من المكتبة العربية

بحوث في العربية المعاصرة مؤلفة

هذا الكتاب هي «د. وفاء كامل فايد»، والتي تعمل أستاذة للغة العربية وآدابها بكلية الآداب، جامعة القاهرة، إلى جانب عضويتها بمجمع اللغة العربية بـ «دمشق» ، عضو مراسل، والمجالس القومية المتخصصة بـ «مصر»، بوصفها أحد أبرز المتخصصين في شؤون لغة الضاد، حيث كلفت، من قبل المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم بالمشاركة في تحرير مداخل «موسوعة أعلام العرب والمسلمين»، والصادرة عن المنظمة.

وفي هذا الكتاب، تقدم د. وفاء فايد جل الجهود البحثية التي أسهمت بها، طوال سنوات عديدة، لتتبع ما ألم باللغة العربية من مظاهر وهن في الشارع المصري، منذ مطلع عقد الثمانينات من القرن المنصرم، وحتى نهاياته، وخصوصا من خلال ما أسمته د. فايد ظاهرة تغريب الأسماء التجارية، والتي تقول إن شيوعها الصارخ لم يجد آذانا صاغية لمواجهتها ـ حتى الآن ـ على المستويين الرسمي والشعبي.

بيد أن المنحى السلبي الذي آل إليه حال العربية المعاصرة، في بلد كبير مثل مصر لم يحل دون تضمين «د. فايد» كتابها ما تلمسته من مظاهر التطور الحيوي لهذه اللغة، في حقلي الصحافة والإنتاج الأدبي في هذا البلد، فسجلت تلك المظاهر على محورين: أولهما يتعامل مع الكلمة المفردة، والآخر يتناول التركيب المعياري.

واستندت «د. فايد» في ذلك إلى ما تحتله اللغة العربية من مكانة عالمية مرموقة بوصفها واحدة من أهم خمس لغات كبرى، من بين ثلاثة آلاف إلى خمسة آلاف لغة ولهجة، على مستوى الكوكب.وكب.ومع ذلك فقد لجأ العديد من المصريين .كما تقول

«د. فايد» إلى الأجنبي من الكلمات والتراكيب الغريبة عن لغتهم العربية، وكتابتها بحروف عربية، على واجهات المتاجر ولافتاتها حتى تفاقم الأمر منذ أكثر منذ 20 عاما أو يزيد قليلا وهو الأمر الذي تنبه إليه اللغويون المصريون مبكراً أمثال «د. عبد العزيز مطر» و«حسين نصار» و«د. كمال بشر» في مقالاتهم الصحافية وأبحاثهم العلمية.

وتصف «د. فايد» ظاهرة التغريب اللغوي بأنه شكل من أشكال «الاقتراض اللغوي». بيد أن «د. فايد» ترى أن ظاهرة «التغريب اللغوي» تحمل مفهوماً أشمل من مجرد تبعية أهل لغة للغة أخرى باعتبار أن هذه الظاهرة تمثل أحد أشكال «الاقتراض اللغوي، الذي عرفته اللغات على مدى العصور،

حيث تفاعلت معظم اللغات بعضها وبعض، فتبادلت الاقتراض، لتكتسب اللغة ألفاظا هي بحاجة إليها، فتستقر فيها، وتصير جزءا منها، دون أن يعني ذلك ضعف مكانة اللغة الآخذة باعتبار أن عملية «الاقتراض» تثري اللغة المقترضة، ليصير أحد وسائل تنمية الثروة اللغوية.

وبحسب ما تذكره فالألفاظ المستعارة نوعان: أحدهما تدعو إليه الضرورة، حين تفقد اللغة اسما لشيء معين، فتأخذه من لغة أخرى، باسمه المتعارف عليه وهو ما حدث للغة العربية منذ عصر العرب المبكر، والنوع الآخر ليس له ما يسوغه سوى رغبة الأفراد في الظهور، نتيجة إعجاب أمة بأخرى، والميل إلى تقليدها، وهو ما يحدث الآن تحت اسم «التغريب».

ولهذا، تشدد «د. فايد» على ضرورة التمييز بين مفهومي «التعريب» ـ الذي شهدته اللغة العربية منذ القدم ـ و«التغريب»، الذي يحدث الآن، حيث يأخذ الأول ما تفتقد إليه اللغة من الكلمات الأجنبية، ويطوع هذه الكلمات أو يقربها للصيغ العربية والذوق اللغوي العربي، فيضيف إلى المحصول اللغوي العربي ما ينقص اللغة من ألفاظ، بينما ينقل الثاني ـ أي «التغريب»، اللفظ أو التعبير، من اللغة الأجنبية ويضعه جنبا إلى جنب مع نظيره العربي بعد كتابته بالحروف العربية، حاملا النطق والنبر الأجنبي، ولذلك سمى هذا «تغريبا» أي اتجاهاً إلى الغرب.

