حميد زناز  

ليس من الغريب أن يرفع اليوم راشد الغنوشي زعيم الاخوان في تونس راية التهديد بالعنف متكئا على كل هؤلاء الذين تلاعب بعقولهم   في تونس منذ أكثر من اربع عشريات و ليس من الغريب أيضا أن ينتفض من غيّب عقولهم  الاخوان في كل مكان للدفاع عن النهضة ، ممثل الاخوان في تونس إذ منذ نشأتها و جماعة الاخوان المسلمين تغرس افكارها في وعي الشباب و لاوعيهم بطرق خبيثة مباشرة و غير مباشرة عبر تسللها للمدرسة و المسجد ووسائل الاعلام في جل البلدان العربية.

وقد تمكنت فعليا من الوصول الى الوف الشبان و قولبت فكرهم بما يخدم مصالح زعمائها و اهدافهم القريبة و البعيدة.  كل هذا امام مرآى  و مسمع جل السلطات العربية و الاوروبية التي لم تقف من الجماعة موقفا حاسما و فتحت لها المجال واسعا لتجنيد الشباب و جلبهم نحو ايديولوجيتها الفاشية. 

و على عكس ما يدعي كثير  من الباحثين العرب  والاجانب   و كثير  من السياسيين، فهذه الجماعة هي مصدر الارهاب في العالم إذ ولدت من رحمها و تفرعت كل التيارات الاسلاموية الجهادية. لقد قدّمت الجماعة خدمة كبيرة لكل من يريد الانتقال من كتب حسن البنا وسيد قطب النظرية إلى التطبيق العملي والشروع في ممارسة العنف والإرهاب لاسترداد ما حلم به الزعيمان ويحلم به الإخوان حتى اليوم : استرداد الزعامة بالعودة إلى الخلافة. لقد زرع الإخوان أمام مرأى ومسمع الجميع في وعي ولا وعي الكثيرين فكرة سامّة تعرقل كل تعايش مع الآخر يبرر من خلالها الإرهابيون أفعالهم وكرههم للغير، مفادها أن العالم كله ضد المسلمين ، ولا يتوقف عن التآمر عليهم ومحاربتهم كي لا يتمكنوا من إعادة الخلافة، مصدر قوتهم ووحدتهم وقيادتهم للعالم .

جماعة الاخوان المسلمين هي  الركيزة النظرية للإسلام السياسي منذ 1928 وفي كل مرة تفرّخ فئة تحاول أن تطبق أفكارها على الأرض، تارة عن طريق الضغط والتأثيم، وتارة أخرى عن طريق العنف، وكان آخرها تنظيم داعش الإرهابي. و الاختلاف الوحيد بين جماعة الإخوان وداعش هو في الطريقة المتبعة للوصول إلى المبتغى، وهو تطبيق ما يسمّى "شريعة" وإعادة ما يسمّى "خلافة" وأسلمة الوجود والسيطرة على العالم كله. وكلاهما يخدم الآخر بوعي دائما ودون وعي أحيانا، فالإخوان يستغلون الوحشية التي يرتكبها الدواعش ليقدموا أنفسهم على أنهم إصلاحيون مسالمون يمثلون حصريا الإسلام الحقيقي المعتدل. فيما يستغل الدواعش من جهتهم موقف الإخوان المخاتِل والمهادن ظاهريا ليقدموا أنفسهم للناس كثوريين وكدعاة لإسلام قوي، لا يساومون في المبادئ والعقيدة.  وتبقى المسألة مسألة توزيع أدوار ولو كان ذلك عن بعد. 

ولئن كانت فكرة الخلافة فكرة إخوانية روّجوها منذ نشأتهم في العالم العربي، فإن فكرة الإسلاموفوبيا هي فخ نُصب للمسلمين المقيمين في الغرب واليسار الأوروبي. وقد سقط فيه الكثير من المسلمين ومعظم اليساريين الأوروبيين، إذ استبدلوا كلمة عنصرية بكلمة إسلاموفوبيا وبات في رأيهم معاديا للمسلمين وعنصريا كل من انتقد الإسلاميين في أوروبا وعلى رأسهم جماعة الإخوان. أما المسلمون الشباب الذين خدعوا بتلك العبارة/الفخ فقد باتوا ينظرون إلى مجتمعاتهم الغربية نظرة عدائية باعتبارها معادية لهم ولدينهم، وهو ما سهّل تجنيدهم في صفوف داعش ومن ثم استخدامهم للقيام بعمليات إرهابية في الغرب، كما حدث في فرنسا وبلجيكا وألمانيا وبريطانيا. 

