هل يبطلون "حلف الدم"؟.. الدروز في الجيش الإسرائيلي بين القيادة ورفض الخدمة

أظهرت دراسة أجراها مؤتمر هرتسيليا الإسرائيلي السنوي أن 54% من الدروز يرفضون التجنيد، فيما ذكرت دراسة لجامعة حيفا أن 65% منهم يرفضون الخدمة العسكرية.

جنود إسرائيليون يستريحون أثناء التدريب في الجولان السوري المحتل (وكالة الأنباء الأوروبية)
جنود إسرائيليون يستريحون أثناء التدريب في الجولان السوري المحتل (وكالة الأنباء الأوروبية)

أثار تعيين الجنرال الدرزي، غسان عليان، منسقا لشؤون الأراضي الفلسطينية في وزارة الأمن الإسرائيلية، النقاش حول واقع الدروز في جيش الاحتلال، مع العلم أنه أتى خلفا للجنرال الدرزي، كميل أبو ركن، الذي تولى هذا الموقع خلال السنوات الماضية.

الأسئلة التالية تسلط الضوء على الدور، الذي يشغله الدروز في جيش الاحتلال وحجمه، ولماذا يتصاعد هذا الدور؟ ومدى وجود معارضة درزية داخلية لهذا الانخراط في المؤسسة الأمنية والعسكرية الإسرائيلية.

كم يبلغ عدد الدروز في إسرائيل؟

يعيش اليوم في إسرائيل قرابة 143 ألف نسمة، بنسبة 1.6% من سكان إسرائيل، ونسبة 7.6% من مجمل السكان العرب فيها موزعين على العديد من المناطق، لا سيما الجليل والكرمل والجولان، وشغل عدد منهم عضوية الكنيست، وتقلدوا مواقع حكومية ووزارية ودبلوماسية في الحكومات الإسرائيلية.

متى بدأ انخراط الدروز في الجيش الإسرائيلي؟

تتفاوت التقديرات الإسرائيلية حول تاريخ محدد لهذه المسألة، مرجحة أنه منذ قيام إسرائيل في 1948 تطوع الدروز للخدمة في الجيش، ضمن كتيبة ضمت الدروز والبدو والشركس، تحقيقا لما سمي في حينه بـ"حلف الدم"، الذي شرعنه ديفيد بن غوريون أول رئيس حكومة إسرائيلية.

 

وفي 1956، وبعد عقد اتفاق مع زعيم الطائفة الدرزية، تم سن قانون يلزم الدروز بالالتحاق بالجيش، وفي 1974 نشأت الكتيبة الدرزية المسماة "حيرف"، وتعني السيف، وهي قوة برية في عداد القوات النظامية للجيش، معظم جنودها من الدروز، عقب اتخاذ قرار بدمج جميع وحدات الأقليات تحت قيادة واحدة.

وقال رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، إن "إخواننا الدروز شركاء في حفظ الأمن الإسرائيلي، وسنعزز مكانتهم في الجيش الإسرائيلي"، واعترف يعكوف شيمعوني، الدبلوماسي الإسرائيلي بوزارة الخارجية، أن "قرار تجنيد الدروز في الجيش الإسرائيلي أتى ليكونوا حربة نطعن بها القومية العربية، ونؤثر فيها على دروز سوريا ولبنان".

ما أهم المهام التي يخدم فيها الدروز بالجيش الإسرائيلي؟

تبلغ نسبة الدروز، الذين يؤدون الخدمة العسكرية في الجيش الإسرائيلي 85%، وهي تفوق نسبة اليهود المنخرطين في صفوف الجيش، كما سجّلت الحروب التي خاضتها إسرائيل مقتل قرابة 400 درزي، ممن خدموا في مختلف وحدات جيش الاحتلال، خاصة ألوية المشاة المختارة المقاتلة، والشرطة، وحرس الحدود.

 

ومن الأسماء البارزة في جيش الاحتلال غسان عليان الذي قاد لواء غولاني، وأصيب خلال حرب غزة الأخيرة 2014 بجراح بليغة بنيران مقاتلي حماس، وفي 2018 قتلت كتائب القسام الجناح العسكري لحماس الضابط الدرزي "م"، قائد الوحدة الإسرائيلية الخاصة التي تسللت لقطاع غزة.

هل يعاني الجنود الدروز من التمييز العنصري ضدهم؟

تنشر وسائل الإعلام بين حين وآخر بعض ما يعانيه الجنود الدروز من معاملة سيئة بلغت حد التعذيب المعنوي والبدني، والإساءات والإذلال من الجنود اليهود، فأحدهم تمت مقاطعته من قبلهم، ورفضوا التحدث معه، ووصفوه بأنه "كلب، وإرهابي فلسطيني".

