تفعيل المشاركة المجتمعية لمواجهة الموجة الثالثة

6 June 2021

نشر فى : السبت 1 مايو 2021 - 7:15 م في جريدة الشروق

لا شك أن أولوية المجتمع الآن (الدولة والناس) هى مواجهة واحتواء ذروة الموجة الحالية من كوفيدــ19، فى ظل حقيقة بطء إجراءات التطعيم للمواطنين والمواطنات، والذى يأتى فى إطار العدد المحدود من المتاح من الجرعات، والمشاكل المتعلقة بعملية التسجيل، وأيضا المشاكل المتعلقة بترتيب الأولويات فى التطعيم، ما جعلنا فى الشريحة الدنيا فى ترتيب الدول التى طعمت مواطنيها ومواطناتها.

فى سياق الموقف العالمى، شاهدنا وقرأنا عن تفشى موجة عنيفة من الوباء فى الهند، بطريقة مفاجئة، وغير متوقعة، وفى وقت زمنى قصير، حيث لم تعد العديد من المستشفيات قادرة على التعامل مع تدفق المرضى. وتدهور الموقف فى الهند يستدعى القلق العالمى لأن ذلك سيحرم العديد من دول العالم، التى تعتمد على مبادرة كوفاكس، فى توفير اللقاحات لشعوبها، باعتبار الهند من أكبر دول العالم فى إنتاج اللقاحات، والمصدر الأساسى للتوريد لمبادرة كوفاكس. ورغم أن ما حدث فى الهند يحتاج لدراسات وأبحاث معمقة لفهم الأسباب وراء هذا الارتفاع الحاد المفاجئ، إلا أن التقديرات الأولية تشير إلى أن سلالة جديدة (تغييرات جديدة فى الفيروس)، مع سماح الحكومة باحتفالات وتجمعات واسعة النطاق ذات طبيعة دينية، وعدد سكان الهند الضخم، قد تكون عوامل ساهمت فى انتشار الوباء بشكل غير مسبوق. ويكفى للدلالة على خطورة الوضع فى الهند تصريح مدير منظمة الصحة العالمية أن «الوضع فى الهند يتجاوز ما يفطر القلوب». وبالطبع تحتاج الهند إلى تضامن واسع من باقى دول العالم، ومن المنظمات الصحية الدولية، حتى تتجاوز هذا الموقف الصعب، فلن تكون بقية دول العالم فى أمان طالما ظلت الهند فى هذه المأساة الإنسانية.
***
إن ما حدث من ارتفاع مفاجئ للإصابات والوفيات فى الهند، دون مقدمات، يتطلب مراجعة لإدارة الأزمة فى اللحظة الحالية لدينا، ومع التقدير لجميع المجهودات المبذولة من الدولة، إلا أن اللحظة الحالية تستدعى تنشيط أدوات التأهب الشديد والاستعداد، والاستفادة من جميع مكونات المجتمع، وضرورة المشاركة المجتمعية.
فى الوقت الحالى، والذى تتزايد فيه أعداد الإصابات والوفيات، بحسب البيانات الرسمية، ومن واقع ما يتم ملاحظته ورصده، هناك فرصة جيدة للاستعداد لتجنب ما حدث فى دول أخرى، وللتحكم والسيطرة على الوباء. يجب اتخاذ تدابير الصحة العامة والتشديد على الإجراءات الوقائية فى الأماكن العامة، وأماكن العمل، ومنافذ الدخول مثل المطارات والموانئ، والمدارس والجامعات، وأماكن التجمعات الترفيهية مثل المقاهى والمولات والمطاعم، والتجمعات الدينية، ولو لزم الأمر اللجوء إلى الغلق الجزئى، كما حدث خلال الموجة الأولى.
