• العبارة بالضبط

بعد فوزه بولاية ثانية.. السيسي يبدأ تصفية "المزعجين"

بعد أقل من شهرين من "فوزه" بولاية رئاسية ثانية، شن الرئيس عبد الفتاح السيسي، مؤخراً، حملة اعتقالات شملت نشطاء ليبراليين محسوبين على ثورة يناير 2011، فيما يبدو تمهيداً لقرارات اقتصادية موجعة، أو فترة رئاسية أكثر قمعاً من سابقتها.

وخلال أسبوع واحد اعتقلت السلطات النشطاء وائل عباس وهيثم محمدين وشادي الغزالي حرب، وأخيراً حازم عبد العظيم الذي كان مسؤول الشباب في حملة السيسي الانتخابية عام 2014.

ويعتقد كثيرون أن السلطات المصرية تستعد لإعلان زيادات جديدة على أسعار الوقود، ومن ثم فهي لا تريد رؤية احتجاجات كالتي جرت بعد إعلان التسعيرة الجديدة لمترو الأنفاق، والتي كانت ملحوظة على رمزيتها.

وزارت بعثة صندوق النقد الدولي القاهرة هذا الشهر تمهيداً لتسليمها شريحة جديدة من قرض قيمته 12 مليار دولار، وقالت البعثة بعد عودتها إن الحكومة المصرية تعتزم رفع الدعم عن الوقود بشكل كلي.

السيسي

اقرأ أيضاً :

الأمن المصري يعتقل المدوّن المصري وائل عباس

- تمهيد لقرارات صعبة

وأكدت مصادر لـ"الخليج أونلاين" أن تقارير أمنية، وأخرى من بعثة الصندوق، نصحت السيسي بإرجاء رفع الدعم عن الوقود حتى نهاية العام على الأقل؛ بعدما أحدثت التسعيرة الجديدة لتذكرة المترو (ارتفعت من جنيهين إلى ثلاثة وخمسة وسبعة جنيهات)، هزة لحاجز الخوف الذي يقف بين المصريين والخروج للشوارع.

وشهدت الأيام الأولى لفرض التسعيرة الجديدة للمترو احتجاجات بسيطة في عدد من المحطات، لكنها كانت الأولى منذ عزل الرئيس محمد مرسي عام 2013، ووصلت إلى حد اقتحام المواطنين بعض المحطات بالقوة.

ومع ذلك، يبدو الرئيس المصري عازماً على المضي قدماً في موجة رفع الأسعار، ومواجهة الغضب بالقوة والقرارات الأكثر إيلاماً، لكنه قرر إسكات ما تبقى من أصوات رافضة على مواقع التواصل الاجتماعي؛ تحسباً لأن تحرك هذه الأصوات المواطنين في لحظة جنون.

الحملة بدأت يوم السبت 13 مايو 2018، عندما اعتقل الناشط شادي الغزالي حرب، قبل أن يخلى سبيله من النيابة العامة بكفالة 50 ألف جنيه (3 آلاف دولار)، ليرفض جهاز أمن الدولة إطلاق سراحه ويعرضه على نيابة أمن الدولة، التي قررت الاثنين 15 مايو 2018، حبسه 15 يوماً على خلفية اتهامه بنشر أخبار كاذبة والانضمام إلى جماعة محظورة.

حرب

وشادي الغزالي حرب لا يمكن احتسابه على التيار الثوري الخالص؛ لكونه يتقلب من العام 2011 بين هذا التيار وذاك بحثاً عن مكسب سياسي كما يقول بعض القريبين منه. وقد كان مؤيداً لتدخل الجيش في العملية السياسية في يوليو 2013، ثم أصبح معارضاً لسياسات النظام الحالي.

وعقب اعتقال الفريق سامي عنان أواخر يناير 2018، أصدر الغزالي حرب بياناً مشتركاً طالب الموقعون عليه بمقاطعة الانتخابات الرئاسية ما لم يتم وضع شروط لضمان نزاهتها. وحمل البيان توقيعات المستشار هشام جنينة وحازم حسني ومحمد أنور السادات وعبد المنعم أبو الفتوح وغيرهم، لكنهم جميعاً نفوا توقيعهم على هذا البيان.

وبعد يومين من اعتقال الغزالي حرب، تم اعتقال زعيم تيار الاشتراكيين الثوريين هيثم محمدين، وهو من المعروفين بموقفه الرافض لتدخل الجيش في الحياة السياسية على طول الخط. وقد وجهت له وللغزالي حرب ومعهما الناشط والمعد التليفزيوني شادي أبو زيد، تهمة نشر أخبار كاذبة والانضمام لجماعة أسست على خلاف القانون.

محمدين

اقرأ أيضاً :

واشنطن "قلقة" بشأن اعتقال نشطاء في مصر

- أسماء كبيرة

أما الناشط والمدون وائل عباس، الذي يُعرف بنقده اللاذع للسلطات، فقد اعتقل فجر الأربعاء 23 مايو الجاري، بتهمة كتابة تقرير مفبرك عن ترحيل سكان رفح، وإرساله إلى منظمة "هيومن رايتس ووتش"، مقابل آلاف الدولارات.

وقررت نيابة أمن الدولة العليا حبس عباس 15 يوماً على ذمة التحقيق رغم تدخل نائب الرئيس الأمريكي مايك بنس، وإعرابه في اتصال هاتفي مع السيسي عن قلق واشنطن من توقيف نشطاء لا ينتهجون العنف.

