حميد زناز                                                      

ياسمين محمد مناضلة علمانية شابة تندد بعنصرية السلطات الكندية التي لم تنجدها و لم تجد فيها ادنى العون عندما حاولت تحرير نفسها من عنف عائلتها الاصولية. لقد أعادتني تلك السلطات الى "ثقافتي" بينما انا مولودة في كندا وثقافتي كندية، هكذا تقول في كتابها الصادر أخيرا باللغة الانغليزية : "خلعت الحجاب / كيف يقوّي الليبراليون الغربيون الاسلام المتطرف".                      

 ولدت ياسمين في فانكوفر المدينة الليبرالية الكندية المعروفة بانفتاحها و غناها. كان بإمكان ياسمين محمد أن تصبح شابة كندية مثل الاخريات. و لكن من سوء حظها أنها ولدت في عائلة مسلمة اصولية متكونة من ام متسلطة و زوج امها العنيف الذي يضربها و يزجرها و يجبرها على ارتداء الحجاب و يمنعها من الاختلاط او التعاطف مع غير المسلمين ، "الكفار".  

  تتهم الكاتبة العدالة و الهيئات الاجتماعية الكندية على عدم الاهتمام بطلب النجدة التي قدمته   لها و هي في  سن الثانية عشرة بتشجيع من استاذها. من المحزن و المؤسف و الاجرام انها لما سردت على القاضي ما  تلقته من ضرب و ما اظهرت له من اثار الحروق على جسدها و رفضها العيش تحت حجاب رد عليها هذا القاضي الجاهل : "انها سلوكات عادية في مجموعتك الدينية و لا نريد ان نتدخل في ذلك"!  انها العنصرية ذاتها !  لقد طلب مني القاضي ان أتحمل الضرب و التعذيب لان ذلك من "ثقافة" مجموعتي الاثنية و عائلتي ومن هنا فانا في نظره لست كالكنديات الاخريات و لا اتمتع  بحقوقهن في نظره المريض. انها العنصرية عينها. لم أشعر في حياتي بخيانة كهذه، تألمت كثيرا، تقول ياسمين، أصبت باكتئاب شديد بعد ذلك، مصحوبًا بأفكار انتحارية. لقد خانتني كندا. خانني الغرب كله.   

تنتبه الكاتبة الشابة الى ما لم يدركه حتى بعض المثقفين الكبار في الغرب بعد و هو أن الاصولية الاسلامية تحرم البنات من حياة حرة حتى في الغرب ذاته بل تسطير على حياتهن أكثر مما هو الحال في بلاد الاسلام. تحكى ياسمين عن زياراتها لبلدها الاصلي مصر و كيف اكتشفت ان قريباتها في القاهرة اكثر حرية منها هي التي تعيش في مدينة فانكوفر. تتحدث بمرارة عن تزويجها بالقوة من جهادي له علاقة بتنظيم القاعدة و قريب من الارهابي الهالك اسامة بن لادن. هذا الزوج الارهابي الذي كان يغتصبها و بلغت به الوحشية حتى لمحاولة ممارسة الختان على ابنتهما.    

 تروي لنا كيف قررت الهروب في  اللحظة التي   تيقنت فيها انها قادرة على رفض ما يراد ان يفرض عليها من قبل عائلتها المتشددة القروسطية و أن بإمكانها ان تمنح لأطفالها التعليم العقلاني الذي يستحقون. كما تحكي عن ذلك اليوم الذي ظهرت فيه مكشوفة الشعر دون حجاب و كيف رفضت امها رؤيتها مرة أخرى.  تعري ياسمين سذاجة المجتمع الكندي و عنصريته عندما يتنكر لبعض ابنائه و بناته   و يتركهم فريسة لعائلاتهم الاسلاموية المتطرفة تحت يافطة التسامح و الحق في الاختلاف الثقافي. و تدعم اليوم عبر جمعيتها "عقول حرة و قلوب حرة" الفتيات المقهورات اللواتي لا يعرفن اين ولمن يتجهن بعد فرارهن من جحيم الاصولية العائلية. 

تقول انه بعد تدخلها في وسائل الاعلام و صدور كتابها تلقت الكثير من الشهادات من طرف شابات من المملكة المتحدة و فرنسا والمانيا و السويد و كندا يعشن نفس ما عاشته و تنوي تدوين ذلك بالتفصيل في كتابها القادم. أما عن الكيفية التي يمكن عن طريقها تجنيب اطفال الاصوليين في الغرب هذا الظلم المستورد ، فترى أن المنظومة التربوية هي الدرع الواقي لهم عكس المدارس الدينية التي تنمي فيهم الشعور بالخضوع لتطرف اوليائهم و تفصلهم عن بقية المجتمع. 

