Accessibility links

'تسقط تسقط تسقط بس'


متظاهرون سودانيون في الخرطوم يهربون من الغاز المسيل للدموع

منصور الحاج/

شعار رفعه الثوار في السودان ولا يزال يكتسب زخما متصاعدا يوما بعد يوم بعد أن عجزت مؤسسات النظام الأمنية والاستخباراتية في وضع حد للتظاهرات المستمرة على مدى أسابيع رغم استخدامها العنف المفرط والرصاص الحي والقنابل المسيلة للدموع التي لم تجد نفعا في وقف زحف الجموع الثائرة ضد نظام البشير وزبائنيته.

على عكس الثورات التي شهدتها المنطقة، والتي أمسك بزمامها الإسلاميون وأسبغوا عليها طابعا جهاديا دينيا، رفع الثوار في السودان شعارات وطنية تحدوا بها كل النعرات الإقصائية والعنصرية. فحين روج النظام لفكرة أن الجماعات المسلحة المنحدرة من إقليم دارفور هي التي تقف خلف الهبة الجماهيرية، هتفت الجموع بصوت واحد "يا عنصري ومغرور كل الوطن دارفور".

وفي محاولة بائسة لتصحيح هذا الخطأ الفادح، توجه البشير إلى مدينة نيالا عاصمة ولاية جنوب دارفور، الإقليم الذي ذاق الويلات بسبب سياسات التهميش والتفرقة التي انتهجتها الحكومة هناك لعقود واستغلال الصراعات المحلية ودعمها عمليات القتل والإبادة الجماعية وإحراق القرى وتهجير سكانها التي ارتكبتها جماعة الجنجويد.

اقرأ للكاتب أيضا: يا أهل السودان.. واصلوا ثورتكم المباركة

وكعادة الحكام الدكتاتوريين الذين لا يتعظون بمصائر أقرانهم، لا يزال البشير يعيش حالة إنكار للواقع ويتجاهل أن الشعب قد قرر إسقاطه ليس عبر صناديق الانتخابات ـ كما اقترح ـ إنما عبر الشارع والمسيرات والتظاهرات والاعتصامات. وبالفعل، فقد قاطع أهل نيالا خطاب البشير عدة مرات مرددين شعار "تسقط بس" لكنه لم يبد أي مبالاة وواصل حديثه بأسلوبه المعهود والمستهلك الذي بات محل سخرية من قبل الصغار قبل الكبار.

ومن ضمن ما تداوله النشطاء ورواد مواقع التواصل الاجتماعي عن أسلوب البشير في خطاباته الجماهيرية، ادعاءاته في مناسبات مختلفة أنه امتهن عدة مهن في طفولته، كان آخرها قوله إنه عمل في مجال البناء في صباه وإنه سقط أثناء العمل وفقد سنا من أسنانه ولكنه لم يتوقف وواصل عمله بعد أن عالج إصابته بالتمضمض بماء مخلوط بالملح.

لم يتأخر رد الجموع الرافضة له بعد سرده لتلك القصة، فهتفوا في اليوم التالي: "تكسر حنكك تكسر سنك، ما عايزنك ما عايزنك. ترمي سقالة ولا تراب ما عايزنك يا كذاب. تسقط أنت ويسقط جنك. تسقط أنت وتلحق سنك. تسقط بس".

إلا أن الرد الأبلغ على حكاية البشير تلك، جاء في تسجيل صوتي متداول في مجموعات واتساب بطله عامل سابق عمل في مجال البناء لسنوات ينحدر من جنوب السودان وصف البشير بالكاذب وأكد أن عامل البناء لا يصعد في "السقالة" أصلا كما ادعى البشير وإنما ينحصر دوره في تزويد "المعلم" بالـ"مونة" من الأسفل، واختتم حديثه بأن سقوط البشير ونظامه بات أمرا حتمي الحدوث قبل انتهاء موسم الشتاء الحالي.

وشعار "تسقط بس" الذي اكتسب قوته من بساطة العبارة المستوحاة من الدارجة السودانية على امتداد أقاليم السودان ومدنه المختلفة بات مطلبا جماهيريا لا مجال للتنازل عنه خاصة بعد استشهاد شباب في عمر الزهور وسقوط عشرات الجرحى، جرمهم الوحيد هو أنهم رفضوا حياة الذل والمهانة والجوع والشقاء وتاقوا للحرية والسلام والعدالة في وطن أحبوه وقدموا أنفسهم قرابين من أجل أن يتخلص من الطاغية البشير وأعوانه.

إن سقوط البشير بات ونظامه بات أمرا حتميا ومسألة وقت لا أكثر، بعد تصاعد المد الثوري وفشل النظام في الاستجابة لمطالب الجماهير الثائرة لكنه اختار التعنت وتهديد الثوار بكتائب مدربة على القمع حريصة على حماية النظام، بحسب تصريح النائب السابق والقيادي الإسلامي علي عثمان محمد طه قبل أيام في لقاء تلفزيوني. وقد اعتبر عديد من المراقبين كلام طه بمثابة إعلان حرب وحرص النظام على التمسك بالسلطة وتخويف الشعب والسعي إلى تركيعه بقوة السلاح.

لقد أسقط البشير نفسه قبل أن يسقطه الثوار حين استبد بالسلطة بدلا من تعزيز التداول السلمي لها، وحين انتهج سياسات عشوائية قدم فيها مصلحة نظامه على مصلحة الشعب، فقبل بتقسيم البلاد دون أن يطرف له جفن، ورفض التصدي للفساد الذي عمت رائحته أنحاء البلاد ويرى آثاره القاصي والداني.

لقد أسقط البشير نفسه بنفسه حين قبل بإرسال شباب الوطن كمرتزقة يقاتلون في حرب لا ناقة لهم فيها ولا جمل في اليمن. لقد أسقط نفسه حين صمت عن قمع أجهزته الأمنية للمتظاهرين ورفض الاستجابة لمطالبهم المشروعة في تغيير النظام وإرساء الديمقراطية والعدالة والحرية.

اقرأ للكاتب أيضا: تعددت الرقصات والإحساس واحد (1)

لقد نجحت ثورة كانون الأول/ديسمبر بفضل إصرار أبناء السودان على رفض الخضوع للظلم وإيمانهم بأن قوتهم في وحدتهم وفي مواصلة عصيانهم المدني والتأكيد على سلمية حراكهم، ووعيهم بأن من حقهم المطالبة بحقوقهم وأن أبناءهم وأحفادهم يستحقون مستقبلا أفضل في وطن يسع الجميع تكون الكلمة فيه لأبناء الوطن ويترأسهم فيه من يختارون.

التحية للثوار الشرفاء، رجالا ونساء وشيوخا وأطفالا، الذين ضربوا أروع مثال في التفاني والوطنية، والويل والثبور لأعداء الشعب من رجال الدين المنافقين والسياسيين الأنانيين وأنصار التيار الإسلامي الذين باعوا دينهم بدنياهم، ورجال الأمن الذين وجهوا رصاص بنادقهم نحو صدور أبناء الوطن وحرصوا على حماية الحاكم المستبد ونظامه بدلا من الوقوف إلى جانب الشعب ومطالبه الشرعية.

ـــــــــــــــــــــ
الآراء ووجهات النظر الواردة في هذا المقال لا تعبر بالضرورة عن آراء أو وجهات النظر أو السياسات الرسمية لشبكة الشرق الأوسط للإرسال (أم. بي. أن).
XS
SM
MD
LG