ولكن الغريب في الأمر أن لا دراسة واحدة أشارت إلى دور الإخوان المسلمين من كل تلك الدراسات التي صدرت في الغرب والتي تحاول فك لغز تطرف الشبان المنحدرين من عائلات إسلامية وسرّ هجرتهم وهم في سن المراهقة للمشاركة في الحروب التي كانت تخوضها داعش ويقتلون ويُقتّلون بعيدا عن أهلهم وأوطانهم. 

وتركّز التفسيرات على العمل الدعائي الذي يخدع به تنظيم داعش الشبان على الشبكة العنكبوتية وعلى الخصوص على صفحات التواصل الاجتماعي كأن الأمر يتم في العالم الافتراضي فقط، متجاهلة العمل التعبوي الذي يقوم به الإسلاميون في العالم الواقعي وعلى رأسهم جماعة الإخوان والذي لولاه لما تم اصطياد الشبان بتلك الطريقة السهلة. فالإخوان وحلفاؤهم هم الذين شحنوا المراهقين والمراهقات وحضّروهم للانصياع لداعش بخطاب الكره والعنف في المساجد التي يسيطرون عليها وهي بالعشرات في فرنسا والمراكز الدينية والنوادي الرياضية التي يشرفون عليها علاوة على المعرض السنوي الكبير الذي يقام في بداية كل ربيع بالبورجي قرب باريس. أحصى مدير "مرصد الاسلمة في فرنسا" حوالي 450 مسجدا في فرنسا تسيطر عليها جماعة الاخوان تشرف عليها جمعية "مسلمي فرنسا". و تشرف هذه الجمعية الاخوانية حتى على مدرسة لتكوين الائمة في فرنسا. 

ولم يتوقف الاخوان من ارسال عبارات فضفاضة إلى أذهان الشباب كـ"الإسلام هو الحل" و"العلمانية لا تتماشى مع مجتمعنا المسلم "، لتتحول تلك الرسائل إلى قنابل جاهزة للاستدعاء وقت اللزوم. ولذلك فمن السذاجة التركيز على ما يجري في العالم الافتراضي ومحاولة إلصاق التهمة به فقط في مسألة انتشار التطرف، فبذور التطرف تزرع داخل مساجد الإخوان والسلفيين وفي محيطها، ثم تأتي الإنترنت لتقديمها إلى أكبر عدد ممكن، فهي رافد مُسرّع للتطرف وليس صانعا له كما يريد أن يوهمنا الإعلام واليسار الفرنسيين.

تسللت ايديولوجية الاخوان الى الثقافة العربية بطرق شتى بل اصبحت ثقافة المجتمع العامة الى درجة أصبح   الشبان والشابات لقمة سائغة وثمرة "متأخونة" ناضجة سرعان ما التهمها خطاب داعش و القاعدة و النصرة و غيرهم من التجمعات الارهابية ، إذ وجد فيه  هؤلاء الشبان استمرارا عمليا للفكر الإخواني الذي يحملون. وهذا العمل التحضيري والتربّص المستمر في ورشة الإخوان الأصولية الذي جرى في بلداننا و يجري اليوم في فرنسا وأوروبا عموما في غفلة من السلطات السياسية والإعلامية هو الذي تستثمره الجماعات الإرهابية لتجنيد الانتحاريين والإرهابيين الذين تربصوا وتكونوا سياسيا في مدرسة الإخوان والذين كانوا قبل أن يُكتشف أمرهم يعملون في كل مكان كل ما في وسعهم لبرمجة عقول الناس منذ صغرهم، من أجل تحضير البيئة العقلية والفكرية المناسبة لتنظيمات إرهابية مثل داعش.