وهناك جندي درزي آخر طلب منه ضابطه اليهودي ذات مرة أن ينظف المرحاض، وحين رفض، مُنع من دخول غرفة الطعام، ولم يُحضر له طعام 3 أيام، وحين قدم شكوى لقادته، تجاهلوها، ولم يتورع أحدهم عن زجره قائلا "ليس لدي وقت الآن، انصرف من هنا أيها العربي".

الدروز يشكون من التمييز ضدهم وشاركوا في المظاهرات التي خرجت في إسرائيل ضد قانون القومية عام 2018 (الأوروبية)

فيما طالب الحاخام مائير كهانا، زعيم حركة "كاخ"، بطرد الدروز من إسرائيل، رغم خدمتهم في الجيش، قائلا بسخرية "يجب أن نحرص على توفير حافلات مكيفة لهم أثناء الطرد".

كم تبلغ نسبة معارضة الدروز للخدمة في الجيش الإسرائيلي؟

شهدت السنوات الأخيرة انقسامات داخل المجتمع الدرزي بشأن الخدمة العسكرية في الجيش الإسرائيلي، ويشهد المجتمع الدرزي تحركا ملحوظا لرفض التجنيد الإجباري المفروض على شبانه، كما رفضت المرجعيات الدينية الدرزية في لبنان وسوريا رفضا قاطعا أي تعامل مع جيش الاحتلال.

ونظمت لجنة المبادرة العربية الدرزية في الأعوام الأخيرة قرابة 265 نشاطا مناهضا للخدمة العسكرية، لزيادة الوعي بخطورتها، وتمثلت النتيجة بارتفاع نسبة رافضي الخدمة الإجبارية بالجيش، وتقدر اليوم بـ60%.

وأظهرت دراسة أجراها مؤتمر هرتسيليا الإسرائيلي السنوي أن 54% من الدروز يرفضون التجنيد، وذكرت دراسة لجامعة حيفا أن 65% منهم يرفضون الخدمة العسكرية، وحذر المؤتمر خلال دورتين متتاليتين مما أسماه فقدان الدروز في صفوف الجيش، ودعا دوائر صنع القرار العسكري لتجديد مساعي احتوائهم.

أمل جمال، أستاذ العلوم السياسية بجامعة تل أبيب، وهو درزي يقيم ببلدة العمدة حبيش، قال إن "إستراتيجية نتنياهو تهدف لإشعال نار الانقسامات الداخلية في المجتمع الدرزي، وإن قطاعات منهم يتساءلون بشكل متزايد عما إذا كانوا تكبدوا ثمنا مضاعفا مقابل موافقتهم على الخدمة في الجيش الإسرائيلي".

متى بدأت المعارضة الدرزية للخدمة في الجيش الإسرائيلي؟

منذ أواخر 1970، بدأت لجنة المبادرة العربية الدرزية، حملات لإلغاء تجنيد الدروز، وأصدر الشيخ فرهود فرهود، أول عريضة ضد التجنيد الإجباري، ثم توالت العرائض الرافضة للقانون، وفي السنوات الأخيرة، شهد الدروز تحركا ملحوظا لرفض التجنيد المفروض على شبانهم مع تأسيس حراك "أرفض.. شعبك بيحميك" و"نحن حراس الأرض مش حراس حدود"، وتوفر هذه الحراكات شبكة دعم للرافضين أو الممتنعين عن التجنيد، التي تشمل متطوعين محامين وأخصائيين نفسيين.

تتحدث الأوساط العربية داخل إسرائيل عن وجود العشرات من الشبان الدروز، الذين يرفضون الخدمة العسكرية، وتم اعتقالهم في سجون عتليت وصرفند؛ لأنهم يرفضون حمل السلاح ضد شعبهم الفلسطيني، ولا يستطيعون الانخراط في الجيش، الذي يمنع الفلسطينيين من الوصول لأراضيهم؛ مما يعكس ارتفاع مستوى الوعي الوطني والقومي.