 لقد عشت في عالم مواز، تقول الكندية الغاضبة، كبرت في كندا و لكن تحت ديكتاتورية الشريعة. تبقى المدرسة العمومية هي المخرج الوحيد إذ هي الفضاء الوحيد الذي تستطيع   فيه الفتاة المضطهدة المحجبة بالقوة خلع الحجاب لأول مرة.  و مع الاسف نقرأ ياسمين تقول ان بعض الاساتذة يحاولون الوقوف في طريق تحررهن قائلين: "ألا تجدين بأن خلع الحجاب هو عدم احترام لوالديك و ثقافتك ؟" و بدل ان يدافع الاساتذة عن البنات و تدعيمهن فهم يدافعون عن البطريركية و المنظومة القمعية التي تربين فيها. 

لقد فرشت النوايا الحسنة الطريق للتطرف الاسلامي و الإخواني على وجه الخصوص في كندا و تكيفت المدارس الكندية مع طلبات الاسلاميين وباتت هي التي تفرض بعض السلوكات على كل التلاميذ احتراما لقيم الأقليات ومؤسساتها.  و دخلت كندا الى نادي البلدان التي تدافع عن فكرة التعددية الثقافية التي  تؤدي حتما إلى خلق مجتمعات صغيرة داخل المجتمع، وقد  تصبح عقبة كأداة أمام أي تقارب بين الشعوب الأصلية والأجانب كما يحدث  في كل من بريطانيا وهولندا وألمانيا وبلجيكا. وفي الوقت الذي أصبحت فيه تلك الدول تعيد النظر في تجربتها المرة مع الإسلاميين المتغوّلين جرّاء تلك السياسة، لا يفعل اليسار الكندي سوى محاولة استنساخها في بلده بكل الوسائل مثل المتابعات القضائية واستعمال حتى العنف اللفظي والجسدي ضد العلمانيين الرافضين للأسلمة.

وفي الحقيقة وصلت الأمور في هذا البلد "المتسامح جدا" إلى مرحلة العبث، إذ طالب أبوان مسلمان من مدير مدرسة تحضيرية في مونتريال، تابعة للقطاع العام، عدم إجبار ابنتهما الاستماع إلى الموسيقى أو الغناء مع زملائها وزميلاتها لأن ذلك حرام في دينها، والغريب أن إدارة المدرسة وافقت على هذا الطلب المنافي لكل الأعراف البيداغوجية ووفّرت للبنت الصغيرة خوذة تضعها على أذنيها كلما صدحت بعض الموسيقى في فضاء المدرسة.   

وهذا ليس مجرّد اجتهاد من إدارة المدرسة وإنما هو توجه سياسي عام في كندا يطلق عليه "التراضي المعقول" أو التوافقية المعقولة وهو تشريع جاء نتيجة لحكم أصدرته المحكمة العليا الكندية سنة 1985 لصالح عامل طالب من صاحب العمل أن يعفيه من العمل يوم السبت لأسباب دينية، ومن هنا ظهر هذا المفهوم الذي يعني رفع التمييز بسبب العاهة أو الدين أو السن أو غير ذلك.  

وقد وجد الأصوليون في هذا الحكم/القانون ضالتهم وبدؤوا يطالبون بحقوق أقل ما يقال عنها أنها متخلفة وصادمة لقيم المجتمع المضيف كما حدث على سبيل المثال سنة 2000 مع ذلك التلميذ ابن الثانية عشرة من طائفة السيخ الذي طالب بحمل الخنجر في المدرسة وما تلاه من صراع قضائي وسياسي بين عائلته المتعصبة ومؤيديها وإدارة المدرسة والذي دام حتى سنة 2006، وانتهى كالعادة بحكم المحكمة العليا لصالح العائلة وحمل الخنجر في القسم، هذا الخنجر الممنوع في المطارات والطائرات والجمعية الوطنية للكيبك وفي كل مقرّات هيئة الأمم المتحدة. ومنذ ذلك الوقت أصبح مسموحا لكل التلاميذ أن يلبسوا ويحملوا في المدارس ما أرادوا احتراما لعقائد أديانهم وإثنياتهم. وكانت سابقة مشجعة سرعان ما ازدادت المطالب على إثرها.وستزداد الى ما لا نهاية..