• العبارة بالضبط

قانون الأحوال الشخصية "الجعفري" إعادة تدوير لحكم داعش

لم يمض الوقت الكثير على أزمة استفتاء كوردستان، التي أشعلت الدنيا ولَم تقعدها بعد، وبالتزامن مع انتصارات الجيش العراقي وملاحمه التي يسطرها تباعاً وبشكل يومي في ساحات القتال ضد أخطر تنظيم "إرهابي" في العالم، وفي وقتٍ صوت مجلس النواب العراقي على الموازنة الاتحادية للعام 2018، التي قضت على آمال وطموحات أبناء المحافظات المنكوبة بالإعمار والبناء، بعد أن خُفضت للنصف بواقع 69 مليار دولار وعجز كبير فيها.

كل ما سبق ذكره يهدد ويفكك الوطن الواحد، فالأكراد قُضي على حُلمهم "بالدولة" الجديدة؛ أو نستطيع القول بأنه أجل لمئة عام أخرى.

وأبناء المحافظات المنكوبة ظُلموا مرتين: الأولى بعد أن اُتهموا بالولاء لداعش، والثانية بعد أن خلت موازنة العام المقبل من أي شيء لإعمار مناطقهم التي دمرها الإرهاب.

ومع كل تلك المعطيات والتطورات، أحاط المتشددون من رجال الدين الشيعة وخصوصاً المتنفذين منهم، فكرة إخضاع "الأحوال الشخصية" إلى "الشريعة" منذ أن أصبح لهم دور سياسي في العراق، وظلّت محاولاتهم حثيثة لفرض أحكام بدائية مقابل تهشيم وتهميش قانون الأحوال الشخصية الذي أُقرَّ في العام 1959، والعمل على إلغائه مستقبلاً بعد إفراغ محتواه وتشويه نصوصه بسلسلة تعديلات في مرحلة ما بعد 2003،على يد مؤيدين لرجال دين وسياسيين جل همهم المصلحة والمنفعة حتى وإن كانت على حساب شرف بنات بلدهم، سبقتها تعديلات "سياسية" قام بها نظام صدام حسين على مدى ثلاثة عقود خلال فترة حكمه.

انطلقت دعوات جديدة بدأت من كراهية قديمة نمت من القناعات ذاتها التي انطلق منها رجال الدين الشيعة قبل ستة عقود، ومحاولتهم "أسلمة" المجتمع وإخضاعه لسلطة بطريركية، وتوزيع المصائر الشخصية على غرف يجلس فيها رجال دين على الأرض ــ كدلالة على التواضع ــ فيما يمارسون دوراً هائلاً في تسيير المجتمع باعتبارهم حُراساً على الإيمان ــ كدلالة على الكبرياء ــ "متحكمين وفق التفسيرات الغامضة التي يُخرجونها من بطون كتب عفا عليها الزمن والتطور الاجتماعي، كدلالة على التمسك بالشريعة وعلى الحاكمية".

تعود الجذور الأولى للموقف المتشدد من تشريع أي قانون أحوال شخصية يخضع لضرورات التطور المدني والديني في العراق، وإخراج "الأسرة" و"الأفراد" من الأعراف واجتهاد رجال الدين والتأثيرات الاجتماعية الواقعة عليهم نظراً للبيئة الذكورية القابضة على مصائر النساء والمُسيّرة للمصالح اليومية طبقاً للصبغة العشائرية والقبلية، والتحرر من نسق "المحاكم الشرعية" العثمانية الذي ظل سائداً إلى ما بعد تفكيك هذه الدولة بنحو عقدين، وإن كان ما سبق يطبق على بعض شرائح المجتمع العراقي وليس الكل.

وتجاهل مجلس الوزراء العراقي الرفض الشعبي لقانون الأحوال الشخصية الجديد المعروف باسم "القانون الجعفري"، وأرسله إلى البرلمان للمصادقة عليه على الرغم من أن كثيراً من العراقيين يرون أنه يتعارض مع المادة 14 من الدستور العراقي، والاتفاقيات الدولية المتعلقة بالمرأة والطفل الأكثر تأثراً بالواقع العراقي المزري، حيث المرأة المظلومة في حياتها المنزلية ومحاربة عملياً، والطفل الذي لم ير طفولة بريئة في بلده سوى الخراب والقتل والتهجير.

المروج للقانون والداعم الأول والأقوى له حزب الفضيلة ومرجعه الشيخ محمد اليعقوبي، الذي ينتمي إلى المدرسة الصدرية عندما كان مرجعها محمد صادق الصدر الذي اغتيل عام 1999.

والجدير بالذكر أن القانون لا يحظى بتأييد مقتدى الصدر والمرجع الشيعي علي السيستاني، ومع هذا بات القانون قاب قوسين أو أدنى من التشريع والمرور للشعب ويعد نافذاً.

ويتضمن القانون - الذي قام بإعداده وزير العدل والقيادي بحزب الفضيلة حسن الشمري - 254 مادة، وهو يروج له بدعوى "إنقاذ الطائفة الشيعية من ارتكاب الذنوب لأن بعض بنود القانون المدني الحالي لسنة 1959 يعارض الفقه الشيعي".

في الوقت الذي يراه المعارضون أنه يمهد لتفريق المجتمع العراقي الذي يعيش أصلاً انقسامات بسبب السياسيين، من خلال تشكيل محاكم جعفرية ومحاكم سنية ومحاكم مالكية وشافعية، وصدور قوانين أحوال شخصية لكل طائفة، وبذلك يطاح رسمياً بالدستور والدولة ومؤسساتها ويصبح القرار بيد علماء الدين!

ومن أهم فقرات وبالأحرى ثغرات هذا القانون المثير للجدل أنه يسمح بزواج الرجل الذي أكمل الـ15عاماً، والمرأة التي أكملت تسعة أعوام، ويرى رافضو القانون في ذلك "انتهاكاً كبيراً لحقوق الطفل لأنه لا يعقل أن يقوم أب بتزويج ابنته التي تبلغ تسعة أعوام وهي في الصف الثالث الابتدائي"، بينما القانون النافذ حالياً يسمح بالزواج للنساء والرجال الذين أكملوا 18 عاماً، كما أنه يركز على حرمان الأحفاد والأسباط من ميراث جدهم أو جدتهم في حالة وفاة والدهم.

هذا القانون ومع احترامنا لمعارضيه ومؤيديه إلا أنه يفتح الباب للكثير من المشاكل والهفوات التي قد تطيح بما تبقى من النسيج الوطني العراقي، حيث أن العراق يعاني من الكثير من المشاكل ولا ينقصه مثل هكذا قانون يزيد نسبة طائفة على أخرى وبنسبة كبيرة جداً، ما ينبئ بتغيير نسبة المكونات على حساب الأخرى، ومن حق الآخرين هنا الاعتراض عليه وأقصد هنا "السنة العرب" والكورد "حيث أن كليهما كان يود تعديل قانون، أو إضافة مادة وجوبه بالقوة والبطش كما حصل مؤخراً لكليهما، وللقصة بقية وبقيتها عند الله تعالى هو خَيْرٌ وأبقى!