تعريف العنف الطائفي وانماطه

 

تعريف العنف الطائفي 

اعتبرت المبادرة المصرية للحقوق الشخصية في عملية الرصد والتوثيق أن العنف الطائفي هو: كل استخدام للعنف (مهما كانت درجته أو نوعيته) من قبل فرد أو مجموعة أفراد ينتمي/ ينتمون إلى طائفة دينية ما ضد فرد أو مجموعة أفراد لا ينتمي/ينتمون إلى تلك الطائفة الدينية أو ضد ممتلكاته/هم أو أماكن عبادته/هم، وذلك إذا كان الانتماء الطائفي أحد دوافع استخدام العنف، أو أحد العوامل التي أدت إلى تفاقمه، أو إذا شكل الاعتداء على الشعائر أو المقدسات الدينية أو دور العبادة أحد مظاهر ذلك العنف . 

 

أنماط العنف الطائفي 

تنوعت أنماط حوادث العنف أو التوتر ذي الطابع الطائفي واختلفت تداعيات وقوعها، لكن نوعين من الحوادث استحوذا على النسبة الأكبر، وهما في حقيقة الأمر الأخطر: النمط الأول هو حوادث الانتقام الجماعي الذي يستهدف أتباع ديانة ما في منطقة بأكملها. ونظراً للتركيبة السكانية للمجتمع المصري فإن الغالبية العظمى لعمليات الانتقام تكون من مسلمين تجاه مسيحيين. وتقوم فكرة الانتقام الجماعي على سريان قناعة غير عقلانية تعتقد بمسئولية كافة المسيحيين في منطقة ما عن فعل منسوب لشخص واحد أو أكثر من المسيحيين تجاه شخص واحد أو أكثر من المسلمين، وكذلك بمسئولية كافة المسلمين في تلك المنطقة عن الانتقام لهذا الفعل، بغض النظر عن علاقة القائمين بالانتقام أو المنتقًم منهم بالفعل الأصلي حسب القناعة نفسها. ويرتبط الانتقام الجماعي بمفهومين ظهرا بقوة خلال فترة الرصد هما "هيبة المسلمين وكرامتهم" و"شرف المسلمين". أما عمليات الانتقام من مسيحيين تجاه مسلمين فليست معدومة ولكن عددها ومستوى العنف فيها أقل بدرجة كبيرة، حيث يفضل المسيحيون عند شعورهم بالغضب اللجوء إلى أشكال احتجاج مختلفة مثل التظاهر والاعتصام، ودائماً ما يلجئون إلى الكنيسة لمطالبتها بالتدخل نيابة عنهم.

 

النمط الثاني يرتبط بممارسة المسيحيين لشعائرهم الدينية حال قيام المسيحيين بالصلاة أو محاولة الصلاة في أحد المنازل أو المباني، أو محاولة تحويل مبنى إلى كنيسة أو بناء كنيسة جديدة أو توسعة كنيسة قائمة. ولا يقتصر هذا النمط من العنف الطائفي على مكان بعينه أو محافظة بذاتها، وإنما ينتشر على طول الإقليم المصري بداية من الإسكندرية مروراً بالشرقية وصولا إلى القاهرة ثم نزولا إلى بني سويف والمنيا.

 

الاعتراض على إقامة المسيحيين للصلاة لم يكن من المسلمين فحسب؛ بل إن ممثلي الدولة في أكثر من حالة هم من يرفضون تجمع المسيحيين للصلاة في أحد المنازل، أو يقومون بإلقاء القبض على المصلين والتحقيق معهم. وفي كثير من الحالات كان رفض ممثلي الدولة هو العامل المشجع للمسلمين على إعلان رفضهم لإقامة المسيحيين لصلواتهم، نتيجة للشعور بالوقوف في خندق واحد مع الدولة. كما رصدنا حالات تورط فيها ضباط الشرطة في عمليات التحريض ضد وجود مبنى لصلاة المسيحيين في مكان ما. وفي كل الحالات التي رصدناها كانت أجهزة الأمن تقوم بإغلاق المبنى الذي أقيمت فيه الصلوات "دون تصريح" ووضع حراسة دائمة أمامه أو أمام المنزل الذي أجريت فيه الصلاة الجماعية لضمان عدم تكرار الصلاة.

 

كما تم في حالات عديدة منع مسيحيين من بناء أو استكمال بناء منازل أو عقارات على أراضيهم لتشكك أجهزة الأمن في نية القائمين على البناء تحويله إلى كنيسة أو بيعه للمطرانية. وفي بعض الحالات كان يتم منع المسيحيين من ترميم كنائس قائمة ومرخصة من قبل مسئولين في الدولة، أو حتى طلب إزالة صلبان من عليها.

 

بالإضافة إلى النمطين الغالبين من أنماط العنف الطائفي اللذين تم التعرض لهما أعلاه، فإن هناك نمطين آخرين أقل بروزاً: الأول هو استهداف الكنائس والذي كان ملحوظا خلال فترة الرصد سواء عن طرق تفجير عبوات ناسفة أمامها أو إحراقها عمداً أو تكسير صلبانها في جنح الظلام. أما النمط الثاني فهو القتل العمد على أساس الهوية الدينية. وكان تواجد الأسلحة النارية في أيدي المواطنين والذي وصل إلى درجة حمل الأسلحة الرشاشة سريعة الطلقات عاملاً هاماً ساهم في فداحة نتائج جرائم القتل العمد على أساس الهوية الدينية، على الرغم من أن عدم وجود هذه الأسلحة لم يمنع من وقوع مثل تلك الجرائم باستخدام الأسلحة البيضاء.

 

لا يمكن تجاهل عنصر استهداف المصالح الاقتصادية للمسيحيين في معظم أحداث العنف الطائفي سواء كانت أحداث انتقامية أو متعلقة بدور العبادة. فعلى الرغم من أن القانون المصري يعتبر حرق المنازل والممتلكات جناية تصل عقوبتها إلى السجن المؤبد، إلا أنه يمكننا القول إن حرق المنازل في خضم أحداث العنف الطائفي أصبح أمراً معتاداً ومكرراً إلى درجة الروتينية، يقوم به المعتدون دون أدنى مبالاة بالقانون وأحكامه الرادعة. كما يتواتر تخريب المنقولات والأراضي الزراعية والمنشآت التجارية والصناعية. ومن فرط تكرار مثل هذه الحوادث وتشابهها، فإن الكثير من الضحايا المسيحيين الذين تحدث إليهم باحثو المبادرة المصرية للحقوق الشخصية أصبحوا يعتقدون أنهم مستهدفون اقتصادياً بغرض إفقارهم أو دفعهم لمغادرة البلاد.


يلعب ترويج الشائعات دوراً مؤثراً في وقوع المصادمات الطائفية أو عاملاً مساعداً على تصاعدها وتفاقم نتائجها. ففي أحداث العنف التي تلت إطلاق النار على المسيحيين في نجع حمادي في يناير 2010 كانت شائعة إحراق مسجد من قبل مسيحيين وشائعة مقتل مسلم على يد مسيحي من بين أكثر الشائعات رواجاً. وبسبب تكرار ترويج مثل تلك الشائعات وخطورتها البالغة رأت المبادرة المصرية للحقوق الشخصية في تقريرها "شهود على الفتنة" أن أي تحقيق شامل في تلك الأحداث يجب أن يشمل استجلاء الحقيقة بشأن مصادر الشائعات والمسئولين عن ترويجها.