x

مفيد فوزى يحاور د. وفاء كامل عضو المجمع اللغوى: من أسباب محنة اللغة العربية ظاهرة العربيزية!

الخميس 20-06-2019 22:18 | كتب: مفيد فوزي |
مفيد فوزي يحاور وفاء كامل مفيد فوزي يحاور وفاء كامل تصوير : سمير صادق

-١-

هناك فرق!

نعم، فرق جوهرى بين سيد أفندى عبدالله، مدرس اللغة العربية في مدرسة الأمير فاروق الثانوية ببنى سويف، حين كنت تلميذًا في ثالثة خامس، والدكتور عبدالحميد يونس، أستاذ اللغة العربية الكفيف، لطلبة وطالبات سنة أولى قسم إنجليزى بكلية الآداب بجامعة القاهرة!. الفرق في المعاملة، إذ حرمنى سيد أفندى من حضور حصة العربى أسبوعين لأنى «رفعت» المضاف إليه، قال لى يومها «لازم تكسر المضاف إليه.. كسر نفسك»!. منذ ذلك التاريخ كادت تتولد عندى عقدة من الإعراب لولا أنى انتصرت عليها بجهد، في حين كان الدكتور عبدالحميد يونس يحببنا في اللغة حيث يبرز بصورة نقدية جماليات اللغة وتجلياتها شعرًا ونثرًا. أعترف بأن اهتمامى باللغة بذره في نفسى أستاذى د. يونس وكان يقول لنا «المثل الإنجليزى يقول الكلمات أحذية المعانى». كان ينصحنى بالاهتمام بالمعانى والمحتوى وإلا صارت الكلمات حروفًا هائمة!. ولا أنكر أن عقاب سيد أفندى عبدالله نبهنى لأهمية الإعراب، ذلك أنه من القبيح أن أكون مصريًا لا أتقن اللغة. وحين اشتغلت بالصحافة عشقت اللغة أكثر وأصبحت «أنحت» من حروفها كلمات جديدة وكان الإعراب يحكمنى بسلاسة، فقد تربى لدى الحس اللغوى وصرت أتمتع بالصحة اللغوية. جاء الأوان الذي أتساءل فيه: هل نتمتع الآن بالصحة اللغوية؟. الإجابة القاطعة: لا!. د. صلاح فضل يرى أن العربية لغة الثقافة والدين وليست لغة الحياة اليومية، د. أحمد يوسف من كُتاب الأهرام البارزين يرى أن «اللغة العربية في محنة» ويعتقد أن وراء تدهور اللغة «هجمة اللغة العامية»!. لقد كنت على مدى 20 عامًا أتكلم في «حديث المدينة» البرنامج التليفزيونى الأشهر حينئذ بالفصحى المكحلة بالعامية، وقد كنت ألاحظ أخطاء لغوية فادحة في خطب وكلمات مسؤولين، حتى الإعلانات بالعربية تقع في فخ الأخطاء المضحكة، فقد لاحظ د. أحمد يوسف إعلانا عن فيلم «جائنا البيان التالى» وظلت الياء معلقة عليها الهمزة أسابيع طويلة وكأنها أمر عادى لا يلفت النظر ولم يعترض مجمع اللغة العربية على الخطأ الوارد في الإعلان!.

وكان لا بد أن أضع القضية في نصابها السليم، طلبت حوارًا مع عضو مجمع اللغة العربية الأستاذة الدكتورة وفاء كامل، فاستجابت وتقابلنا، قالت لى في التليفون «ليت للمجمع اللغوى مخالب على حد تعبيرك ليحول المقترحات توصيات ملزمة في المدارس والجامعات والصحف وأجهزة الإعلام على وجه الخصوص

-٢-

تعلمت في «أدب الحوار» أن أنصت أكثر مما أتكلم وأن أستخدم مخالبى إذا استدعى الأمر!. مخالبى في الحوار وليس أظافرى. قلت للدكتورة وفاء كامل عضو مجمع اللغة العربية: ما تفسيرك لغياب «الصحة» عن لغة الضاد..؟

قالت بحماس لم يخفف نبرة حزن في صوتها: يبدو- يا أستاذ مفيد- أن هناك خطة ممنهجة لتغييب اللغة العربية! هناك أكثر من عامل تكاتفت على إضعاف اللغة العربية والتقليل من شأنها وأولها الغزو الثقافى اللغوى، فحاولوا أن يرجعوا اللغة العربية للخلف لأنهم يعرفون أن اللغة العربية هي الجامع للشعوب العربية مع الدين. الدين واللغة كانا شيئًا واحدًا في أوروبا فانهارت اللغة وأصبحت كائنة في اللغة اللاتينية في العلوم الدينية، فقط نفس الأسلوب، لأن اللغة إذا قل شأنها سنحرم من التراث العربى على مدى 14 قرنا أو أكثر من أيام الجاهلية.