وعلى هذا يمكن تقسيم الكتاب إلى أربعة أقسام يتضمن الأول رصدا لظاهرة تغريب الأسماء التجارية في الشارع المصري، وفقا لدراسة مسحية على «القاهرة الكبرى» عام 1983، ويتناول الثاني تتبعا لتطور هذه الظاهرة، من خلال دراسة مقارنة بين عامي 1972 و1983 بينما يكشف القسم الثالث عن حصاد هذه الظاهرة،

كما تجلت عام 1993، في حين يختص القسم الرابع بالبحث في بعض مظاهر الصيغ الصرفية والاصطلاحية في العربية المعاصرة. وذلك إلى جانب العديد من الجداول والبيانات الإحصائية.

والمدهش أن نبل المقاصد من وراء دراسة د. فايد لأشكال التغريب اللغوي في الشارع التجاري المصري لم يقابل بالتعضيد أو العناية الواجبة لدى المسؤولين في إدارة السجل التجاري، أو بوزارة المالية بل أغلقوا الأبواب في وجه «د. فايد» حين طرقتها، لأجل إعداد دراستها العلمية وكان مبررهم المعتاد في ذلك هو دواعي السرية، مما ألجأها إلى مصدر علني هو «دليل الهاتف» الخاص بمدينة «القاهرة» الصادر عام 1983،

والذي يضم عينة عشوائية من الأسماء التجارية، اختارت «د. فايد» منها أكثر من 20 ألف اسم، تمثل 104 أنشطة، تتضمن ما يزيد على 17 ألفا و600 اسم مغرّب وحوالي 2400 اسم غير مغرب. وذلك بعد استبعاد أسماء الشركات الدولية، وأسماء الأعلام، مثل «شامبليون»،و«نابليون»، وكذا الأسماء الأجنبية التي اكتسبت الطابع العربي، مثل «أتوبيس إكسبريس.. الخ».

وقد خلصت الدراسة إلى أن الأنشطة المتضمنة للتغريب تمثل أكثر من 88 بالمئة من العينة الكلية، بينما مثلت الأسماء المغربة ما يزيد على 11 بالمئة من العينة الكلية. وأن اللغة الإنجليزية كانت الأكثر شيوعا، بينما انحصرت الفرنسية في الأنشطة المتصلة بالأزياء والأثاث.

بيد أن أعلى نسبة للتغريب تبدت في الأنشطة السياحية وما يتصل بها من جوانب اللهو، علاوة على الأنشطة الخاصة بأعمال الكهرباء والإلكترونيات والديكور، وشركات الأفلام، ومحال التصوير والزهور، والبوتيكات، بطبيعة الحال.

ووفقا لمؤشرات الدراسة جاءت منطقة وسط «القاهرة» في المرتبة الأولى من حيث نسبة الأسماء المغربة، والتي بلغت حوالي 5,49 بالمئة، يليها حي «الزمالك» بنسبة 4,15 بالمئة، فحي «مصر الجديدة» بنسبة 7,10 بالمئة، ثم باقي الأحياء والمناطق بنسب متفاوتة الانخفاض.

وتنقسم الأسماء المغربة إلى قسمين: أولهما ما اندمجت فيه الكلمة الأجنبية في اللغة العربية، وازداد شيوعها في اللهجة العامية، مثل: «موبيليا، فيديو، بازار، أتومبيل، منيفاتوره، فوتوكوبيا،.. الخ». حيث إن الاسم الدخيل مجموع جمع مؤنث سالم، أو جمع تكسير، مثل أتومبيلات الغربية، «العروبة للموبيليات،.. الخ»،

كما اتصلت أداة التعريف العربية بهذا الاسم الدخيل مثل: «الأهلية للفوتوكوبيا»، كما اتصلت بهذا الاسم ياء النسبة، وهو ما فرض على الباحثة أن تنظر إلى هذه الأسماء نظرة الكلمات المعربة، التي دخلت في نسيج اللغة العربية، وصارت منها.

أما ثاني الأسماء المغربة، فهي ما جاءت فيه الكلمة، أو التركيب الأجنبي، كما هو بلغته الأصلية، وكتب بحروف عربية كالأسماء المختصرة بحروف الهجاء، مثل: «مؤسسة إن ـ تي تي للسياحة» و «آر إن للتجارة الدولية.. الخ»، أو نقل الكلمة الواحدة، مثل «كادو ـ سواريه ـ ستاندارد ـ رويال» أو نحت كلمة من كلمتين أجنبيتين، أو أكثر، بغية استخلاص كلمة واحدة من أكثر من أصل، مثل: «اجيبكو وجبشكو ـ انفودكو» أو نحتا لاسم شخص،

مثل: «فارولكس»، وهي منحوتة من «فاروق + لوكس»، إلى جانب تركيبات أخرى مشوهة وغريبة عن العربية مثل: «دنيا موتورز ـ جزيرة بالاس ـ عنتر فوتوستورز ـ النيل هيلتون»، وهو الأمر الذي اعتبرته «د. فايد» أخطر الأنواع على اللغة العربية بوصفه إخلالاً ببنائها، وإفسادا للحس اللغوي، خصوصا تلك التركيبات التي تأخذ كلماتها معنى واحدا، مثل «بيراميدز الأهرام»، فالأولى إنجليزية، والثانية عربية، حيث تعرب الأولى مضافاً،

والثانية تعرب مضافا إليه، وهو أمر لا يستقيم أن يضاف الشيء إلى نفسه، من غير سماع أو تأويل.وقد عزت «د. فايد» شيوع ظاهرة التغريب إلى عوامل عدة، منها «قصور الوعي اللغوي العام، تزايد أعداد المنتسبين لمدارس اللغات الأجنبية، تشجيع الحركة السياحية، الهجرة المؤقتة والدائمة، التقليد، سياسة الانفتاح الاقتصادي،.. الخ».

