• العبارة بالضبط

اغتيال الأقصى..!

منذ احتلال القدس الشريف عام 1967 والصهاينة يحاولون بكل ما لديهم من قوةٍ إصباغ المدينة بالصبغة اليهودية الخالصة وطمس كل ما لديها من معالم الحضارة الإسلامية، ولا يُخفون ذلك؛ بل يُعلنون أنهم يريدون هدم الأقصى من أجل إقامة "هيكل سليمان" المزعوم!

هذه الفكرة التي ظهرت منذ قرنين لإقناع اليهود في العالم بالهجرة إلى أرض الميعاد، مفادها أن "الهيكل الذي بناه ملكهم سليمان عليه السلام، يقع تحت المسجد الأقصى وقبة الصخرة".

لكن المفارقة المضحكة في الأمر، أن الحقائق التاريخية تذكر أن نبي الله سليمان (عليه السلام)، الذي بنى المسجد الأقصى على هيئة عظيمة، فنُسب هذا البناء إليه.

بناهُ لعبادة الله وتوحيده وتعظيمه، فأين هذا مِن شِرك اليهود وسبِّهم ربّ ملكهم سليمان (عليه السلام) وقتْلهم إخوانه الأنبياء؟!

إن اليهود ما جاؤوا إلى فلسطين من أجل البحث عن أرضٍ يستوطنونها وبلدٍ يأوون إليه فحسب؛ بل لعقيدةٍ صهيونية ونبوءة توراتية يسعون لتحقيقها، وهي السيطرة على القُدس (أرض الميعاد)؛ ومن ثم هدم المسجد الأقصى وبناء هيكلهم.

أما لماذا يجب بناء الهيكل؟

ففي الفكر التوراتي؛ أنه لا يمكن "للمسيح المخلِّص المنتظر" أن ينزل إلا إذا بُني الهيكل؛ ليتم نزوله عليه وليسود بنو إسرائيل (شعب الله المختار) العالم بعد القضاء على أعدائهم جميعاً.

وأما لماذا كل هذا الدعم الأمريكي؟

فمٓن تعاليم النصرانية (البروتستانتية) المُنتظِرة عودة (المسيح ابن مريم) عليهما السلام في آخر الزمان مرة ثانية؛ أنهم سيحكمون معه الأرض، ويؤمل النصارى أن يتنصّر اليهود بعد نزول المسيح (عليه السلام)، وهذا النزول لن يتحقق في عقيدتهم إلا بأمورٍ ثلاثة:

- قيام دولة إسرائيل (وقد أقاموها).

- أن تُصبِح القُدس عاصمة يهودية (وقد أعلنوها).

- بناء الهيكل على أنقاض المسجد الأقصى (وهي مسألة وقت)!

- وأصحاب هذه العقيدة الإنجيلية الصهيونية لهم نفوذ في كثير من دول أوروبا وأمريكا، ولهم وسائل إعلام ونفوذ سياسي واقتصادي مؤثر جداً، كما أن العشرات من الكنائس النصرانية بشَّرت وتبشر بهدم المسجد الأقصى وبناء الهيكل بانتظار نزول (المسيح المُخلِّص) .

وبهذا، فإن أصحاب الديانتين (اليهودية والنصرانية البروتستانتية) اجتمعوا على المسلمين في اغتيال الأقصى. فاليهود لم يحققوا ولن يحققوا أهدافهم إلا بحبل من النصارى. يقول الله تعالى عن طبيعة اليهود: "ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَةُ أَيْنَمَا ثُقِفُوا إِلَّا بِحَبْلٍ مِنَ اللهِ وَحَبْلٍ مِنَ النَّاسِ" (سورة آل عمران).

مِن هذا يتضح أن اليهود ما كان لهم إقامة دويلتهم في أرض فلسطين إلا بمعونة النصارى (الإنجليز)، وما أعلنوا القُدس عاصمةً لهم إلا بعد تأييد العالم النصراني لهم.

كما أن بناء الهيكل لم يعد مجرد حلم صهيوني أو أسطورة خرافية، فقد بدأ الصهاينة بخطواتٍ عملية ماكرة لتحقيق ذلك منها:

- تغيير معالم مدينة القدس جغرافياً من خلال هدم المساجد والآثار الإسلامية، وبناء الكُنس حول الأقصى.

- تهويد سكانها من خلال عمليات طرد السكان العرب الأصليين من المدينة المقدسية وبناء العديد من المستوطنات اليهودية.

- عمليات الحفر التي بدأت منذ أكثر من 40 سنة والمستمرة إلى يومنا هذا بحجة البحث عن آثارٍ لهيكل سليمان القديم، في حين أن الهدف الحقيقي من ورائها، هو تفريغ الأرض تحت المسجد الأقصى ومسجد قبة الصخرة؛ ومن ثم انهيارهما (لا قدر الله) تحت أية هزة طبيعية أو صناعية مفتعلة.

وقد صرحت الحكومة الصهيونية رسمياً ولعشرات المنظمات بالعمل من أجل بناء الهيكل، ومن أشهرها جماعة "أمناء الهيكل" التي تلقى دعماً واسعاً داخل دويلة الكيان الصهيوني وخارجها، ويقيمون المؤتمرات والندوات ويجمعون التبرعات من أثرياء اليهود حول العالم؛ من أجل هذا الغرض.

والسؤال اليوم: هل يتمكن الصهاينة من هدم المسجد الأقصى؟ البعض يقول إن هذا غير ممكن؛ فالأقصى أولى القبلتين ومكانته عظيمة فلا يمكن أن يُهدم. في الحقيقة، ليس هناك نص شرعي يمنع مِن وقوعه، والله تعالى قد جعل لكل شيء سبباً، فإذا أخذ اليهود بالأسباب المادية مع "غفلة وتجاهل ووهن" المسلمين، كانت الغلبة والدائرة لهم.

والواقع الذي نعيشه اليوم، يؤكد أنهم ماضون في مخططهم الذي رسموه من قَبل قرنين من الزمان، وهم الآن يتحركون فعلياً لبناء الهيكل وهدم الأقصى. فلا غرابة -إخوة الإسلام- إن استيقظنا يوماً لنرى إخوة القردة والخنازير قد هدموا المسجد الأقصى. فنُذُر تهدُّم الأقصى تلوح في الأفق ليل نهار، وأساساته على وشك الانهيار، وأسواره تواجه الاندثار، والاعتداءات عليه متكررة باستمرار.

- ويبقى السؤال الأهم في هذا كله: ماذا أعد المسلمون من عُدة تجاه هذا الخطر الجسيم والأمر الجلل؟!

- ما دور إعلام المسلمين أمام هذه القضية المُفزعِة؟ لماذا انشغلنا بالمطاحنات الداخلية فيما بيننا عن التعبئة الكبرى لقضيتنا الكبرى؟!

- ثم ماذا قدمنا للأقصى من فعالٍ أو حتى من كلام يكفي لرفع الإثم عنا أمام الله؟ إن وقعت الكارثة (لا قدر الله)، فوالله لن يرحمنا التاريخ حكاماً ومحكومين، وسيقول لنا كما قال يومَ سقطت الأندلس: ابكوا كما تبكي النساء!