاحة منه.

قال عادل عبد الجبّار، وهو مستثمر فلسطينيّ من الضفّة الغربيّة في مجال البناء والإنشاءات، لـ"المونيتور" إنّ "القرار الأردنيّ له اعتباراته الخاصّة في المملكة، ويجب ألّا نكون كرجال أعمال فلسطينيّين جزءاً من الحسابات الأردنيّة، الداخليّة منها المتعلّقة بالأبعاد الاقتصاديّة، أو الخارجيّة المرتبطة بعلاقته مع السلطة الفلسطينيّة، نحن مستثمرون أصحاب رؤوس أموال لا علاقة لنا بالسياسة، والظروف في الأراضي الفلسطينيّة غير مشجّعة على الاستثمار، فرأس المال جبان، في حين أنّ الأوضاع في الأردن محفّزة لوضع أموالنا فيها، ونشغّل أيدٍ عاملة أردنيّة، ثمّ سنعود إلى بلادنا، ولن نستقرّ في الأردن، ولن نهاجر من فلسطين".

تتحدّث أرقام مركز إيداع الأوراق الماليّة في الأردن عن أنّ الاستثمارات الفلسطينيّة في بورصة عمّان سجلت ارتفاعاً ملحوظاً مع نهاية الثلث الأوّل من العام الجاري، بزيادة 67 مليون دولار، مقارنة مع نهاية العام الماضي، وعن أنّ حجم الاستثمارات الفلسطينيّة في بورصة عمّان قفز من 401 مليون دولار في نهاية عام 2016، إلى 468 مليون دولار مع نهاية نيسان/أبريل الماضي، وبذلك تتقدّم استثمارات الفلسطينيّين إلى المرتبة التاسعة من إجمالي الاستثمارات الأجنبيّة في بورصة عمّان.

قال مدير العلاقات العامّة والإعلام في غرفة تجارة وصناعة محافظة غزّة ماهر الطبّاع "للمونيتور" إنّ "القرار الأردنيّ قد يعود إلى رغبته في عدم تفريغ الضفّة الغربيّة من رؤوس الأموال ورجال الأعمال، ربّما بسبب حرصه على إبقائها داخل الأراضي الفلسطينيّة، على الرغم من عدم وجود بيئة استثماريّة مشجّعة فيها، بسبب عدم وجود اتّفاق سياسيّ وغياب استقرار أمنيّ في الأراضي الفلسطينيّة".

أخيراً... يترافق القرار الأردنيّ مع حرمان المستثمرين الفلسطينيّين من التسهيلات الاقتصاديّة، مع تزايد الأحاديث الإسرائيليّة عن طيّ صفحة حلّ الدولتين، والاتّجاه نحو حلول أخرى يرفضها الفلسطينيّون والأردنيّون معاً، من قبيل الكونفدراليّة الأردنيّة-الفلسطينيّة، وهو ما قد يجعل الأردن يستبق فرض مثل هذا الحلّ من قبل إسرائيل بتخفيف التواجد الفلسطينيّ داخل أراضيه، من بوّابة الاستثمار.

رئيس قسم العلوم السياسية والإعلام، ومُحاضر في تاريخ القضية الفلسطينية والأمن القومي والدراسات الإسرائيلية في جامعة الأمة للتعليم المفتوح بغزة. حائز على شهادة دكتوراه في التاريخ السياسي من جامعة دمشق، ونشر عددًا من الكتب حول السياسة الفلسطينية المعاصرة والصراع العربي الإسرائيلي. يعمل باحثا ومترجما لدى عدد من المراكز البحثية العربية والغربية.يكتب بصفة دورية في عدد من الصحف والمجلات العربية.

x