وفي هذا الصدد أوصت الباحثة باللجوء إلى التجريم القانوني للأسماء المغربة، وإعمال تنفيذ القانون الذي يوجب استعمال اللغة العربية في المكاتبات واللافتات إلى جانب الحملات الإعلامية المنظمة. بيد أن الدراسات التي قامت الباحثة على إعدادها لاحقا ـ كما تضمنتها أقسام الكتاب الأخرى ـ أظهرت استفحال أمر هذه الظاهرة، حتى يبدو لمن يستشرف النظر إمكان أن يأتي يوم يزيد فيه عدد اللافتات المغربة على اللافتات العربية على حد تعبير «د. فايد».

وفي رصدها لبعض مظاهر تغير الصيغ الصرفية في الاستعمال المعاصر ـ كالأفعال والمصادر ـ لاحظت «د. فايد» تبايناً بينها وبين ما تتضمنه المعاجم العربية وهو اختلاف يشمل البنية اللغوية، أو الاستعمال كالتعدي واللزوم ـ أو في دلالة الصيغ الصرفية. وقد شملت مادة الدراسة لغة الصحافة اليومية والفكرية،

إلى جانب الإصدارات اللغوية العلمية.ففي مجال الاختلاف في بنية الكلمة ودلالتها مثل«استقطب» لاحظت «د. فايد» أن صيغة استفعل من الفعل «قطب» لم ترد في «لسان العرب»، بينما ورد الفعل المجرد في اللسان والمعجم الوسيط متعديا أي جمع وورد بمعنى مختلف عن المعنى الحديث، وإن كان المعجم الأساسي أورده بمعنى قريب من المعنى الحديث، وهو «الاستقطاب»، مثل قوله: «يستقطب الكفاءات»،

وهو ما دعا مجمع اللغة العربية إلى إقرار هذا المعنى المعاصر، بناء على أن كلمة «استقطاب»، وهي صيغة المصدر الذي أخذ منه صيغة الفعل «استقطب»، مأخوذة من اللفظ العربي «قطب» لإفادة الطلب، حيث لا يقال إن «القطب» اسم ذات، لأن المجمع أجاز ذلك في إقراره الاشتقاق من أسماء الأعيان.

كما بينت الباحثة خلو معاجم اللغة من الاستخدام المعاصر لكلمات مثل «هاتف» على صيغة «فاعل» أو «تنامي» و«تماشي»، على صيغة «تفاعل»، وكذا «أفشل» على صيغة «أفعل» وإن كان المجمع اللغوي أصدر قراراً بقياسية تعدية الفعل الثلاثي بالهمزة.كما أقر جواز استخدام المصدر «استبيان» لشيوع استعماله، وكذلك ما نقله اللغويون والنحاة عن جواز الفعل «استعوض» وما ماثله دون إعلان، على أنه لغة قوم يقاس عليها، بينما رفض مؤتمر المجمع صحة استخدام المصدر «التطبيع».

إلا أن المجمع أجاز ما يستحدث من الكلمات المصدرية، على وزن «الفعالة»، بالفتح، و«الفعولة»، بالضم، من كل فعل ثلاثي، بتحويله إلى باب فعل، بضم العين، إذا احتمل دلالة الثبوت والاستمرار، والمدح أو الذم، أو التعجب، مثل: «الزمالة ـ القداسة ـ الفداحة ـ النقاهة ـ العراقة ـ السماكة». وتخلص «د. فايد» من ذلك إلى أن «المعجم العربي الأساسي» سجل معظم الكلمات المستحدثة، على حين وقف «المعجم الوسيط» وقفة حذرة منها،

وهو ما يعكس اتجاهين، أحدهما يرد الاستعمال المعاصر إلى القديم، ثم يحكم بتخطئته، ما لم يكن له أصل عند القدماء، والثاني يغض الطرف عن القديم، ويسجل الكلمات والاستعمالات المعاصرة، دون أن تكتسب الحق الشرعي في الدخول في المعجم. وهو ما حمل «د. فايد» على الدعوة إلى إدماج الاستعمالات المعاصرة في المعاجم المعاصرة، عبر إصدار معاجم خاصة بالتراكيب العبارية، تدرس فيها الكلمات والصيغ في إطار العبارات التي تستعمل فيها، بما يتيح الضبط الدقيق لمعنى الكلمة داخل السياق التركيبي الذي تستعمل فيه.

فكري عبدالمطلب

الكتاب:بحوث في العربية المعاصرة

الناشر:عالم الكتب، القاهرة، 2004

الصفحات 210 صفحات من القطع المتوس

طباعة Email
تعليقات

تعليقات