وأثار اعتقال عباس موجة غضب وتكهنات على مواقع التواصل الاجتماعي؛ لكونه الناشط الأبرز على هذه المواقع، فضلاً عن تاريخه الكبير في فضح الفساد وانتهاكات حقوق الإنسان، وحصوله على جوائز عالمية في هذا المضمار.

ومساء السبت 26 مايو الجاري، اعتقلت السلطات السياسي المعروف الدكتور حازم عبد العظيم، وهو مسؤول الشباب بحملة السيسي الرئاسية عام 2014، وكان من أبرز مناهضي الإخوان ومنظري مظاهرات 30 يونيو 2013، التي أطيح على إثرها بحكم محمد مرسي.

عباس

ومنذ ثلاث سنوات تقريباً اتخذ عبد العظيم جانب المعارضة، ودأب على انتقاد الممارسات السياسية والاقتصادية بشدة، كما أنه كان قريباً جداً من المرشح الفريق أحمد شفيق الذي انسحب من انتخابات الرئاسة بعد اعتقاله وتهديده.

وتقول مصادر لـ"الخليج أونلاين"، إن هناك قائمة اعتقالات قد تشمل أسماء أخرى معروفة لو اضطر الأمر، خاصة أن الأجهزة الأمنية ترى أن القرارات المرتقبة قد تحدث غضباً عارماً في الشارع.

حازم

صحيفة "وول ستريت جورنال" الأمريكية؛ شبّهت هذا الشهر استراتيجية السيسي بالعديد من الاستراتيجيات التي سار عليها الرئيس المخلوع حسني مبارك، الذي انتهت فترة حكمه الممتدة إلى 3 عقود بثورة شعبية.

ومثلما فعل مبارك يعتمد السيسي على دولة أمنية كبيرة، ونهج اقتصادي يمنح الجيش امتيازات مبالغاً فيها. ويشكو كثيرون في قطاع الأعمال من أن السيسي همّش الشركات الخاصة، وألحَقَ ضرراً بالاقتصاد.

لكن هذا التفسير ليس الوحيد لحملة الاعتقالات. في الواقع، ثمة سيناريو آخر له مصداقيته أيضاً؛ فبرأي مايكل وحيد حنا، خبير الشرق الأوسط في "مؤسسة القرن"، فإنه على الرغم من أن الأشهر القليلة الماضية أظهرت بعض التوترات والانقسامات داخل الجيش، "ولكن، لا يوجد حتى الآن ما يشير إلى أن ذلك يؤثر على الطريقة يدير بها الرئيس السيسي السلطة. فدفة القيادة بيده وحده".

وتضخ دول خليجية المليارات دعماً للحكومة المصرية باعتبارها "جداراً نارياً" أمام تكرار حدوث ثورة شعبية، بحسب حنا، الذي أشار إلى قول ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، خلال زيارته للقاهرة في مارس 2018: "دعوت الله ألَّا تنهار مصر".

ويقول محللون إن السيسي يرى نفسه جزءاً في مجموعة من الحكام الأقوياء حول العالم. لكن من المنطقي أكثر أن يتطلع السيسي إلى من يشاركونه في الصور غير الرسمية؛ وليي العهد في أبوظبي والرياض.

فقد سبق للإمارات أن حققت ازدهاراً اقتصادياً بعد أن حولت القيادة البلاد إلى ما يشبه شركة يديرها أبناء الراحل الشيخ زايد، ويسير على الطريق ذاته محمد بن سلمان بعد إعلان رؤية السعودية 2030، ومن ثم سيطرته الكاملة على خيرات البلاد واعتقال أمرائها وإقرار تسوية مليارية للإفراج عنهم.

التحرير

اقرأ أيضاً :

الأمن المصري يعتقل مسؤولاً سابقاً في حملة السيسي الرئاسية

- ذباب مزعج

وكما فعلت الإمارات في التخلص ممَّا تسميه "الذباب الإلكتروني" داخل البلاد، ومن بعدها بن سلمان، الذي اعتقل عدداً من الناشطين السعوديين الذين ساندوا برامجه الإصلاحية ثم وصفهم بـ"الخونة"، فإن السيسي بدوره يقود حملة واسعة ضد هؤلاء الناشطين، ليس خوفاً منهم؛ إنما فقط لكونهم مزعجين.

ولعل هذا ما يبرر اعتقال الناشط وائل عباس تحديداً؛ لكونه أحد أشهر المدونين المصريين والعرب، وسبق أن عمل مع مؤسسات عالمية منها الواشنطن بوست، كما أفردت له صحف أخرى مساحات كبيرة للحديث لم تمنحها إلا لرؤساء الدول.

الجيش

وسبق أن كشف عباس عدداً من القرارات والإجراءات المخالفة للقانون. وقد أوقفته سلطات مطار القاهرة خلال عودته من كوريا الجنوبية العام الماضي، ثم أخلي سبيله بعد ساعات قليلة، لكن هذه هي المرة الأولى التي يتعرض فيها عباس للاعتقال في عهد الرئيس السيسي.

أما حازم عبد العظيم فقد أفشى كثيراً من أسرار حملة السيسي الرئاسية الأولى، وقال إنها كانت تدار من مبنى المخابرات العامة، ويبدو أن الفترة المقبلة لا تسمح بمزيد من هذه الأحاديث.