مازلت أصغى..

د. وفاء كامل: نعم إنها عملية غزو وإبعاد عن التراث، أي عن الجذور وهناك محاولات لتفتيت القوميات.

مازلت أصغى..

د. وفاء كامل: قمت- منذ ثلاثين عامًا- ببحث عن التعريب وتتبعت هذا في مصر ووجدت البعض يكتبون الأسماء التجارية الأجنبية بحروف عربية «السلام شوبنج سنتر» و«فلايج أيجل» وأكثر من هذا لاحظت من خلال دليل تليفونات الأسماء التجارية وحصرت الأجنبى وغير الأجنبى وفوجئت على مستوى العالم العربى أن تونس أرسلت لى دليل الهاتف باللغة الفرنسية ولم ترد المغرب وأتممت بحثى وكانت النتيجة سيئة ولا تسر..! ويدهشك أن اللغة السائدة في لبنان هي الفرنسية أو اللبنانية المطعمة بالفرنسية.

مازلت أصغى..

د. وفاء كامل: فرنسا عملت «قانونًا» يحمى اللغة الفرنسية من دخول اللغات الأجنبية حتى الإنجليزية، وهناك قانون اسمه «قانون حماية اللغة الفرنسية»، هذا يعطيك إشارة لأسباب تدهور اللغة العربية!.

د. وفاء كامل: الدور الأكبر يقع على الإعلام، وأوله التليفزيون، الآن ولنكن صرحاء «الناس معندهاش قدرة كبيرة على القراءة ولا طول بال ومفيش وقت» والبرامج تكتب اللغة الأجنبية بحروف عربية «نايل دراما» و«نايل لايف» و«لايف كليننج»، ليه ما تقولش قناة النيل للدراما، إنه تهميش للغة واستسهال يحتاج إلى قرار بالعودة إلى اللغة وليس التعبير بحروف عربية لكلمة إنجليزية!.

سألت باندفاع لم أتعود عليه: ألا يوجد قانون «حماية اللغة العربية»؟، قالت د. وفاء كامل: معروض على مجلس النواب وجوهره الحرص على اللغة العربية، و«لكن»!.. خذ بالك أن طلبة في الجامعة يكتبونها «لاكن»!.. فضيحة.

-٣-

أسأل د. وفاء كامل: ما ملاحظاتك على الصحافة واللغة؟

إجابة: اللغات الأجنبية صارت عادية، نحن لا نكره اللغات الأجنبية وحريصون عليها، لكن المشكلة أننا نستخدمها بديلًا عن لغتنا الأم!.

أسأل: هل هناك تصحيف للعامية؟

إجابة: في الصحافة يسود تصحيف العامية وأحيانًا عناوين بالعامية وكأن لغتنا فقيرة!.

أسأل: البعض يكتب الكلمات دون تنقيط فوق الحروف.

إجابة: هذا اعتداء على اللغة.

أسأل: فيم تتجلى محنة اللغة؟

إجابة: شباب مصر- أمل الغد- يكتبون على وسائل الميديا بحروف أجنبية وليست عربية، أي ابتعدوا تمامًا عن اللغة العربية الميسرة. الآن يختصرون الجملة العربية العامية بحروف أجنبية، والهمزة كتبوها رقمًا، وشكل بعيد عن اللغة العربية.

مفيد فوزي يحاور وفاء كامل

أصغى للدكتورة وفاء كامل..

- هناك جمعيات تأتى من الخارج وتشجع الشباب على تعلم هذه اللغة المستحدثة التي تساعد على هدم اللغة العربية، مثل تركيا التي تحولت من لغة مكتوبة بحروف عربية إلى حروف أجنبية للابتعاد عن التمسك بالقومية زعمًا أنها لغة تفاهم بين الشباب!.

أصغى للدكتورة وفاء كامل..

- لاحظ المدارس الأجنبية والغزو الثقافى الأجنبى لديهم، هذا الاستسهال للكتابة باللغة الأجنبية، وقد يرسمون بعض الحروف «اللى مش موجودة في اللغة الأجنبية زى الحاء ويعملوا رسمة معينة تعبر عنه». كل هذا يحدث في حياتنا ولا ندرى عمق أخطاره على المدى البعيد!.

أصغى للدكتورة وفاء كامل..