وفى نفس سياق الاستعداد والتأهب لمواجهة الموجة الحالية من الجائحة، تشير بعض التقديرات إلى أن نسبة العاملين والعاملات فى القطاع الصحى الذين تلقوا التطعيم قرابة 20%، وهو ما يمثل تحديا كبيرا، خاصة أنهم يعملون فى الخطوط الأمامية فى المواجهة ضد الجائحة، ويستلزم هذا الأمر مجهودات كبيرة من قبل وزارة الصحة للإقناع بالإقبال على التطعيم. وأيضا فى هذه المرحلة الحرجة نحتاج لحملات مكثفة لإقناع المجتمع بمزايا التطعيم.
بالإضافة إلى التحديات السابقة، أثير الكثير من اللغط حول أعداد الأطباء الذين توفوا بسبب الفيروس، حيث صرحت الوزيرة أنهم قرابة 115 فقط، وليس 500 كما وثقت النقابة العامة للأطباء. والواقع أن تصريحات الوزيرة جانبها التوفيق فيها، لأنه بفرض أن سبب الوفاة عدوى من المجتمع، فالحقيقة أنهم أصيبوا بها أثناء تأدية عملهم فى مواجهة الوباء، وذلك سواء فى مستشفيات عامة أو حتى خاصة، أو عيادات خاصة، أو خلال رعايتهم للمواطنين والمواطنات فى منازلهم، بسبب تكدس المستشفيات العامة ونقص العمالة بها. ومن ناحية تنظيمية وقانونية، وزارة الصحة مسئولة عن الصحة العمومية، وتدابير الصحة العامة، ومكافحة العدوى، بما يشمل حماية جميع الفرق الطبية، وذلك فى جميع القطاع الصحى المصري؛ عام وخاص وأهلى.
ومع وجود مؤشرات لتزايد انتشار العدوى، حتى فى بيانات وزارة الصحة، يجب بناء جسور الشراكة مع مكونات المجتمع بأكمله، بما يشمل النقابات المهنية الطبية، ومؤسسات المجتمع المدنى، ومع كل من يقدم دورا فى المواجهة، وعدم الدخول فى مشادات جانبية، لن تفيد أحدا، ولن تفيد معركتنا ضد الوباء.
***
والحديث عن الشراكة مع مكونات المجتمع ليس جديدا، ولكن تبرز أهميته الآن فى ظل الموجة الثالثة، ويجب أن تكون شراكة حقيقية مبنية على احترام جميع الأطراف لبعضها البعض. وحتى تتحقق الشراكة مع المجتمع يجب الالتفات إلى توصيات المجتمع المدنى على الأداء، والتعامل معها بجدية وتبنيها، خصوصا فيما يتعلق بحماية المجموعات الأكثر عرضة لمضاعفات الفيروس وحماية الطواقم الطبية، وتوفير التطعيمات لهم، والعمل بشكل حقيقى على تطعيم الفئات ذات الأولوية أولا مثل كبار السن وأصحاب الأمراض المزمنة والطواقم الطبية والعاملين والعاملات فى القطاعات الأساسية (مخابز ومحطات كهرباء ومياه ومواصلات عامة.. إلخ)، كما يمكن لوزارة الصحة اللجوء إلى متطوعين ومتطوعات لمساعدتها فى رفع الوعى بأهمية التطعيم أو حتى المساعدة المباشرة فى حملة التطعيم نفسها، كما يمكن للوزارة الاستفادة من الخبرات من خارجها، وفتح قنوات اتصال مع المجتمع المدنى ومنظماته التى تعمل على الصحة للاستفادة من توصياتها وإشراكها فى وضع السياسات.
وفى الخلاصة، إن تكاتف الجهود مع الدولة، وعدم الدخول فى معارك جانبية لن تفيد أحدا، والانضباط والتوازن فى التصريحات التى تصدر من التنفيذيات والتنفيذيين الصحيين، والشفافية، تعد عوامل حاسمة وأساسية فى خلق إطار مشترك للعمل الجماعى لمواجهة واحتواء هذه الموجة من الجائحة.