غالب سيف، رئيس لجنة المبادرة العربية الدرزية، يقول "أعيش صراعا داخليا قاسيا جدا لأنني فلسطيني، وأجبرت على الخدمة في صفوف الجيش الإسرائيلي، ومنذ انسحابي منه وحتى اليوم، أرفض وأقاوم التجنيد الإجباري، ولدي 4 أبناء رفضوا الالتحاق بالخدمة العسكرية، وأدفعُ وإياهم ثمنا باهظا مقابل ذلك، وهو حال الآلاف من الشبان الدروز الذين يعتقلون، ويطردون من أماكن عملهم؛ لأنهم يرفضون الانخراط في الخدمة العسكرية داخل صفوف الجيش".

ما هي مبررات الدروز في رفض الخدمة العسكرية؟

تشير أرقام الجيش الإسرائيلي أن نسبة الرافضين الدروز للخدمة العسكرية آخذة بالارتفاع، وهي معدلات أثارت المخاوف لدى جنرالاته؛ لأن التوقعات تشير إلى تواصل ارتفاعها في السنوات القادمة.

وإن نسبة رفض الدروز للخدمة العسكرية بجيش الاحتلال تزيد مع اندلاع أحداث مفصلية مع الفلسطينيين، تمثلت في انتفاضة الحجارة 1987، وانتفاضة الأقصى 2000، وحروب غزة الأخيرة بين 2008-2014؛ مما أثار طرح العديد من التساؤلات حول الأسباب التي أدَّت إليها ظاهرة رفض الخدمة العسكرية من الدروز، سواء ما يتعلق باستيقاظ ضمير المجندين، أم خوفهم من الموت والهلاك، أم هي أزمة بنيوية حاقت بالمجتمع الإسرائيلي، بمن فيهم الدروز، واعتبارهم لممارسات جيش الاحتلال الذي يخدمون فيه بأنها "لا أخلاقية وفاسدة".

عمير جمال، الضابط الدرزي في الجيش الإسرائيلي، برتبة نقيب، أعلن أنه سينسحب من الخدمة في الجيش الإسرائيلي، وطالب قادة الطائفة الدرزية بدعوة الشباب لرفض سياسة التجنيد الإلزامي، والعمل على وقفها.

الشيخ نمر نمر من لجنة المبادرة الدرزية أعلن "رفض الخدمة الإجبارية في الجيش الإسرائيلي من منطلقات قومية ووطنية، وضميرية وأخلاقية وإنسانية معا، فنحن عرب أقحاح شاءت إسرائيل أم أبت، والحكومات المتعاقبة دأبت على فرض هذه الخدمة لدق أسافين التفرقة بين أبناء الشعب الواحد، وتجزئته إلى طوائف".

كيف تتعامل إسرائيل مع رافضي الخدمة العسكرية الدروز؟

يُعرض رافضو التجنيد الإجباري من الدروز في الجيش الإسرائيلي لمحاكمات عسكرية، التي تحكم على رافض الخدمة بالسجن من 5 إلى 30 يوما، ثم يطلق سراحه ليتم استدعاؤه مرة أخرى، والحكم عليه بالسجن فترة مماثلة، وهي أحكام قد تتكرر مرات عدة، في محاولة للضغط على رافض التجنيد للتأثير على قراره، ودفعه للعودة عنه، قبل أن يتم تحويل ملفه للنيابة العسكرية.

المصدر : الجزيرة

حول هذه القصة

ما إن أنهى الشاب الفلسطيني عمر زهر الدين سعد (18) دراسته بالمرحلة الثانوية حتى وجد نفسه داخل سجن عسكري، لرفضه الخدمة في جيش الاحتلال الإسرائيلي المفروضة على طائفته داخل أراضي فلسطين 1948.

جددت إسرائيل مساعيها من أجل تطويع فلسطينيي الداخل وأسرلتهم بفرض الخدمة العسكرية عليهم والربط بينها وبين المساواة المدنية، في حين يرفض هؤلاء بشدة وسائل الترغيب والترهيب الإسرائيلية الرامية لذلك.

فضل الشاب الفلسطيني عمر زهر الدين السجن على الانخراط في صفوف جيش الاحتلال وإشهار السلاح في وجه أشقائه، ولم يتردد في الاحتجاج قبالة مكتب التجنيد الإسرائيلي في طبريا لإسقاط قانون “التجنيد الإجباري” المفروض على شباب الطائفة الدرزية التي ينتمي إليها.

بعد كل عملية فدائية ينفذها فلسطينيون ويُقتل فيها أفراد من الطائفة الدرزية منخرطون في الخدمة العسكرية الإسرائيلية، تتعالى الأصوات المنادية برفض الالتحاق بالخدمة، وأهمية عدم مشاركة الدروز بحمّام الدم الفلسطيني.

المزيد من سياسة
الأكثر قراءة