- في وسائل الاتصال أصبحوا يستخدمون اللغة «العربيزية» وهى خليط لا عربى ولا إنجليزى. هو كلام عامى مكتوب بحروف أجنبية. ولا أعفى مدرسى اللغة العربية من المسؤولية والتقصير، لكن من المهم أن نفهم أن المنظومة كلها اختلفت. النهارده المدرس بيقول على قد فلوسهم بنشتغل والمستوى العلمى قل والتلامذة مضطرة إلى الذهاب للسنتر، ومجرد إنه يمد إيده وياخد فلوس، نزل من عين الطالب. وأنا أقول للمدرس ما أنت بتعرف تشرح في السنتر، طيب ليه ما تعملش الكلام ده بضمير في الفصل، لا بد من وقفة عند مدرس اللغة العربية في مدارسنا ووسائل الترغيب في اللغة أو التنفير منها!.

قلت للدكتورة وفاء كامل: زمان كنا بنذاكر على لمبة جاز وأحيانًا على عمود النور وكنا متفوقين ولم نكن نعرف التابلت وأنجبت مصر عباقرة.. ثم....

أكملت د. وفاء عبارتى الناقصة وقالت:

١- التدريس بالتابلت تجربة حديثة في التعليم ربما تفيدنا.

٢- لا أعرف على وجه التحديد موقع اللغة العربية لأنى أثق في علمه والطريقة المثالية للتعلم.

٣- صحيح أن اللغة العربية تحتاج لممارسة وقراءة جهرية.

٤- التابلت صورة من الكمبيوتر وبيجيب الصفحة المطلوبة، إنه مجرد اختراع حديث.

جملة اعتراضية: لكن- يا دكتورة- للكتاب مذاق آخر، وفرّ الصفحات له طعم آخر، والكتاب هو نبع الثقافة ومصدر المعرفة!.

جملة اعتراضية أخرى: هل نودع مكتبة البيت التقليدى؟، إن بين يدى الآيباد وعندى الكتب داخل أرفف مكتبة!.

د. وفاء كامل ترد:

- لا أظن أن التابلت سيلغى الكتب ولكن لو حدث هذا فإنه يوفر الملايين في طبع الكتب على الدولة.

سألت عضو مجمع اللغة العربية: هل تغيرت طريقة تدريس قواعد النحو والصرف في المدارس المصرية؟

إجابة: لم تتغير، فهى واحدة ويتراوح الأمر بين الطريقة المحببة أو المنفرة. وهناك ملاحظة مهمة جديرة بالتسجيل. ففى تدريس أستاذ الجامعة لأحد أقسام اللغة العربية سواء الآداب أو دار العلوم أو الأزهر، يلاحظ أنه يشرح باللغة العامية وهذا يرسخ العامية، فلماذا يتقاعسون عن الشرح باللغة الفصحى؟!، في هذه الحال سيكون الأستاذ قدوة ويتعود الطالب على رنين اللغة، ولعلمك اللغة العربية سمعية، وأيام الكُتّاب كانوا يعرفون اللغة جيدًا. وكانوا يحفظون القرآن من ترديده بصوت عالٍ. مكرم عبيد كان يعرف لغة عربية أفضل من أي أحد، اللغة العربية حس وتذوق وتعود وألفة، ومن هنا لا بد من التعود على سماع اللغة.

سألت د. وفاء كامل عن ملاحظاتها على الشارع المصرى واليفط الأجنبية.

إجابة: ده مش شارع مصرى. ده شارع يوحى بأننا في أي مكان غير مصر، سواء الكلمات العامية الخاطئة، في سوريا عندهم فضيلة التمسك بالقيم وعلى رأس كل شارع اسم الشخصية ومعها موجز عن تاريخه، فيه انتماء.

سألت: د. وفاء كامل: الكتابة على الواتس آب غير المفهومة!

إجابة: التكنولوجيا لم تضرب اللغة ولكن جهلنا وعدم حرصنا.

سألت عن مساحة اللغة العربية في المدارس الأجنبية في مصر.

إجابة: محدودة بكل أسف ولكنها ليست غائبة ولكنها صورية، وأضعف ما في طالب المدرسة الأجنبية لغته العربية!.

-٥-

قلت للدكتورة وفاء كامل: ما سبب محنة اللغة إذا جاز لى أن أقول إنها بالفعل محنة؟.

إجابة: عام ٥٨ كان هناك قانون يفرض أن اللغة العربية هي اللغة المتداولة في المكاتبات على المحال، وإذا اضطر أن يكتب بحروف أجنبية تكون بحروف أصغر من اللغة العربية ولا يكتب الكلمات الأجنبية بحروف عربية، وكانت العقوبة ٢٠٠ جنيه! والقانون مازال ساريًا وطلبنا تفعيل القانون، وقلت في المجالس القومية لا بد من تفعيل القانون وتغليظ العقوبة من خلال حملات أسبوعية «علشان يحسوا إن من مصلحتهم إلغاء الاسم الأجنبى» لأن الأطفال لن يميزوا بين الأجنبى والعربى وخصوصًا أن الطفل يتعلم في المدرسة اللغة الإنجليزية والأقرب لأذنه، أنا أفهم أن المدارس الأجنبية لأجل أولاد موظفى السفارات الأجنبية.

