لبنان ووعيد لودريان

00:12 صباحا
قراءة دقيقتين
افتتاحية الخليج

لا أحد يعرف النتيجة النهائية لجولة وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان على قادة لبنان لحلحلة أزمة تشكيل الحكومة، فالاستنتاجات الأولية توحي بأن الفرقاء حاول كل منهم أن يقدم شيئاً لامتصاص غضب الضيف، الذي جاء متوعداً وحاملاً «رسالة حزم» إلى الجميع، بعدما طالت الأزمة أكثر مما يجب.

فرنسا أصبحت مقتنعة بأن لبنان لم يعد يحتمل لعبة القط والفأر التي يمارسها زعماء البلاد بين بعضهم،  منذ عقود طويلة وتعاظمت بعد انفجار مرفأ بيروت الصيف الماضي واستقالة حكومة حسان دياب. وبسبب التنافر وانعدام الشفافية، لم تنجح المبادرة الفرنسية، التي حملها الرئيس إيمانويل ماكرون والقاضية بتشكيل حكومة اختصاصيين مستقلين، في تذليل العقبات ولم تستطع الإفراج عن الحكومة، بل إن تلك المبادرة نفسها وقعت في أزمة، ولذلك فإن مهمة زيارة لودريان مزدوجة، إنقاذ ماء وجه الدبلوماسية الفرنسية أولاً، ثم محاولة تحريك المياه الراكدة في لبنان. أما آليات تحقيق ذلك فغير مضمونة النتائج، رغم التهديد والوعيد بفرض عقوبات على الأطراف التي تعرقل مساعي تشكيل الحكومة.

أزمة لبنان معقدة ومركبة ومتعددة المستويات والأبعاد. وليس كل ما يظهر على سطحها ينبئ بحقيقة باطنها. وفي الوقت الحالي هناك حالة من عدم الثقة وصلت إلى حد القطيعة بين فريق رئيس الجمهورية ميشال عون وفريق رئيس الحكومة المكلف سعد الحريري، والخلاف محتدم بين الطرفين حول الحقائب الوزارية والصلاحيات و«الثلث المعطل»، ويبدو أن الشقة اتسعت مؤخراً بعد فشل محاولات الصلح بين الحريري ورئيس «التيار الوطني الحر» جبران باسيل، وخرج الصراع بينهما عن حدود اللباقة الدبلوماسية في أكثر من مناسبة، بسبب الخلاف على توزيع السلطة في لبنان، فضلاً عن عوامل إذكاء داخلية وخارجية للفتنة السياسية.

لودريان لا يجهل هذه التفاصيل قبل وصوله إلى بيروت، ولكن ما عساه يفعل بعد أن ينهي جولته على كل الفاعلين، وحتى العقوبات التي لوح بها قد لا تجدي نفعاً في هذه الحالة لأن الأزمة سياسية بامتياز، ولا يمكن أن يكون حلها دائماً إلا بتفاهم الأطراف بواسطة آليات سياسية متعارف عليه في مثل هذه الأوضاع، فقادة لبنان الحاليون ليسوا طارئين، بل هم معمّرون في مناصبهم وكراسيهم منذ عقود طويلة، وبسبب ذلك عليهم أن يعوا أن ما يحصل من تعطيل لتشكيل الحكومة غير مقبول ولا يليق بسمعة البلد، كما لا يليق بأن يأتي لودريان أو غيره مهدداً بمعاقبة هذا أو معانقة ذاك، مكرساً قاعدة التدخل الخارجي، التي جلبت على لبنان الكثير من الويلات والحروب والفساد. ومن يصون سيادة البلد وحرمته هم قادته ومواطنوه، وليس الوافدون الأجانب.

لبنان بحاجة إلى الإنقاذ، وعلى زعمائه أن يتسلحوا بوعي جديد وينفذوا الإصلاحات التي تعهدوا بها للمجتمع الدولي، وإلاّ فإن الأوضاع ستصل إلى درجة لا يمكن معها تدارك أي شيء.. أنقذوا لبنان قبل فوات الأوان.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"