الثيوقراطية تعود من جديد

الثيوقراطية (Theokratia)، هي كلمة يونانية تتكون من كلمتين "ثيو" يعني الإله "وقراط" تعني الحكم.

وهي شكل من أشكال الحكم الديني الذي يستمد سلطته وشرعيته من الله، كما يدّعي الحاكم الثيوقراطي أنه يحكم باسم الله، فلا يمكن معارضته؛ بل لا يمكن مناقشته، وبهذا يكون الشعب مرغَماً على الطاعة العمياء لهذا النوع من الحكم.

- نبذة تأريخية

يعتبر "جوزيفوس فلافيوس" هو أول من أطلق مصطلح الثيوقراطي في القرن الأول الميلادي، واصفاً به حكومة اليهود في تلك الفترة، التي لم تكن تشبه النظم الحاكمة آنذاك، التي كان اليونان يعترفون بها والتي أطلقوا عليها ما يلي: "النظام الملكي، النظام الأرستقراطي، والفوضوي"، فكان لليهود نظام حكم خاص بهم، أطلق عليه فلافيوس نظام "الثيوقراطي"، وهو الحكم باسم الإله.

كما أن الإمبراطورية الرومانية في أوروبا مارست هذا النوع من الحكم "الثيوقراطي" في القرن الـ11 الميلادي، الذي يُطلق عليه العصور الوسطى عندما سيطرت الكنيسة على الحياة السياسية والدينية معاً من خلال سلطة البابا، فكان البابا هو مصدر السلطات الزمنية والدينية كما كان يطلق عليها في تلك الفترة.

- أنواع الثيوقراطية:

أولاً: الطبيعة الإلهية للحاكم.

ثانياً: نظرية الحق الإلهي المباشر.

ثالثاً: نظرية الحق غير المباشر.

ولكل نوع من الأنواع أعلاه طريقة حكم خاصة به، لكنها بالمجمل هي طرق ثيوقراطية للحكم.

وقد تسبب هذا النوع من الحكم في حروب عديدة ودمار واسع وتخلّف ورجعية واضطهاد للشعوب المقهورة، التي ترزح تحت هذا النوع من الحكم القمعي، وكان من أبرز الحروب التي دخلتها أوروبا في القرن السابع عشر الميلادي حرب الثلاثين عاماً، التي اشترك فيها أغلب الدول الأوروبية وقُتل فيها مئات الآلاف ودُمرت مئات القرى وعشرات المدن، في حرب طائفية استمرت منذ سنة 1618م إلى سنة 1648م، والتي دامت 30 عاماً، وسميت هذا الاسم بعدها، انتهت بمعاهدة ويستفاليا سنة 1648م، وقد تغير وجه أوروبا وانتهت الإمبراطورية الرومانية المقدسة وتأسست بعدها الدولة القومية في أوروبا.

ثم جاءت الثورة الفرنسية عام 1789، لتنهي ما تبقى من نفوذ للثيوقراطيين وتعلن عهداً جديداً لأوروبا عموماً وفرنسا خصوصاً، والتي كان من أهم نتائجها مبدأ حقوق الإنسان وحرية التعبير.

- الثيوقراطية المعاصرة

بعدما تخلصت أوروبا وأنهت الحكم الثيوقراطي بكل أشكاله وأنواعه، تطل علينا إيران بنظام ثيوقراطي جديد ومقنن.

تعتبر إيران نموذجاً جديداً للحكم الثيوقراطي، من خلال مجلس الخبراء، الذي يقوم بتعيين رجل دين بمنصب القائد الأعلى للجمهورية، الذي يمتلك جميع الصلاحيات التشريعية والتنفيذية بيده ولا تنازعه أي سلطة أخرى في إيران! مثل خامنئي الآن الذي يعتبر أعلى سلطة دينية وسياسية بإيران. ويُطلق على هذا النوع من الحكم سلطة "ولاية الفقيه"..

ثم بدأ هذا النموذج الإيراني في الحكم بالتوسع من خلال مبدأ تصدير الثورة!

فكان للعراق الحصة الأكبر لهذا النموذج من الحكم الثيوقراطي، وكان السبب في ذلك هو مساعدة الولايات المتحدة الأمريكية وتحالفها مع إيران لترسيخ هذا النوع من الحكم بعد احتلال العراق سنة 2003م.

فنجد ذلك من خلال ديباجة الدستور العراقي، الذي يعطي القداسة للمرجعيات الدينية الشيعية ويمكّنها من أداء دور الإشراف على جميع السلطات الثلاث في العراق.

ولغرض تمكين رجال الدين من الشعب العراقي، قامت إيران بمساعدتهم لتشكيل مليشيات على أسس طائفية وعقدية بزعامتهم؛ لغرض السيطرة وفرض واقع جديد على الدولة والمجتمع، وتغيير ثقافته، ونشر فكرة ولاية الفقيه، وقمع من يعارضها من خلال هذه المليشيات.

فنجد اليوم سلطة المرجعية في العراق هي أعلى من أي سلطة سياسية؛ بل السلطة السياسية تستمد شرعيتها من السلطة الدينية!

- هل الإسلام نظام ثيوقراطي؟

الإسلام بريء من الثيوقراطية براءة الذئب من دم يوسف عليه السلام، ويكفي دليلاً على ذلك القول المشهور للإمام مالك رحمه الله: "كلٌّ يُؤخذ من كلامه ويُترك إلا صاحب هذا القبر"، وهو يشير إلى قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم.. فكل من جاء من بعد رسول الله يُؤخذ من كلامه ويُترك.

أما ممارسة الحكم الثيوقراطي من فئة أو طائفة من طوائف المسلمين، فهذا لا يعني أن الاسلام يدعو لنظام ثيوقراطي؛ بل الإسلام عكْس ذلك.

لكنَّ أوروبا وأمريكا تصدِّر لنا بضاعتها المُزْجاة في أنظمة الحكم بعدما عانتها ولفظتْها إلى الأبد.

- الخلاصة

يعتبر نظام الحكم الثيوقراطي من أسوأ أنظمة الحكم، فهو أسوأ من النظام العسكري والملكي والأرستقراطي، كما تعتبر إيران هي المصدر الرئيس لإحياء مثل هذه الأنظمة الدينية القمعية تحت شعار "ولاية الفقيه"، والتي بدأت بتصديره إلينا من خلال حلفائها وأذرعها في العالَمين العربي والإسلامي، وبتحالفها مع الغرب لإعادة السيطرة على المنطقة ورسم خارطتها من جديد.