مفيد فوزي يحاور وفاء كامل

مازلت أصغى لعضو المجمع اللغوى..

- تسألني إذا كانت هناك مساحة للغة العربية في المدارس الأجنبية، هناك بالفعل مساحة لأربع مواد هي «اللغة العربية والمواد الاجتماعية والدراسات الإسلامية والتربية القومية»، والوزارة تشترط أن تكون في مستوى المدارس العربية!.

قلت للدكتورة وفاء كامل: على أيامنا كان فيه كراسة الخط العربى وطريقة الكتابة، فهل مازالت سارية؟

قالت: لا أظن!

قلت: إن أولاد وبنات هذا الجيل خطوطهم زى «نبش الفراخ».

قالت: هذا أيضًا مزعج للغاية، أن تكون خطوط أبنائنا في لغة بلادهم كما تصفها!، ولكن- للعلم- فإن ظهور الأجهزة الحديثة «الكمبيوتر واللاب توب» فيها لوحة مفاتيح جعلتهم يستغنون تمامًا عن الكتابة باليد، وأعتقد أن هذا أدى إلى تهميش الكتابة ولهذا صار الخط العربى ليس كما تتمنى.

سألتها: هل تهميش الخط العربى في مصلحة اللغة العربية؟

قالت د. وفاء كامل: المفروض أن كل ده يرجع، «وده مش تعصب إننا عشنا في فترة قديمة، لا، إنما الواحد بيحس إن حاجات كتيرة كانت صح

سألت د. وفاء كامل عضو مجمع اللغة العربية عن «المجمع اللغوى»، صمتت الدكتورة وفاء.

بعد قليل قالت: ما تقلّبش المواجع!

ثم قالت: «إحنا مش متمسكين باللغة في تدريسنا. نعم للتعليم دور شديد في تردى اللغة»، أسلوب التدريس، المناهج، النحو وسلطانه، التقعر في اختيار المادة.

-٦-

وعبر الحوار الطويل مع د. وفاء كامل، عضو مجمع اللغة العربية، أملك أن أضع نقاطًا مهمة عن محنة اللغة العربية في بلد اللغة العربية وآدابها ورجالها وتراثها:

١- مجمع اللغة العربية المنوط برعاية اللغة والعين الحارسة عليها، في غيبوبة، ربما طحن بلا غلة!.

٢- تدريس اللغة العربية يحتاج إلى هزّة والتفاتة مادة ومنهجًا وطريقة تدريس ومدرسًا!.

٣- تنقية الشوارع من اليفط الأجنبية الصريحة ولا مانع من استخدام الحروف الأجنبية بصورة أصغر، فهذه اللفتة لها تأثير على المناخ العام.

٤- السخرية في أجهزة الإعلام، تليفزيون وإذاعة، من الكلام بالفصحى، جعلت اللغة في تجلياتها محل تندر وضحك!.

٥- في المحطات الأجنبية محطة BBC العربية يتحدثون بالعربية وتعطيش الجيم ونحن نستخدم عامية الشارع!.

٦- هجمة اللهجة العامية على وسائل الإعلام همشت اللغة العربية، لغة الضاد، عرضنا.

٧- يجب إلزام المدارس الأجنبية بتدريس اللغة العربية كما ينبغى وليس مجرد سد خانة كما هو حادث!.

٨- حوارات الفن والأدب على الشاشات عندما تكون أقرب إلى لغة الصحف، بتكرار سماعها تقوّى هذا الإغراق الردىء في العامية!.

٩- ضمير كتّاب الدراما يجب أن يحكم لغة الحوار الدائر فلا يتدنى إلى هذا الحد اللافت للنظر!.

١٠- الصحف ليست في حاجة إلى مراجع فقط، بل «مصحح» وإن صار دوره مهمشًا!.

١١- مراعاة التدقيق في خطب وكلمات المسؤولين وما تحوى من أخطاء في الإعراب تذاع في الناس بأخطائها.

١٢- ضرورة عقد مؤتمر تحت رعاية مكتبة الإسكندرية عن اللغة العربية يُدعى له الأطراف المعنية من مجمع اللغة إلى وزارة التربية إلى نقيب الصحفيين إلى منسق العاصمة إلى رئيس الإعلام.

١٣- و.. وليت «جهة أكبر» تولى الاقتراح اهتمامًا، ليرى النور.. وتتعافى اللغة العربية وتبزغ شمسها من جديد.

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية